دروس من تعامل لنين مع الحركة الفلاحية الثورية
ألف: المهام الديمقراطية للبروليتاريا الثورية
يبدو لنا بأنه ليس من العبث أن نبدأ بحثنا بالسؤال التالي: ما علاقة البروليتاريا والشيوعيون، مبدأيا، بمسألة الأرض والحركة الفلاحية؟ ألا تناضل البروليتاريا ومعها الشيوعيون من اجل القضاء النهائي و التام على الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج (ومن ضمنها الأرض) و ترسيخ الملكية العامة و علاقات الإنتاج الاشتراكية في الوقت الذي يتمحور المحتوى الاقتصادي لمسالة الأرض حول تحديد شكل الملكية الخاصة للأرض، الأمر الذي يجعله عاجزا عن تجاوز الإطار الاقتصادي البرجوازي؟ وعلى الصعيد السياسي كذلك أليست البروليتاريا ومعها الشيوعيون يناضلون من اجل الاستيلاء على السلطة السياسية و ترسيخ دكتاتورية البروليتاريا في الوقت الذي لا تتجاوز الأهداف السياسية للحركة الفلاحية في حدودها القصوى النضال من اجل الديمقراطية البرجوازية؟ بناءا على ذلك ألا يجب على البروليتاريا أن تبقى على الحياد في صراع الفلاحين والملاكين العقارين على الاختيار التاريخي بين الأشكال الفلاحية البرجوازية، الإقطاعية أو الملكية البرجوازية للأرض؟
طرح المسالة بهذا الشكل هو، دون شك، انتقائية وتحريفية؟ تحريفية يسارية ليست شائعة، لحسن الحظ، في صفوف حركتنا الشيوعية، ولكن نقده يوفر لنا إمكانية التعمق بأسلوب لنين لتحليل مسالة الأرض بشكل أدق. نعم من المؤكد إن أهداف البروليتاريا و الشيوعيين هو إقامة دكتاتورية الطبقة العاملة و إلغاء كل أشكال الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج ولكن المسالة هي أن هذا الهدف إنما يتحقق بواسطة نمو و تصاعد النضال الطبقي للبروليتاريا في خضم ظروف موضوعية اقتصادية و اجتماعية محددة و خلال مواجهة القوى السياسية للطبقات الاجتماعية الأخرى التي تتعقب كل واحدة منها أهدافها المحددة. يجب على البرويتاريا تحويل النظام الاجتماعي القائم إلى النظام الذي تطمح إليه عن طريق الصراع الطبقي الحي و هي لذلك ملزمة أن تتعامل على هذا الصعيد مع كل القوى الطبقية التي تعمل بأشكال متنوعة أما على تغير النظام الراهن أو الدفاع عنه و الإبقاء عليه.
كان لنين يبحث عن توفير الشروط الموضوعية والذاتية التي تسهل النضال من اجل الاشتراكية و تقرّب في كل خطوة عملية استيلاء الطبقة العاملة على السلطة السياسية كنضال الفلاحين ضد الملاك الإقطاعيين، نضال المرأة من اجل حقوق متساوية في المجتمع، نضال الشعوب الرازحة تحت الظلم من اجل حق تقرير المصير، نضال الاقليات الدينية. هذه المسائل التي لا تشكل أية واحدة منها، بحد ذاتها، نضالا اشتراكيا بل تؤدي إلى توسيع و تعميم الحقوق الديمقراطية ضمن المجتمع البرجوازي و تستلزم إجراء تحولات و تغيرات محددة ضمن إطار العلاقات القائمة. "لسنا الان بصدد مناقشة الامكانية الموضوعية لتحقيق هذه المطالب ضمن إطار المجتمع البرجوازي". و لكن عزوف البروليتاريا عن التدخل الفعال في هذه المسائل و دعوتها إلى "الحياد "بحجة كون تلك المسائل ليست نضالا اشتراكيا مباشرا لا تعني سوى تسليم مصير تحولات المجتمع الموضوعية لتناسب القوى غير البروليتارية و سياساتها و برامجها و حرمان البروليتاريا و منعها بالتالي من حقها الأساسي بإضفاء طابعها على أي نضال ديمقراطي ضمن المجتمع البرجوازي من اجل العمل، عن طريق هذه التغيرات، على تسهيل و دفع حركتها النهائية نحو الاشتراكية. تقع على البروليتاريا و طليعتها الشيوعية في أوضاع محددة مهام ديمقراطية لا يمكن التغاضي عنها:
