أسطورة البرجوازية الوطنية والتقدمية (٢)
١) المقولات والمفاهيم الأساسية: الرأسمالية (الجزء الأول)
قلنا، في الجزء الأول بان أسطورة البرجوازية الوطنية والتقدمية، ويوتوبيا الرأسمالية المستقلة وبالتالي ذلك (الاتجاه اليميني والمساوم الذي يستند إليهما) يرتكز على انحرافين سائدين في حركتنا الشيوعية:
أولا: عدم النظر إلى مقولات راس المال والنظام الرأسمالي وفهمها من منظور ماركسي بل من زاوية نظر برجوازية تماما.
ثانيا: استنادا على هذا الأساس يتم استبدال الرؤية اللينينية عن الإمبريالية بوصفها أعلى مراحل الرأسمالية برؤية قومية، تعتبر الإمبريالية سياسة خارجية للقوى العظمى أو تتصورها آلية للنهب والسلب تم تحديدها خارج الحدود.يتضح من ذلك بان علينا، اذا اردنا ان يكون بحثنا شاملا وشافيا، بقدر الامكان، و قبل ان نشرع بتحليل ماهية العلاقات الانتاجية في ايران وتحديد الاساس المادي لحركة الطبقات المختلفة في هذا النظام وقبل ان نبدأ كذلك بتحليل جوهر و محتوى الثورة الراهنة، اقول علينا، توضيح موقفنا وفهمنا من المقولات التي يشكل عدم فهمها الماركسي، اساسا لكل تلك الانحرافات في حركتنا. اذن علينا ايضا ان نبدا من راس المال الراسمالية والامبريالية وان نقوم اولا بتوضيح الخطوط العامة للفهم الماركسي –اللينيني لتلك المقولات. خاصة وان ذلك يمكننا، بتقديري، من كشف العجز و الهشاشة الفكرية لمؤيدي
"البرجوازية الوطنية" او الانتقائية الفكرية لاولئك الذين لا يحددون بشكل صارم الحدود التي تفصلهم عن هذه الطروحات البرجوازية، ان بحث المقولات الاساسية يمكننا ايضا من ان نكشف الى حد بعيد، بان المنظومة الفكرية والادوات التحليلية لهؤلاء لا تربطهما ادنى صلة بالماركسية. ولذلك فان اول سؤال وضعنا على عاتقنا التذكير بالاجابة عليه هو: "ما هو راس المال و ما هي الراسمالية؟" من الواضح بان الاجابة الكاملة والشافية لهذا السؤال موجودة في الآثار الكلاسيكية لماركس وانجلز ولنين وهي متوفرة للحركة الشيوعية الايرانية ليس على عاتقنا تكرارها، ان ما يشكل مهمتنا، على الاخص، هو: اولا ان نتسلح بهذه الانجازات و ثانيا: ان نبين كيف ان تلك الرؤى التحريفية تمكنت من الوقوف على اقدامها فقط من خلال تحريف اسس الماركسية –اللينينية وتجاوزها واخفاءها.
١) الانتاج الراسمالي بوصفه توحيدا لعملية الانتاج وعملية زيادة القيمة (انتاج فائض القيمة)
ما هي الرأسمالية وكيف يتم تميزها عن الانظمة الانتاجية الاخرى؟ يعتبر ماركس بان الانتاج الراسمالي هو اندماج عملية الانتاج وعملية رفع "زيادة"القيمة (انتاج فائض القيمة). للتعّرف على جوهر النظام الراسمالي يجب ان نتمعّن قليلا بما قاله ماركس وان نفكر فيه كثيرا:
يشكل الانتاج الاجتماعي الشرط المسبق لوجود كل مجتمع وبنائه التحتي الاساسي. الجانب المشترك لكل اشكال الانتاج الاجتماعي، طوال تاريخ الانسان، هو عملية العمل الطبيعي "الفيزيائي"العملية التي يؤثر الانسان، من خلالها، عن طريق وسائله، على الطبيعة، يغير شكلها ويستخرج ما يحتاجه منها. "العمل هو قبل أي شيء عملية بين الانسان والطبيعة عملية يتدخل الانسان من خلالها بنشاطه على ألميتابولزم – العلاقة الحيوية بين الطبيعة والانسان – المترجم" الذي بينه وبين الطبيعة، يحسنها ويخضعها لرقابته وسلطته. الجزء الاول ص١٧٣". ان كون عملية العمل جانبا مشتركا لكل اشكال الانتاج الاجتماعي هو الذي يؤدي بالضبط االى اختلافها في الاشكال المحددة لعلاقات الانتاج في كل المراحل المحددة لعملية التاريخ الانساني. بعبارة اخرى ان عملية العمل، هي عملية مشتركة في خضم كل الانظمة الاجتماعية.
"تشترك احدث المراحل الاجتماعية واقدمها، بمقولات محددة لايمكن الانتاج بدونها. كروندريس ص٨٥". ان العناصر الاساسية لعملية العمل وبغض النظر عن العلاقات الانتاجية ودرجة تطور القوى المنتجة في كل مجتمع والتي تشكل اساس الانتاج الاجتماعي هي: ١- العمل ٢- الاشياء او المواد التي يتم اجراء العمل عليها "موضوع العمل" ٣- وسائل العمل. اذن يؤدي نشاط الانسان اثناء العمل، بواسطة وسائل العمل الى احداث تغيرات على موضوع العمل أي نفس ماكان مستهدفا منذ البداية. تصل عملية العمل الى تحقيق هدفها. ينتج العمل اثناء صيرورته "عمليته"القيمة الاستهلاكية: أي انه يتم اجراء بعض التغيرات على شكل المادة الخام لجعلها صالحة لسد حاجات الانسان. المجلد الاول ص١٧٧".
اذا نظرنا الى عملية العمل، من زاوية نتائجها النهائية يتضح بان كل من وسائل العمل و موضوع العمل اجزاء من وسائل الانتاج وبان العمل نفسه هو عمل منتج (نفس المصدر ص ١٧٦).
باختصار فان عملية العمل وانتاج القيمة الاستهلاكية بواسطتها هو الشرط المسبق لوجود الانسان ولكل نظام اجتماعي. قد تتميز هذه العملية، على صعيد ميادين التطور والاشكال العملية، خلال المراحل المتعددة لتكامل المجتمعات التاريخي، بجوانب متعددة ومختلفة ولكن وجود عاملين رئيسين اي العمل ووسائل العمل خلف تلك الاشكال المختلفة هو الشرط الضروري وغير القابل للانكار.
تشكل عملية العمل وصراع قواها الداخلية (اي العمل وادوات العمل) الاساس الطبيعي والمادي لكل نظام انتاجي ويطلق ماركس عليها: "الشروط العامة لكل الاشكال الانتاجية" واستنادا الى ذلك الشرط الرئيسي لوجود كل المجتمعات.
ولكن التعرف على هذه "الشروط العامة"اي فهم ضرورة وجود عملية العمل والمكانة المحورية والرئيسية التي تتميز بها في كل الانظمة الاجتماعية وبكونها في نفس الوقت اهم نقطة مبدأية لفهم قانون حركة المجتمعات لا تكفي اطلاقا لفهم تلك القوانين، ذلك ان طرح المسار التكاملي للتاريخ والديناميكية الداخلية لحركته والتاكيد على ان العلاقات الاجتماعية تتخذ ضمن ذلك المسار التكاملي اشكالا متعددة وان لها في كل مرحلة محددة قانون حركتها المستقل هو احد الانجازات الاساسية للمادية التاريخية.
تحدد الماركسية بعكس الايديولوجيات البرجوازية التي تعتبرعلاقات الانتاج الراسمالية علاقات ابدية، مسالة كون هذه العلاقات خاصية مرحلة تاريخية محددة وتحللها بوصفها علاقات تظهر في اوضاع محددة، تتحرك وتتجه نحو الزوال.
من الواضح ان ليس بمقدور تحليل كهذا ان يقتصر على معرفة "الشروط العامة" فقط. ذلك ان البحث يتعلق بالقوانين المستقلة لحركة المجتمع في مراحل تاريخية محددة وان هذه الشروط العامة للانتاج ليست سوى مقولات مجردة عاجزة عن تحديد اية مرحلة تاريخية واقعية للانتاج "كروندريس ص٨٨ – التاكيد من ماركس". ولذلك "عندما نتحدث عن الانتاج فاننا نقصد دائما الانتاج في مرحلة معينة من التطور الاجتماعي. الانتاج بشكل عام هو تجريد ولكنه طالما تمكن من تحديد الجوانب المشتركة والتاكيد عليها ومنع تكرارها فانه تجريد مناسب ومنطقي. نفس المصدر ص ٨٥". ان ما نريد معرفته هو قوانين حركة الانتاج الراسمالي بوصفه نظاما انتاجيا محددا وبوصفه مرحلة تاريخية خاصة ولذلك فان تحليل الشروط العامة للانتاج "عملية العمل" والتي هي الجانب المشترك للنظام الراسمالي مع الانظمة الاجتماعية الاخرى، لن يفيدنا بشئ بالعكس يجب علينا، تحديدا ان نعمل على معرفة وتحليل تلك العلاقات والروابط الانتاجية التي تميز اسلوب الانتاج الراسمالي عن بقية اساليب الانتاج الاجتماعية الاخرى التي تشترك جميعها في وجود عملية العمل وانتاج القيمة الاستهلاكية. لنرى ما هي المكونات والعلاقات الخاصة بالانتاج الراسمالي؟
علمنا ان تحليل الانتاج (علاقات العمل ووسائله) بحد ذاتها دون اخذ علاقات الانتاج بنظر الاعتبار، يعجز عن الاجابة على سؤالنا مهما دققنا البحث في علاقة العمل بوسائله ولذلك فان محاولة تحليل مقولة (الاستغلال) بذاتها وبشكل معزول تؤدي بنا الى الانحراف.
