Status             Fa   Ar   Tu   Ku   En   De   Sv   It   Fr   Sp  

الشيوعيون والحركة الفلاحية
بعد الحل الامبريالى لمسألة الارض في ايران

اطلعنا فيما سبق على الاسس التي يرتكز عليها موقف لنين من مسألة الارض و على نوع التقييم الذي يطرحه لاوضاع روسيا الخاصة خلال اوائل القرن العشرين والذي حدد في النهاية الابعاد المحددة و الملموسة لموقفه المذكور؛ ماهي العلاقات التي تفرض حل مسالة الارض و ماهي خصائص هذا الحل، ما هي القوى الاجتماعية التي تطالب بحل مسألة الارض و ما هي السبل التي بامكان كل قوة اجتماعية طرحها و تحقيقها و باية خصائص و مميزات محددة؟ وفق اي تحليل تم التوصل الى صياغة اهمية المسألة من وجهة نظر لنين و البروليتاريا الروسية و ما هي مكانة و دور هذه المسألة في توفير الظروف الموضوعية و الذاتية الضرورية للثورة الاشتراكية؟ على هذا الصعيد ماهي الخصائص التي تميز الحركة الفلاحية بوصفها اداة او عتلة رافعة و ماهي الجوانب المهمة للحركة بالنسبة للبروليتاريا الروسية؟ وايضا ماهي مهام البروليتاريا تجاه هذه الحركة و ماهي الاسس التي يرتكز عليها دعم البروليتاريا لها و وفق اية موازين يتم تحديد محتوى هذا الدعم؟ و اخيرا اطلعنا على وظائف الاشتراكية الديمقراطية بوصفها حزب الطبقة العاملة الروسية، تجاه الفلاحين بوصفهم حلفاء الطبقة العاملة في الثورة الديمقراطية و تجاه البروليتاريا الريفية كذلك.

لنطلع الان على الادوات و الوسائل النظرية المحددة التي يوفرها لنا تحليل و موقف لنين لتحديد وظائف الشيوعيين في ايران و سنعمل كذلك من خلال الاستعانة بمقال من "زحمت" لسان حال "الاتحاد الثوري لتحرير العمل" على معرفة مدى استفادة حركتنا الشيوعية من هذه الادوات النظرية ومدى تطبيقها.

اشرنا سابقا الى ان لنين بين من خلال تطبيق النظرية الماركسية المتعلقة بتطور الراسمالية و قوانين حركتها بان نمو الظروف الموضوعية و الذاتية الضرورية للتطور المطرد لصراع البروليتاريا الطبقي ضد البرجوازية، اوائل القرن العشرين، مرهون بانتصار الثورة البرجوازية-الديمقراطية في روسيا والتي تشكل مسألة الارض محتواها الاقتصادي والسياسي، ذلك ان سيادة العلاقات البرجوازية في الريف، تحول قوة العمل الى سلعة على نطاق واسع و النمو الكمي للبروليتاريا من جهة وترسيخ ملكية البرجوازية للارض من جهة اخرى اضافة الى ان سقوط الاستبداد القيصري المرتكز على الملكية الكبيرة للارض ستوفر الشروط الموضوعية و الذاتية الضرورية لتعبئة البروليتاريا بشكل مستقل نحو الاشتراكية. ولكن هل ان ما قيل هو صحيح بالنسبة لكل الثورات و النضالات الديمقراطية في كل انحاء العالم؟ هل ان فقدان الديمقراطية في كل مكان هو مؤشر لبقاء العلاقات الاقطاعية و نقص في تطور الراسمالية او هل ان الوصول الى الديمقراطية و الى نظام جديد و جمهورية يتطور في ظلها نضال البروليتاريا نحو الاشتراكية بشكل مستقل و حر، يستلزم في كل مكان وزمان حل مسألة الارض؟ بعبارة اخرى هل ان "حل مسألة الارض" هو المحتوى الاقتصادي لاية ثورة ديمقراطية في العالم و خاصة في ايران؟ الجواب هو بالتأكيد لا. ذلك ان التصور المذكور لا يصدر الا عن دماغ متحجرأحكم كل منافذه على انجازات لنين النظرية حول الاتجاهات السياسية الراسمالية في عصر الامبريالية، عصرالاحتكارات، تصدير الراسمال و تقسيم العالم و لم يبق في ذهنه سوى بعض الاحكام العامة حول الراسمالية في عصر المنافسة الحرة ولذلك يعتبر ان الاستبداد في كل مكان يترادف مع الاقطاعية و الديمقراطية مع الراسمالية و بمجرد مواجهة اي شكل من اشكال الدكتاتورية و الاستبداد يسحب خنجر مواجهة "الاقطاعيين" معتبرا ان المحور الاساسي لاية ثورة ديمقراطية هو "حل مسالة الارض". من الطبيعي ان تبدأ مثل هذه العقلية آجلا ام عاجلا و من خلال التامل والتحسر على الديمقراطية بالبحث عن اسلوب ما لكيل المديح الى الراسماليين و ستعمل من خلال اطلاق "الوطني و التقدمي" على هذه الاشكال التي تعتبر بحق اكمل الكائنات الطفيلية الاجتماعية في تاريخ الانسان وعلى الاطمئنان و الخلود للراحة على خيانتها للطبقة العاملة.

تطور العلاقات البرجوازية في روسيا خلال اواخر القرن التاسع عشر و اوائل القرن العشرين لم تكن امكانية محتملة فحسب بل كانت ضرورة تاريخية. اسس الاستبداد القيصري اركانه الرئيسية على الملكية الكبيرة (الاقطاعية) للارض. يدرك لنين هذه الوقائع و يؤكد على النضال ضد الاستبداد لانه يمثل عقبة و مانعا امام نمو و تطور وعي البروليتاريا الروسية و تنظيمها السياسي و لذلك فانه يقيم عاليا أية "ضربة" توجه للملكية الخاصة الاقطاعية و للعلاقات القديمة المهترئة التي تشكل مانعا امام النمو الموضوعي للبروليتاريا الروسية و اي تحول لصالحها. على هذا الاساس يؤكد لنين على دعم البروليتاريا للحركة الفلاحية التي بامكانها توجيه أشد الضربات حسما لهذه الملكية و للقيصيرية المستندة عليها لان هذه الضرية لن تكون سوى الاولي و ستليها ضربات لاحقة لملكية وسائل الانتاج بشكل عام، الا ان لنين حذر بروليتاريا الريف من الاندماج بالحركة الفلاحية و سبيل الحل الفلاحي لانها ذات سمات رأسمالية على اية حال و اعتبر نشر الوعي و التنظيم البروليتارين المستقلين من وظائف بروليتاريا المدن الحساسة و الخطيرة. حتى لو اتفقنا، جدلا، بان اوضاع ايران التاريخية الراهنة هي مثل اوضاع روسيا عام ١٩٠٥ وان الاستبداد و الدكتاتورية التي تشكل سدا مانعا امام تطور حركتنا العمالية، هي ذات خصائص اقطاعية، فان دعم "البرجوازبة الوطنية" و تأييدها ليس له صلة بتقييم لنين و موقفه من الثورة الديمقراطية. ذلك ان واقع الحال هو ان ايران بلد راسمالي يسود على انتاجه الاجتماعي النمط الراسمالي، في اعلى مراحله و لذلك يجب البحث عن اساس المانع الذي يقف حائلا امام حركة البروليتاريا المستقلة نحو الاشتراكية ليس "في النظام الاقطاعي القديم" بل في "احدث" نظام انتاجي اي الامبريالية.

ستشهد الحركة الشيوعية نقطة عطف مهمة لو اننا قبلنا بالانجاز اللينيني الذي ينص على ان الرسمالية، في عصر الامبريالية، بعكسها خلال مرحلة المنافسة الحرة، تميل نحو الرجعية السياسية و نحو "النفي الشامل للديمقراطية" و ايضا بعدم تمكن راسمالية عصر الاحتكارات من العودة الى عصر المنافسة الحرة رغم كل اشكال الدعاء و الشعوذة و التشويق و المواقف المزدوجة بل على العكس تتبلور راسمالية الاحتكارات اكثر من اي وقت مضى و تتهيأ من اجل تلقي الضربة النهائية للبروليتاريا. و على هذا الصعيد فان الدكتاتورية القائمة، في العديد من البلدان الراسمالية الخاضعة للامبريالية (نعم دكتاتورية في عصر الامبريالية) تنحصر ادوارها بكونها اسواق لتصديررؤوس الاموال الاحتكارية و ميدان لانتاج "فائض القيمة الاحتكارية"[*] اقول ان تلك البلدان ليست من النماذج الدكتاتورية التي تشكل الاقطاعية مانعا امام نمو و تطور الراسمالية في اريافها، بل يعود ذلك بالضبط لسيادة الراسمالية الامبريالية على اقتصادها و سياستها و على نفس هذا المنوال فان سيادة الديمقراطية (التي تعتبر من وجهة نظر البروليتاريا احدى المستلزمات الاساسية للنضال نحو الاشتراكية)، ليست تستلزم حل مسألة الارض بطريق راسمالي و "العودة" الى الرأسمالية الكلاسيكية بقيادة البرجوازية الوطنية، بل تشترط انتصار نضال العمال و الكادحين ضد الامبريالية في هذه البلدان. اذا كان عجزنا او "فقداننا لمزاج قراءة لنين" يدعونا لاعتبار وجود الدكتاتورية في كل الاحوال انعكاسا لاستمرار العلاقات الاقطاعية و بان توسع الديمقراطية التي تطالب بها الطبقة العاملة تستلزم في كل الاحوال و بشكل مستقل عن الظروف الملموسة لكل مجتمع "حل مسألة الارض" فان علينا ان نصل بالضرورة الى الاستنتاج المضحك التالي: ان الرأسماليين الانكليز و الامريكان و الهولنديين في افريقيا الجنوبية و روديسيا او في امريكا الشمالية هم من كبار الاقطاعيين العتاة او ان نعتبر ان على الحركة الثورية للسكان السود في افريقيا الجنوبية او المناضلين في ايرلندا الشمالية الذين يكافحون ضد الاحتلال الانكليزي و اللذين بامكاننا ان نعتبر، دون تردد، نضالهم ديمقراطيا و ليس اشتراكيا مباشرا، نقول بان على هؤلاء، حسب الزعم السابق، ان يناضلوا من اجل "ازالة العوائق" امام تطور الراسمالية و "القضاء النهائي على الاقطاعية" و ان يعملوا كذلك من اجل الوحدة و التكاتف مع "الحركة الثورية للفلاحين" في بلدانهم و ان يدرجوا مطلب "حل مسألة الارض حلا رأسماليا" و ليس مصادرة الراسمال الاحتكاري على رأس قائمة مطالبهم و برنامجهم الاقتصادي.

ولكن لنلقي نظرة على ما يقوله الذين يحددون محور الثورة الديمقراطية في ايران بمسألة الارض و لنرى الي اي حد تتطابق مواقفهم و حركتهم مع المنهج اللينيني لتحديد وظائف البروليتاريا الديمقراطية و خاصة تجاه الحركة الفلاحية. سنكتفي بنموذج من "زحمت" لسان حال "الاتحاد الثوري لتحرير العمل" العدد ٦ بعنوان "الهيئة الحاكمة و مسألة الارض"، بعد ان تنهي زحمت تشهيرها ب"قانون الحيازة و احياء الاراضي للمجلس الثوري الاسلامي" تصل الي النتيجة التالية:

"جاءت الاصلاحات الارضية الشاهنشاهية لمحمد رضا خطوة معادية للفلاحين و في خدمة مصالح الملاكين الكبار و الابقاء على امتيازاتهم و عجزت عن حل العديد من المشاكل الزراعية للبلد اضافة الى فشلها في تحسين اوضاع الفلاحين الفقراء و المرفهين. ان الاستناد على هذه الاصلاحات المعادية للفلاحين هو التحرك باتجاه معاد لمصالح اكثرية الفلاحين في ايران. الريف الايراني بحاجة الى ثورة زراعية راديكالية يقوم بها الفلاحون انفسهم، ثورة تقضي بشكل نهائي على اساس التمايز في ملكية الارض و بقايا العلاقات المهترئة و تهئ الطريق لتطور الزراعة المصنعة على اساس تعاون و تضامن الفلاحين و بدعم مالي و تكنيكي من الدولة الديمقراطية و التقدمية. يجب ان يتم تحديد اسلوب توزيع الاراضي و انجازه من قبل الفلاحين انفسهم و عن طريق الاتحادات الفلاحية الثورية، يجب مصادرة المزارع الكبيرة للملاكين الكبار و الامبرياليين و منحها للفلاحين. ان الهيئة الحاكمة الراهنة تثبت في كل خطوة من خطواتها بانها حامية الملكية الكبيرة لكبار الملاكين و لاشكال الاستغلال القديمة القروسطوية و تثبت كذلك عجزها عن التقدم خطوة واحدة لصالح الاكثرية الساحقة من الفلاحين." (ص٣)