"يحدد الحزب الاشتراكي الديمقراطي، بوصفه الممثل الواعي لحركة الطبقة العاملة هدفه المتمثل بالتحرير الكامل للجماهير الكادحة من كل اشكال الظلم و الاستغلال و ان تحقيق هذا الهدف الذي يعني القضاء على الملكية الخاصة لوسائل الانتاج وقيام مجتمع اشتراكي، يستلزم مستوى متقدما للقوى المنتجة و تنظيما عاليا للطبقة العاملة و ذلك غير قابل للتصور دون الحرية السياسية، تطور متكامل للقوى المنتجة في المجتمع البرجوازي الحديث، وجود نضال طبقي علني حر و واسع، تثقيف سياسي و تعبئة البروليتاريا. على هذا الصعيد كان النضال الحازم من اجل تحقيق الحرية السياسية الكاملة و الثورة الديمقراطية هدفا دائما للبروليتاريا الواعية." (لنين- المهام الاشتراكية الديمقراطية للبروليتاريا الثورية- ١٩٠٥)
بعبارة أخرى تحدد البروليتاريا طريقا واحدا فقط لتحرير الكادحين من نير الظلم و الاستغلال هو الاشتراكية التي ترتهن باول خطوة باستلام البروليتاريا للسلطة السياسية. تحتاج البروليتاريا من اجل كسب السلطة السياسية وجود أوضاع سياسية يتوسع في ظلها النضال الطبقي بشكل علني، حر و واسع على أساس التثقيف و التعليم السياسي للبروليتاريا و تعبئتها. و بالتأكيد فان النضال من اجل توفير هذه المستلزمات الضرورية لحركة البروليتاريا النهائية نحو الاشتراكية هو جزء حيوي من برنامج البروليتاريا الثورية. من الواضح، استنادا إلى هذه الرؤية: إن النضالات الديمقراطية ليست بحد ذاتها غاية البروليتاريا، بل إنها تشكل حلقة في المسار الكلي لنضالها المستقل و الطبقي نحو الاشتراكية و من هذه الزاوية فقط تستحوذ على أهميتها.
هنا يجب التأكيد على إن تحليل هذه المسألة في الظروف المحددة لأي مجتمع و في كل طور من أطوار النضال الطبقي، مدى توفر المستلزمات المسبقة للنضال المباشر من اجل الاشتراكية، تحليل الموانع التي تقف أمام النمو الحر و الواسع و العلني للنضال الطبقي و التثقيف السياسي، تعليم و تعبئة البروليتاريا و الأهم من كل ذلك تحليل الأسس المادية للموانع المذكورة و معضلات تصاعد النضال الطبقي للبروليتاريا والتعرف على القوى السياسية التي بإمكانها أن تعمل في كل مرحلة جنبا إلى جنب البروليتاريا على رفع موانع النضال المذكورة، ان كل ذلك يشكل مهمة محددة وخطيرة لشيوعيي كل بلد على حدة. من الطبيعي أن نؤكد في هذا السياق بأنه ليس هناك طبعا نسخة جاهزة و معدة مسبقا و تصلح لكل بلدان العالم حول المسائل الديمقراطية لكل المجتمعات و أهمية تلك المسائل في النضال الطبقي للبروليتاريا – إن القول بان المحور الأساسي لكل ثورة ديمقراطية هي مسالة الأرض، في كل زمان و مكان ليس سوى تعميم تبسيطي و نقل ميكانيكي برجوازي صغير يعمل على ابتذال التحليل المحدد في مجالات كثيرة. استنتج لنين و البلاشفة أهمية مسالة الأرض و الحركة الفلاحية استنادا إلى تحليلهما الخاص للأوضاع الاقتصادية الطبقية في روسيا أواخر القرن ١٩ و بداية القرن ٢٠ بناءا على تحليل الأسس الاقتصادية الطبقية للقيصرية، البرجوازية الليبرالية و الحركة الثورية للفلاحين و بينا من خلال تحليل السياسات المحددة و أساليب نضال الحركة الفلاحية كيف و لماذا تحولت مسألة الأرض إلى المحور الأساسي للثورة الروسية و أوضحا كيف يجب على البروليتاريا الروسية أن تبحث عن حلفاء النضال الديمقراطي في صفوف الحركة الثورية للفلاحين و ليس في صفوف البرجوازية الليبرالية.