كما ان عملية العمل هي الشرط المسبق لكل نظام انتاجي، يعتبر وجود فائض الانتاج، وجود كميات تفيض عن الحاجة وعن تعويض ادوات الانتاج، شرطا ضروريا لوجود المجتمعات الطبقية. ان تطور القوى المنتجة في رحم المجتمعات المشاعية البدائية وانتاجها لما يفيض عن الحاجة هو شرط ضروري لظهور الطبقات الاجتماعية ذلك انه دون فائض الانتاج هذا لايمكن لطبقة اجتماعية ان تسيطر على نتاج عمل طبقة اخرى (الاستغلال) ولذلك يعتبر وجود فائض المنتوج احد العوامل الرئيسية التي تميز المجتمعات الطبقية عن المجتمعات المشاعية البدائية هنا ايضا وبالذات بسبب كون ذلك هو الجانب المشترك لكل المجتمعات الطبقية فانهاي" وجود فائض المنتوج - المترجم" يعجز عن تبيان ماهية علاقات الطبقات الاقتصادية والسياسية في المراحل المحددة والمختلفة لتطور المجتمعات التاريخي او ان يميز القوانين الاقتصادية المستقلة لحركتها في كل مرحلة عن المراحل الاخرى.الاستغلال بشكل عام (الاستيلاء على فائض الانتاج العائد للمنتجين من قبل الطبقة السائدة) لايميز الانظمة الطبقية المختلفة عن بعضها. ان الخان المتنفذ الذي يفرض الاتاوات ورجل الدين الذي يفرض الزكاة والفطرة والاقطاعي الذي يستلم النصف والعشرين، برفع العين وضم الشين، والراسمالي الذي يسلب الربح والمرابي الذي يعتاش على الربا، ان كل من هؤلاء يستولي على جزء من ناتج العمل الاجتماعي دون ان يكون لهم اي دور في عملية انتاجه، وعلى نفس المنوال فان العبد الذي يرهق نفسه من اجل سيده و اؤلئك الفلاحين الذين يعملون بالسخرة والعمال الذين يبيعون بشكل حر في السوق قوة عملهم للراسمالي، ان كل هؤلاء رغم كونهم منتجي ثروات المجتمع لاينالون سوى الجزء الادنى من تلك الثروة التي تعتبر في كل مرحلة حصتهم المعترف بها سواء بشكل رسمي او باي شكل اخر. و لذلك فان اختلاف وتمايز المجتمعات الطبقية لايكمن في وجود او عدم وجود الاستغلال والطفيلية بل في تلك العلاقات والقوانين الاقتصادية الخاصة التي تبلورالاستغلال والطفيلية في كل مرحلة ضمن اطار محدد ومستقل. يبين ماركس العامل الرئيسي لاختلاف المجتمعات الطبقية المتعددة فيما بينها باختصار كما يلي: "ان ما يميز التشكيلات الاقتصادية المختلفة للمجتمعات عن بعضها هو الشكل الذي يتم به سلب فائض العمل المذكور عن منتجه الحقيقي، (العامل بالمعنى العام)، المجلد الاول ص٢٠٩" ولذلك فان ما يجعل الراسمالية راسمالية ليس كون هذا النظام نظاما انتاجيا يتمكن فيه الانسان، بمساعدة وسائل الانتاج، من انتاج القيمة الاستهلاكية لان تلك هي سمة كل المجتمعات الانسانية وكذلك لا يمكن تمييز المجتمع الراسمالي بما يجري فيه من نهب لفائض عمل المنتجين العمال، بالمعنى العام و بتدفق فائض الانتاج لجيوب اصحاب وسائل الانتاج، ان كل الانظمة الاجتماعية الطبقية تشترك في هذه الميزة ايضا. ان ما يضفي على الراسمالية جوهرا متميزا وقانونا مستقلا هو شكل خاص بها، يسيطر بموجبه اصحاب ادوات الانتاج على فائض الانتاج الذي يتم انتاجه وان هذا الشكل والاسلوب ليس سوى انتاج فائض القيمة.
النظام الراسمالي هو نظام تسود فيه "علاقة راس المال"اي عملية "انتاج فائض القيمة على الانتاج الاجتماعي وتتحدد عملية العمل الاجتماعية ضمن اطار تطور راس المال (انتاج فائض القيمة). قبل التطرق الى ظروف انتصار راس المال على الانتاج الاجتماعي يجب ان نتمعن قليلا في "علاقة راس المال" اي عملية انتاج فائض القيمة.
ان تحول فائض الانتاج الى فائض القيمة يستلزم قبل اي شئ امتلاك نتائج "عملية الانتاج" للقيمة اضافة الى امتلاكها للقيمة الاستهلاكية، اي ان تكون قد تحولت الى سلعة. استنادا على هذه الرؤية التحليلية وعلى التطور والتكامل التاريخي للمقولات والظواهر والعلاقات الاقتصادية ايضا يمكننا ان نقول بان وجود السلعة يسبق راس المال...[٨]. الانتاج الراسمالي هو الشكل النامي والمتطورللانتاج البضاعي. للانتاج البضاعي، الذي يملك فيه المنتجون المستقلون وسائل عملهم او يقوم "التجار" بمبادلة بضائعهم الخاصة او (مبادلة فائض انتاج غيرهم من المنتجين) في السوق، جذور تاريخية. هذا الاسلوب الانتاجي يتطور، جنبا الى جنب الانظمة الانتاجية الاخرى ويخلق بشكل تدريجي نواة المؤسسات والعلاقات الاقتصادية: النقد، السوق، انفصال المانيفاكتورة عن الزراعة.. لتتحول لاحقا، في النظام الراسمالي الى محاور رئيسية للعلاقات السائدة. يتميز ناتج عملية العمل، منذ بداية الانتاج البضاعي بتملكه للقيمة اضافة الى القيمة الاستهلاكية. البضاعة هي محل تلاقي القيمة الاستهلاكية والقيمة، والانتاج البضاعي هو "محل تلاقي عملية العمل وعملية انتاج القيمة"الا ان هناك دربا طويلا بين الانتاج البضاعي والانتاج الراسمالي سواء على الصعيد التحليلي او على صعيد التكامل التاريخي. يشير ماركس باختصار الى هذا الاختلاف على الصعيد التحليلي كما يلي: اذا نظرنا الى عملية الانتاج بوصفها وحدة عملية العمل وعملية انتاج القيمة فانها نفس عملية انتاج البضاعة الا انه اذا نظرنا اليها بوصفها وحدة عملية العمل وعملية زيادة القيمة "انتاج فائض القيمة" فانها الانتاج الراسمالي او بمعنى اخر الشكل الراسمالي لانتاج البضاعة- المجلد الاول ص ١٩١". ان الحديث هو، في الانتاج البضاعي: عن انتاج القيمة الا انه عن انتاج فائض القيمة خلال الانتاج الراسمالي، فما هو اهمية هذا الفرق؟
١) اليست عملية انتاج فائض القيمة توسعا محددا لنفس عملية انتاج القيمة؟
٢) وبناءا عليه اليس الاختلاف بين الانتاج البضاعي والانتاج الراسمالي سوى اختلافا كميا؟
فيما يتعلق بالسؤال الاول يجب ان نقول بان ذلك صحيح دون شك في النظام الراسمالي...[٩] فعملية انتاج فائض القيمة هي نفس عملية انتاج القيمة التي تم توسيعها الى حدود معينة ولكننا عندما نقارن انتاج القيمة في النظام البضاعي بانتاج فائض القيمة – خاصية النظام الراسمالي- يتبن لنا بانه من اجل تحقيق ذلك، اي انتاج فائض القيمة، يجب توفر ظروف موضوعية غير متوفرة اساسا في نظام الانتاج البضاعي. ان المحور الرئيسي للظروف الموضوعية المذكورة هو تحول قوة العمل الى بضاعة. لكي يبرز فائض الانتاج كفائض القيمة لا يكفي ان يكون نتاج العمل قيمة اضافة الىكونه قيمة استهلاكية بل يجب ان تتحول الشروط العامةللانتاج، اي العمل ووسائل الانتاج ايضا، الى سلعة وتتحول عملية العمل الى عملية مواجهة وعملية تاثر و تاثير بين سلعتين وتكتسب الوسائل الاولية لعملية العمل من خلال ذلك القيمة. ان لوسائل العمل، في الانتاج البضاعي ايضا، قابلية ملحوظة للتحول الى بضاعة ولكن تحول العمل او بشكل ادق
"قوة العمل" الى بضاعة واعادة انتاج هذه القوة بوصفها بضاعة هي بالضبط نفس العملية التي تتطلبها عملية انتاج فائض القيمة التي هي جوهر النظام الراسمالي. من هنا ندرك اهمية تعريف الراسمالية بوصفها: الانتاج البضاعي الواسع، لان الانتاج البضاعي لن يتحول الى انتاج راسمالي الا اذا تحولت قوة العمل الى بضاعة و بذلك يتضح جواب السؤال الثاني ايضا فالاختلاف بين الانتاج البضاعي والانتاج الراسمالي، على الصعيد التحليلي والتفسيري ليس اختلافا كميا على الاطلاق اذا ان الراسمالة ليست فقط نظاما لتوسيع الانتاج البضاعي او لانتاج كمية اكبر من البضائع، ان الحديث هو عن تحول اهم ظاهرة اقتصادية، اي قوة العمل، الى سلعة وعن نظرية فائض القيمة. وكما اشرنا فان هناك، على الصعيد التاريخي، ايضا فاصلا كبيرا بينهما وان سبب ذلك واضح تماما، ذلك ان تغير الانتاج البضاعي الى الانتاج الراسمالي مرهون بتلك التحولات الاجتماعية التي تخلق الارضية المناسبة لتحول قوة العمل وتحولها فعلا الى بضاعة.