يجب اولا ان نسأل "زحمت" فيما اذا كانت تقبل او ترفض، مبدأيا تقييم لنين: ان اكثر الثورات الزراعية راديكالية و جذرية لا تشكل في النهاية الا حلا رأسماليا لمسألة الارض. اذا كان جوابها بالنفي يجب ان توضح كيف ان حلا غير راسماليا "حتما اشتراكيا" لمسألة الارض يتم عن طريق "الفلاحبن" و بدعم دولة "ديمقراطية و تقدمية"، بعبارة اخرى يجب ان توضح كيف: اصبحت التحولات الاشتراكية لعلاقات الانتاج في الريف مهمة للثورة الديمقراطية عندنا؟ او عليها ان تعترف بانها مقتنعة من صميم قلبها بواقعية "طريق التطور اللارأسمالي" للزراعة في ايران. ولكن جواب "زحمت" على تقيم لنين هو، دون شك، بالايجاب. لانها تدرك بالتأكيد بان الثورة الزراعية "الراديكالة و المنبعثة من تحت" و التي يقوم بها الفلاحون ستفتح افاقا واسعة امام نمو الانتاج الراسمالي في الريف. الا ان الامربالنسبة لها هو ان تأييد نمو الراسمالية و دعمها هي مشكلة لغوية تتعلق بالالفاظ و الكلمات و ليس بالمحتوى و لذلك تفضل استخدام عبارة (تمهد الطريق لتوسع الزراعة المصنعة "في ظل اية علاقة- المؤلف" على اساس تعاون و تضامن الفلاحين مع الدعم المالي و الفني للدولة الديمقراطية و التقدمية) محل عبارة (تمهد السبيل امام سيادة العلاقات الرأسمالية في الريف). ثلاثة عشرة كلمة استعراضية و براقة تصبح غطاءا لاخفاء كلمة "الراسمالية"، اي النظام الذي يدعي "زحمت" بانه يشكل مطلب الريف الايراني و بانه سيسود على الزراعة في ايران. حتى الان بامكاننا ان نغض الطرف عن المسألة اذا افترضنا ان اوضاع ايران هي نفس اوضاع روسيا عام ١٩٠٥ و اذا اتفقنا ان نمو الرأسمالية، سواء من وجهة النظر التاريخية لتطور المجتمع او من زاوية مصالح كل الطبقة العاملة، هي عملية ممكنة و ضرورية، عند ذاك ليس بامكاننا سوى ان نعاتب "زحمت" على غموضها او عدم صرامتها في الدفاع عن الموقف المستقل للبروليتاريا (يجب ان ننوه بان الصعوبة التي يواجهها يراع "زحمت" في كتابة كلمة "الراسمالية" هي بحد ذاتها دليل على خطأ هذه الفرضيات). ان المشكلة تكمن في ان ادعاء "زحمت" بان "الثورة الفلاحية الراديكالية" و "الاتية من تحت" و التي سترسخ العلاقات الرأسمالية، ستقضي على "اساس عدم المساواة". اولا: ان القضاء على اساس عدم المساواة في ملكية الارض لاتعني سوى ترسيخ اللامساواة في ملكية الارض- التقسيم المتساوي للارض بين الفلاحين-، حسن جدا و لكن اليس هذا هو نفس ماقاله كريج [Hermann Kriege] و الذي انتقده ماركس عام ١٨٤٦ دون هوادة (رغم ان الاول اجهد نفسه و قام بقياس قطع الاراضي التي سيوزعها على كل فلاح). ليس هذا الا طرحا لتحويل كل الناس الى برجوازيين صغار و كل ما وجهه ماركس الى كريج من انتقادات تنطبق مباشرة على رفاق "زحمت": فالاراضي المتساوية المساحة لا تنتج بالضرورة انتاجا "متساويا" من حيث الكمية و النوعية و القيمة لان الانهار لاتقع على مسافات متساوية من كل المزارع، لا تنهمر الامطار بكميات متساوية على كل هكتار من الاراضي كما الشمس لا تشرق على كل الاراضي بالتساوي، ليس لدى العوائل الفلاحية قوة عمل "متساوية" لخدمة الاراضي، نوعيات التربة ليست متساوية في كل المزارع، بعد المزارع عن اسواق وسائل الانتاج و التصريف ليس متساويا، الفلاحون انفسهم من حيث قواهم العضلية و من حيث المهارات و التجربة ليسوا متساويين... و لذلك فان ملكية "زحمت" المتساوية للارض سرعان ما تتحول، كما حدث لمثيلتها "نموذج كريج" بالضرورة الى لامساواة لكون كلا النموذجين قائمان على الملكية الخاصة لوسائل الانتاج وعلى الانتاج البضاعي: ان الاحتكارات هي الاجيال القادمة للانتاج البضاعي الصغير.

ما تعجز جماهير الفلاحين و (رفاق زحمت) كذلك عن ادراكه هو ان افضل اشكال التقسيم و اكثرها "حرية" و "عدالة" للاراضي لن تقضي على الرأسمالية، بل بالعكس انها تخلق ظروفا مناسبة لتطورها ولنموها و انتصارها. في الوقت الذي تبلور الاشتراكية الديمقراطية بالضبط المحتوى الثوري – الديمقراطي لهذا الطموح الفلاحي و تدافع عنه، تعمل الاشتراكية البرجوازية الصغيرة على التنظير لهذا التخلف و بذلك تعمل على التشويش على مستلزمات و مهام الثورة الاشتراكية و تشتيتها." (نفس المصدر ص ٥٤-٥٥ خطوط التاكيد من عندنا) [يبدو ان المقصود هو كتاب لنين – المهام الاشتراكية الديمقراطية للبروليتاريا الثورية ١٩٠٥. المترجم]

تماما بعكس لنين و البلاشفة، ما لاتشير اليه زحمت هو بالضبط المحتوى الثوري – الديمقراطي للاهداف الفلاحية وما يقومون بالتنظير له هو الجانب المتخلف من تلك الامال. اذا كانت "زحمت" تتحدث بوصفها ممثلة عن الفلاحين و تقوم بصياغة اهداف المالكين البرجوازية الصغيرة فليس هناك ما يعيب في هذا الامرابدا، في هذه الحال يجب على الشيوعيين ان يدافعوا عن حركة الفلاحين البرحوازية الصغيرة بقيادة "زحمت" و عليهم، في نفس الوقت، ان يحموا باصرار بروليتاريا الريف من نفوذ مثل هذه الاوهام ذلك ان (المساواة في الملكية تحول الجميع الى برجوازين صغار)، اما اذا كان الرفاق يدعون الانطلاق من موقع بروليتاري فان مهمتهم تجاه الطبقة العاملة و خاصة بروليتاريا الريف هي النضال الحازم ضد اوهام البرحوازية الصغيرة المتعلقة "بامكانية القضاء على الاستغلال من خلال الحفاظ على الملكية الخاصة للارض" او على الاقل عدم الانجرار خلف هذه الاوهام.

يشبه رفاق "زحمت" الثورة الديمقراطية في ايران، بقدر تعلق الامر بمسألة الارض، بنموذج الثورة الديمقراطية – البرجوازية الروسية عام ١٩٠٥ ولكن ياللعجب فلقد قرروا ان يبرزوا كالناردونيك:

"يتفق العمال و الفلاحون، الاشتراكية الديمقراطية و الناردونيك جميعا على ضرورة اكتساح الراسمالية للنطام الزراعي المهترئ في روسيا عن طريق القضاء على ملكية الارض بالقوة، الا انهم يختلفون في ان الاشتراكيين الديمقراطيين يعون السمة الرأسمالية لكل اشكال الثورات الزراعية في المجتمع الراهن مهما كانت راديكالية، كالموني سيباليزاسيون والتاميم، التقسيم و الملكية الاجتماعية، بينما لايدرك الناردونيك هذه المسالة ولذلك يخفون نضالهم من اجل تميز و تعبئة الفلاح البرجوازي ضد الملاك البرجوازي بجملة من العبارات الفارغة و الطوباوية حول المساواة في ملكية الارض." (نفس المصدر ص٧٨ خطوط التأكيد من عندنا)

ان ما يعرضه علينا رفاق زحمت بوصفه "حاجة" الريف الايراني للقضاء على اساس عدم المساواة في ملكية الارض هو في الواقع تبلور المالك الفلاح - البرجوازي. الا ان المشكلة في هذه الصيغة- الحاجة تكمن في ان هذا الهدف البرجوازي الصغير يتخبط في انتقائية شديدة، ذلك ان زحمت تعتقد بان هذا التمايز سيمهد السبيل امام توسع الزراعة الصناعية، بالتأكيد سيتحقق هذا الامر تدريجيا، و لكن و ياللاسف فان على هؤلاء الرفاق ان يختاروا بين "هدف الزراعة المصنعة الراسمالية" و بين "المساواة في ملكية الارض" ذلك ان نمو الزراعة المصنعة الراسمالية في خضم علاقات الملكية الصغيرة تتطلب، دون ادني شك، سيادة الملكية الكبيرة للارض التي ترفع جدوى استخدام الالات الزراعية الثقيلة و تجعل استخدام العمل المأجور ذات فائدة للمالك. الا ان نفس وجود العمل الماجور في ميدان الزراعة يبين بان هناك من لا يملكون ارضا ليزرعوها بانفسهم. نعم ان النتيجة الواقعية لعملية تراكم راس المال و المنافسة في رحم نظام الملكية الصغيرة التي يشير اليها رفاق زحمت هي تمركز الارض و راس المال من جهة و تجريد الفلاحين من جهة ثانية، هذا هو السبيل الوحيد لتحقيق "هدف" الزراعة المصنعة التي يطالب بها هؤلاء الرفاق و التي كانت، تاريخيا، عملية حتمية. "لم تبدأ الاصلاحات الزراعية الفوقية لمحمد رضاه شاه" بنية منح الاراضي بمساحات واسعة للملاك–البرجوازيين. كان أرسنجاني البرجوازي عام ١٩٦٣ الذي عمل في خدمة الراسمالية الاحتكارية، متفتح الذهن و مدركا لعملية تقسيم الاراضي و مسارها المستقبلي اكثر من "كريج" البرحوازي الصغير عام ١٨٤٦ و الذي كان يعتبر نفسه شيوعيا وكذلك من زحمت الاشتراكية الشعبوية عام ١٩٧٩ (التي تدعي الدفاع المستميت عن اكثرية الفلاحين) فلقد قام ببيع اشكال الملكية الموجودة انذاك (التي كانت ضمن المرحلة الاولى للتقسم) و لكن ماتم في الواقع (والذي كان ارسنجاني يدركه و زحمت لاتدركه) قد تجاوز ملكية "زحمت" المتساوية للارض، ذلك ان التقسيم شمل كل الاراضي بحيث كانت النتيجة انهيار البعض و و انتعاش و صعود البعض الاخر (اما من هم الذين انهاروا فليس جزءا من بحثنا الراهن). قام الصاعدون بمركزة ملكية الارض و ساقوا المنهارين نحو سوق العمل الماجور (الى المدن بشكل رئيسي ونحو الارياف بدرجة اقل). ان نظام الانتاج الزراعي لايعرف سوى سبيلا وحيدا للحفاظ على "الملكية المتساوية" و لتمركز راس المال ايضا وهو "الشركة المساهمة" و لذلك فان "زحمت" مضطرة، ضمن محاولاتها الحثيثة لترسيخ الملكية الصغيرة؛ اما لتتبع التاريخ وصولا الى الشركات الزراعية المساهمة الفوقية و الشاهنشاهية (الصيغة التي لاتعني سوى سلب قوة العمل من المساهمين على اساس النموذج المتكون من اندماج المساهمين انفسهم) او ان تقوم بين الحين و الاخر بدعوة الفلاحين للقيام بثورة "راديكالية ومن تحت".

و لكن لا، ففي جعبة "زحمت" حل اخر للحفاظ على "المساواة في ملكية الارض" و لتطوير "الزراعة المصنعة" و في نفس الوقت "لتعاون و تضامن الفلاحين و كذلك الدعم المالي و الفني للدولة الديمقراطية و التقدمية". اولا؛ تدعي "زحمت" ان تعاون الفلاحين و معاضدة الدولة الديمقراطية و التقدمية "يمكنها و يجب عليها ان تحل محل انتاج، تراكم و تمركز راس المال وان تجني في نفس الوقت نتائج نمو المنافسة و توسعها (التمركز من جهة و الانهيار من جهة اخرى) ولكن المشكلة هي ان المنافسة، الافلاس و تمركز راس المال و وسائل الانتاج و من ضمنها و اهمها الارض الزراعية) ليست من اختراع ارسنجاني و لا ماركس. فالاول نفذ التقسيم و صور عملية سلب الملكية الامبريالية من جماهير الفلاحين الواسعة خلال فترة قصيرة و كانها تقسيم للاراضي و اقنع الفلاحين بذلك و قام الثاني (ماركس) بالكشف عن الخيوط الدقيقة لالية هذه العملية و قوانينها الداخلية و قام بانتقادها من وجهة نظر البروليتاريا و علم الحركة العمالية بحتمية الاشتراكية.