و لكن هل أن عمل البروليتاريا للاستفادة إلى أقصى حد من النضالات الديمقراطية يؤدي بنا إلى الاستنتاج بان مهمتها تتركز بالدفاع غير المشروط عن النضالات الديمقراطية للطبقات و الفئات الثورية غير البروليتارية؟ على سبيل المثال تجاه مسألة الأرض، هل يجب على البروليتاريا أن تؤيد الفلاحين في مواجهة ملاك الأرض و أن تتبنى مطالبهم و شعاراتهم دون أي تحفظ أو تردد؟
الإجابة على هذا السؤال هو قطعا بالنفي. إذا كان الانحراف الأول يؤدي من خلال إنكاره لمهام البروليتاريا الديمقراطية إلى تسليم مصير النضالات الديمقراطية (و بشكل أساسي الثورة الديمقراطية) مباشرة إلى القوى السياسية و سياسات و برامج الطبقات غيرالبروليتارية، فان الانحراف الثاني هذا يؤدي من خلال الذيلية و الانجرار خلف ديمقراطية الطبقات غير البروليتارية وبشكل عملي إلى نفس النتيجة. إذا كان الانحراف الأول يعجز بشكل مبدأي عن إدراك مكانة و أهمية الوظائف الديمقراطية للبروليتاريا الثورية في مسار وصولها الى الاشتراكية بسبب رؤيته المثالية للنضال الطبقي فان الانحراف الثاني يؤدي عمليا بالبروليتاريا الى الانجرار خلف البرجوازية و التبعية لها من خلال نفي و انكار الحدود الموجودة بين الديمقراطية البروليتارية التي ترتكز على النضال من اجل الاشتراكية و بين الديمقراطية غير البروليتارية و البرجوازية الصغيرة التي لن تتجاوز في أقصى حالاتها الإطار المحدود لاقتصاد و سياسة المجتمع البرجوازي. اصبح واضحا ألان "بان موقف البروليتاريا من كل حركة ديمقراطية غير بروليتارية يجب أن يكون ذو طابع مزدوج، ذلك أن البروليتاريا تؤيد أية حركة ثورية ديمقراطية طالما كانت هذه الحركة و التغيرات الاقتصادية و السياسية التي تطالب بها تعمل على توفير المستلزمات المسبقة لحركة الطبقة لعاملة النهائية نحو الاشتراكية. وقد أكد لنين والبلاشفة في كل خطوة على الطابع المشروط و المزدوج لدفاعهما عن الحركة الثورية للفلاحين:
"... هناك، في الواقع، ثلاثة حركات تختلف عن بعضها البعض على صعيد أهدافها الآنية و النهائية، الملاكين العقاريين، الفلاحين الأغنياء والمتوسطين واخيرا البروليتاريا و لذلك يجب على موقف البروليتاريا أن يكون مزدوجا. إن كل الصعوبات التي تعرقل إعداد برنامج اشتراكي ديمقراطي حول مسالة الأرض هي انه يجب أن يحدد وبالدقة الممكنة الأوضاع التي يجب على البروليتاريا أن تتخذ فيها موقف الحياد والاوضاع التي يجب عليها أن تؤيد و 'تحرض' فيها الفلاحين." (لنين، الآثار الكاملة ج٣ ص٣١)
"إن لهذه المعضلة حلا واحدا: مع البرجوازية الريفية ضد كل اشكال العبودية و الملاكين العقاريين، مع بروليتاريا المدن ضد البرجوازية الريفية و كل البرجوازيات الاخرى. هذا هو منهج منهج البروليتاريا الريفية وايديولوجيتها..."