ان تاريخ ظهور راس المال هو تاريخ ظهور العمل الماجور في خضم العلاقات الاقطاعية الباعثة على الذل، تاريخ نزع ملكية المنتجين المباشرة وانفصال الفلاحين عن الارض، انه نفس التاريخ الذي يصفه ماركس بانه "مدون في تاريخ البشرية باحرف من الحديد والدم" (المجلد الاول ص٦٦٩)
تشكل المواجهة بين العمل الماجور وراس المال وانتاج فائض القيمة على اساس ذلك جوهر علاقة راس المال. مع تحول قوة العمل الى سلعة على نطاق واسع في المجتمع تسود علاقة راس المال على الانتاج الاجتماعي وعندما يسود راس المال على الانتاج الاجتماعي تتخذ القوانين الاقتصادية لحركة المجتمع طابعا راسماليا تاما.
بعد ان كانت مقولات وعلاقات: عملية الانتاج: البضاعة، النقد، السوق... الخ تشكل على الصعيد التحليلي والتاريخي شروطا مسبقة وارضية لبروز راس المال والانتاج الراسمالي صارت ترتكز منذ الان فصاعدا على راس المال، تتجسد وتترسخ استنادا الى قوانين حركة راس المال "بل ان المقولات الاقتصادية التي كانت منسجمة ومتناسبة مع الاشكال الاقتصادية السابقة صارت تتخذ في سياق الانتاج الراسمالي خصائص تاريخية جديدة وخاصة" (النتائج ص ٩٥٠).
يضع راس المال بصماته على كل عملية العمل وتتجسد علاقة الانسان بوسائل الانتاج في "العلاقة بين المادة التي اشتراها الراسمالي، تلك الاشياء التي تعود الى الراسمالي" وتتحول عملية العمل التي هي الشرط المسبق لوجود وبقاء المجتمع الانساني الى مجرد عامل ضروري للانتاج واعادة انتاج وتراكم راس المال حيث تنظم عملية العمل، هذه المرة، توسعها وتطورها وكيفيتها استنادا الى حاجات حركة راس المال. هنا يتحول حاصل انتاج عملية العمل اي القيمة الاستهلاكية التي تؤمن حاجةاجتماعية بسبب كونها حاملة طبيعية للقيمة ليس للقيمة فقط بل لفائض القيمة ايضا اقول تتحول الى شئ مهم ويتم انتاجها".
"دون شك القيمة الاستهلاكية ليست هدف الانتاج البضاعي لان الراسمالي ينتج القيمة الاستهلاكية بالقدر الذي تكون فيه الحاملة المادية لقيمة التبادل. ان لصاحبنا الراسمالي هدفين: انه اولا ينوي انتاج تلك القيمة الاستهلاكية التي تحمل قيمة تبادلية بمعنى انتاج شئ للبيع اي ان تكون سلعة ثانيا انه يبتغي ان ينتج سلعة تكون قيمتها اكبر من قيمة كل المواد الخام التي تمت الاستفادة منها وتم استهلاكها: الوسائل الانتاجية وقوة العمل التي اشتراها بامواله من السوق الحرة. ان هدف الراسمالي هو ليس فقط انتاج القيمة الاستهلاكية بل انتاج السلعة. ليس فقط انتاج القيمة الاستهلاكية بل انتاج القيمة وليس القيمة ايضا بل كذلك فائض القيمة" (المجلد الاول ص ١٨١). وبهذا تتخذ عملية العمل، على صعيد الهدف "تحقيق الربح" و على صعيد الشروط "تحول وسائل الانتاج الى سلعة" و على صعيد قوانين التطور "قوانين تراكم راس المال" خصائص راسمالية تامة.
يضفي الانتاج الراسمالي "حتى على المقولات الاقتصادية التي كانت تناسب النظام السابق محتوى جديدا: تقسيم العمل، السلعة، السوق، النقد وايضا التجارة التي كانت اساس ظهور النظام الراسمالي لم تنجو من هذه الصيرورة الداخلية. البضاعة التي كانت في هامش الانظمة ما قبل الراسمالية وكانت نتيجة وظاهرة لتبادل انتاج المنتجين المستقلين او انها كانت فائض انتاج الانظمة المذكورة، تتحول في نظام الانتاج الراسمالي الى الشكل الرئيسي والاساسي لكل نتائج العمل الاجتماعي. ان خاصية"العصر الراسمالي هي ان قوة العمل التي يمتلكها العامل تتجسد امامه بشكلها السلعي والنتيجة هي ان كل ناتج العمل يتحول الى سلعة" (المجلد الاول ص١٦٧).
لكي تتخذ كل نتائج عملية العمل الشكل السلعي، يجب ان يفرض راس المال شكله الخاص لتقسيم العمل على الانتاج. لكي تتحول السلعة الى الشكل الاساسي للانتاج ويتحول الانفصال بالتالي عن الناتج الى الاسلوب الضروري للتملك المرافق له، يجب توفير تقسيم اجتماعي متطور للعمل وفي نفس الوقت ولنفس هذا السبب بالذات، اي استنادا الى الانتاج الراسمالي وما يؤدي الى تقسيم العمل الراسمالي في المصانع يتخذ كل الناتج الشكل السلعي ويتحول كل المنتجين بالضرورة الى منتجي سلع، عليه فان ظهور الراسمالة لوحدها يؤدي الى تحويل القيمة التبادلية الى الوسيلة العالميةوالعامة للقيمة الاستهلاكية" (النتائج ص٩٥١ - التاكيدات من ماركس).
وبذلك فان تحول قوة العمل الى سلعة يؤدي بالضرورة الى تحول الانتاج البضاعي الى انتاج راسمالي وهذا بدوره يؤدي الى ان يستند الانتاج السلعي في كل جوانبه الى اساس متمايز تماما عن الانتاج البضاعي البسيط وان يرتكز على قوانين وخصائص محددة به.
"تتميز النقاط الثلاثة التالية باهمية بالغة:
١) الانتاج الراسمالي هو اول نظام يحول البضاعة الى الشكل العام لكل المنتوجات.
٢) حينما يتوقف ذات العامل عن كونه جزءا من الشروط العامة للانتاج، اي باختصار حينماتتحول قوة العمل بشكل عام الى سلعة فان انتاج البضاعة تتحول بالضرورة الى انتاج راسمالي.
٣) يقضي الانتاج الراسمالي على اساس الانتاج البضاعي بوصفه نمطا يحتاج الى الانتاج الفردي والمستقل والى التبادل البضاعي بين منتجي البضائع المباشرين اي تبادل المعادلات ويؤدي كذلك الى تعميم التبادل الصوري بين راس المال وقوة العمل" (النتائج ص٩٥١).
باختصار ان تحديد النظام الراسمالي يتم على اساسين: عام وخاص، على الصعيد العام: الراسمالية هي اولا نظام انتاجي يتضمن ككل الانظمة الاجتماعية الاخرى على عملية العمل الاجتماعية وانتاج القيمة الاستهلاكية وهي ثانيا نظام طبقي تماما كالانظمة الطبقية الاخرى يتم فيه انتاج فائض عن حاجة انتاج الشروط العامة للعمل "العمل ووسائل العمل" ويتم مصادرة هذا الفائض من قبل طبقة اخرى لاتنتجه بشكل مباشر.ثالثا ان الراسمالية نظام سلعي، بمعنى ان لناتج عملية العمل اضافة الى القيمة الاستهلاكيةعنصر القيمة و قيمة التبادل ايضا. وعلى هذا الصعيد ايضا ليست الراسمالية نظاما منفردا ذلك ان وجود القيمة والقيمة التبادلية هما ايضا ناتج النظام البضاعي. ان العنصر المتميز والجوهر الخاص للنظام الراسمالي هو انتاج فائض القيمة. التي تظهر على اساس تحول قوة العمل الى سلعة والمواجهة بين العمل الماجور وراس المال. "هنا فان العملية المستمرة للانتاج هي دائما الوحدة غير القابلة للانفصام بين عملية العمل و عملية زيادة لقيمة ، تماما كما تتكون السلعة من وحدة القيمة الاستهلاكية و القيمة التبادلية" (النتائج ص٩٥٢ خطوط التاكيد من ماركس). ولذلك فان الانتاج الراسمالي هو نظام لتحويل قوة العمل الى سلعة وللانتاج المستمر لهذه السلعة، لتحويل عملية العمل الى حلقة من سلسلة اعادة انتاج راس المال وفاض الانتاج على شكل فائض القيمة ولاخضاعها لسيطرة الطبقة المستغلة الرئيسية في المجتمع اي الطبقة الراسمالية.
انتاج فائض القيمة على اساس استغلال العمل الماجور هو اساس وجوهر كل الانظمة الراسمالية سواء في دول المتروبول او في البلدان الخاضعة. رب قائل يقول بان ليس هناك حاجة لهذا البحث المفصل عن هذه الاطروحة الاساسية المعروفة في الماركسية.ولكن اذا اعدنا النظر في التصورات السائدة على مسالة "التبعية" اي نوع الراسمالية في البلدان الخاضعةالتي اشرنا اليها في الجزء الاول من هذا الكراس، يظهر لنا بان تكرار هذا الحكم واعادة التاكيد عليه هو امر ضروري، ذلك ان اول ما يتم تجاهله في تلك النظرات هو هذه الاحكام بالضبط.
اشرنا في الجزء الاول الى ان التعابير السائدة تشير الى التبعية على اساس اشكالها المحددة في ايران اليوم. بعبارة ادق تحدد تلك الرؤى تبعية الراسمالية في ايران من خلال الاشارة الى مشاهدات معينة كالتبعية التكنولوجية، التبعية لوسائل الانتاج الاجنبية، التبعية المالية (التبعية للمصادر المالية الغربية والاجنبية وتبعية السوق، التبعية للاسواق الاجنية). ولذلك يتم تعريف نظام الانتاج كذلك على اساس كون الراسماليين التابعين "يسيطرون على الاقتصاد والسياسة وان اتجاه حركة النظام، وفقا للرؤية المذكورة، هو نحو التبعية المتزايدة ونهب الثروات القومية وعدم توازن تقسيم العمل الاجتماعي، عدم انتاج السلع "الضرورية" و استيراد وانتاج السلع الرديئة والكمالية وفقدان الصناعات الام، الاساسية، بشكل عام او توقف التصنيع، اندثار الزراعة، باختصار فقدان الاكتفاء الذاتي والية الاستقلال. ويتم بناءا على ذلك "اكتشاف البرجوازية الوطنية بكونها الفئة من البرجوازية التي ترتبط باقل ما يمكن بالخارج على الصعيد النقدي والتنكولوجي وعلى صعيد الاسواق واذا لم تمانع الامبريالية المتعجرفة فانها اي البرجوازية الوطنية تحول ايران الى بلد عامر، مستقل، متوازن، مكتفي ذاتيا ومليئ بالسلع والمنتجات المفيدة".