اما رفاق "زحمت" فلا هم مثل ارسنجاني مستشار الراسمال الامبريالي و لا مثل ماركس معلم البروليتاريا لانهم لايدركون ضرورة التعرف على القوانين المادية لحركة المجتمع و يتصورون بانهم سيقضون بجرة قلم على القوانين المادية للمنافسة و تمركز راس المال في الريف الايراني. و هل اكل الدهر و شرب على نظريات ماركس لتقضي "زحمت" على كل التناقضات الذاتية (الكبيرة و الصغيرة) للانتاج الراسمالي عن طريق "التعاون" و "دعم الدولة الديمقراطية و التقدمية"، عجبي.. في اية جحور يختبئ مناصروا نظرية التطور اللاراسمالي هؤلاء!

"هذا المفهوم (المواد ٤-٩ من برنامج الحزب الاشتراكي الديمقراطي البولوني) ينسجم تماما مع الاصلاحية البرجوازية.... وليس ثوريا ابدا، لاشك انه تقدمي و لكن في صالح من يملكون شيئا. ان طرح هذه المطالب من قبل الاشتراكيين الديمقراطيين ليس سوى تجميل و تقديس نزعة التملك، انه تماما كمطلب مساعدة الدولة للتروستات "الكارتلات و لجان و نقابات ارباب العمل، انها مطالب لا تتميز في تقدميتها". باحتواء ادني مطالب التعاونيات و الضمان و المطالب الزراعية الاخرى. ان العمل على الانخراط في مثل هذه المسائل ليس جزءا من مهامنا، بل من وظائف اصحاب العمل و المهتمين بشؤون الاستثمار. تحيل الاشتراكية البروليتارية، بعكس الاشتراكية البرجوازية الصغيرة، الهموم المتعلقة بتعاونيات مالكي الاراضي الكبيرة و الصغيرة الى الاعضاء اصحاب اراضي المشاعات الزراعية و غيرهم و تركز هي على الاهتمام بتعاونيات العمل الماجور بهدف النضال ضد اصحاب الاراضي." (نفس المصدر ص ٥٨-٥٩)[١]

ثانيا؛ ان "زحمت" التي لا تشير في كل المقال الى الطبقة العاملة و بروليتاريا الريف و لا تؤكد حتى على دورها القيادي في الثورة الراهنة و دورها بالتالي في تحديد مسالة الارض تتطرق فجأة الى "الدولة الديمقراطية و التقدمية". ولكن دولة من هي هذه الدولة؟ تبقى "زحمت" ساكتة تجاه هذا السؤال وتحدد الدولة ليس على اساسها الطبقي بل من خلال خصائصها "الديمقراطية" و على اساس دعمها المالي و الفني للفلاحين. هذه المسألة ليست اعتباطية ذلك ان الاشارة الى واقع ان الدولة "الديمقراطية و التقدمية" التي ستنبثق من رحم ثورتنا الراهنة هي دولة العمال و الكادحين بضمنهم الفلاحين و هي تطرح باستمرار السؤال التالي: اية دولة هي الدولة الراهنة؟ فاذا لم تكن دولة العمال والكادحين كيف يمكن القضاء عليها؟ و تعويضها بالدولة التي نطالب بها؟ و هذه مسألة ليست من اللباقة ان يتصدى المرء لها في مقالة قصيرة حول مسالة الزراعية..! و على هذا الصعيد فان كل ما تقوله "زحمت" يتجنب التطرق الى النضال السياسي الذي على الفلاحين اللجوء اليه جنبا الى جنب البروليتاريا الايرانية من اجل تحقيق مطالبهم ضد الحكومة الراهنة في الوقت الذي تشكل هذه المسالة محور تصدي لنين لمسالة الارض و الحركة الفلاحية. اكد لنين باستمرار على ان الفلاحين طالما لجاؤا الى الاسلوب الثوري في مواجهة النظام الراهن فانهم يشكلون حلفاء سياسيين لليروليتاريا، حلفاء سياسيين وليس حلفاء اقتصاديين. واكد ايضا على ان بروليتاريا الريف يجب ان تفضح بحزم السمات البرجوازية الصغيرة و الطوباوية لمطالب الفلاحين و ان على بروليتاريا الريف ان تفكر بالاشتراكية طالما تعلق الامر بالاقتصاد اي بالقضاء على الفقر و الاستغلال و برفاهية الجماهير الواسعة.

و لكن هذه السمة البرجوازية الصغيرة يجب ان لا تمنع البروليتاريا من مد يد التعاون، في ميدان الثورة الديمقراطية (التي هي قبل اي شئ، النضال من اجل السلطة السياسية و ليس من اجل القضاء على معضلات البلد الزراعية)، الى الفلاحين بوصفهم الحلفاء السياسيين للطبقة العاملة و على هذا الصعيد يجب تنظيم البروليتاريا الريفية في لجان اشتراكية ديمقراطية مستقلة و القيام، قدر الامكان، بتحديد مسار و خصائص اللجان الثورية للفلاحين.

ولكن "زحمت" تضع السياسة جانبا و تثبت صحة ما تقوله البروليتاريا عن "غريزة التملك"، ترنو اليها و تتعهد بقيام "الدولة الديمقراطية و التقدمية"، التي ستشكل البروليتاريا جزءا اساسيا منها، بضمان المساعدات المالية و الفنية غير المشروطة "للمالكين الصغار" دون ان تفكر مليا و لو للحظة واحدة بمسألة؛ "ان القيام منذ الان بحساب تركيب القوى التي ستنبعث من صفوف جماهير الفلاحين خلال الثورة الديمقراطية القادمة ليس الا وهما طوباويا فارغا" و ب"اننا سنستمر بالثورة الديمقراطية دون توقف، استنادا الى توازن قوانا ، اي قوى البروليتاريا الواعية و المنظمة حتى الثورة الاشتراكية و باننا مؤيدون للثورة الدائمة". ان "زحمت" التي تنهمك بالتنظير لعملية تبلور الفلاح – البرجوازي والتغطية عليها بمجموعة من الجمل الطوباوية الطنانة ك"نظام الاراضي المتساوية" و تعمل على سوق هذه الصيغ بوصفها صيغ شاملة و عالمية و بانها "حاجة الريف الايراني" (دون الاخذ بنظر الاعتبار الاشكال المختلفة للملكية و الانتاج السائدة في ايران؛ زراعة مصنعة، بستنة، ملكية صغيرة، نظام تاجير الارا ضي او حتى اعتماد العوائل على مدخولات ابنائها الشباب الذي يبعيون قوة عملهم في المدن المجاورة) اقول انها لاتنوي، اساسا التاثير على تركيب القوى الموجودة في الريف و لن تعير اهتماما لمستقبل الثورة الديمقراطية ولا بالاستمرار حتى الثورة الاشتراكية.

الا ان "زحمت" لن تفلت من السياسة، شاءت ذلك ام ابت؛ ان من لاينهض في الميدان السياسي للدفاع بوعي عن البروليتاريا، سينتهي به المطاف خادما غير واع لسياسة البرحوازية:

"هذا القانون (الصادر عن مجلس الثورة) خيب كل الامال بالاصلاح في مسالة الارض، فهو يخلو من كل مؤشرات وعود بني صدر باصلاحات راديكالية في مجال الارض و لا يتضمن كذلك اية معالم من المسودة الليبرالية التي اقترحها الوكلاء الوطنيون لوزارة الزراعة و الذين طالبوا باحياء "القرية" و بعث الحياة في جسد المالك الصغير." (نفس المقال)

ها هي حركة "زحمت" من الاقتصاد نحو السياسة و هاهو الجناح و القوى السياسية التي تتمكن من قيادة "الدولة الديمقراطية و التقدمية" التي تشير اليها؛ بني صدر و الوكلاء الوطنيون (!) لوزارة الزراعة! و لكن ياللاسف فبرنامجهم المتعلق بمسالة الارض لم يتضمن اية معالم من اقتراحات "زحمت" مما فوت على ايران فرصة التحول الى تبني نظام الملكية الصغيرة! من المؤكد بانه سيكون غريبا ان لم يستنتج الفلاح من كل هذا الفيض ضرورة الدفاع عن بني صدر او "الوكلاء الوطنيون لوزارة الزراعة" (خلال انتخابات رئاسة الجمهورية مثلا) ولكن ليطمئن بال "زحمت" فعندما ينتفض الفلاحون في كل ايران كما فعل فلاحو كردستان من اجل المصادرة الثورية لكل الاراضي حينذاك سيتفق الطرح القادم لمجلس الثورة مع نظرات وزارة الزراعة المشحونة بوجهات نظر بني صدر و الوكلاء الوطنيين للوزارة المذكورة و سيتوجه هؤلاء السادة على رأس هيئات "النيات الحسنة" بطروحاتهم و مشاريعم الشفهية نحو لقاء "المواطنين الاعزاء من سكان الريف".

يجب ان نقبل بان "زحمت" اشارت الى "مصادرة المزارع الكبيرة للاغنياء والاميرياليين" و بالذات الى مسالة توزيع الاراضي عن طريق الاتحادات الفلاحية الثورية، هذه النقطة ايجابية للغاية و تشير الى احتمال تراجع "زحمت" عن اصرارها على الاطروحة الطوباوبة "المساواة في ملكية الاراضي" وربطها اشكال التوزيع او "عدم التوزيع و الدمج" بعد عمليات المصادرة بتركيب القوى الداخلية للاتحادات الفلاحية الثورية. انها تفتح بذلك منفذا باتجاه اللينينة، ولكن كل ما قالته قبل ذلك يفتح بابا واسعا بوجه الخونة و المساومين من امثال حزب توده و المنظمة الثورية و من هم على شاكلتهما ليتهموا ب"اليسارية و الفوضوية" كل العمال الزراعيين و الفلاحين الذين يرفضون افاق طرح بني صدر و الوكلاء الوطنيين لوزارة الزراعة المتمحورة حول احياء مجموعة "القرية"، الهجرة المعاكسة الى الريف او "نظام الاراضي المتساوية" و بالذين يصرون على ضرورة السيطرة المباشرة للمجالس و الاتحادات الفلاحية على الاراضي وعلى الانتاح الجماعي (وهذا لاينطبق فقط على الزراعة المصنعة و المزارع الكبيرة الممكننة بل ايضا الفلاحين الذين يدركون ضرورة الدمج و الزراعة الجماعية في الاراضي التي يتصرفون بها في الوقت الراهن).

مماسبق يتبين بانه حتى اذا كان الريف الايراني يمر، في ايامنا الراهنة، باوضاع مشابهة للريف الروسي عام ١٩٠٥، فان موقف"زحمت" لايشبه بشئ الموقف اللينيني من مسألة الارض في تلك الايام، انه نسخة مطابقة لموقف كريج عام ١٨٤٦ و موقف الناردونيك عام ١٩٠٥[٢].

ولكن النقطة الاساسية هي ان الاوضاع الراهنة في ايران و بقدر تعلق الامر بمسالة الارض، لاتشبه بشئ اوضاع روسيا عام ١٩٠٥ و ان الموقف الناردوني ل"زحمت" جاء متاخرا لمدة خمسة عشر عاماعلى الاقل. و هكذا فان عجز "زحمت" عن ادراك الاسس الاقتصادية لمسالة الارض، في الظرف المحدد و جهلها بكون سبيل الحل الفلاحي و الراديكالي للمسالة هو حل امبريالي بقدر سبيل الحل البرحوا-ملاكي و الفوقي يؤديان بها الى انتزاع تاريخية سبيل الحل الفلاحي و خصائصه الطبقية و بالتالي تعريفه و الدعاية له بوصفه هدفا ماوراطبقيا من جهة و الى الرفض المبدأي لسبيل الحل البرحوا-ملاكي بوصفه حلا لمسالة الارض من جهة اخرى. هذه النقطة تكشف عن نفسها في عجز "زحمت" عن اتخاذ موقف ماركسي من الاصلاحات الارضية (سلب الملكية) خلال العقد السادس، [من القرن الماضي المترجم]. تكتب زحمت:

"كانت الاصلاحات الارضية الشاهنشاهية الفوقية، خطوة معادية للفلاحين و لخدمة المصالح الامبريالية و الحفاظ على مجموعة من امتيازات الملاكين الكبار و عجزت عن حل مجموعة من مشاكل البلد الزراعية و تحسين مستوى حياة الفلاحين الفقراء و المتوسطين."