أو بعبارة أخرى:
"مساعدة الفلاحين حينما يكون نضالهم ضد الملاكين العقاريين من اجل دعم و تقوية القوى الديمقراطية، الحياد بالنسبة للفلاحين عندما يكون نضالهم ضد الملاك العقاريين من اجل تصفية الحساب بين فئتين من طبقة أصحاب الأرض، هذا هو الموضوع الذي تقف منه البروليتاريا و الديمقراطيين موقف الحياد." (ص٣٢)
ب: تقييم المحتوى الاقتصادي لمسالة للأرض كيف يمكن، عمليا، تعين الحدود الفاصلة بين الديمقراطية البروليتارية و ديمقراطية الفلاحين الثوريين والتغلب بذلك على الصعوبة الرئيسية في (إعداد برنامج و سياسة اشتراكية ديمقراطية حول مسالة الأرض). الخطوة الأولى هي دون شك تحليل و معرفة المحتوى الاقتصادي لمسألة الأرض، ذلك إن تلك المعرفة لوحدها توفر للبلاشفة أولا: تقيم مكانة الأرض في مسار تحولات المجتمع بشكل دقيق. ثانيا: كشف الأسس المادية لمسار الحركة الفلاحية و تعريف المحتوى الاقتصادي لأهدافها. ثالثا: نقد السمات البرجوازية و (الطوباوية أحيانا) للمطالب الاقتصادية للحركة الفلاحية و حماية البروليتاريا الزراعية من نفوذ الاوهام البرجوازية الصغيرة و دعوتها للنضال من اجل الاشتراكية جنبا إلى جنب بروليتاريا المدن في صفوف المنظمات الاشتراكية الديمقراطية المستقلة و أخيرا تشديد النضال الأيديولوجي ضد الاتجاهات و القوى التي ترتكز على الأوهام المذكورة.
تنظر الاشتراكية الديمقراطية الروسية إلى حل مسألة الأرض بوصفه مفتاحا لتوسع و تطور الرأسمالية في روسيا القيصرية بمعنى إن انحلال و زوال العلاقات و الروابط الإقطاعية القديمة في روسيا ستطور و ترسخ العلاقات البرجوازية. لم يكن لدى لنين والبلاشفة ادنى توهّم بان حل مسالة الارض في روسيا و بغض النظر عن الطبقة التي ستقوم بانجازه (الفلاحين او الملاكين البرجوازيين) سيؤدي لامحالة الى التعجيل بتطور العلاقات البرجوازية و كذلك كانوا يدركون تماما بان العلاقات البرجوازية لا تكتفي بعدم القضاء على استغلال كادحي الريف فحسب، بل انها ستوسع من ابعادها و تشددها. اقر لنين و البلاشفة بالطابع الراسمالي لحل مسالة الارض، الفلاحي او البرجوا- ملاكي الا انهم لم يغضوا الطرف عنه لهذا السبب بل كانوا يؤكدون على ذلك لان الاعتراف بهذا الواقع واقراره يشكل السبيل الوحيد لتحديد و بلورة الحد الفاصل بين الديمقراطية البروليتارية وكيفية تصدي البروليتاريا لمسألة الارض، الذي يرتكز على نضالها من اجل الاشتراكية، و بين الاشكال البرجوازية المختلفة لحل مسألة الأرض، الفلاحي او البرجوا- ملاكي و هو اضافة الى ذلك يحدد و بشكل واضح اوجه تفاوت الاشكال البرجوازية لحل المسالة و يعين القوة البرجوازية (الفلاحين) التي يجب على البروليتاريا حمايتها خلال الثورة الديمقراطية الروسية دون ان يخفي الطابع البرجوازي للحركة المذكورة و ينزلق الى الطوباوية و الانحرافات الشعبوية و الماوراء الطبقية.