وكما نرى فان المسالة التي لا يتم التطرق اليها هي، بالضبط، مسالة تبعية العلاقة التي يتم في سياقها انتاج فائض القيمة(العلاقة الثناية بين العمل الماجور وراس المال) بتاثيرراس المال الاحتكاري.كنا مقتنعين بان انتاج فائض القيمة هو بالضبط جوهر النظام الراسمالي ولكننا نتناساه عندما نقوم بتحليل تبعية النظام الراسمالي الايراني وترانا نتحدث عن هذه التبعية بشكل مختلف عن هذا المحتوى و كاننا تخلينا متعمدين عن كون ايران بلدا راسماليا، نتحدث عن تبعية العمل"التبعية التكنولوجية" وعن الحركة الجغرافية لفائض المنتوج "نهب الثروات القومية"، نتحدث عن تبعية الانتاج السلعي وعن القيمة الاستهلاكية "مسالة انتاج واستيراد السلع الرديئة والفاسدة" ولكننا نسكت عن عملية انتاج فائض القيمة. ولذلك يجب التاكيد علىاننا لو تجاهلنا تحليل النقطة الاخيرة فان ذلك يعني باننا لم نتطرق اصلا الى مسالة تبعية الراسمالية في ايران.
ولذلك اذا اردنا التحدث عن تبعية راس المال، يجب ان نحلل هذه التبعية بشكل محدد و واضح على اساس تبعية علاقة راس المال "اي الصراع بين العمل الماجور وراس المال او علاقة الاستغلال وانتاج فائض القيمة" بالامبريالية. بعبارة اخرى يجب تبيان كيفية تبعية انتاج فائض القيمة في ايران للامبريالية وبعد التعرف على محتوى هذه التبعية، بالضبط بعد معرفة ذلك، يجب ان نسال انفسنا كيف يقوم جوهر الراسمالية هذا بتوضيح تكوين الاشكال الاقتصادية المحددة المحيطة بنا" (الاسطورة الكراس الاول - ص٣٦).
قد يواجه موقفنا هذا، منذ البداية، بانتقادين رئيسين: الاول، قد يقال بان جوهر واساس التبعية لا يمكن ان يختلف عن الاشكال المحددة التي تبرز فيها ولذلك فان القيام بتحليل شامل للاشكال المحددة لتبعية الراسمالية الايرانية هو بذاته توضيح لجوهر واساس تبعية الراسمالية.
بعبارة اخرى، لما كانت تبعية العلاقة التي يتم فيها انتاج فائض القيمة في سياقها تبرز بالضرورة من خلال اشكال محددة للتبعية مثل التبعية النقدية، التكنولوجية، تبعية السوق والشكل المحدد لتقسيم العمل الاجتماعي في السوق الداخلية فان معرفة تلك الاشكال تؤدي الى التعرف على جوهر العلاقة المذكورة (فهم تجريبي لقانون ديالكتيكي). صحيح ان المحتوى الداخلي لعلاقة انتاجية، مثلا انتاج فائض القيمة، تعبر عن نفسها بالضرورة من خلال مجموعة من الاشكال المحددة وان ليس بامكانها التعبير عن نفسها الا من خلال تلك الاشكال ولكن ذلك لايعني مطلقا ان ليس هناك وسيلة اخرى للتعرف على محتوى علاقة انتاجية محددة وتعريفها، سوى اللجوءالى جمع تلك الاشكال المحددة التي تبرز من خلالها.
وتدحض نظرية ماركس هذا الاسلوب بشكل رائع. يتم تحديد السعر عن طريق القيمة وتقوم القيمة بتجسيد شكلها والتعبير عن نفسها بالضرورة في السعر ولكن لايمكن تبيان وجود السلعة وتبادلها عن طريق معرفة وتحليل السعراو معرفة حركة الاسعار بل يجب شرح القيمة استنادا الى مقولة العمل المجرد والضروري اجتماعيا.
ان النتيجة السياسية للتجريبية ليست سوى الذيلية والعجز وفقدان القدرة على التحليل والتنبوء.ذلك ان القانون الداخلي لحركة اية ظاهرة يتجسد في تحولها من شكل محدد الى اخر. ولذلك فان من يحاول معرفة العلاقات الاجتماعية من خلال اشكال تجسمها فانه سيتعرض، لامحالة الى الارتباك عند حدوث كل تغير في العلاقات المذكورة، سيرتاب من تصوراته السابقة وتصيبه حالة من العجز والانتظار عسى ان توضح له الاشكال المحددة الجديدة "حقائق جديدة". مثلا اذا ساوى احد ما بين الراسمالية التابعة وفقدان الصناعات الثقيلة (هذا التصور سائد على الحركة الشيوعية) واذا بدات الامبريالية، استنادا الى مصالحها حملة تصنيع في هذه البلدان فان صاحبنا سيتجه على الصعيد النظري وفي الميدان السياسي نحو التهليل للعملاء الوطنيين لحملة التصنيع هذه وبتعريفهم و تاييدهم بوصفهم قوى "وطنية ومستقلة". او اذا ساوى صاحبنا بين التبعية و "نهب"المصادر المعدنية و "الثروات القومية" باسعار تافهة فانه سيقف حائرا مذهولا امام التصريحات التافهة للشاه العميل حول اسعار النفط وارتفاعها (او لم يتحول الشاه الى معاد للاميريالية!). وعندما يحتار في امر نظرياته وتكتيكاته تتهيا له، دونما ضجيج، المجال لنظرية العوالم الثلاثة او انه يتوجه اليها فعلا. دون معرفة اساس وجوهر واقع ما لايمكن تبيان اشكال بروزه والاهم من ذلك لايمكن معرفة مستلزمات وكيفية تغيره من شكل الى اخر.ان من يحاول تجنب تسرب المياه من سقف منزله يعمل على ازالة الثلوج عنها.ان هذا يثبت صحة التعامل الديالكتيكي تجاه الاشكال المحددة لظاهرة ما.
نستخلص مما سبق بان الملاحظة الانتقادية الاولى التي من المحتمل ان تبرز ضدنا والتي تشكل جزءا حيويا من التركيبة النظرية للمواقف المطروحة تجاه مسالة التبعية هي تصورات تجريبية تمهد من خلال هشاشتها، عجزها وتخلفها السبيل امام كل الاراء والتصورات التحريفية والسياسات المساومة وتعمل بالتالي على خدمتها.
ولكن على صعيد الانتقاد الثاني: قد يبرز من يطرح استخلاصه النهائي منذ البداية ويقول بان التبعية هي علاقة ترتبط من الاساس بشكل علاقة الراسمالية في ايران وليست لها ادنى علاقة بانتاج فائض القيمة والعداء بين العمل الماجور وراس المال في السوق الداخلية الايرانية. بعبارة اوضح التبعية هي ما نراها اليوم وليس سواها: التبعية التكنولوجية والمالية والسوق...الخ و "اننا" نستهدف في هذه "المرحلة طبعا"القضاء على هذه العلاقات وان ذلك ليس بحاجة الى تغير العلاقة بين العمل وراس المال اضافة الى ان تحقيق ذلك لن يؤثر على العلاقة المذكورة.
لو حاولنا التعبير، باختصار عن هذه الصيغة السائدة في ايامنا الراهنة لقلنا:
ان النضال ضد التبعية وضد الامبريالية بالتالي هو نضال يرتكز على العداء بين الشعب والامبريالية وليس بين العمل وراس المال.
اذا كنا اشرنا فيما يتعلق بالانتقاد الاول الى ميل نحو التحريفية والمساومة، فان الامر يتحول هنا الى بروز التحريفية السافرة بخصائصها المتميزة. يصور هذا الاتجاه الافاق المستقبلية للثورة الايرانية بالشكل التالي: "انتصار الثورة الراهنة يرتبط بالقضاء على علاقات التبعية واستنادا على تحقيق هذا الانتصار تبدا الراسمالية الوطنية حركتها نحو تطوير قوى الانتاج والبلد بشكل عام، لان الامبريالية تمنع هذا التطور حسب الادعاء المذكور، وتتحول ايران الى بلد عامرو... وبعدها ياتي دور حل معضلة العداء بين العمل وراس المال". لو وضعنا عمامة على راس هذا الموقف، لتوصلنا مباشرة الى الموقف المعروف بان: "الامبريالية (امريكا) هي الشيطان الاكبر "بلباس البرجوازية" وان مهمتنا بالتالي هي تاسيس ملكية البرجوازية "المشروعة و المشروطة" لوسائل الانتاج وخلق الارضية المناسبة للاستغلال المشروع والمشروط "للطبقة العاملة! نقضي على الامبريالية ونبق على الراسمالية!؟. نعم ترتبط الراسمالية الوطنية و المستقلة بالضرورة بالتصور الميكانيكي و البرجوازي لمسالة التبعية، انها ليست يوتوبيا اشتراكية بل يوتوبيا راسمالية، طفولية ورومانسية تابعة للعائلة البرجوازية المتعددة الافخاذ. انها يوتوبيا لان تحقيقيها، في عصر الامبريالية، اي في اعلى مراحل الراسمالية تفتقر الى اي اساس مادي. وراسمالية لانها اضافة الى كونها تافهة اقتصاديا فانها،على الصعيدالنظري والعملي تؤيد الافكار والشعارات والتوجيهات السياسية للبورجوازية الليبرالية ومن لف لفها وتعمل على اعادة تعبئة جماهير الكادحين تحت راية البورجوازية من اجل خدمتها. ليست نظرية العوالم الثلاثة وطريق التطور اللاراسمالي، في الواقع، سوى هذه الراسماية الطوباوية المغلفة بعبارات شبه اشتراكية ولذلك فانها تشكل خلال الثورة الراهنة في ايران اداة مؤثرة في متناول البرجوازية، حيث تلجا هذه الافكار الخيانية الى استغلال التعاطف القوي للطبقة العاملة مع المعسكر الاشتراكي والادعاءات الكاذبة لبعض فئات البرجوازية الايرانية، هذه الادعاءات التي لاتؤمن بها حتى الفئات المذكورة بل انها تستخدمها مجرد وسيلة سياسية-ايديولوجية من اجل جر ثورتنا نحو مستنقع المساومات، انها تلجا الى استغلال تلك المسائل واضفاء طابع اشتراكي عليها وسوقها الى الحركةالعمالية. ان الدفاع عن مقولة "البرجوازية الوطنية والمستقلة" في ظروف اثبتت فيها البرجوازية نفسها بالف طريقة وطريقة، بطلانها وتفاهتها لن تؤدي الا الى جر الحركة العمالية والشيوعية نحو المسالخ والمذابح الجماعية.