حل مسالة الارض بالنسبة ل"زحمت" هو القضاء على مشكلات "البلد" الزراعية و تحسين الاوضاع المعيشية للفلاحين الفقراء و المتوسطين. تتجاهل "زحمت" كليا الانجاز النظري الماركسي-اللينيني الذي يؤكد على ان المحتوى الاقتصادي للحل الراسمالي لمسالة الارض لايتمحور، مبدأيا "حول" حل المعضلات الزراعية للبلد "و تحسين الاوضاع المعيشية للفلاح الفقير، بل ازالة العوائق امام تطور الراسمالية[٣]. ان "زحمت" التي قررت منذ البداية بان ليس لديها ما تعمله بالاسس الاقتصادية-التاريخية لحل مسالة الارض ستتجاهل حتما مسالة النظام الانتاجي السائد في البلد الذي من المقرر حل معضلاته الزراعية و العلاقات الانتاجية التي سيتم في ظلها تحسين الاوضاع المعيشية للفلاحين الفقراء. تفترض البرجوازية ازلية الراسمالية و لذلك لن تشير في "علم اقتصادها" الى علاقاتها الانتاجية و لن تناقش حدودها التاريخية المحددة و اختلافها عن العلاقات ما قبل الرسمالية او الاشتراكية، كذلك تفعل "زحمت"، فهي تحصر نفسها ضمن اطار النظام القائم و تعمل على مواجهة المعضلات الزراعية للبلد و تحسين اوضاع الفلاحين الفقراء. لذلك لن تختلف في هذا الموقف، قيد انملة، عن "الوكلاء الوطنيين لوزارة الزراعة".

ولكن عندما يتصدى ماركس لمسالة الارض و كيفية حلها من الزاوية التاريخية يبحث عن اجابات مختلفة، فهو يناقش العملية التاريخية التي تحول العلاقات الاقطاعية بين المزارع و المالك الى علاقات برجوازية بين راس المال و العمل الماجور، وليس هذا التحول سوى حل مسالة الارض. ذلك ان اساس هذه العملية، اي عملية التراكم الاولي لراس المال، هو انفصال المنتجين المباشرين عن وسائل الانتاج، اي سلب الملكية من الفلاحين (و كذلك من حرفيي المدن). في نهاية هذه العملية (سلب الملكية) التي تتحول فيها قوة العمل، على نطاق واسع، الى سلعة و يصبح بمقدور البرجوازية التجارية و الربوية فتح ميدان الانتاج امام راس المال من خلال استخدام قوة العمل الماجور من جهة و تتحول وسائل الانتاج و مواد معيشة (استهلاك) المنتجين المباشرين الى سلعة من جهة اخرى و لتحول كلا عنصري الانتاج بالتالي الى عناصر الراسمال الثابت و المتغير مما يعني ان عنصري الانتاج (العمل ووسائل الانتاج) اصبحا قابلين للبيع و الشراء على نطاق واسع في السوق و تحولا الى سلعة و اصبحت عملية العمل، بالضرورة، تحت سلطة راس المال.

كما سنرى فان عملية سلب الملكية يجب ان توفر، على الصعيد التاريخي، ظروفا مناسبة؛ كسيادة العلاقات البرجوازية على الانتاج الاجتماعي (ليس في الريف فقط). ان سلب المنتجين المباشرين، تحول قوة العمل الانسانية الى سلعة و ظهور البروليتاريا التي ليس لها ما تبيعه سوى قوة عملها و ليس لديها سوى هذه الوسيلة لتامين معيشتها هي الظروف المطلوبة لنمو و ترسيخ العلاقات البرجوازية في كل المجتمع. اما فرصة نجاح عملية "زحمت" لسلب الملكية "الزراعة المصنعة" في ميدان الريف فانه يرتبط تماما بمدى استثمار الراسمال في ميدان الريف، علما ان راس المال يبحث دائما عن تحقيق اقصى الارياح. ان هدف عملية سلب الملكية (الذي يشكل الركن الاساسي لكل حل راسمالي لمسالة الارض) هو من زاوية التكامل التاريخي للراسمالية الكلاسيكية، ليس سوى خلق بروليتاريا المدن و "ليس بروليتاريا الريف فقط". يحب ان نضيف بانه في سياق اعادة الانتاج و توسع راس المال و استنادا الى قوانين حركة النظام الراسمالي فان تراكم راس المال في القطاع الزراعي هواقل منه في القطاع الصناعي (بالمعني الدقيق للكلمة) و هكذا فان افلاس و هجرة جماهير الفلاحين الواسعة المسلوبة، تناقص سكان المناطق الزراعية قياسا الى سكان المدن، هو احد الشروط المسبقة و كذلك (احدى النتائج) الضرورية للحل الراسمالي لمسالة الارض.

استند لنين الى الرؤية الماركسية لمسالة الارض و حلها التاريخي واكد على الجوهر الراسمالي لكلا سبيلي الحل الفلاحي و البرجوا- ملاكي و لذلك ظل يناضل بحزم ضد تقوية اوهام الفلاحين المتعلقة بامكانية تحقيق المساواة ضمن نظام الملكية الصغيرة و كذلك ضد اخفاء الخصائص البرجوازية لحل مسالة الارض. الا ان "زحمت" تنظر الى المسالة، منذ البداية، من زاوية كونها سبيلا لحل "مشكلات البلد الزراعية" و تحسين اوضاع اكثرية الفلاحين و تجعل من نفسها وسيلة لتقوية الاوهام البرجوازية الصغيرة للفلاحين الفقراء المحرومين من الاراضي و اصحاب الملكيات الصغيرة.

استند لنين على الموقف الماركسي لتقييم مدى "امكانبة" نجاح الحل الستولبيني-الكاديتي لمسالة الارض ولم يقف مكتوف الايدي تجاهه بحكم كونه حلا رجعيا بل اصر على ضرورة، نضال الاشتراكية الديمقراطية "بكل قواها من اجل حل اسرع و اقصر لتطور الراسمالية في القطاع الزراعي من خلال ثورة فلاحية" و لكنه كان يؤكد، في الوقت نفسه، بانه لو شارفت سياسة ستولبين (الحل البرجوا- ملاكي و الفوقي) على النجاح عن طريق الاستبداد و الاكتساح الدموي و العنيف، فانه لن يبقى "امام الماركسيين الصادقين مع انفسهم" ... "سوى رمي كل برامجهم المتعلقة بمسالة الارض في صناديق القمامة"، "ذلك انه لن تحدث، بعد الحل الستولبيني، ثورة اخرى (سوى الثورة البروليتارية) لاحداث تغيرات جذرية في اوضاع الفلاحين الاقتصادية و المعيشية. لكن "زحمت" على عكس لنين تجد من الصعب عليها ان تقر بان الحل الامبريالي لمسالة الارض ليس سوى حلا راسماليا و تغض الطرف عن الاهمية التاريخية لعملية سلب الملكية الامبريالية في ايران، اي اصلاحات عقد الستينات، و تلجا محل ذلك، الى نعتها بمجموعة من العبارات الثورية الفارغة مثل "فوقي"، "شاهنشاهي" و معادي للفلاحين". ان العمال الذين كانوا يعملون في المدن منذ خمسة عشر عاما خلت، يتذكرون جيدا تاثير هجرة ملايين القرويين المسلوبين الى المدن خلال عقد الستينات على الصراع الطبقي لعمال المدن، اوضاع و مستوى الاجوروعلى التنظيمات المهنية للبروليتاريا......اما "زحمت" التي نصبت من نفسها الممثلة لمصالح البرجوازية الصغيرة الريفية و الناطقة باسمها تفضل ان تركز تحليلها لعملية التراكم الاولي في ايران و للخصائص الامبريالية لعملية سلب الملكية" والتي تمثل اصلاحات عقد الستينات ركنها الاساسي، ليس وفق ضرورات النضال الطبقي للبروليتاريا في خضم الاوضاع الجديدة، بل استنادا على مشاهدات تتعلق باثارها على المشاكل الزراعية "للبلد" و الاوضاع المعاشية للفلاحين الفقراء.

ان واقع الحال هو ان تقسيم الاراضي "الفوقية و الشاهنشاهية" ادت الى خراب و تشريد ملايين القرويين وسوق قوة عملهم المتحررة من الريف الى المدن، اوليس هذا هو السبيل الامبريالي لحل مسالة الارض في ايران؟ اليست تلبي فعلا حاجة الراسمال الاحتكاري لهذه السلعة الرخيصة؟ لقد حقق الراسمال الامبريالي ضرورة تحرير قوة العمل التي كان يحتاجها من اجل تصدير راس المال و انتاج فائض القيمة الاحتكارية عن طريق اصلاحات الستينات. الا تشكل الدعوة، بعد كل هذا، الى عودة تلك القوة العظيمة (التي لا تزال تحتفظ بجذور لها في الارض و بوشائج قروية قوية) الى تملك قطع الاراضي المجزأة تحت شعار "المساواة في ملكية الارض" محل جذبها نحو معسكر البروليتاريا و العمل على رفع وعيها السياسي و تنظيمها بالتالي بوصفها جزءا حيويا من جيش الاشتراكية الكبير، اقول اليست هذه الدعوة تصدر عن رؤية رجعية..؟ و لم لا، انها لكذلك.

٭٭٭

من اجل اتخاذ موقف بروليتاري من مسالة الارض و الحركة الفلاحية في ايران يحب التعرف على اسسها الاقتصادية – الطبقية ولهذ الغرض يجب اولا التعمق بالماهية و المحتوى الامبريالي لاصلاحات الستينات، سنؤجل البحث في هذه المسالة الى فرصة اخرى و سنتطرق الان باختصار الى اهمية هذه العملية و خصائصها في ايران.

I. من الضروري ان نشير اولا الى بعض المحاور النظرية:

١) تعتبر عملية نزع الملكية و نتيجتها النهائية (اي تحول قوة العمل الى سلعة على المستوى الاجتماعي) سواء على الصعيد التاريخي او التحليلي، نقطة تحول مهمة لتجاوز المجتمع للعلاقات الاقطاعية نحو الراسمالية. بعبارة اخرى، ان وصول عملية نزع الملكية الى نتيجتها النهائية يعني توفير المستلزمات التاريخية لانتصار الراسمالية و لذلك فان القانون الذي يسود في المجتمع منذ هذه "اللحظة" هو قانون الانتاج الراسمالي. ان تحول قوة العمل و وسائل الانتاج (المستلزمات الذاتية و الموضوعية لعملية العمل) الى سلعة سيؤدي الى سيادة راس المال على الانتاج و سيتحول قانون تراكم و توسع راس المال الى القانون الذي سيهيمن على القوى المنتجة في المجتمع و يتحكم بها (راجع ماركس: كتاب التراكم الاولي لراس المال، الاشكال الاقتصادية ماقبل الراسمالية)

و لكن:
٢) هيمنة راس المال على الانتاج الاجتماعي في كل الاقتصاد لايعني الزاما هيمنته على كل جزء من عمليات الانتاج المنفردة ، بل انه يعني اولا: كما ذكرنا ان المستلزمات الذاتية و الموضوعية لعملية العمل (قوة العمل و وسائل الانتاج) يرتبطان مع بعضهما البعض ضمن اطار انتاج و اعادة انتاج راس المال و تطور القوى المنتجة بشكل رئيسي ضمن اطار تطور و توسع راس المال و ثانيا: ان الجزء الاكبر من فائض المنتوج الذي يتولدعن مختلف عمليات العمل في المجتمع يعود الى اصحاب رؤوس الاموال في شكل فائض القيمة. ان مسالة كون كل الوحدات الانتاجية في المجتمع تلجأ الى استخدام العمل المأجور ام لا لانتاج "الفائض" هي مسألة مرتبطة بدرجة توسع و تراكم راس المال في المجتمع في كل مرحلة محددة و ليس بسيادة او عدم سيادة راس المال على الانتاج الاجتماعي. يشير ماركس في المجلد الاول من راس المال، فصل فائض القيمة المطلقة و النسبية، بشكل محدد الى امكانية بقاء اشكال الانتاج ماقبل الراسمالية في قطاعات (الزراعة او الانتاج المنزلي) في الاوضاع التي يهمن فيها راس المال على كل الانتاج الاجتماعي (مرحلة الصناعة الحديثة). ان بمقدور كل الراسمال الاجتماعي ان يصادر فائض (انتاج) المالكين الصغار بشكل فائض القيمة عن طريق الراسمال الربوي و التجاري الذي ينهش كالطفيليات اجساد هؤلاء المنتجين دون ان يحولهم الى عمال اجراء ووسائل معيشتهم الى راسمال. في هذه الحالة لا تخضع عملية العمل الى سيطرة راس المال، الا انه، اي الراسمال الاجتماعي- المترجم، يتملك فائض المنتوج و تتضائل حصة المنتج باستمرار الى مستوى يضمن الحد الادني من مستوى العيش. ان هذا هو شكل من اشكال انتاج فائض القيمة المطلقة وهو، دون شك، ليس شكلا "مثاليا" من وجهة نظر الراسمال. ليس بمقدور راس المال، في التحليل النهائي، ان ينظم الانتاج الاجتماعي ضمن سياق حاجات تراكم راس المال بشكل مطلق الا من خلال هيمنته على عملية العمل و اجراء تحول اساسي على اشكال الانتاج و اساليبه و انتاج فائض القيمة النسبية بالتالي. الا ان راس المال و لكونه يهيمن على الجزء الرئيسي من عملية الانتاج في المجتمع فانه يسمح بالابقاء مؤقتا على اجزاء متفرقة و منفردة مكتفيا بالسيطرة على فائص المنتوج الذي يتم انتاجه فيها. فيما يتعلق بالاشكال المختلفة لهيمنة راس المال على العمل و عملية العمل راجع كتاب؛ "النتائج المباشرة لعملية العمل" ملحق المجلد الاول من راس المال، بنجوين، الطبعة الانجليزية و كذلك "نظريات فائض القيمة" المجلد الاول، الطبعة الانجليزية ص ٣٨٨-٤١٤ خاصة الجزئين؛ "مرحلتين مختلفتين من التبادل بين العمل و راس المال" و "العمل و الحرفيين و الفلاحين في المجتمع الراسمالي".