"يتفق العمال و الفلاحين، الاشتراكيون الديمقراطيون و الناردونيك على ضرورة اكتساح الرأسمالية للنظام الزراعي المهترئ في روسيا عن طريق القضاء على ملكية الأرض بالقوة، إلا انهما يختلفان بكون الاشتراكيين الديمقراطيين يدركون الخصائص الرأسمالية لكل الثورات الزراعية في المجتمع الراهن مهما تكن جذرية و راديكالية: تقسيم البلديات المحلية، التأميم، التقسيم، تحويل ملكية الأرض إلى ملكية اجتماعية في الوقت الذي لايفهم الناردونيك ذلك و يقومون بتغليف نضالهم من اجل تعبئة الفلاحين البرجوازيين ضد الملاك البرجوازيين بغلاف من الجمل الطنانة و الفارغة الطوباوية حول المساواة في ملكية الارض." (نفس المصدر ص ٧٨)
يؤكد لنين بان الحل الفلاحي لمسالة الارض هو حل راسمالي ايضا و هو لايختلف، على هذا الصعيد، عن الحل الستولبيني اطلاقا كما انه يؤمن بان على البروليتاريا الدفاع عن هجوم الفلاحين على الملاك ليس لانه يعلق امالا معينة على التطور الراسمالي في روسيا بوصفه هدفا بحد ذاته و ليس لانه يبحث عن تحسين اوضاع الكادحين في افاق هذا التطور بل "لان هدم اركان روسيا البغيضة، الاقطاعية و الباعثة على الاشمئزاز، المستبدة و العبودية سيطلق جيلا جديدا من الجسورين ويخلق دولا و جمهوريات جديدة و سيطور وينمي نضال البروليتاريا فيها من اجل الاشتراكية بشكل حر". (المصدر السابق، ص ٥٠، خطوط التاكيد من عندنا)
"ان التحول من طبقة الى اخرى او من فئة من الفلاحين او المالكين الصغار الى اخرى ليس له نتيجة بحد ذاته الا اذا رافتقه تغيرات سياسية تسهل نضال البروليتاريا من اجل الاشتراكية." (نفس المصدر ص ٧٨)
و لكن ما هي القوى الاجتماعية التي بامكانها حل هذه المسالة و ماهو الحل او الحلول التي تطرحها؟
اولا نظرا لان
"تطور الراسمالية في روسيا خلق في صفوف الفلاحين منذ فترة سابقة طبقتي البرجوازية و البروليتاريا المتصارعتين فان سياسة ستولبين لحل مسألة الارض تعني "الابقاء على ملكية الارض" و ترسيخ الملكية الخاصة بشكل دائم (حتى الثورة البروليتارية ) في كل الاراضي، سواء اكانت اراضي الملاك او اراضي الفلاحين. من المؤكد ان هذه السياسة هي جذرية و راديكالية جدا لانها ستزيل و بشكل جذري الكومونات الفلاحية و النظام الزراعي القديمان المتهالكان و السائران نحو الزوال".
ثانيا: عوضا عن سبيل التطور البرجوا- ملاكي هناك سبيل راسمالي اخر محتمل موضوعيا لتطور الزراعة في روسيا هو سبيل التحول البرجوا- فلاحي "القضاء على ملكية الارض بالقوة" أي اكتساح الراسمالية للنظام الزراعي الروسي المهترئ عن طريق تقسيم الملكية الكبيرة و مصادرة الفلاحين الثورية للاراضي.
سيؤمن كلا الحلان، دون شك، طريق التطور الراسمالي للزراعة في روسيا الا...
"ان الاختلاف الحقيقي للحلالفلاحي لمسالة الارض في الثورة البرجوازية الروسية عن الحل الستولبيني الكاديتي يتجسد في ان الاول سيقضي بالتأكيد على ملكية الملاك العقاريين و من المحتمل جدا ان يقضي على الملكية الفلاحية". (نفس المصدر ص ٧٧)
سيجري السبيل الاول عن طريق حركة ثورية، سريعة ترافقها انجازات سياسية ديمقراطية و ستقلب العلاقات الاقطاعية راسا على عقب في الوقت الذي سيجري الثاني عن طريق اصلاحات تدريجية يرافقها تشرد و تخلف البروليتاريا و الفلاحين. سيؤمن الحل الستولبيني الكاديتي لمسالة الارض
"بالتأكيد التطور الرأسمالي في روسيا ولكنه سيكون تطورا مجهول النهاية و سيكون تأثيره على البروليتاريا و الفلاحين اشق و اكثر صعوبة باضعاف مضاعفة من الحل الاخر الذي تتوفر امكانية تحقيقه موضوعيا و الذي يشكل هو الاخر حلا راسماليا".
