Status             Fa   Ar   Tu   Ku   En   De   Sv   It   Fr   Sp  

الاوضاع السياسية في ايران

حوار مجلة برسش (سؤال) مع منصور حكمت*

المجلة: ماهي اسس الازمة الحالية للسلطة السياسية في ايران؟ ماهو تقييمكم لمكانة هذه الازمة. ازمة اخرى ام ازمة اخيرة؟ أيفلت النظام رقبته من هذه الازمة؟ كيف؟ أعبر تكرار ١٧ شهريور[١] و خرداد ٦٠ [٢] او "مجتمع مدني"؟ ايهما؟ ولا اي منهما؟

منصور حكمت: ولد النظام الاسلامي الايراني متازماً من الاساس. ان الحكومة الاسلامية تتناقض من حيث المحتوى مع الخصائص التاريخية والثقافية للمجتمع الايراني في القرن العشرين. اذ لايمكن حكم جماهير ايران بطريقة اسلامية. ان هذا مصدر مجمل ازمات النظام الاسلامي منذ نشأته حتى الان. لم يكن ظهور النظام الاسلامي في ايران ثمرة التقدم المعنوي والانتصار السياسي للحركة الاسلامية في ايران. حيث لم يبقى من اشلاء الحركة الاسلامية في ايران في مستهل عام الثورة ١٩٧٩. اذ قبل ٧٠ عام من ذلك، حيث كان المجتمع اكثر تقليدياً بمراتب واكثر دينية وتخلفاً، اي في الثورة المشروطية[٣]، تم ابعاد الحركة الدينية ولم يقبل بالتدخل المباشر والعلني للدين في الدولة. ان ما جر هذه الجثة السياسية من القبر وفرضها بهذا الشكل على حياة الجماهير في ايران هو الاوضاع الخاصة لهبة ١٩٧٩، وبالاخص الاوضاع العالمية، بلغ الاسلاميون السلطة في خضم الحرب الباردة. في حسابات اي مراقب، ستمضي ثورة تندلع في بلد يعد من ضمن نطاق نفوذ امريكا، بلداً ذا نظام بوليسي موالي لامريكا، نحو تشكيل حكومة يسارية. لقد كان ذلك امراً مرفوضاً لدى القوى الغربية، على وجه الخصوص في ايران وذلك لما تتمتع به من اهمية استراتيجية حيث تطل على مصادر نفط الخليج وتجاور الاتحاد السوفيتي. من الواضح مع بدء التحولات والتلاطمات في ايران، نشط الاسلاميون حالهم حال بقية التيارات. ولكن مادفعهم الى مركز الصراع حول السلطة ووضع السلطة في المطاف الاخير في ايديهم هو انبثاق ائتلاف دولي كبير من اجل انتقال السلطة الى التيار الاسلامي بوجه اليسار، وبالطبع ناهيك عن تعظيم واجلال النزعات الليبرالية والقومية في داخل البلاد لهذا التيار. اذ من رجل دين امي ورجعي وعموما مغمور خلقوا قائداً. لايتمثل بحثي في كون ظهور النظام الاسلامي (مؤامرة غريبة) او (امر من عمل امريكا). لايراود ذهني قط نظرية التامر. برايي، لقد بني النظام الاسلامي على ركنين اساسيين: اولاً، عنصر النزعة الشرقية ومعاداة الغرب التي كانتا الطبيعة المشتركة لـ(اليسار الشعبوي) والمجتمع الثقافي والحركة الاسلامية في ايران. ثانياً، القدرة الدعائية والدبلوماسية للدول الغربية ووسائل اعلامها في صياغة شخصية من التيار الاسلامي وقادته وممارسة النفوذ لصالحه على الصعيد الداخلي. لقد ترافقت الثورة الايرانية مع بدء وسائل الاعلام المستندة الى الاقمار الصناعية وغلبة السوق الدولي لانتاج الافكار على السوق الداخلية. برايي، استطاع الغرب ان يصيغ من معطيات قائمة لعالم السياسة في ايران قوة رجعية يمينية جديدة تتعقب، بوصفها قائداً على معارضة يائسة وعديمة الافاق، سبيلاً شرقياً بوجه نظام الشاه المعروف بغربيته. في المطاف الاخير، ارسلت امريكا ذاتها شخصاً ليجلب دعم وتاييد جيش نظام الشاه للتيار الاسلامي. وعلى هذا الاساس، ما ان استلم نظام خميني زمام السلطة حتى اكمل رسالته التاريخية التي كانت تتمثل بقمع الثورة باسم الثورة. والى الحد الذي نجح في هذا الامر، انهى بالدرجة ذاتها مبرر وجوده كذلك. ان حكومة اسلامية لاتتناسب مع السمات الحياتية والثقافية ونفس وجود المجتمع الايراني عام ١٩٧٩. ان ايران مجتمع غربي حتى نخاع العظم. ان النزعة الشرقية والنزوع نحو استخدام الشرع والشرعية كانت عند الجماهير في المدن دليل رجعية وتحجر وتجابه بالاستهزاء، ليس الان فحسب، في العشرين سنة التي خلت. كان رجال الدين، ولازالوا، اكثر طيف اجتماعي عديم الشخصية ويبعث على النفور. ان لم يغب عن بالكم، لم يطرح النظام الاسلامي نفسه بوصفه حكومة ملالي وخميني، بل حكومة المصلين للجبهة القومية بهدف اقامة نظام برلماني. وما ان اصبح يقيناً ان حكومة بازركان عاجزة عن السيطرة على حركة الجماهير المتطلعة لانتصار الثورة ولاتزال تطالب بحقوقها، جاء خميني من قم الى طهران، واركن بازركان جانباً، وارسى نظام ملالي-ديني بالشكل الذي عليه الان في السلطة.