من هنا فان العمل على القيام بتحليل عميق للراسمالية التابعة في ايران، يعني العمل على معرفة تبعية عملية انتاج فائض القيمة ومستلزماتها في هذا النظام او حسب التعبير السائد(تحليل العلاقة العدائية بين العمل وراس المال) يشكل، حسب راينا، محور ومحتوى الثورة الراهنة، الحدود الفاصلة بين قوى الثورة وقوى الثورة المضادة، ركيزة السياسات البروليتارية المستقلة ودحض النظرات التحريفية.
لو اتفقنا على انه من اجل تحليل الراسمالية الايرانية وتحليل تبعيتها يجب ان نبدا من العلاقة الثنائية بين العمل وراس المال على صعيد انتاج فائض القيمة، فان سؤالا اساسيا يطرح نفسه، تحدد الاجابة عليه اطار الفقرات المتبقية من هذا الكراس والكراسين التاليين.السؤال الاساسي هو: اذا كان علينا ان نبدا من جوهر علاقة "راس المال" في النظام الانتاجي الايراني لننتقل بعدها الى توضيح الاشكال المحددة التي تتجسد فيها، فما هي المفاهيم، المقولات والعلاقات الاقتصادية التي يجب ان نستعين بها كادوات نظرية؟ لتحديد تلك الاداة النظرية يجب ان نعود الى النقطة التي توقف بحثنا عنده:
قلنا بانه اذا اردنا معرفة الالية والقوانين الخاصة بالنظام الراسمالي يجب تحليل عملية انتاج فائض القيمة، وهذا هو مايقوم به ماركس تماما في كتاب راس المال. يبدا ماركس بالمشاهدة التالية: "البضاعة هي الشكل الاولي والعنصر المكون للثروة في المجتمع البرجوازي. راس المال- المقطع الاول".
الازدواج الداخلي للبضاعة (القيمة الاستهلاكية والقيمة التبادلية) تكشف واقع كون البضاعة هي حاصل عملية العمل، من جهة(القيمة الاستهلاكية)وهي من جهة اخرى وفي نفس الوقت نتيجة لعملية انتاج القيمة(القيمة التبادلية). ولكن كما قلنا فان انتاج البضاعة يختلف عن الانتاج الراسمالي ذلك ان هذا الاخير يستلزم ليس انتاج القيمة فحسب بل انتاج فائض القيمة ايضا. لذلك يتجاوز ماركس البضاعة ويطرح هذا السؤال الاساسي:كيف يؤدي الانتاج والتبادل المتساوي للسلع الى توسع القيمة(انتاج فائض القيمة) في النظام الراسمالي؟ من اجل توضيح هذه المسالة، يبدا ماركس من الشكل العام للتغير المحدد لراس المال. فراس المال يتجلى باعم اشكاله خلال مسار حركته كالتالي: "نقد ← سلعة ← نقد" (M → C → M').
يتضح توسع القيمة في هذه الصيغة بكون النقد النهائي او النقد في الحالة الثانية اكبر من النقد الاولى او النقد في الحالة الاولى. بعبارة اخرى تكون الصيغة العامة لراس المال كالتالي:
النقد النهائي اكبر من النقد الاولي
M' > M
|
النقد النهائي → سلعة → النقد الاولي
M → C → M'
|
ولكن هذه الصيغة العامة لا تبين لنا كيف يتم انتاج فائض القيمة،اي واقع كون النقد النهائي (M') اكبر من النقد الاولي (M). يلخص ماركس المشكلة بهذه الصورة:
"يجب الكشف عن تحول النقد الى راسمال على اساس القوانين الكامنة لتبادل البضائع، اي يجب ان يشكل تبادل المعادلات نقطة الانطلاق لنا. فصاحبنا مالك النقد، الذي ليس سوى يرقة الراسمالي يجب عليه ان يشتري البضائع بقيمها وان يبيعها بقيمها وان يحصل مع ذلك في نهاية هذه العملية على قيمة اكبر مما وظفه فيها. وان تحوله الى فراشة، الى راسمالي حقيقي، ينبغي ان يحدث في مجال التداول وخارج مجال التداول في الوقت ذاته، تلك هي شروط القضية. راس المال، المجلد الاول - ص١٦٣".
(نقلا عن النسخة العربية من راس المال- ترجمة دار التقدم ص٢٤١-٢٤٢ المترجم).
لو دققنا في الصيغة السابقة لتبين لنا ذلك التناقض بوضوح. فالصيغة (M-C-M') تتكون من حلقتين:
(شراء: M-C)، و (بيع: C-M') . وان راس المال الذي يجب تحديده
على اساس تبادل البضائع قد ظهر في كلا حلقتي التبادل[١٠]. و لذلك فان منشا فائض القيمة ليس معلوما
في المعادلة. ان التحليل المنطقي يسير بنا نحوميدان الانتاج. (راجع المجلد الاول، القسم الثاني، الفصل ٦). و لكن الصيغة السابقة لن تزودنا
بفكرة ما عن عملية الانتاج. يجب ان تتحقق معادلة الانتاج خلال حلقتا الانتاج الا ان الصيغة السابقة تلخص كل تلك العملية في المقطع C.
اذا اردنا عرض عملية الانتاج (عملية العمل) في الصيغة السابقة بشكل ادق فانها تكون على الصيغة التالية:[١١]
(١)
بعبارة اخرى تنقسم البضائع التي يشتريهاالراسمالي الى قسمين: وسائل الانتاج وقوة العمل. يتم دمج كل من قوة العمل و وسائل الانتاج و
يكون الناتج بضاعة ثالثة (C') ويتم بيعها في السوق ليحصل على النقد النهائ (M')
اذا نظرنا الى هذه الصيغة التفصيلية من زاوية تبادل المتعادلات في الحلقات المختلفة ندرك بانها لاتختلف عن الحلقة السابقة. ففي الصيغة
(M-C) يقوم الراسمالي بشراء بعض البضائع باقيامها. وردت عملية التبادل هنا في هذه الصيغة بشكل ادق: في الواقع يقوم
الراسمالي في حلقة الشراء بانجاز عمليتي بيع. فهو يشتري وسائل الانتاج (M-MP) و قوة العمل (M-L).
في عملية التبادل الاولى، من المفروض ان يتم دفع اقيام متساوية لوسائل الانتاج الى اصحابها و كذلك لو افترضنا اوضاع طبيعية لحركة
راس المال(غير متازمة) فان قيمة قوة العمل قد تم دفعها الى صاحبها(اي الى العامل)[١٢]. يتم بيع البضائع
المنتجة في حلقة البيع (C'-M') كما هو الحال في الصيغة السابقة. من اجل معرفة اسباب وكيفية زيادة
القيمة (انتاج فائض القيمة) يجب ان ندقق، دون شك، في مرحلة P اي عملية العمل. و لكننا نصادف في هذه الصيغة ايضا (الى حد
تعلق الامر بتبيان وتوضيح مصدر فائض القيمة) نواقص رئيسية. فهي رغم كونها تزودونا بصورة اوضح عن عملية العمل، مقارنة بالصيغة
العامة (M-C-M') الا انها تبقى في المرحلة التي تكشف فيها عن التغير الخارجي لراس المال اي تحول
راس المال من شكله النقدي الى شكله المنتج، و بعد ذلك الى شكله السلعي و مرة اخرى الى نقد، انها تنحصر في هذا الاطار. ان هذه الصيغة
مجردة بقدر الصيغة (M-C-M'). تكشف الصيغة التفصيلية الثانية مكانة عملية العمل في دوران راس المال و اعادة
انتاجه ولكن في شكلها المادي و الطبيعي فقط، اي فقط قي المستوى الذي اشرنا اليه في مدخل هذا القسم. تقتصرعملية العمل على كونها
تكشف في هذه الصيغة كيف ان العمال يقومون، من خلال الاستفادة من وسائل الانتاج و مواد العمل، بانتاج بعض البضائع الاخرى ولن
تقترب في كل الاحوال من توضيح مسالة كون قيمة السلع المنتجة اكبر من قيمة السلع التي استخدمت في انتاجها. هنا يتم عرض عملية
العمل بمعناها العام، اي بمعنى كونها عملية مشتركة في كل الانظمة الاجتماعية، و بمعنى كونها عملية يتم انتاج القيمة الاستهلاكية في
سياقها. ولكننا اذا اردنا توضيح كيفية زيادة القيمة (انتاج فائض القيمة) يجب، كما اشرنا سابقا ان نقوم بتحليل عملية العمل من زاوية
انتاج القيمة وليس من زاوية انتاج القيمة الاستهلاكية. ان الخاصية المميزة لعملية العمل في النظام الراسمالي هي امكانية تبيان
"الشروط العامة للانتاج" (العمل ووسائل العمل) من خلال مفهوم القيمة. ولذلك اذا اردنا تبيان الكيفية التي يتم فيها انتاج فائض القيمة،
يتوجب علينا ان نبحث بدقة عن صيغة او علاقة تكشف العلاقة الثنائية بين العمل و وسائل العمل ليس بوصفها علاقة بين اشياء مختلفة
بكيفيات مختلفة بل بوصفها كميات مختلفة في شئ واحد (القيمة).