و سنرى فيما يلي من البحث الاهمية الحاسمة التي تحتلها النقطة السابقة من زاوية تحليل العلاقات الراسمالية في ايران و خاصة الريف الايراني.

٣) تعتبر عملية تجريد المنتجين المباشرين (الفلاحين بالذات) شرطا ضروريا لانتصار العلاقات البرجوازية. فهذه العملية ترفع الموانع امام تطور العلاقات الراسمالية و تحول قوة العمل ووسائل الانتاج بشكل رئيسي الى سلعة. الا ان نسبة و درجة تطور العلاقات الراسمالية في كل ميدان معين يرتبط بدرجة و نسبة تراكم راس المال في ذلك الميدان، على سبيل المثال؛ ان تحول اساليب الانتاج ماقبل الراسمالية (الاشكال السائدة على عمليةالعمل) بالتحديد في الريف الى اسلوب الانتاج الراسمالي اي تحول اسلوب العمل في الريف الى العمل الماجور يرتبط بتراكم و توسع راس المال في الريف، ولذلك و كما قلنا، تعتبر عملية نزع الملكية الشرط الضروري لتحول اسلوب الانتاج، الا ان شرطه الكافي هو تمكن راس المال من الاستفادة من الامكانات الموجودة اي تراكم راس المال. ولذلك يمكننا القول بانه اذا لم يتطور راس المال في الريف بعد عملية نزع الملكية فان سبب ذلك لايكمن في كون العلاقات الاقطاعية تشكل مانعا خارجيا بل بكون منطق الاستثمار يتحكم بالحركة الداخلية لراس المال. بعبارة اخرى ليس للانتاج الزراعي حتى الان افاقا مساعدة على صعيد الاستثمار و الفائدة، علما ان حركة راس المال، في كل مرحلة محددة، لا تقوم على اساس توفر البدائل الاخرى كما اشرنا سابقا، فان راس المال لن يستفيد في مثل هذه الاوضاع من نمط الانتاج التقليدي بل يستولي على فائض المنتوج وفقا للالية التي اشرنا اليها في الفقرة السابقة.

٤)
أ. على هذا الصعيد يجب الانتباه،تحديدا، الى ميل ذاتي لحركة راس المال؛ ان تراكم و تمركز الانتاج و الراسمال و ظهور الراسمال الاحتكاري هو بحد ذاته مؤشر لواقع ان راس المال المتراكم (اعادة الانتاج بمقاييس واسعة) يطورالانتاج في قطاع انتاج وسائل الانتاج بسرعة اكبرمن الانتاج في قطاع انتاج وسائل "مواد" الاستهلاك (الذي يشكل الانتاج الزراعي جزئه الرئيسي) و هذا يعكس ارتفاع نسبة التركيب العضوي لراس المال (نسبة الراسمال الثابت الى الراسمال المتغير) المتراكم. بعبارة اخرى ان نمو انتاج المواد الاستهلاكية الضرورية (وسائل المعيشة) يتناسب، بشكل عام، مع نمو الجزء المتغير من كل الراسمال الاجتماعي (الجزء الذي يتم دفعه للعمال الذين ينفقونه بدورهم لشراء وسائل معيشتهم) في الوقت الذي يرتبط نمو وسائل الانتاج بنمو الجزء الثابت من كل الراسمال الاجتماعي (الذي يتم صرفه لشراء وسائل الانتاج) بهذا المعني فان بطؤ نمو التراكم في القطاع الزراعي هو ميل ذاتي للانتاج الراسمالي على صعيد كل الراسمال الاجتماعي و تكشف الامبريالية بوصفها راسمالية عصر الاحتكارات هذا الميل العام للانتاج الراسمالي بشكل واضح.

ب. ان الامبريالية هي نظام عالمي يتخذ تقسيم العمل في اطارها بعدا عالميا و لذلك فان نمو الزراعة في بلد راسمالي محدد يشكل سوقه الداخلية جزءا من السوق الراسمالية الاحتكارية يعتمد، اضافة الى العوامل السابقة، على تقييم الاحتكارات لابعاد و افاق الاستثمار في ميدان الزراعة في ذلك البلد او البلدان مقارنة بالبدائل العالمية المتوفرة للاحتكارات. بعبارة اخرى ان الالية التي تتحرك وفقها الراسمالية الاحتكارية لاختيار عمال بلدان محددة لانتاج وسائل معيشة العمال الذين يتم سوقهم الى ميدان العمل على، الصعيد العالمي، هي مسألة محددة تماما و ترتبط بسهولة تحقيق الارباح لرؤوس الاموال المستثمرة في القطاع الزراعي في ذلك البلد اوتلك البلدان. من الواضح ان الية تقسيم العمل هذه ليست الية مبرمجة، مخططة و معدة مسبقا، بلها نتيجة عملية و طبيعية لحركة تراكم و توسع رؤوس الاموال المختلفة ضمن اطار قوانين المنافسة. من البديهي ان تحليل كيفية نمو او تخلف الزراعة في البلدان الراسمالية التابعة للامبريالية التي توحدت اسواقها الداخلية، تاريخيا و في معظم الحالات، وفقا لحاجات الراسمال الاحتكاري يستلزم تحليلا محددا لخصائص الاسواق الداخلية في هذه البلدان و مواقعها في سوق الاحتكارات العالمية ولذلك من الافضل، قبل اصدار الاحكام العامة عن مسألة عدم امكان نمو و تطور الزراعة في البلدان الخاضعة للامبريالية، ان نذكر نماذج مثل البرازيل (القهوة)، غواتيمالا (الفواكه) و غانا (الكاكاو). صحيح ان تراكم راس المال الامبريالي في ميدان الزراعة (في كل السوق العالمية) يتخذ مسارا بطيئا الا ان بمقدور تقسيم امبريالي محدد للعمل ان يجعل من الزراعة، في السوق الداخلية لبلد تابع، قطاعا تسود فيه العلاقات البرجوازية تماما بل و تحويله الى القطاع الرئيسي للانتاج الاجتماعي و مع ذلك فان المؤكد هو ان ميل راس المال و خاصة راسمالية عصر الامبريالية يتجه نحو سحق الاقتصاد الزراعي المغلق و المكتفي ذاتيا ذلك ان هذا الاطار يتناقض، قبل كل شئ، مع تقسيم العمل العالمي الراسمالي و الامبريالي.

II. اصبح بمقدورنا الان، بعد الاشارة الى بعض المحاور النظرية، القاء نظرة على الخصائص الامبريالية لعملية نزع الملكية في ايران وعلى نمو وانتصار الراسمالية في كل المجتمع و كذلك كيفية تطور العلاقات البرجوازية في الريف.

١) قلنا ان المحور الاساسي للحل الرأسمالي لمسألة الارض هو عملية فصل المنتجين المباشرين (الفلاحين)عن وسائل انتاجهم و تحويلهم الى عمال اجراء. من هذه الزاوية فان اصلاحات عقد الستينات-من القرن الماضي- المترجم) تمكنت دون شك من حل (مسالة الارض) من زاوية توفير المستلزمات الضرورية لتراكم الراسمالية. فهذه المرحلة التاريخية شهدت النتائج النهائية لتحول البناء التحتي الاقتصادي في ايران من الاقطاعية الى الراسمالية. ادى تقسيم الاراضي بين الملاكين في اولى خطواته، الى حرمان ما يقارب عشرون مليون عائلة فلاحية من كل حقوقها المتعلقة بالارض وخلال الخمسة عشرة عاما التي تلت المرحلة الاولى من الاصلاحات الامبريالية لمسالة الارض في ايران التحق مئات الالاف من الفلاحين بجيش العمال الاجراء-الكادحين الذين لايملكون شيئا سوى بيع قوة عملهم من اجل تامين معيشتهم. هجرة الملايين من كادحي الريف نحو المدن، الانخفاض النسبي و المطلق لسكان الريف، خلال عقد السبعينات، و انخفاض نسبة العاملين في الزراعة الى مجموع العاملين في البلد تحدد الاهمية الحاسمة لهذا الواقع التاريخي من زاوية نمو الراسمالية في ايران. صحيح ان "اصلاحات الارض الفوقية الشاهنشاهية" تشكل، من زاوية توسع الراسمالية في البلد، اهم حدث اقتصادي في ايران خلال القرن العشرين، انه واقع يجب على الماركسيين عدم تجاهله. ان الاقرار الرسمي بهذا الواقع سيدفع بالشيوعيين الى الاصطفاف "الى جانب" محمد رضاشاه بقدر ما ادى الاقرار بطريقة الحل الاستولبينية، في روسيا، بالبلاشفة الى الاصطفاف الى جانب القيصر..! و لكن هذا التحول لم يك تقليديا، اي انه لم ينجم عن طريق نمو الانتاج البضاعي في السوق الداخلية و تطور القوى المنتجة في احشاء الانتاج الزراعي الاقطاعي، بل عن طريق حركة الراسمالية الاحتكارية باتجاه تحويل ايران الى مصدر لقوة العمل الرخيصة و الى مكان مناسب لتصدير و تراكم راس المال الاحتكاري. و لذلك يجب النظر الى هذه العملية السريعة و الخاطفة لنزع الملكية و لتدمير ملايين الفلاحين بوصفها نتيجة لعملية التراكم الاولية. انها عملية حملت منذ بدايتها مهمة تامين الحاجات العالمية للراسمال الاحتكاري و الذي ادى بدوره الى ارتباط جدوى استثمار رؤوس الاموال في السوق الداخلية و بالتالي ارتباط الاتجاهات السلبية و الايجابية التي تؤثر عليها بالتاثيرات العالمية للراسمال الاحتكاري. ايران هي منذ تلك المرحلة التاريخية بلد راسمالي خاضع لسلطة الامبريالية (راسمالية تابعة) و يخضع سوقها الداخلية،على صعيد مقاييس الانتاج الكمية (انتاج القيمة و فائض القيمة) و على صعيد المقاييس الكيفية (تقسيم العمل و انتاج القيمة الاستهلاكية) لقوانين حركة الراسمال الاحتكاري مع الاخذ بنظر الاعتبار واقع ان على السوق الداخلية الايرانية، استنادا الى مصالح الراسمال الاحتكاري، ان تكون ميدانا لانتاج فائض القيمة الاحتكارية . ان انتاج فائض القيمة الاحتكارية هو اساس علاقة العمل بالراسمال في ايران. علينا ان ندع النواح و التحسرعلى عدم تطور الراسمالية في ايران بالشكل الكلاسيكي ل "مناصري البرحوازية الوطنية و الراسمالية الوطنية و المستقلة" ذلك ان مايجب ان يحلله الماركسيون هو نتائج و اثار هذه الخصائص غير الكلاسيكية و الامبريالية لعملية نزع الملكية في ايران من زاوية نضال البروليتاريا الطبقي.