تسلم النظام الاسلامي السلطة بوصفه رقعة هجينة على جسد المجتمع لكي يطفي نار ثورة أُرْهِقَ نظام الشاه في قمعها، ولكي يسحق اليسار. ولكن تشكيل حكومة مألوفة كامر دائم، فانه موضوع اخر. ان النظام الاسلامي، واستناداً الى ماهيته، لايستطيع ان يكَّون مثل هكذا حكومة. ان جماهير ايران ومجتمع ايران، واستناداً الى عاداتهما وخصائص وجودهما، لايقبلان بحكومة اسلامية. ان جيلنا والجيل الذي يولج ميدان التدخل في حياة المجتمع لايقبل بالاسلام والحكومة الدينية.

ان اكدت على اسلامية النظام بوصفها مصدر الازمة السياسية الدائمة، لايعني ذلك ان فقر الجماهير العريضة والهوة الطبقية العميقة وانعدام الحقوق السياسي للفرد والقمع السياسي والوحشية والاستبداد اليوميين للنظام ليست الاسباب الاساسية لاستياء الجماهير وسخطها على هذه الحكومة. بيد ان استياء الجماهير من الحكومة هي سمة مجمل المجتمعات الاستبدادية ومجمل الانظمة اليومية المتوحشة التي من الممكن ان يكون بعضها مستقراً ايضاً، او على الاقل لاتعاني ازمة لمراحل طويلة الى حد ما. ان النظام الاسلامي، وبسبب عدم التلائم العميق للحكومة الدينية مع المجتمع المعاصر في ايران، ناهيك عن عالم راسمالية على اعتاب القرن ٢١، ليس بوسعه ان يكون مستقراً او متوازناً بقدر ديكتاتورية بوليسية (اعتيادية). ان اكثر من نصف سكان ايران يشكله شباب تفتحت اعينهم على الحياة بوجود النظام الاسلامي. ومن الطبيعي جداً ان يقارنوا مايرونه بالحياة الاعتيادية لجماهير عصرهم. ان هذا الجيل لايريد الجمهورية الاسلامية. لم يكن قد شن هذا الجيل حربه مع الجمهورية الاسلامية. ان هذه الحرب تشن الان. لقد اعطت جماهير هذا الجيل حكمها بان يولي النظام. لقد بلغ الجميع هذا البلاغ. ليس صراع اجنحة الحكومة في النظام حول المسائل القديمة مثل اقتصاد السوق او القطاع الخاص ام العلاقة مع الغرب، النزعة التوسعية الاسلامية او الاسلام في بلد واحد او غيره، بل ببساطة ووضوح حول استراتيجية بقاء النظام الاسلامي في هذه الاوضاع. أبوسع النظام ان يطيل من امد عمره عبر حدود من المساومة والتنازلات والتعديلات بوصفه جمهورية اسلامية من نوع ثاني تضع نوعاً من (القانون) اساساً لعملها، وهو خط جماعة خاتمي او ا ن اي تعديل، حتى ولو كان طفيفاً، سيؤدي الى توسيع حركة الجماهير ضد مجمل النظام، ولهذا ينبغي القمع والبقاء، وان هذا الخط هو خط خامنئي ومعارضي خاتمي. بنظري، ا ن اي من كلا الاستراتيجيتين لاتوفر لهم ولمأزقهم حل. ا ن اي نوع مساومة يقوم بها النظام ستؤدي فعلاً الى شعور الجماهير بتضاد اكبر مع النظام وتوسيع النضال من اجل الحرية وقلب مجمل النظام. من جهة اخرى، ان مرحلة (القمع والبقاء) قد ولت، وان مثل هذه السياسة محكوم عليها بالاخفاق سلفاً.