يتضح مما سبق لماذا لم يقيد ماركس نفسه باطار الصيغة السابقة، في سياق توضيحه جوهر ومحتوى راس المال(ازدياد القيمة) ومسار واسلوب دوران راس المال.(سنبين لاحقا كيف ان المفاهيم التحريفية المرتبطة بمسالة التبعية تنطلق من نفس هذا الادراك الصوري لراس المال وللمفاهيم والمقولات المتعلقة بمساره ودورانه). يعرض ماركس، من اجل توضيح كيفية انتاج فائض القيمة وتحول النقد الى راس مال صيغة اخرى تكشف باختصار الخطوط الرئيسية لنظرية الاستغلال واراء ماركس الاساسية حول قوانين حركة الاقتصاد الراسمالي والتناقضات الداخلية لمسار تراكم راس المال. تحلل هذه الصيغة راس المال ليس بالاستناد على الاشكال المتعددة التي يتخذها ضمن مسار دورانه وحركته الخارجية "نقد، بضاعة، وسائل الانتاج" بل استنادا الى انقسامه وتجزئته الداخلية حيث ينشطر الى جزئين "الراسمال الثابت" و "الراسمال المتغير". صار ماركس، بعد اكتشافه الخاصية المزدوجة لقوة العمل "بوصفها سلعة"، يبين بان الجزء المتغير من راس المال، اي الجزء الذي يتم صرفه لشراء قوة العمل، يزداد ويتطور. ان قوة العمل هي البضاعة الوحيدة التي تنتج، باستهلاكها، قيمة جديدة. تضيف وسائل الانتاج والمواد الخام قيم اجزائها المستهلكة فقط الى البضاعة النهائية، ولكن حينما يتم استهلاك قوة العمل اثناء العملية الانتاجية يتم الحصول على قيمة اضافية اكبر من القيمة التي تم استخدامها. ان اساس انتاج فائض القيمة هو استغلال العمل. من اجل الكشف عن جوهر ومحتوى راس المال يستخدم ماركس، صيغته المعروفة:[١٣]
(٢)
القيمة الاجمالية W = فائض القيمة S + الراسمال المتغير V + الراسمال الثابت C
|
بعكس الصيغة السابقة التي تحلل الاشكال والكيفيات التي يتخذها راس المال اثناء مسار دورانه، تعرض المعادلة الجديدة راس المال حسب كمية القيمة. فالاجزاء المختلفة للمعادلة(الراسمال الثابت، الراسمال المتغير وفائض القيمة) تظهرهنا بوصفها مجرد كميات متعددة لشئ واحد اي القيمة وان كون هذه الاجزاء تتخذ اي شكل من اشكال القيمة لن يؤثر على علاقاتها(كل ما يجب معرفته هو وسائل الانتاج هي الوسائل المادية للراسمال الثابت وان وسائل الاستهلاك تشكل الوسائل المادية للراسمال المتغير وان بامكان فائض القيمة، ان تعبر عن نفسها في اية بضاعة). ان هذا التجريد لشكل محدد من وسائل الانتاج، الاستهلاك ولناتج عملية العمل هو تجريد موضوعي، واقعي ويحدث في المجتمع الراسمالي بشكل عملي و دون معرفة هذه الميزة الخاصة بالمجتمع الراسمالي لايمكن ادراك و توضيح كيفية تطوره. ان الرسمال هو عبارة عن قيمة تتزايد وتتراكم. هذا هو جوهر راس المال. ان عملية ازدياد القيمة هي نقطة البداية في تحول النقد الى راس المال، ولكن:
"يمكن الحديث عن هذه الكمية من النقد، بوصفه راسمالا فقط عندما يتم الاستفادة منها من خلال صرفها لزيادتها... ولذلك يبدو واضحا من هذه الصيغة البسيطة لراس المال (او راس المال المستقبل) سواء في حالته النقدية او القيمية بان كل ما له علاقة بالقيمة الاستهلاكية قد تم قطعه واندثر. بل ان الامر الاوضح من ذلك هو انه قد تم تجاوز كل العلائم المحيرة وغير المرغوبة لعملية العمل الواقعية (انتاج البضاعةو...الخ). ولذلك تكشف الخاصية والسمة المميزة للانتاج الراسمالي عن نفسها بهذه البساطة وهذا الشكل المجرد. اذا كان الراسمال الاولي قيمة مقدارها × فانه يتحول الى راسمال ويحقق غرضه عندما يصبح ×∆ +× فقط. اي عندما يتحول الى مقدار من النقد او القيمة يكون مساويا لمجموع الراسمال المستخدم اضافة الى مبلغ فائض، بعبارة اخرى عندما يتحول الى اجمالي من النقد والنقد الفائض او الى اجمالي من القيمة وفائض القيمة. بناءا على ذلك يظهر ان انتاج فائض القيمة، التي تضمن الحفاظ على القيمة الاولية المستخدمة هو الهدف المحدد، القوى المحركة و الهدف النهائي للانتاج الراسمالي. النتائج ص٩٧٦ - خطوط التاكيد من ماركس".
و بهذا الشكل يقوم ماركس بصياغة المعادلة الثانية بوجه المعادلة الاولى التي تبين التحول النوعي لراس المال، جوهر الانتاج الراسمالي
و علاقة راس المال على الصعيد الكمي، على اساس عملية ازدياد القيمة و حيث يوضح باختصار، في المعادلة الثانية، كيفية تزايد القيمة.
ان هذه المعادلة هي، بالضبط، مانحتاجه من اجل معرفة مسار حركة راس المال. بعد ذلك يتسائل ماركس كيف تتحول
x الى x + Δx كيف يتوسع راس المال؟ في معرض اجابته عل هذا السؤال يقوم ماركس و بشكل تدريجي
بتوضيح مكانة راس المال المتغير ضمن التقسيم الداخلي لكل الراسمال وكذلك بالكشف عن الخاصية المزدوجة لقوة العمل، و يبين
الشكل العام ل x + Δx بصيغة المعادلة ٢ اي C+V+S. بعد استخراج هذه المعادلة يستنتج ماركس ما يلي:
"بناءا على ذلك فان الدور المتميز لراس المال، وبالمعنى الدقيق للكلمة، هو انتاج فائض القيمة، وكما سنبين لاحقا، فانها ليست سوى انتاج عمل اضافي، والسيطرة على عمل غير مدفوع الاجر، في مجرى عملية الانتاج الواقعية، يتجسد هذا العمل غير مدفوع الاجر في فائض القيمة".
(النتائج ص - ٩٧٨، خطوط التاكيد من ماركس)
ولذلك عندما نتحدث عن ضرورة التحرك انطلاقا من جوهر علاقة راس المال والقيام بعد ذلك بتوضيح الاشكال المختلفة لتاثير راس المال والنظام الراسمالي انما نقصد بالضبط ضرورة الانطلاق من المعادلة الثانية. ذلك ان هذه المعادلة هي التي استخرج ماركس منها مفاهيمه الاساسية لنقده الاقتصادي للمجتمع الراسمالي. انها مفاهيم يجب على الماركسين ان يتعلموها في الخطوة الاولى بوصفها ادوات نظرية دقيقة وان ياخذوها بنظر الاعتبار اثناء التحليل.
تحدثنا سابقا عن مقولات الراسمال الثابت والراسمال المتغير وفائض القيمة. وسنشير الان الى الىالمقولات والعلاقات الاساسية الاخرى التي يمكن استنتاجها على اساس المعادلات السابقة:
وهكذا يستند ماركس على هذه المعادلة ليستنتج ويشرح القوانين والعلاقات الاساسية لحركة راس المال في اعمق مستوياتها: قانون تركز وتمركز راس المال، ميل معدل الربح نحو الانخفاض، تقسيم مجموع الراسمال الاجتماعي الى الاجزاء المختلفة (وسائل الانتاج، البضائع الاستهلاكية - الضرورية والكمالية) اعادة الانتاج الموسع والتراكم، قيمة الانتاج ومعدل الربح، العمل المنتج والعمل غير المنتج...باختصار تحليل القوانين العامة للتراكم وحركة راس المال وتناقضاتها الداخلية. ان كل ذلك مبني قبل اي شئ على المعادلة السابقة التي تكشف باختصار كيفية انتاج فائض القيمة، كيفية ازدياد القيمة عن طريق استغلال العمل الماجور.
والان وقبل الانتقال الى بحث مكانة هاتين المعادلتين في مسالة التبعية، يجب ان نستعرضهما سوية مرة اخرى:
١) المعادلة الاولى تكشف مسار التحول الخارجي لراس المال وتحوله من شكل الى اخر.