هذه الوقائع تشكل الاساس الذي تستند عليه البروليتاريا لدعم نضال الفلاحين الصغار من اجل انتزاع الارض من سيطرة الملاكين الكبار. ترتكز البروليتاريا على رؤية ماركسية لمحتوى و اهمية نضال الفلاحين من اجل الارض، على الصعيد الاقتصادي آخذة بنظر الاعتبار "نضال القوى الواقعية في المجتمع و كون النضال من اجل هذه المسالة او تلك سيؤدي، موضوعيا، الى تكامل الراسمالية في الريف و ليس كما يلجأ" ف. دان" من جهة و الشعبويون من جهة اخرى الى مواجهة مسالة الارض بطوباوية مستندة الى عبارات طنانة و جوفاء.
ان البروليتاريا و دون ان تلجأ الى اطلاق العبارات الفارغة ترى بان الحل الستولبيني لمسألة الارض هو حل ممكن و قابل للتحقيق و لكن عليها اولا: ان توضح للشعب "الثمن الذي سيدفعه جرائه" و ثانيا ان يناضل بكل قواه من اجل حل اقصر و اسرع لتطور الراسمالية في الزراعة من خلال قيام ثورة فلاحية. ولكن ما العمل إذا تغلبت سياسة ستولبين وتقوت إلى الحد الذي تتمكن فيه من تامين السبيل البروسي أي "البرجوا– ملاكي"؟ هل يلجأ لنين، كما هو حال اجزاء واسعة من حركتنا الشيوعية الى مواجهة هذا الواقع التاريخي بالاكتفاء بتوجيه مجموعة من الانتقادات الجامدة و البلهاء مثل كون السبيل المذكورقد جاء من فوق او صدر بناءا على اوامر فوقية و ملكية. الجواب هو كلا طبعا. سيقر لنين بالواقع المذكور لانه ببساطة غير قابل للانكار و سيحلله و يقوم بناءا على ذلك بتحديد تكتيك الشيوعيين منه. "حينذاك سيتحول كل النظام الزراعي الروسي الى نظام راسمالي تام". سيستولي الفلاحون الاغنياء على الحصة الاكبرمن الاراضي و ستسود الراسمالية في الزراعة ولن يبقى بعد ذلك من سبيل حل لمسألة الارض في ظل النظام الرأسمالي سواء كان حلا (راديكاليا) او فوقيا. حينذاك سيرمي الماركسيون الصادقون مع انفسهم بكل برامجهم المتعلقة (بمسالة الارض) الى سلة المهملات و يخاطبون الجماهير قائلين: "لقد جهد العمال ما بوسعهم كي يقوم رأسمالي امريكي و ليس يونكر بروسي بتنظيم روسيا. اننا ندعوكم للالتحام بالثورة الاجتماعية البروليتارية، ذلك انه لم يعد بعد الحل، الستوليبيني لمسألة الارض ثورة اخرى قادرة على احداث تغيرات جذرية في الاوضاع الاقتصادية لحياة جماهير الفلاحين". (ص٧٩)
ثالثا: نظرا لان الثورة الزراعية في روسيا الراهنة هي راسمالية، مهما كانت راديكالية فان الاشتراكية الديمقراطية لن تلجأ الى اجراء المساومات ولن تسمح ابدا باضفاء غطاء ذهبي و براق على اسس التغيرات في النظام الزراعي مثل التقسيم المتساوي، تاميم تقسيم البلديات المحلية وغيرها والتي ستبعث بالنضال الطبقي ضد الملكية بشكل عام الى طي النسيان. الشعبويون لايفهمون ذلك ولذلك يغلفون نضالهم من اجل فصل و تعبئة الفلاحين بوجه البرجوا- ملاكين بجمل وعبارات فارغة و خيالية حول المساواة في نظام الاراضي "حيث ان الاشتراكية الديمقراطية تمثل المصالح الطبقية للعامل الزراعي الاجير فانها تعلن على الملا بان هذه المسألة يجب ان تحسم مع كل الطبقةالعاملة و من خلال نضالها، ذلك انه دون ثورة اشتراكية تامة فان التدابير و الاصلاحات الارضية و مهما كانت جذرية، تبقى عاجزة عن الغاء العمل الزراعي المأجور و ان ايهام الشعب بطوباويات البرجوازية الصغيرة ليست سوى عبث رجعي". (ص ٤٨)
ج: موقف الاشتراكية الديمقراطية من الحركة الفلاحيةملا
"ان محاولة تحديد تركيب القوى الداخلية للجماهير الفلاحية التي ستتواجد في صفوف الثورة الديمقراطية القادمة منذ الان ليست سوى عملا وهميا فارغا" ولكن "ما تتمكن الاشتراكية الديمقراطية من التنبوء به هو ان ميل التملك الموجود في صفوف الفلاحين سيكشف عن عدائه للبروليتاريا بشكل اشد وبوتيرة اسرع كلما تقدمت الثورة بخطوات اسرع". ان الجهل و التخلف السائدين في صفوف الفلاحين، عدم ادراكهم للجانب السياسي من حركتهم، يمنعهم عن ادراك انه لايمكن تحقيق مطالبهم دون قيام تغيرات ديمقراطية جذرية في كل البناء السياسي للسلطة". "ان حركة الفلاحين العفوية و الغريزية و التي تنشأ اساسا من عدم وعيهم السياسي هو واقع تدركه الاشتراكية الديمقراطية. الفلاحين بحاجة الىالارض الا ان احساساتهم الثورية و الغريزية وفهمهم البدائي للديمقراطية لن يولد سوى سيطرتهم على اراضي الملاك العقاريين".