لقد بدأ مسار قلب النظام الاسلامي. في خضم هذا المسار، احداث متنوعة تجري ومراحل مختلفة يتم طيها. الانقلاب، الانقلاب المضاد، مراحل الشلل السياسي للنظام، والانفتاح السياسي العملي ومراحل القمع المنفلت دون مهابة. لكن برايي ثمة امراً مسلماً به الا وهو لن يكون ثمة وجود لنقطة توازن جديدة يسود فيها نوع من الاستقرار النسبي والمسار الاعتيادي على العلاقة بين المجتمع والنظام الاسلامي المتسلط عليه. ان هذا الانعطاف، وباي جهة ينحو، فان قدره هو عدم الوقوف عن الحركة.

المجلة: كيف ترون مصير خاتمي؟ هل خاتمي غورباتشوف النظام؟

منصور حكمت: ان ماكانت عليه مكانة غورباتشوف في مجرى تطورات الاتحاد السوفيتي هي نفسها مورد بحث جدي. برايي ان مقارنة ايران اليوم بالاتحاد السوفيتي آنئذ هي مقارنة محدودة وشكلية. سيكون خاتمي شخصية عابرة في التاريخ الراهن لايران برايي. ان الاوضاع، وباي جهة ستنعطف، ستتخطى خاتمي وظاهرة خاتمي. بوسع خاتمي في حالة واحدة فقط ان يجد اهمية اكثر ديمومة، وهي الحالة التي فيها ثمة امكانية لوجود جمهورية اسلامية من النوع الثاني، اي جمهورية اسلامية معدلة بوصفها نظام راسخ وباق. ان هذا امراً غير ممكن من الناحية التاريخية. ليس بالوسع ان "تثقب البالون قليلا". ا ن اي ثقب في النظام الاسلامي يعني انفجاره وزواله.

المجلة: كيف تقيم مصير المعارضة الموالية للنظام والقوى التي تتهاوى يومياً في صف المعارضة في التطورات الراهنة ومكانتهم في التطورات المقبلة؟

منصور حكمت: في مسار الاوضاع السياسية المقبلة، ستحدث انعطافات كثيرة. سيغير المدافعون اليوم عن النظام الوانهم عدة مرات. ستكون نتيجة هذه التقلبات انزواءهم وانعدام صلتهم السياسية الواقعية في المجتمع بالطبع.

المجلة: كيف ترى تاريخ والاهداف الفعلية للحركة الراهنة الداعية للقانون (مجتمع مدني)؟ وماهي المكانة التي تحتلها هذه الحركة اليوم في التطورات الاجتماعية؟ كيف ينبغي التعامل مع هذه الحركة؟

منصورحكمت: برايي ان مجمل بحث المجتمع المدني هذا في ايران اليوم هو اسلوب خجول شبه مسموح به ومحلي الصنع يتمثل بنقد النظام الراسمالي بهدف تعديله. اذ يسعى كثيرون، وبجهود دؤوبة، لاضفاء صبغة فلسفية وتاريخية عميقة على هذا البحث. لا اعلم ماذا عمل تاريخ روسيا بالغلاسنوست او البيروسترويكا. لقد رمتها الاحداث خلفها، ولم يعد احد يتذكر سطر واحد من الكتب الضخمة المدوية حولها. ان المجتمع المدني ايضاً هو مثل تلك الكلمات، اسم رمزي ولهجة مخففة من اجل مطلب التعديل، للحديث عن جمهورية اسلامية ذات طابع فقهي اقل، ورد من جانب على التشدد والتطرف الاسلامي للجناح السائد، ومن جانب اخر للوقوف بوجه النزعة العلمانية للجماهير ومطلب اسقاط النظام. ما ان يعبر تاريخ المجتمع هذه المرحلة، فانه سيعبرها بسرعة، ستطوى هذه العبارة مع مغرميها السطحيين الوطنيين.