كانت عملية نزع الملكية الامبريالية خلال عقد الستينات هبة امطرتها السماء للبرجوازية الايرانية التي جاء غسلها و تعميدها على ايدي الراسمالية الاحتكارية. فهذه الاخيرة و من اجل تامين قوة عمل رخيصة في ايران بدأت بانجاز تغيرات جذرية، جذرية بقدر طريقة الحل الستولبينية في روسيا، عجزت البرجوازية المحلية عن انجازها خلال عقود من السنوات رغم محاولاتها المستميتة و رغم تحسرها المستمر. ان وجود بروليتاريا مليونية جاهزة للاستغلال في السوق هو طبق شهي لم تكن حتى الراسمالية الاحتكارية مستعدة لهضمه و التنعم به تماما (كان معدل الهجرة من الريف الى المدن مرتفعا الى درجة انه وصل خلال نهاية البرنامج الثالث ١٩٦٧- ١٩٧٢ الى ٥٠٠٫٠٠٠ شخص اي اكثر مما كان يخطط له و يتوقعه المخططون الامبرياليون بكثير. ان تاثير وجود هكذا جيش للعمل على معدلات الاجور وتراكم راس المال ليس بحاجة الى تأكيد).

على هذا الاساس تم حل مسالة الارض لصالح الراسمالية و بشكل يتناسب مع نوع محدد من الراسمالية التي يجب ان و يمكن ان تتطور في ايران. ان مايطرح عن ضرورة حل مسالة الارض مجددا باسلوب راسمالي لايكشف الا عن كون القائلين به يفهمون و يربطون ماحدث من تحول تاريخي بتعابير مثل "فوقية و شاهنشاهية" على الصعيد التاريخي "من زاوية نمو الراسمالية في ايران" و بكونها مأساة "من زاوية مصالح الملايين من جماهير الفلاحين" او انهم يقولون بامكان و ضرورة توفير مرحلة اخرى من نمو الراسمالية في ايران، راسمالية وطنية ومستقلة مما يعني انهم يحددون مهمة الثورة الراهنة بتطوير الراسمالية "باسلوب جديد"، و الحال ان الحالة الاولى تكشف الاستسلام للماضي و التغني به في حين لاتعني الثانية سوى ضرب من الاوهام عن المستقبل، واية برجوازية صغيرة ليست هكذا واية برجوازية صغيرة لاتفعل سوى هذا..؟

٢) وهكذا فان مستلزمات تطور العلاقات البرحوازية قد تم توفيرها،نظريا، منذ خمسة عشر عاما، الا ان طلب الراسمال الاحتكاري الواسع على قوة عمل الفلاحين المجردين لم يكن من اجل انتاج المحاصيل و الحبوب و الفواكه و النباتات الزيتية و الصناعية باسلوب راسمالي بل كان منذ الوهلة الاولي من اجل استثمارها في قطاع الصناعات الاستخراجية و ملحقاتها و الذي تجسد في البداية بقيام استثمارات واسعة في صناعة البناء (الطرق، محطات توليد الطاقة، المعسكرات وكذلك المجمعات السكنية) مما ادى الى توسيع قطاعات (النقل و الحمولة، الفولاذ و البتروكيمياويات) و كذلك صناعات السبك الاستهلاكية العائلية، السيارات و غيرها حيث تم ولوج ميادين جديدة من اجل الحصول على الارباح و فائض الارباح[٤]. و توجهت اجزاء واسعة من قوة العمل نحو العمل غير المنتج (من زاوية انتاج فائض القيمة) الامر الذي يعتبر شرطا ضروريا من اجل استغلال العمل المنتج. النمو السريع في قطاع الخدمات (البنوك، شركات الضرائب، الدعاية و المؤسسات الحكومية التي تلتزم بمهمة اصلاح و ترقيع الجوانب العملية للانتاج الراسمالي) يضاف الى ذلك توسع المراكز السياسية-العسكرية التي تعتبر، على الصعيد السياسي، (في ميدان النضال الطبقي) شرطا ضروريا لاخضاع الطبقة العاملة و قمع النضالات العادلة التي تقوم بها ضد الاستغلال الامبريالي، ان كل تلك الامور هي انعكاس للتراكم السريع لراس المال في السوق الداخلية وفق بديل امبريالي في اوضاع ايران المحددة.

الا ان عزوف الراسمال الاحتكاري و كذلك الرساميل المتوسطة والصغيرة التي تتراقص حوله عن الاستثمار في مجال انتاج السلع الزراعية و التي تمت الاشارة الى اسسها النظرية العامة و الخاصة، هي مسالة يجب البحث عنها من خلال الاجابة على السؤال؛ لماذا لايجد الراسمال في انتاج السلع الزراعية ضمن السوق الداخلية الايرانية، مقارنة بارتفاع نسبة الربح في القطاعات الاخرى، ميدانا مناسبا لتحقيق الارباح؟. على هذا الصعيد يمكننا الاشارة الى عدة عوامل منها؛ المبالغ الطائلة التي يجب صرفها من اجل رفع الانتاجية و الانتاج في القطاع الزراعي (الاوضاع الطبيعية و من اهمها اشكالات السقي و الري المنظم) و كذلك البدائل المتوفرة عالميا لتامين معيشة عمال ايران باسعار اقل كثيرا من اسعار السوق الداخلية الايرانية. ان النمو السريع للواردات الزراعية و الانخفاض الحاد لنسبة مساهمة الانتاج الداخلي الى مجموع هذه المحاصيل هي تحصيل حاصل السمة الامبريالية لعملية نزع الملكية من جهة و تحول السوق الراسمالية الداخلية لايران الى جزء من السوق العالمية و اتخاذه موقعا محددا ضمن اطار تقسيم العمل الدولي من جهة اخرى و لذلك على زحمت ان ارادت التعرف على تاثيرات "اصلاحات محمد رضاشاه الارضية" على حياة سكان الريف الكادحين، الاطلاع على اوضاع الملايين من شباب الريف الذين يضطرون الى الهجرة الى المدن و كذلك الاطلاع على درجات الاستغلال التي يتعرضون لها و نسب الارباح، التي اشرنا اليها و التي يحققها الراسمال و كذلك تدني نسب الاجور التي تحصل عليها البروليتاريا الايرانية، ذلك ان الهدف الاساسي من عملية نزع الملكية الامبريالية في عقد الستينات كان، منذ الوهلة الاولى، هو تنظيم الريف الايراني تنظيما راسماليا و ليس تدمير نظام الاكتفاء الذاتي "القديم" للانتاج البضاعي الذي مازال الاشتراكيون البرجوازيون الصغار يتحسرون عليه و يتجدد هذا التحسر مع كل خطاب يلقيه الاستاذ رضا الاصفهاني. ذلك ان هدف هذه العملية الاساسي كان توفير قوة عمل رخيصة في المدن فحسب. اما مسالة كيف سيكون مستقبل الزراعة في ايران بعد توسع الانتاج الراسمالي و تمركز الانتاج و الراسمال وبعد ان اصبحت مجالات الاستثمار محدودة و تغيرت الاولويات و الامكانات العالمية للراسمالية الاحتكارية فهي مسالة تحتمل اجوبة عديدة على الصعيد النظري ولكن الراسمالية و الامبريالية و قبل ان تصل الى تحقيق "غايتها الاقتصادية" بوقت طويل، تصل نظريا و على الصعيد السياسي و في ميدان النضال العملي و الطبقي الى التازم و الافلاس، ذلك ان الثورة وضعت الراسمالية الايرانية و كل "مستقبلها" موضعا للتساؤل.

٣) خلقت الخصائص الامبريالية لعملة نزع الملكية و تبعية الراسمالية الايرانية اوضاعا خاصة في ميدان الريف؛ فقد انهت مسالة الارض من زاوية نمو الراسمالية في كل ايران بوصفه (بلدا راسماليا خاضعا يرتكز على انتاج فائض القيمة الاحتكارية)، قامت الامبريالية بانتزاع قوة العمل التي تحتاجها من قلب النظام السابق الا انها من جهة اخرى تستثمر رؤوس الاموال في الريف بمسار ابطأ كثيرا من سرعة تحويلها لقوة العمل الى سلعة. من المؤكد ان العديد من عمليات الانتاج الفردية لا تجري تحت السلطة المباشرة لراس المال في العديد من مناطق ايران الريفية ولكن هذا الواقع لايعني، كما اشرنا، الى ان فائض منتوج الفلاحين لا يحوز عليها الراسمال، بل بالعكس تماما فان الريف الايراني يعكس صورة بارزة و واضحة لحركة وتاثير الراسمال التجاري والربوي الطفيليان ضمن سلطة راس المال في كل البلاد و تتحقق موضوعة ماركس النظرية المتعلقة بهذه المسالة بشكل قاطع في العديد من مناطق ايران الريفية.

ينعكس المسار البطئ لاستثمار الراسمال في القطاع الزراعي بشكل واضح في الارقام التي تشكل راس المال الثابت الاجمالي الداخلي[٥]. فلم تتجاوز نسبة الاستثمار في القطاع الزراعي خلال السنوات ٩٦٦- ١٩٧٥ ٦٪ من مجموع راس المال المستثمر في كل البلاد بالاضافة الى ان نسبة الاستثمار في الالات و المكائن من مجموع كل الاستثمار في المكائن و الالات الزراعية[٦] تدنت من ١١٪ عام ١٩٦١ الى ٦٪ عام ١٩٧١. تنحفض قيمة الانتاج الزراعي من مجموع الانتاج القومي، خلال نفس الفترة، من ٢٥.٨٪ الى ٩.١٪ هذا في الوقت الذي بلغت نسبة القروض التي قامت الشركات التعاونية الريفية و المصارف التعاونية الزراعية بتسليفها للمزراعين خلال عام ١٩٧٥ اكثر من ٦٠ مليار ريال و هذا يبلغ ستة اضعاف القروض التي منحتها عام ١٩٦٦. كانت هذه القروض تمنح، على الاغلب، خلال فصل الشتاء لتضاف الى المصاريف الجارية غير الاستثمارية للفلاحين و كانت معظمها تتراوح خلال عام ١٩٧٥ بين ١٠٠٠- ٥٠٠٠ تومان في الوقت الذي كانت معدلات القروض التي تمنح للفلاحين خلال عام ١٩٦٦ من اجل استهلاكهم الجاري ١٠٠٠ تومان كحد اقصى. بلغ حجم القروض الاستهلاكية التي منحتها المؤسستان الربويتان الرسميتان المشار اليهما اعلاه للفلاحين خلال ١٩٦٥ ضعف المبالغ المستثمرة في القطاع الزراعي خلال نفس العام هذا اذا تجاوزنا القروض التي منحتها الرساميل الربوية الاخرى الصغيرة و الكبيرة، الحكومية و الخاصة للفلاحين. ان تاثير الراسمال التجاري في الريف الذي يتمحور حول سياسة تسعير السلع الزراعية من قبل الدولة و استيراد هذه السلع واضح و ليس بحاجة الى التذكيروالتاكيد و هو رغم كونه زاوية صغيرة من تلك السياسة الا انه يكشف بوضوح الابعاد الاساسية لاوضاع الفلاحين الاقتصادية. ان ثقل الراسمال الطفيلي و التجاري يتراكم يوما بعد اخر على كاهل الفلاح الايراني الذي لايزال يحتفظ: بوسائل انتاجه" و اخر ما يقيد العوائل الفلاحية التي لاتزال تحتفظ بقطعة ارض و راس ماشية ليس سوى الحد الادني من مستوى المعيشة. ينعكس كل او جزء فائض المنتوج في ارقام ارباح الرساميل التجارية و الربوية، يسيطر الراسمال على فائض المنتوج بشكل فائض القيمة دون ان يهيمن مباشرة على عملية العمل و هذا يشكل، من وجهة نظر الراسمال، شكلا من اشكال انتاج فائض القيمة المطلقة. رغم ان بمقدور الراسمال ان يطور فرصته التاريخية لرفع الانتاج و الانتاجية في الريف على اساس انتاج فائض القيمة النسبية من خلال الاستيلاء المباشر على عملية العمل، اي ربط قوة العمل و وسائل الانتاج بشكلها السلعي، الا ان مايجري فعلا هو انه "يكتفي" بافقار الفلاحين في الريف لان استثمار الرساميل لانتاج النفط و السيارات و الملابس و البسكويت تدر ارباحا اكبر.