"ان ما يهمنا هو الجانب الثوري و الديمقراطي للثورات الفلاحية و بالاخص بلورة البروليتاريا الريفية و تنظيمها في حزب طبقي. ان اساس المسألة يكمن في وعي الفلاحين بضرورة القضاء على النظام القديم باسلوب ثوري وممارسة هذا الوعي بشكل عملي وليس باعداد طروحات طوباوية عن "التوزيع المجدد للاراضي" او "تاميمها" وان ذلك يفسر اصرار مجموعة، الاس ار، على ما يطلقون عليه التحويل الاجتماعي للاراضي وغير ذلك من الاطروحات واصرارنا نحن على تشكيل" اللجان الفلاحية الثورية".
اولا، في سياق الالتزام بالمنظور الطبقي وعدم الدخول في متاهات البحث عن حل شامل وكامل يصلح لكل زمان و مكان وكذلك دون التغافل عن الطبيعة المزدوجة للفلاح المتوسط و المرفه تتخذ الاشتراكية الديمقراطية موقفا مزدوجا من المسألة الفلاحية "يجب ان لا يقتصر هذا الموقف في ظروف خاصة و مواقع معينة على مجرد التضامن المباشر فحسب بل ان ينتقل الى التحريض العملي ايضا، الا انه في ظروف اخرى مختلفة قد يكون و يجب ان يكون الحياد". تدافع البروليتاريا الثورية عن حركة الفلاحين طالما كانت حركة ديمقراكية ثورية وتعمل على تنمية الخصائص المذكورة لحركتها الا ان مجرد بروز جوانب رجعية من الحركة المذكورة أي وقوفها ضد مصالح بروليتاريا الريف سيؤدي بالبروليتاريا الىالوقوف بوجهها و النضال ضدها. ان تأييد البروليتاريا للحركة الفلاحية يرتكز دائما على تحليل طبقي ولم يكن ابدا تأيدا عاما وغير محددا. "مع البرجوازية الفلاحية ضد كل اشكال التخلف والقنانة وكل الملاكين اصحاب الاقنان، مع البروليتاريا الريفية ضد البرجوازية الفلاحية وكل الفئات البرجوازية الاخرى". ولكن رغم "ان دفاع البروليتاريا عن حركة الفلاحين يصل الى مصادرة الاراضي" الا ان ذلك لا يعني اطلاقا باننا سندعم كل طرح برجوازي صغير. نحن ندعم الحركة الفلاحية طالما كان لها جوانب ثورية ديمقراطية ولكن اذا اتخذت سمات رجعية و معادية للبروليتاريا سنبدأ النضال ضدها، دون تردد، ان الماركسية برمتها تتجسد في هذه المهمة المزدوجة وان ابتذالها و تبسيطها الى مهمة احادية الجانب دليل على عدم ادراك الماركسية والجهل بها". (ص٧٠)
ثانيا، تلتزم الاشتراكية الديمقراطية في نفس الوقت و في كل الاحوال بتنظيم بروليتاريا الريف و ربطها بوشائج و اواصر قوية مع بروليتاريا المدن وتعمل دون كلل على تعبئة البروليتاريا الريفية و الكشف عن تناقض مصالحها مع مصالح البرجوازية الفلاحية. "يجب دعوة البروليتاريا الريفية للنضال من اجل الثورة الاشتراكية، يجب ان نوضح لها بان التحرر من الظلم و الفقر لن يتم من خلال التحول من فلاحين الى برجوازيين صغار بل عن طريق تحويل التظام البرجوازي الى نظام اشتراكي".