المجلة: ماهي الاشكال التي ستتخذها عملية الاطاحة بالجمهورية الاسلامية برايكم؟ انتزاع السطة السياسية ام استبدالها؟ ثورة، انتخابات ام سيناريو اخر؟ اي السيناريوهات ممكنة؟ ماهوتقييمكم؟

منصور حكمت: برايي، سيتم الاطاحة بالجمهورية الاسلامية في المطاف الاخير عبر الهبة الثورية للجماهير وباسلوب يتسم بالعنف. ان النظام الاسلامي لايضمحل تلقائياً وذاتياً، ولايركن جانباً بالكلمات اللطيفة، وليس بوسعه ان يتحول الى شيء اخر تدريجياً. يجب الاطاحة به. ولكن هذه الاطاحة ليست المحطة الاولى في مسرى التطورات السياسية المقبلة ولا المحطة الاخيرة. بمعنى ان في خضم مسار تفاقم الازمة السياسية التي ستؤدي الى اسقاط النظام الاسلامي، فان منعطفات واحداث من النوع الذي ذكرته ستكون قائمة. حكومة عسكرية، انقلاب تقوم به اقسام من الحكومة ذاتها، اجراء انتخابات بهدف تهدئة الجماهير وتسليم السلطة وانتقالها بين الاجنحة، اصطدامات عسكرية داخلية وغيرها. ولكن هذه المراحل لابد ان تؤدي الى الاطاحة بالنظام الاسلامي. من جهة اخرى، ان سقوط النظام لن يعني كذلك بدء مرحلة الاستقرار السياسي. ان ارساء الحكومة المقبلة، بنظري، يتخذ مسار اكثر تعقيداً ومطاطية، وقد يكون اصعب من مسار سقوط النظام الاسلامي.

المجلة: طبقاً لمجرى التطورات الاجتماعية، اي البدائل الحكومية ممكنة برايكم؟ حكومة عمالية ام حكومة شاهنشاهية؟ جمهورية ديمقراطية ام جمهورية ديمقراطية اسلامية؟

منصور حكمت: ينبغي السؤال عن اي حكومة لها القدرة على البقاء بوصفها حكومة ايران. اي من هذه الاشكال ممكنة في المسار المليء بالتقلبات للاوضاع السياسية في ايران. لو ارسيت الحكومة العمالية في طهران، من الممكن ان تدير امريكا الجنوب والدينيون في الشرق انفسهم لمرحلة ما، الشاهنشاهيون والحكومة الاسلامية. لكن برايي ان حكومة عمالية، جمهورية اشتراكية تتمتع باكثر الحظوظ للنصر النهائي وتوحيد سلطتها. ان الحكومة الدينية، وعلى اي شكل كانت، زائلة وخارج اللائحة من الان. وفي خضم الاستياء الكبير للجماهير من الدين والاسلام، لن تبقى باي شكل كان. بوسع الحكومة الشاهنشاهية ا ن تكون فقط دمية الغرب، هذا اذا للغرب ميلاً لهذا النموذج من الاساس. ويتم جلبهم للسلطة عبر الانفجارات والصواريخ (قرار مجلس الامن) وينصبوهم في زاوية ما من البلاد. وتعد الحكومة البرلمانية ذات النمط الغربي، طالما لم يخفف امرء ما من الاسلام والقومية والنزعة الشرقية على اذهان الجماهير، اكثر النماذج السياسية ذهنية وغير واقعية. انه لتصور مضحك ان يعلق غداً الاوباش السياسيين، بقايا النظامين البوليسيين الشاهنشاهي والاسلامي، ادوات القمع والتعذيب وياتون ببزاتهم وربطات عنقهم ليدلوا باصواتهم في ايران. ينبغي على العنصر الطليعي، العنصر الانساني، العنصر الداعي للمساواة والتحرر، العنصر التحرري والمعاصر ان يطرد الرجعية من الميدان، عبر ممارسة السلطة. ان هذا يمكن فقط على يد الشيوعية والعمال، وان ذلك يعني الحكومة العمالية، يعني الجمهورية الاشتراكية.