٤) تتطابق العلاقات الطبقية في مناطق واسعة من الريف على واقع اقتصادي مفاده؛ بالنسبة التي تتراكم فيها رؤوس الاموال، في الريف، تتحول فئات واسعة من الذين تم نزع ملكياتهم الى بروليتاريا ريفية "عمال ماجورين" و من جهة اخرى تحتل الدولة، الشركات الزراعية المساهمة، الرسمال الخاص و الفلاحين المرفهين و بنفس النسبة مكان كبار الملاكين القدماء.الا انه يجب التاكيد على ان الاكثرية الساحقة من المجردين من الملكية يلتحقون بحيش البروليتاريا في المدن و ليس الريف. ما قلناه عن احتفاظ كبار الملاكين بقوتهم الاقتصادية يعني ان هذه القوة تفقد على الصعيد الاقتصادي محتواها الاقطاعي و ترتكز اكثر من السابق على القوة الاجتماعية لراس المال. فلم يعد بامكان هؤلاء الملاكين الكبار و اصحاب القوة و الجبروت ان يسيطروا على مؤسسات الدولة لكونهم مالكين لوسائل الانتاج الرئيسية في المجتمع (الاراضي و المياه) بل انهم يحافظون على بقائهم بوصفهم مالكين لجزء من وسائل الانتاج و بشكل رئيسي لكونهم ادوات قمعية بيد الدولة البرجوازية في الريف لمواجهة الحركة الفلاحية. ان هؤلاء السادة المعاصرين لايشكلون لا على الصعيد الاقتصادي و لا السياسي مانعا امام حركة راس المال نحو التراكم و التوسع في الريف بل بالعكس تماما، ان تصاعد الحركة الثورية و التطور المطرد للحركة الفلاحية يكشفان بشكل متزايد و اكثر من السابق الارتباط التام و المتكامل لهؤلاء الملاك واصحاب الملكية الكبيرة للارض باقتصاد و سياسة الراسمالية التابعة في ايران.

الا ان النقطة الجوهرية تكمن في معرفة المكانة الاقتصادية و السياسية للمرفهين، المؤجرين، الملاكين الصغار و الحائزين على الاراضي الذين لم يتمكنوا من التحول عمليا لا الى برجوازية ريفية و لا الى عمال اجراء في خدمة راس المال بسبب الخاصية الامبريالية لعملية نزع الملكية. ان الميزة الاساسية لمسالة الارض في اوضاع ايران الراهنة هي ان العملية الامبريالية لنزع الملكية قد ازالت الموانع و المعوقات الخارجية امام توسع العلاقات الراسمالية في المدن و الارياف و هيأت تماما المستلزمات الضرورية لتراكم راس المال من زاوية علاقات الملكية الا ان العمل وراس المال يحصلان على بعضهما البعض، على الاغلب، في اسواق المدن و ليس الريف و ان عملية تراكم راس المال في الريف و الانقسام الداخلي للفلاحين الى بروليتاريا و برجوازية هي بالتالي عملية بطيئة وتكون النتيجة حل مسالة الارض من زاوية مصالح الراسمالية اي من زاوية نمو العلاقات الراسمالية في المجتمع و ازالة الموانع التي تقف امام سيادتها في الريف و لكن دون ان تهيمن هذه العلاقات عمليا على صعيد الريف بشكل واسع و دون ان تقسم الفلاحين الى بروليتاريا و برجوازية، بعبارة اخرى دون ان يتم حل مسالة الارض حلا فلاحيا[٧]. وكما اشرنا سابقا، لايمارس الراسمال في العديد من المناطق الريفية سلطته المباشرة على عملية الانتاج، الامر الذي يؤدي الى عدم تجسيد علاقة العمل بالراسمال في شكلها الانساني و الطبقي و عدم تبلورها في انقسام الفلاحين الى بروليتاريا و برجوازية، بل ان الراسمال يمارس سلطته بشكل مؤقت على كيفية تملك فائض المنتوج و سيبقي بالتاكيد على العلاقة الانتاجية و اجزائها الانسانية التي يتم في سياقها انتاج فائض المنتوج على حالها دون تغير. ان بمقدور الراسمالية الايرانية ان تتطور في عصر الامبريالية بشكلها الوحيد فقط اي الراسمالية التابعة و على هذا الصعيد ستترك في الكثير من الحالات عملية العمل في الريف على حالها و ستكتفي باتمام تلك العملية من خلال توجيه نتاجها نحو اطار ملكيتها هي.

ان انفصال الجانب الاقتصادي لحل مسالة الارض (حلا راسماليا) عن جانبه الطبقي (الانقسام الداخلي للفلاحين) هونتيجة للسمة الامبريالية لعملية نزع الملكية و لانتصار و تاثير النظام الراسمالي التابع. هنا يجب التاكيد على انعدام اي نتاقض، على الصعيد النظري، بين توسع الراسمالية (التابعة) و القضاء على الانفصال المذكور. تراكم وتمركز الراسمال و انحسار ميادين تحقيق الارباح امام الرساميل المختلفة في السوق الداخلية و حتى في الاسواق العالمية يحتم على راس المال الاستفادة من العوامل الانتاجية في الكثير من القرى الايرانية المتواجدة على شكل قوة العمل و الارض خارج نطاق السيطرة المباشرة لراس المال. ان انقسام الفلاحين سيكون، كما قلنا، نتيجة "منطقية" لنمو العلاقات الراسمالية في ايران (و سواء ادى هذا الانقسام الى ازدياد هجرة الفلاحين الى المدن او الى تطور الصناعات الزراعية فانه ليس لدى زحمت، جوابا مسبقا على ذلك) الا ان الراسمالية و كما اشرنا ايضا ستستسلم الى المنطق الطبقي لنظامها الانتاجي و ستقوم البروليتاريا بالقضاء عليها قبل ان تصل الى النهاية المنطقية لنموها الاقتصادي. ان الثورة الايرانية تدق الان ناقوس موت الراسمالية التابعة، اي الشكل الوحيد الممكن للراسمالية في ايران. ان المسالة الحيوية هي ان محور تصدي البروليتاريا الايرانية للحركة الفلاحية يكمن في قيام الراسمالية التابعة بحل مسالة الارض من زاوية المصالح التاريحية لنموها هي وانها لم تصل بانقسام الفلاحين الى النهاية، فسكان الريف الايراني لم يتحولوا تماما الى بروليتاريا و برجوازية بل الى مركب مترابط من الفئات و الطبقات المختلفة بمواقع مختلفة في عملية الانتاج وارتباطا بوسائل الانتاج، هذا من جهة و من جهة اخرى سيستمر هذا التركيب بالبقاء في ظل النظام الراسمالي.

تمحورت اصلاحات عقد الستينات حول نزع ملكية المالكين او (سلب حقوق المنتفعين بالاراضي) من جماهير الفلاحين الواسعة وكما اشرنا فان هدف هذه الاصلاحات المذكورة التي تمثلت بخلق بروليتاريا حضرية واسعة مستعدة للعمل باجور متدنية قد تحقق تماما و لكن على صعيد تاثيرها على العلاقات الانتاجية الزراعية يجب ان نقول بانه لم يكن متشابها خلال الخمسة عشرة سنة الماضية ذلك ان؛

١. المرحلة الاولى من الاصلاحات (التقسيم المباشر للحيازات الموجودة بين اصحابها و التي كانت موجودة اثناء اقرار قوانين الاصلاح) شملت حتى عام ١٩٧٣ ١٦٠٠٠ قرية من مجموع ٤٥٠٠٠-٥٥٠٠٠ قرية موجودة في ايران و هذا يساوي ١:٦ "سدس" عدد القرى و قد شمل هذا العدد ٦٩٠,٠٠٠ عائلة فلاحية.

٢. مهدت المرحلة الثانية من الاصلاحات و التي شملت المناطق الريفية غير المشمولة سابقا، السبيل امام المالكين لاختيار احدى الفقرات الخمسة التالية:

    أ. تاجير الاراضي للفلاحين استنادا الى مداخيلهم السنوية خلال السنوات الثلاثة السابقة و كانت النتيجة ان استقر ٨١٪ من المالكين على هذا الاختيار.
    ب. بيع الاراضي للفلاحين بناءا على اتفاق الطرفين و قد شمل هذا الخيار ٣.٥٪ من الفلاحين.
    ج. تقسيم الاراضي على اساس مساهمة الطرفان في الزراعة (١٠٪).
    د. تأسيس شركات مساهمة على اساس مشاركة الطرفان في الزراعة (٥٪).
    ه. تطبيق مقررات المرحلة الاولى (-).

٣. يجب ان نضيف الى ما سبق مسالة قيام الشركات الزراعية المساهمة و شركات انتاج المحاصيل الزراعية و الصناعية و التي ساهمت بدفع ادغام و تمركز الاراضي و توسيع نطاق العمل الماجور في الريف و دفعه الى الامام.

ان ما يبدو بارزا لاول وهلة في هذا التحول الذي طرأ على نظام الملكية هو انتصار الملكية البرحوازية للارض من جهة و توفير الاجواء المناسبة لنمو العمل المأجور من جهة اخرى. فمجموع الفقرات السابقة تشمل، على الاغلب، الفئة المتوسطة التي تشكل ٣٥-٤٥٪ من سكان الريف الايراني و كذلك فئة المرفهين الذين لم يتمتعوا بحقوق ملكية معترف بها الا ان كليهما كانتا مرتبطتان بشكل تام بالملكية و الانتاج الاقطاعيين. ان الافاق المستقبلية امام كلا الفئتين ليس سوى بيع قوة عملهما و التحول الى جزء من قوة العمل الماجور. الا انه يجب النظر الى هذه الصيغة الجامدة في ضوء الية حركة و تمركز راس المال، ذلك ان المالكين الصغار و المؤجرين و "الشركاء" الذين انبثقوا نتيجة الاجراءات السابقة لم و لن يبقوا دائما كما كانوا خاصة و ان دعم الاستثمار في قطاع الانتاج الزراعي لم يكن جزءا من برنامج عمل الراسمال الاحتكاري و دولته التابعة. فقد كان المسار الرئيسي للفئة المرفهة و الذين لم يتحولوا الى مالكين صغار يتجهون الى ميدان العمل الماجور لبيع قوة عملهم و ليس التملك البرجوازي و استخدام العمل الماجور علما ان تراكم راس المال في الريف لم ينمو بشكل ملحوظ و كان استخدام العمل الماجور في الريف متاثرا بهجرة الفلاحين الذين تم تجريدهم من الملكية. و لكن في بلد تصل نسبة فلاحيه و المعتاشين على الزراعة، اثناء بدء عملية نزع الملكية، الى ٧٠٪ من مجموع سكانه فان الهجرة بحد ذاتها لاتضمن استخدام راس المال الحضري لقوة العمل التي يتم تحريرها في الريف لان هذه المسالة ترتبط قبل كل شيئ بنسبة تراكم راس المال في القطاعات الانتاجية غير الزراعية و ليس فقط بمسالة توفر قوة العمل. في هكذا اوضاع حيث تنخفض نسبة مساهمة القطاع الزراعي الى مجموع الدخل القومي الى ٨-٩٪ و المجتمع الريفي لايزال يشكل نصف عدد السكان فان تراكم راس المال يجري بطيئا في الريف و لايواجه الفلاحون المجردون من الملكية افاقا مستقبلية مشرقة. يضاف الى ذلك المالكين الصغار الذين لايزالون يحوزون على قطع اراضي تتناسب مع القوى الانتاجية لعدد افراد اسرهم و الكثير من الفلاحين الذين تم في الواقع تجريدهم من الملكية حيث يحوزون على قطع صغيرة من الاراضي تعجز عن توفير متطلبات معيشة عوائلهم و يضطرون بسبب ذلك الى بيع قوة عملهم خلال مواسم البذار و الحصاد، الشباب الذين يحصلون على مداخيلهم من خلال بيع منتوجات الصناعات اليدوية و المنزلية في المدن. ان واقع كون ٥٠٪ من السكان يحوزون على ٨-٩٪ من دخل البلد و بشكل غير متساو يعكس مستوى منخفضا جدا لمعيشة الجماهير الفلاحية الواسعة في ايران و لذلك فان مجرد حصولهم على فرصة استخدامهم ضمن جيش العمل المأجور هو بمثابة ارتفاع لمستويات معيشتهم الاقتصادية و لكن حتى هذه الفرصة تبدو لهم معدومة بسبب السمة الامبريالية لنزع الملكية و بسبب قوانين الراسمالية التابعة في ايران. و الحال ان اعدادا واسعة من السكان يبقون في الريف بوصفهم "فلاحين" لمجرد كونهم يحوزون على عدد من الدونمات الزراعية الا انهم يعتبرون اساسا جزءا واقعيا من احتياطي جيش العمل الذي يستخدمه الراسمال.