ثالثا، هناك سبيل واحد لاضفاء دور ديمقراطي و ثوري على الاصلاح الزراعي المحتوم في روسيا الراهنة. يجب ان يتم بمبادرة الفلاحين ومن خلال مواجهة الملاكين والبيروقراطية والدولة ايضا. بعبارة اخرى يجب ان يتم الاصلاح بمساعدة وسيلة و اداة ثورية. ان اسوأ اشكال توزيع الاراضي بعد مثل هذه الاصلاحات هو افضل من كل النظريات الراهنة حولها". لن تلجأ الاشتراكية الديمقراطية الى الانشغال بطرح نماذج وصيغ عملية متعددة ومختلفة لحل مسألة الارض، ترد هذه المسألة في كل كتابات لنين المتعلقة بهذه المسالة وفي التصدي للمسألة الفلاحية بشكل مباشر او غير مباشر و هي ترتكز على اساس نقد الرؤى التحريفية و الطوباوية السائدة انذاك. ان على حزب البروليتاريا تحديد شعار محدد وقاطع حول هذه المسألة لان اللحظة الراهنة تتطلب مثل هذا الشعار": تشكيل اللجان الفلاحية الثورية وكما جاء في الفقرة ٤ من برنامج الحزب "تاسيس اللجان الفلاحية الثورية من اجل القضاء على كل اشكال القنانة، تغير وتحويل كل العلاقات السائدة في الريف بشكل عام على اسس ديمقراطية، اتخاذ اجراءات ثورية من اجل زيادة حصص الفلاحين من الاراضي الى حد اللجوء الى مصادرة اراضي الملاكين". (ص٣٨)
"أن اقصى اهداف الاشتراكية الديمقراطية هو ايجاد لجان اشتراكية ديمقراطية صرف في كل القرى، لجان تقتصر على كل الاشتراكيين الديمقراطيين فقط، اي على اولئك الذين يؤمنون بايدولوجية البروليتاريا، والقيام بعد ذلك بائتلاف هذه اللجان مع كل العناصر الثورية الديمقراطية و المجاميع و المحافل الفلاحية من اجل تاسيس لجان ثورية. ان هدف الاشتراكية الديمقراطية هو زج كل القوى الديمقراطية و الثورية باتجاه الثورة. "معهم جنب الى جنب" ولكن "دون الاختلاط والتمازج معهم" سنقاتل في كل متاريس الشوارع في المدن و في القرى و الارياف ضد الملاكين و الشرطة. ان لجان الفلاحين الثورية هي لجان تقوم بصياغة مطالب الفلاحين ولذلك فان كل الاصلاحات الارضية هي بحكم اللاشيء دون هذه اللجان. ان وجود هذه اللجان و الارتكاز عليها يسهل انتصار الثورة الفلاحية".
مهدي ميرشاهزادة
منصور حكمت
كانون الثاني ١٩٨٠
* الرفيق مهدي مير شاهزادة الكادر المعروف والاساسي لمنظمة (اتحاد المناضلين الشيوعيين) و عضو لجنتها المركزية، شارك في مؤتمرها الاول الذي عقد في كردستان وعاد بعدها الى طهران، الا انه اعتقل و اعدم هناك. ستبقى ذكراه عزيزة على قلوبنا.
** تم ترجمة هذا المقال نقلا عن النص الوارد في مؤلفات "منصور حكمت المختارة" الذي نشره الحزب الشيوعي الايراني- الحكمتي عام ٢٠٠٥ - المترجم.
ترجمة جلال محمد
| مهدي مير شاهزادة ١٩٨٤ - ١٩٥٠ |
Arabic translation: Jalal Muhammad
hekmat.public-archive.net #0200ar.html
|