المجلة: ماذا سيكون عليه مسار علاقات القوى المختلفة للمعارضة؟ الشيوعيين؟ المجاهدين؟ الليبراليين؟ الملكيين؟ اية علاقات ستربط بينهم. ماهو نوع التقارب والمجابهات المحتملة؟ وارتباطاً بم وحول اية مسائل ستكون؟

منصور حكمت: برايي، ينبغي عدم تصنيف القوى استناداً الى اصطفافاتها الراهنة او حتى النظر بصورة محض الى القوى المتحزبة. ان الحزب السياسي هو طرف وجزء صغير منظم لحركة سياسية. استناداً الى مجرى حركة سياسية واحدة، مثلاً الحركة الشيوعية، الاشتراكية الديمقراطية او الحركة الداعية للاستقلال، تتشكل احزاب مختلفة. ان التركيبة الحزبية للمجتمع متغيرة كثيراً. اذ تظهر احزاب وتزول، في الوقت الذي تكون فيه الحركات التي بنيت هذه الاصطفافات الحزبية على اساسها اكثر دائمية وتاريخية. برايي ان ٣ حركات سياسية اساسية ستلعب دوراً محوريا في مستقبل ايران. اولاً، الشيوعية العمالية، ينبغي تعقب الشيوعية العمالية في ايران في حركة العمل المباشر للعمال، وبالاخص حركة مجالس عمال ايران، وفي الحزب الشيوعي العمالي. برايي، ان الشيوعية العمالية ستجر معها، مع اي مجابهة اجتماعية، الحركة النسوية وقسم مهم من الحركة الداعية للعصرية والحداثة وحركة التحرر من الاخلاقيات الحاكمة التي يمثل الشباب عنصرها الاساسي النشط. تتمتع الشيوعية العمالية برايي بفرصة اكبر للتحول الى حركة اجتماعية مقتدرة جداً في مجرى التحولات الراهنة والمقبلة لايران. الحركة الثانية، الحركة القومية الاصلاحية الايرانية المناهضة للغرب، القسم الاعظم من المجاميع المسماة باليسار مثل الشعب المختلفة للفدائيين وحزب توده (الشعب) وامتداداته وتفرعاته السابقة ودرب العامل وامثالهم، رغم كل تمايزتهم التنظيمية، فانهم ينتمون الى هذا التقليد، لا الى التقليد الشيوعي. بيد ان هذه الاحزاب ليست القوة الاساسية لهذه الحركة. ان القسم الاساسي للمجتمع الثقافي والادبي والجامعي لايران واقسام من الحركة الاسلامية نفسها وقسم واسع من النخبة السياسية والادارية للمجتمع ينتمي الى هذا الطيف وهذا الافق الاجتماعي. انه قطب داع لبناء دولة وساعي للمعاصرة والتحديث ومفعم بعبادة التقاليد، وبعين اقل ونظرة عابرة الى تعديل الثروة. يتضمن هذا الطيف اساساً الرواسب السياسية الناجمة عن زوال تيارين اساسيين من المعارضة التقليدية الايرانية، وهما حزب تودة والجبهة القومية. برايي، ستكون هذه الجبهة القومية الشرقية خندق اساسي لمقاومة النظام البالي بعد سقوط النظام الاسلامي. ولكنها من زاوية نشدانها للسلطة في ايران، تمتلك برايي اقل الحظوظ مقارنة بالجميع. انه تيار بليد وعديم الافاق ومعارض من حيث ماهيته. واخيراً، الحركة الثالثة، الحركة القومية المحافظة والموالية للغرب والتي يمثل نظام الشاه رمزها. لاتمثل هذه الحركة الملكيين فحسب، بل تشمل عدداً كبيراً من الحلقات التابعة للجبهة القومية والتيارات الداعية للجمهورية والمسماة بـ(الليبرالية). ان هذا القطب من الناحية الاقتصادية يميني ومناهض للعمال الى ابعد الحدود، ومن الناحية السياسية متغطرس واستبدادي، ومن الناحية الثقافية يميل نحو الغرب وداعي للتحديث الى حد ما. ان مجتمعاً من بنات ايديهم سيكون شبيها بتركيا في افضل الاحوال. برايي، ان الصراع الاجتماعي في ايران سيكون بين هذه التيارات الثلاثة في المطاف الاخير. لم اورد الحركة الاسلامية في هذا التصنيف لان عمرها قد انقضى، وبنظري ستركن عصاباتها الاسلامية نفسها في زاوية ما من التيار الثاني، اي الحركة القومية الشرقية. من جهة اخرى، لم اورد اسم الليبرالية لان ليس ثمة حركة ليبرالية منذ امد بعيد برايي. اما التيارات والاشخاص الذين يطلق عليهم عادة في المعارضة الايرانية صفة (ليبراليين) ليس فقط لايمتون باي صلة لليبرالية، بل يقف عملهم السياسي وارائهم ١٨٠ درجة على النقيض من الليبرالية. ومن ناحية برنامجها الاقتصادي والسياسي والثقافي، لايربطها حتى اي رابط باليمين المتشدد في اوربا. استناداً الى هذا، فان قطباً مهماً من العالم الغربي كذلك، الا وهو الاشتراكية الديمقراطية، ليس له تتمة وامتداد ايرانيين وذلك لاسباب تاريخية مختلفة، ليس لدينا في ايران حركة من نوع الاشتراكية الديمقراطية.