(١)
كما قلنا، تبين هذه المعادلة راس المال من الخارج و كذلك الشكل الذي يتخذه في كل آن وحين ولهذ السبب تحديدا تعجز عن تبيان جوهر واساس راس المال الذي ليس سوى زيادة القيمة عن طريق الاستغلال. الا ان المعادلة الثانية تبين جوهر ومحتوى راس المال:
(٢)
القيمة الاجمالية W = فائض القيمة S + الراسمال المتغير V + الراسمال الثابت C
|
لادراك قوانين وتناقضات حركة راس المال ولمعرفة الاشكال المحددة التي يتجسد فيها راس المال يجب معرفة العلاقة بين المعادلتين السابقتين و معرفة مكانة كل منهما في تحليل المجتمع الراسمالي على الصعد المتعددة. والان لو اخذنا هاتين المعادلتين بنظر الاعتبار بقدر تعلق الامر بالطروحات المتعلقة بمسالة التبعية، التي تحدثنا عنها في الجزء الاول من هذا الكراس و اشرنا اليها باختصار في هذا الجزء، لتبين لنا الطروحات البرجوازية السائدة على تحليلاتهم. وكذلك المعادلة التي تستند عليها كل تحليلاتهم؟ ومن اية معادلة تنبع تلكم المقولات والمفاهيم التي يستندون عليها في تحليل الراسمالية التابعة؟ على المعادلة الاولى دو شك. خلال محاولة تحليل الراسمالية التابعة تعّرف هذه الاراء مقولة راس المال والانتاج الراسمالي ضمن اطارها ومظهرها الخارجي وتكتفي بالتعرف عليها في حدودها المحسوسة التي تبينها التجربة اي انها محصورة ضمن اطار المعادلة الاولى. لانها تتناسى تماما جوهر المعادلة الاولى التي هي العلاقة بين العمل وراس المال ولانها تبرر التميز بين الراسمالية الوطنية والراسمالية التابعة بعوامل مثل التبعية النقدية، التكنولوجية، والموقع الجغرافي للسوق او بجودة ورادءة البضاعة المنتجة (استنادا الى قيمتها الاستهلاكية) :
١) التبعية النقدية: بعبارة ادق تعني بان مالك النقد الاولي، في المعادلة ١ ليس ايرانيا، اوان هذا المالك هو، الاحتكارات الاجنبية، مثلا وهذا ما يشكل بحد ذاته تقدما في الصياغة. لاتتجاوز هذه الصياغة المتعلقة بالراسمالية التابعة في ادق اشكالها المعادلة الاولى لان الملكية القانونية للنقد لاتكشف باي شكل من الاشكال كيفية انقسامه الى راسمال ثابت و متغير وكيفية قيامه بالاستغلال على هذا الاساس...ومدى تاثيره عليه. فمهدي بازركان الذي كان قبل عام حبيب "مؤيدي البرجوازية الوطنية" قادر على بيع مصنع الحديد والصلب الذي يملكه الى راسمالي اجنبي، او لنقل اسهل من ذلك ان يتحول هو بنفسه الى تابع لامريكا بل ان يكشف هذه التبعية بنفسه دون ان يطرا اي تغير على المعادلة ٢.
٢) التبعية التكنولوجية: مرة اخرى لو حللنا هذا النوع من التبعية لتوصلنا الى النتيجة التي مفادها ان حلقة (وسائل الانتاج –النقد)، البائع الواردة في المعادلة ١ هو جهة اجنبية.الامر الذي يعني البقاء ضمن الاطار المحدود للمعادلة المذكورة مرة اخرى.ذلك ان المعادلة الثانية لاتتضمن اي مصدر لشراء الراسمال الثابت: من اين جاء ومن هو مالكه القانوني او الحقيقي.
٣) الموقع الجغرافي للسوق: بعبارة ادق ان المشتري في حلقة البيع (النقد النهائي – بضاعة)، المعادلة١ هو "اجنبي" مرة اخرى يتم تناسي كل المقولات والمفاهيم التي يذكرها ماركس بصدد انتاج فائض القيمة في المعادلة ٢. ان مسالة المكان الذي يبيع فيه الراسمالي بضاعته والى من سيبيعه، لا تؤثر على العلاقة المتبادلة للراسمال الثابت، الراسمال المتغير، يوم العمل، درجة الاستغلال ذلك ان هذه العلاقات كانت قد تكونت قبل اجراء عملية البيع.
٤) التقييم الاخلاقي (الحرفي) لقيمة السلعة الاستهلاكية المنتجة: ان تصور كون الراسمالي التابع ينتج بضاعة "رديئة"، "غير مفيدة"! و"هابطة" وغير ضرورية بعكس الراسمالي "الوطني" الذي ينتج بضائع "جيدة، مفيدة، ضرورية و ممتازة"! يستند ايضا على اطار لايتجاوز المعادلة ١. يحلل هذا التصور مسالة التبعية، البضاعة المنتجة ('C) الواردة في المعادلة الاولى من زاوية الحاجة الى استهلاك بضاعة محددة "او انه يستند على الرغبة الماوراء الطبقية التي تتمنى تطور القوى المنتجة". ان كون عملية العمل ستؤدي الى انتاج اية قيمة استهلاكية وفيم يمكن استخدامها، سواء اكانت علكة الاطفال ام صواريخ نووية، جريدة "الثورة الاسلامية" ام سكاكين ذات الياي...، لاتبين شيئا عن علاقة العمل وراس المال خلال انتاج السلع المذكورة ولاتشير باي شكل من الاشكال الى دور كل تلك المقولات والروابط التي اشرنا اليها. ان جانب التبعية هذه لن تساهم في فتح الافاق امام استكشاف تبعية راس المال الذي يشكل انتاج فائض القيمة جوهره المحدد.
وهكذا تنحصر المفاهيم المتعددة التي ترتكز عليها هذه الطروحات لتفسيرمسالة التبعية ضمن مجال التقسيم الشكلي لراس المال؛ العلاقات القانونية التي تتخذها اشكال راس المال اثناء بروزها، الخصائص الطبيعية للبضائع المنتجة، الموقع الجغرافي لاسواق التصريف...اقول باختصار انها تنحصر ضمن اطار ضيق هو المعرفة الشكلية لرس المال ولتبعيته وهذه ليست نهاية المسالة مع الاسف. ان حلقة: العمل – نقد (M-L) هي ايضا جزء من المعادلة الاولى وان عملية التبادل هذه تؤكد ايضا باننا يجب ان نتجاوز المعادلة الاولى الى الثانية:
"ان الافعال وردود الافعال التي تظهر و تبرز خلال دوران راس المال والتي اشرنا اليها سابقا ليست سوى شراء وبيع قوة العمل بوصفها الشرط الاساسي والضروري للانتاج الراسمالي". (المجلد الثاني - ص٣٥٧)
ولذلك كان على المهتمين بميدان التبادل ودوران راس المال واشكال بروزه في هذا الميدان ان يلتفتوا الى هذا التبادل الخاص ايضا. ولكن لا! يبدو بان هؤلاء "الماركسين" يتجنبون عن سابق اصرار الاشارة الى اسم العامل وقوة العمل والا لكان يوجد في جعبهم مفهوما يشير الى التبعية على اساس قوة العمل... او قد يكون الراسمالي "الوطني"، الذي زود حركتنا الشيوعية بالنظرية الاقتصادية، كالعادة شحيحا في بيعه.
ولكن فيما يتعلق بالتعبير الذي يعرف التبعية بوصفها خاصية كل النظام الرسمالي في ايران اشرنا في الكراس الاول: "ان اغلب الصيغ المطروحة لتعريف النظام الراسمالي التابع تستند على تحليل ميكانيكي للحركات الاقتصادية للبرجوازية التابعة وفي "الواقع يتم تصوير"الراسمالية التابعة بوصفها النظام الانتاجي التابع لراسماليين تابعين" ص١٧. قلنا بانه يتم توضيح تبعية كل النظام الراسمالي، في تلك الصيغ، دون الاشارة الى كل الراسمال الاجتماعي
والقوانين العامة لحركة راس المال. وفي الحقيقة ان من يبني فهمه عن راس المال على اساس فردي ومعزول وبالاستناد على المعادلة ١ اي المعادلة التي تبين شكل دوران راس المال سيصبح عاجزا ولن يؤدي به المقام سوى الى الارتكاز بشكل ميكانيكي على مشاهداته الذاتية. والان تتبين هذه النقطة بشكل جلي. ففي الصيغ السائدة تتم الاشارة الى تبعية كل النظام الراسمالي في ايران للمصادر النقدية والائتمانية بوصفها انعكاسا لتبعية جزء كبير من رساميل الراسمالين المالية والنقدية للمصادر الاجنبية، وكذلك الحال بالنسبة للتبعية التكنولوجية وتبعية اسواق التصريف.
باختصار، كلما خصص معظم الراسماليين الجزء الاكبر من رساميل البلد لشراء وسائل الانتاج من الخارج او لانتاج بضائع تتوجه "بمعضمها" لاسواق التصريف الخارجية وليس لسد حاجات "الشعب الايراني" فاننا امام نظام راسمالي تابع. بعبارة اخرى استنادا الى هذه التعبيرات ؛ كلما اخذنا حركة كل الراسماليين ضمن المعادلة الاولى بنظر الاعتبار فان عرى ارتباط حلقات تبادل التبعية بحلقات التبادل المستقلة تضعف و تنفصم. ان الراسمالين الذين تكون اموالهم النقدية تابعة، يشترون وسائل الانتاج من الخارج وينتجون بضائع تلبي حاجات الاجانب ويتم تصريفها في الاسواق الخارجية يمتلكون السلطة بالتاكيد لذلك وبناءا على سلطة هؤلاء الراسمالين يتم تعريف وتحديد كل النظام الانتاجي بالتابع.
ان جوهرالراسمالية التابعة كما يتم التعرف عليها وتعريفها في الصيغ البرجوازية السائدة في حركتنا الشيوعية عبارة عن تحديد اعداد واحجام العناصر التابعة والعناصر غير التابعة.
من هذا المنظور يتم استبيان كيفية تاثير هذه التبعية على اقتصاد السوق الداخلية ايضا؛ سلطةالافراد التابعين اي خلق الظروف المناسبة للابقاء على واعادة انتاج هذه السلطة. تبلور تقسيم عمل اجتماعي يخدم فوائد ومصالح الراسمالين التابعين وعدم قيام وتطور صناعة اساسية وثقيلة (دليل الاستقلال التكنولوجي)، عدم نشوء البنوك الوطنية (المؤسسات المالية والنقدية المستقلة)، غياب السوق الداخلية المستقرة والمتطورة (لضمان تحقق اقيام البضائع بشكل مستقل)....