المجلة: برايكم، ماهي المواقع والمكانة التي ستتخذها القوى البرجوازية الغربية في التطورات المحتملة المقبلة في ايران. هل سيدافع الغرب عن الجمهورية الاسلامية بوجه التحولات الراديكالية المقبلة؟ أسيكون ثمة اتفاق مشترك على مستقبل ايران؟ أسيتكرر كونفرانس غوادالوب[٤]؟

منصور حكمت: ستعمل الدول الغربية بشكل براغماتي الى ابعد الحدود. انها في الوقت الذي تتخذ جانب الحكومة القائمة، تحدق ابصارها ايضاً في البدائل المحتملة. في اوضاع نموذجية بالنسبة للغرب، ينبغي ان يترك النظام الاسلامي مكانه للمحافظين غير الدينيين الموالين للغرب. ولكن ان لم يكن هذا الاختيار مطروحاً امامها ستسعى الى جني اكبر الامكانات من الاوضاع القائمة. طالما ان خاتمي باقي، ستدافع عن خاتمي. وان تبين ان النظام زائل، ستضعه جانباً. برايي ان امكانية الغرب على التدخل في الاجواء السياسية لايران ستستند تماماً الى سرعة تطور واقتدار حركة الجماهير لقلب النظام. اذ كلما كانت حركة الجماهير اكثر قوة وذات جهة واضحة، ستقلل من اجواء القسر السياسي للدول الغربية. لقد تغير العالم كثيراً. لاتملك القوى الغربية ادوات ٣ عقود خلت للتدخل في الاوضاع السياسية للمجتمعات.


هوامش:

[*] المقابلة هي جواب منصور حكمت في مناظرة اجرتها مجلة "برسش" [سؤال] مع ومع ساسة ايرانيين اخرين، ونشر في العدد الاول الصادر في كانون الاول ١٩٩٨. ونشرت بالعربية لاول مرة في جريدة الشيوعية العمالية، جريدة الحزب الشيوعي العمالي العراقي، العدد ١٦، الصادر في تموز ١٩٩٩.

[١] ١٧ شهريور، وقصده المجابهات التي جرت في ساحة طهران بين جيش الشاه والجماهير، حيث راح ضحيتها الاف الاشخاص، سمي لاحقاً بالجمعة الاسود.

[٢] خرداد ٦٠... اخر عملية قمع شرسة شاملة قامت بها الجمهورية الاسلامية لتثبيت سلطتها عبر تصفية التيارات المعارضة لها. المقصود من المثالين هو القمع وسحق معارضي النظام كما يشير الى ان ماعجز عنه الشاه قامت به الجمهورية الاسلامية.

[٣] المشروطية، حركة الاصلاح البرجوازية الموجهة ضد الاقطاع في عام ١٩٠٧.

[٤] كونفرانس كوادالوب: كونفرانس عقد في فرنسا، بعد سقوط الشاه، وهو من ابتكار الغرب، تم فيه طرح تيار خميني بوصفه البديل السياسي المقبل لايران.


ترجمة: فارس محمود
hekmat.public-archive.net #0390ar.html