النتيجة السياسية المنطقية لمثل هذه "التحليلات الاقتصادية" معروفة وواضحة؛ اذا كان المحتوى الاقتصادي للثورة الديموقراطية الايرانية يستلزم القضاء على الراسماليين التابعين، فانه يجب انذاك، استنادا الى هذا التصور، ان يتم اسقاط سلطة الراسمالين التابعين (هذه العناصر التابعة التي تفرض خاصية التبعية، بسبب كثرتها على كل الراسمال الاجتماعي). الراسماليين "الوطنيين" (العناصر المستقلة) ليسوا طرفا في هذه المشكلة، بل ان وصولهم الى السلطة سيطور القوى المنتجة، قيام التصنيع الضروري، انتاج السلع الضرورية، تامين الانتاج المستقل، تنظيم التقسيم الاجتماعي للعمل في كل فروع الانتاج على صعيد المجتمع و تامين انتاج السلع في السوق الداخلية والاستغناء بذلك عن استيرادها من الخارج و.. .من نافل القول لو ان المسالة تتوقف عند هذا الحد لكان الامر واضحا، ذلك ان ما اشرنا اليها سابقا هي نظرية اقتصادية برجوازية قلبا وقالبا ولكننا واجهنا خطا سياسيا بورجوا- ليبراليا صريحا، يعتبر البرجوازية "الوطنية" القوة المحركة والقائدة للثورة الراهنة. ولكن المسالة هي ان تلك المفاهيم والتعابير سائدة الان على حركتنا الشيوعية ولذلك يجب اعتبار مسالة كون، ضرورة مشاركة الطبقة العاملة في الثورة الديموقراطية و قيادتها لها، ليس استنتاجا لتلك التحليلات الاقتصادية باي شكل من الاشكال. من هنا يتم اللجوء الى انتقاء مسالة، "تردد البرجوازية الوطنية" واضافته الى التعبير المذكور وتتحول سياسة البروليتاريا العدائية تجاه هذه الكتلة والمبنية على اساس معرفة مصالح الطبقات المختلفة في هذه الثورة وعلى اساس نظرية النضال الطبقي الماركسية الى سياسة مساومة تستند على المشاهدات والتقيمات اليومية لتحرك هذه الكتلة باسلوب تجريبي وتبتذل بالتالي الى حد التاييد المشروط لها.
الاستناد على الاشكال التي يتخذها راس المال اثناء دورانه (المعادلة١) يؤدي بالضرورة الى الارتكاز على مظاهر تحرك البرجوازية كما تبدو في الميدان السياسي، وان نتيجة الشكلية الاقتصادية هي السذاجة السياسية كما تؤدي التجريبية النظرية الى الذيلية على الصعيد العملي.
تبرز نظرية البرجوازية "الوطنية" لتلعب دور منقذة البرجوازية الليبرالية التي تتجاوز بمساعدة النظرية المذكورة دورها التاريخي للتخلص من مازق الثورة والخروج منها سالمة مرفوعة الراس.
يتلخص كل عبقرية العلم الاقتصادي البرجوازي، على الصعيد النظري، بتجاهل المعادلة ٢ واخفاء مصدر فائض القيمة؛ مصدر ارباح الطبقة الراسمالية والتي ليست سوى استغلال الطبقة العاملة ويشارك ماركسيونا الشكليون من مؤيدي البرجوازية الوطنية في هذه العملية بشكل واضح عن قصد او دونه، يتخلون عن الماركسية وكل انجازاتها النظرية، يتقبلون اسلوب التفكير والتحليل البرجوازي مما يدفع بهم لتقبل المسائل الاقتصادية الملحة والانية للبرجوازية وعلى صعيد ماهو ضروري لتطور الراسمالية في ايران كالاستقلال النقدي، التكنولوجي و... الخ فان الراسمالي يفهم بشكل افضل منهم بان تحرك الراسماليين المتلهفة والمعطشة نحو تحقيق الربح "حسب التعبير الراسمالي" هو الاساس والمرتكز ويدرك كذلك بانه لو كان بامكان مؤلفات ماركس ان تخدم هذا التطور لما تردد باقرارها مصدرا دراسيا لمادة "الاقتصاد" في المدارس والجامعات.
يتلخص جوهر الراديكالية الشكلية عندنا بالحديث، استنادا على المعادلة١، عن التبادل غير المتكافئ، خروج هذه السلع وتلك الاموال النقدية، نهب هذه او تلك الكمية من الثروة القومية نتيجة للتبادل غير المتكافئ، ان هذه هي ليست سوى راديكالية البرجوازية التي تلجا الى تفسير اسباب تخلفها باتهام الجهة التي تتعامل معها بالغش والتحايل او بافتقارها الى الاوساط التي تجعلها قوية ومقتدرة، او بكون العلاقات القائمة في السوق غير عادلة او باتهام اجهزة ومؤسسات الدولة بالفساد والانحطاط. ولكن مهما تعددت المشاكل التي يعاني منها صاحبنا الراسمالي"الراديكالي" فانه لايواجه اية صعوبات اوعراقيل فيما يتعلق بشراء قوة العمل ضمن حلقة (M-L) في المعادلة الاولى، ذلك انه، وشكرا لمنافسه النهاب والمخادع، لانه يتمكن بفضله من اعادة انتاج قوة عمل رخيصة مقابل مجرد كسرة خبز و قطعة جبن رديئة اضافة الى كوخ حقير من الصفيح، مع اجور منخفضة وغير قابلة للارتفاع وستبقى كذلك رغم تدهور الزراعة (الناتجة عن عملية سلب ملكية الفلاحين وانشاء قوة عمل رخيصة وواسعة) بسبب سياسة الانفتاح وتدفق الواردات من الحاصلات الزراعية والاستغلال الوحشي للفلاحين في ظل دولة "قوية" حيث تنهب الراسمالية الراديكالية ارباحا خيالية رغم عدم مشاركتها المباشرة في السلطة(يقصد سلطة الشاه - المترجم) وحيث تصادر كل اشكال الاضراب والتظاهر من الطبقة العاملة وتنظم حملات الاعتقال والاعدام والتعذيب بحق مناظليها لكي لايؤدي نضالها العادل الى تخفيض القوة الشرائية للراسمال المتغير العائد لكل الراسمالين ولو بمقدار ضئيل.
يدرك الراسمالي "الراديكالي" من امثال مجموعة البازركان، البختياريين ومجموعة بني صدر هذه الحقائق منذ البداية او حينما تتم دعوته بفضل هذه "الراديكالية" التي لاتتجاوز(التملق والرياء) من اجل فهم حجم المصاعب التي تقف امام الحفاظ على سلطة كل الراسمال والتوصل بالتالي الى حلول مناسبة بشانها، عندها يتخلى عن راديكاليته ويندفع بكل قوته نحو الركوع والتسكع على ابواب عائلته الاصلية "الامبريالية" وتقديم البراءة لها عن كل ممارساتها وطلب المغفرة منها لكونها تفوهت قبل الثورة بما قد يزعجها وتلح بطلب العفو منها متعهدة بكل صدق واخلاص ان تقوم باحياء كل العلاقات والاعراف والتقاليد السابقة. ولكن حينما يرى صاحبنا الشكلي الذي كان قد اكتشف حلفائه خلال الثورة اي البرجوازية "الوطنية" ضمن المعادلة الاولى لانه بقي وحيدا في الميدان يصيبه الذهول ويبدا بادئ ذي بدئ وكعادته القديمة بمطالبة العمال بعدم اضعاف دولته "الحليفة" بعدها وبعد ان يتعلم شيئا من التجربة ينصح "البرجوازية الوطنية" التي تخلت عن وعودها ويحذرها من التعامل مع "الاحتكاريين" ويهددها بان يتخذ حيالها موقفا مزدوجا ولكنه عندما يكتشف وبعد فوات الاوان ومن خلال سيول دماء الشعب الكردي، التركماني والعربي ودماء العمال العاطلين في اصفهان ومن خلال عمليات اعتقال وتعذيب عمال نفط الجنوب التي اراقها ومارسها حلفائه السابقين من امثال الشيبانيين والسعادتين ومئات النماذج الاخرى اقول بعدها يدرك صعوبة وتعقيد الاوضاع ويلجا في حالة من التوتر والارتباك الشديدين الى البحث عن "حليف جديد".
ان ما يبعث علىالاسى والحزن الشديدين هو لجوء صاحبنا الشكلي بعد كل ذلك الى اتهام من قام بتنبيهه ومحاولة ارشاده منذ البداية في الوقت الذي يجب ان يعمل على التعرف على اخطائه وسلبياته النظرية والاعتراف الصريح والواضح بها والقيام بجمعها وتحليلها من اجل استخلاص العبر منها للجيل الثوري الناشئ الذي سيلج الميدان بعده. ليس هذا فحسب بل انه يلجا، من اجل الابقاء على سره، الى ممارسة العديد من المناورات والخدع "النظرية". صحيح ان بين هذا الرفيق وبين طليعة الطبقة العاملة بون شاسع!
من اجل تجنب هذا الارتباك يجب ان نبدا تحليلنا الاقتصادي من ماركس وان نتقدم معه. فيما يتعلق بمعرفة راس المال يجب ان نبدا مع ماركس من المعادلة الاولى وان نتقدم باتجاه المعادلة الثانية. هذه هي الاداة النظرية الاساسية التي هيئها لنا ماركس لنقد وتحليل النظام الراسمالي.
ان نقطة البداية في تحليل قوانين حركة النظام الراسمالي التابع هي معرفة الاوضاع الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية لسيادة "علاقة راس المال" على الانتاج الاجتماعي في البلدان التابعة للامبريالية والمبينة باختصار في المعادلة C+V+S ولذلك يجب ان ندرك ان عملية انتاج فائض القيمة في السوق الداخلية للبلدان التابعة تخضع للشروط الامبريالية السائدة للانتاج سواء في السوق الداخلية او في السوق العالمية، بعدها يجب توضيح الاشكال المحددة للتبعية؟
بعد ادراك جوهر التبعية على اساس المعادلة الثانية تحديدا يمكننا توضيح ضرورة بروز هذه التبعية باشكال محددة على صعيد المعادلة الاولى، وكل ذلك بوصفه استخلاصا واستنتاجا للتحليل وليس بوصفه نقطة للشروع به.
٭ ٭ ٭
|