بناءا على ما سبق فان الخارطة التي بامكاننا رسمها عن "الريف الايراني" من زاوية التركيب الطبقي تؤكد تماماعلى السمة الامبريالية (الراسمالية) لعملية نزع الملكية في ايران، هذه العملية التي لم تكن تهدف، كما قلنا[٨] الى زيادة التراكم و توسيع الانتاج في الريف ولا الى "حل المشاكل الزراعية للبلد" و لا الى "تحسين اوضاع الفلاحين الفقراء" بل الى تراكم سريع و مربح لراس المال في القطاعات التي عددناها و هذا ليس في الواقع سوى "حل مسالة الارض" في اوضاع ايران الخاصة في عصر الامبريالية. ان انتصار العلاقات البرحوازية في الريف لاتحتاج بعد الان من وجهة نظر كل الراسمال الاجتماعي وتوسعه التاريخي الى ثورة، (سواء كانت من فوق او من تحت) بل ان الامر كله مرتبط باولويات الراسمال بذاته و لكن نفس هذا الواقع يعني ان المسالة الفلاحية لا تزال باقية دون حل. التراكم البطئ لراس المال في الريف يعني بان هناك اضافة الى البروليتاريا الزراعية (دائمية كانت ام فصلية) جماهير واسعة من الفلاحين المحرومين من الاراضي او الذين يملكون قطع قليلة منها و المؤجرين و المرفهيين... سنعود لاحقا الى تبيان اهمية هذه المسالة الا انه يجب التاكيد هنا على ان بقاء هذه العلاقات "الاقطاعية القديمة" او الملكية الصغيرة ليست تعني ابدا عدم سيادة راس المال في القطاع الزراعي. ان ما لايسيطر الراسمال عليه سيادة مطلقة هو عملية العمل في الريف و ان ما يتحكم الراسمال به تماما هو فائض المنتوج، اشرنا سابقا الى الاسس النظرية لهذه المسالة، و النقطة الاخرى التي يجب الاشارة اليها هي ان عدم سيادة الراسمال بشكل مطلق على عملية العمل في الريف لاتعني ابدا عدم سيادته على الانتاج الاجتماعي على نطاق البلد (اي عدم كون نظام الانتاج الاجتماعي راسماليا في ايران) بل بالعكس تماما فالنسبة المتدنية للانتاج الزراعي و انخفاضه المستمر في كل الانتاج الاجتماعي يدل على واقع ان الانتاج الاجتماعي يجري و يسود بشكل رئيسي في الميادين التي يسود فيها الراسمال على عملية العمل و ان هذا ليس سوى دليلا على سيادة راس المال و قوانين حركته على الحياة الاقتصادية في البلد.

٤. و لكن كيف يساعدنا ادراك الخصائص الاقتصادية لمسألة الارض في ايران على التعرف على مكانة مسالة الارض في ثورتنا الراهنة و على ادراك الاسس الاقتصادية للحركة الفلاحية.

اولا: بناءا على ما سبق لايمكننا اعتبار "الحل الراسمالي لمسالة الارض" سواء كان راديكاليا او غيره، و سواء جاء من تحت او من فوق، المهمة الرئيسية للثورة الديمقراطية الراهنة لان المسالة لاتعني في هذه الحالة الا امرين: اولهما هو المطالبة بحل راسمالي اخر لمسالة الارض وهذا ما يؤدي الى توسع متزايد للعلاقات البرجوازية في الريف بوصفها حلقة اخرى من حلقات تطور الراسمالية في ايران، بعبارة اخرى؛ ان نطالب بارتقاء الراسمالية في ايران بوصفها ميدانا لانتاج فائض القيمة الامبريالية. ان اعتقاد الشيوعي بهذه المسالة و مطالبته بها لا يعني الا كونه "ملكيا اكثر من الملك" اي كونه حريصا على مصالح الامبريالة اكثر من الامبريالية نفسها. ان الامبريالية و بقدر تعلق الامر بمسالة الارض قامت بازالة كل الموانع التي تقف امام تطورها من خلال عملية نزع الملكية في عقد الستينات و ليست بحاجة الى حل اخر للمسالة لانها نفذت هذا الامر منذ خمسة عشر عاما. و ثانيهما هو ان المسالة تتعلق بيوتوبيا "الراسمالية الوطنية و المستقلة" و اللجوء الى حل راسمالي راديكالي لمسالة الارض، الامر الذي يفترض به ان يشكل اساسا لنمو وتبلور السوق الداخلية و هذا ليس سوى يوتوبيا احلال راسمالية عصر المنافسة الحرة محل راسمالية عصر الاحتكارات اي يوتوبيا "العودة" الى عصر الثورة الصناعية في عصر الامبريالية، انها يوتوبيا التجزئة التي تحلم بها البرجوازية الصغيرة. ان سسبب استحالة الاستعاضة عن راسمالية عصر الامبريالية (في بلد تابع) براسمالية مستقلة بقيادة البرجوازية الوطنية، على الصعيد الاقتصادي، هي مسالة يجب "اثباتها" في فرصة اخرى، الا ان المسالة الواضحة جدا هي ان الطبقة العاملة الايرانية التي تنهض الان ضد الراسمالية الايرانية و التي قطعت حتى الان شوطا ملحوظا في القضاء على كل النظام البرجوازي و الذي يمر بازمة عميقة على صعيد الانتاج و التمركز، لاترى ما يسرها في هذه الترهات البرجوازية الصغيرة التي تبشر بالعودة الى عصر استغلال و نهب عرق و جهود عمال و كادحي القرن ١٧ و ١٨ في اوروبا.

ثانيا: ان مطلب الارض هو الاساس الاقتصاي لاية حركة فلاحية. يتمتع الفلاح بوصفه منتجا صغيرا بحقوق معينة من وسائل الانتاج و خاصة الارض التي تعتبر عنصرا حاسما من تلك العناصر، طبعا تتفاوت هذه الحقوق؛ بدءا من حق التملك الخاص للارض و انتهاءا بحق الحيازة كما في حالة الفلاحين المرفهين. على صعيد اخر يعتمد الفلاح لغرض الانتاج على قوة عمل افراد عائلته بشكل رئيسي و لذلك فان ارتفاع مستوى معيشته الاقتصادية يرتبط قبل كل شيئ بكمية و نوع الاراضي و بالشروط التي يحصل وفقها عليها و بالقواعد التي بموجبها يقوم باستغلالها. ولذلك من الواضح ان النضال الاقتصادي للفلاحين يتمحور حول حصولهم على اراضي اوسع و افضل و بشروط اسهل و يتوجه هذا النضال، في كل مرحلة، ضد الطبقات و الفئات الاجتماعية التي تمثل الملكية الكبيرة للاراضي (اقطاعية كانت ام راسمالية) و كذلك المؤسسات السياسية التي تحميها.

بناءا على ماسبق فان حل مسالة الارض من منظور سيادة الراسمالية في المجتمع يقتصر على حل "المسالة الفلاحية" شرط ان يؤدي تراكم راس المال في الريف الى استقطاب الفئات الاجتماعية الريفية و تحولها الى بروليتاريا و برجوازية على نطاق واسع، حيث يرتكز النضال الطبقي في مثل هذه الاوضاع على اساس اقتصادي جديد ذلك ان سيادة راس المال على عملية العمل و الانقسام الداخلي لسكان الريف الى بروليتاريا و برجوازية يعني بان النضال الاقتصادي للمستثمرين (البروليتاريا) ضد المستثمرين (البرجوازية) يتمحور حول الصراع على تحديد شروط بيع و استهلاك قوة العمل، النضال من اجل رفع الاجور، تخفيض ساعات العمل و تحسين اوضاعه من زاوية مصالح البروليتاريا و العمل على تخفيض الاجور، وزيادة درجة الاستغلال بشتى الوسائل من زاوية مصالح البرجوازية و لذلك فان انقسام الفلاحين الى بروليتاريا و برجوازية على نطاق واسع يحول، مبدأيا، الاسس الاقتصادية للنضال الطبقي في الريف و يقضي على العوامل التي تكمن خلف بروز "الحركة الفلاحية" المطالبة بالنمط الفلاحي للملكية و الانتاج.

ولكن كما قلنا فان الميزة الامبريالية لحل مسالة الارض في ايران خلقت، في الوقت الراهن بالذات، اوضاعا تتجسد في عدم وصول عملية انقسام و تجزئة الفلاحين الى بروليتاريا و برجوازية الى نتيجتها النهائية رغم ان الحل المذكور قد انجز فعلا من زاوية نمو الراسمالية في المجتمع اي (رفع الموانع الاقطاعية). الا ان واقع الحال هو ان جماهير الفلاحين الواسعة و رغم انها تقوم، في التحليل النهائي، بتحويل فائض انتاجها الى راس المال ورغم انها لاترتبط بالارض من خلال اية قيود اقطاعية و رغم انهم يعملون في خدمة راس المال بوصفهم جزء من جيش العمل الاحتياطي و رغم ان العمل الماجور يعني بالنسبة للكثيرين منهم؛ العمل على رفع مستوى معيشتهم، رغم كل ذلك فان بقائهم في ميدان الانتاج الريفي يبقى بوصفهم فلاحين، فلاحين يرتبطون بشكل محدد بوسائل الانتاج و لذلك فان تحسين مستويات معيشتهم يتوقف على الحصول على اراضي اوسع و افضل و بشروط اسهل. بعبارة اخرى، رغم ان الحل الراسمالي لمسالة الارض في ايران قد تم انجازه الا انه و بسبب الخصائص الامبريالية للحل المذكور فان مسالة الارض لم تزل غير محلولة بشكل تام من وجهة النظر الطبقية اي من منظور الفلاحين. في اوضاع يسود فيها راس المال و قوانين حركته على الانتاج الاجتماعي و يتمحور النضال الطبقي في المجتمع حول الصراع بين البرجوازية و البروليتاريا تتوفر في الريف فرصة لوجود حركة فلاحية باهداف برجوازية و لكن بعد انجاز الحل الراسمالي الامبريالي لمسالة الارض فان الاهداف البرجوازية للحركة الفلاحية تفقد دورها التاريخي و تتحول بشكل متزايد الى اهداف طوباوبة غير قابلة للتحقيق؛ اهداف طوباوية ليس بمعنى عجز الحركة الفلاحية عن فرض سلطتها السياسية بالقوة و مصادرة الاراضي و تقسيمها او حتى فرض اسلوب الانتاج الفلاحي-البرجوازي لفترة محددة و فرضها على مصالح الراسمال الاحتكاري في الريف الايراني، بل بمعنى ان اسلوب الانتاج هذا لم يعد له مكانة معينة في التطور التاريخي للراسمالية الايرانية ذلك ان قوانين حركة المجتمع الراسمالي التابع في اوضاع ايران المحددة لاتنسجم مع هذا النمط المحدد للتملك و الانتاج الريفي ولا توفر بالتالي ارضية مناسبة لنموها و (لتراكم و تمركز راس المال عن هذا السبيل). على الفلاح الايراني، بعكس الفلاح الروسي عند اوائل القرن العشرين، ان يعمل على ترسيخ شكل الملكية التي يطالب بها و التي هي ملكية راسمالية، ليس بمواجهة النظام الاقطاعي، بل من خلال مواجهة سياسة الراسمالية الاحتكارية لمسالة الارض و التي تعتبر راسمالية ايضا و هذا يهدد قبل اي شئ اسس استثمار كل الراسمال الاجتماعي و الذي يقوم بالانتاج و اعادة الانتاج على اساس حركة و حاجة الراسمالة الاحتكارية على الصعيد العالمي. ان حصر البحث عن الامكانية المادية او الضرورة التاريخية لتحقيق نمط الملكية و الانتاج البرجوا- فلاحي في الريف ضمن اطار تغير العلاقات الانتاجية في الريف فقط ليس سوى ضيق افق برجوازي تنطلق منه الحركة الفلاحية ذاتها. من المؤكد و الحالة هذه، اي اذا تجردنا من كل النظام الانتاجي و اذا تجاهلنا القوانين العامة لحركة كل الراسمال الاجتماعي في السوق الداخلية الايرانية و التي لاتقتصر على علاقة العمل بالراسمال في الريف فقط و رغم بقاء اشكال قديمة من العمل في الريف، ان نصل الى نتيجة مفادها ان ترسيخ الملكية و الانتاج البرجوا- فلاحي ليس ممكنا عمليا فحسب بل انه ضروري تاريخيا ولكن مثل هذا التجريد ليس جائزا على الاطلاق من وجهة نظر البروليتاريا و الماركسية، ذلك ان الملكية البرجوا- فلاحية و مدي توفر امكانية تحقيقها، اي انتاجها و اعادة انتاجها على نطاق واسع و منظم، و كذلك دورها في التطور التاريخي للمجتمع هي مسائل يمكن بحثها و تقيمها بوصفها اجزاء من الراسمالية الايرانية فحسب و لذلك فان ما يجب بحثه و العمل على ترسيخه ليس اسلوب الانتاج البرجوا- فلاحي و احلاله محل اشكال الملكية البطرياركية، المزراعة او الاجارة و غيرها في الريف الايراني المتخلف بل العمل على احلال بديلين شاملين محددين لنمو الراسمالية في كل البلاد، احدهما راسمالية تابعة تستلزم تطبيق سياسة محددة للارض، اشرنا اليها سابقا وبديل اخر لنمو الراسمالية حيث يفترض ان تحول الملكية و الانتاج البرجوا- فلاحي الى اساس لانتاج و اعادة انتاج وسائل معيشة كل الطبقة العاملة و بذلك تتحول الارباح المتحققة من الانتاج الزراعي في السوق الداخلية الى احدى الاركان الاساسية لتحديد درجة استغلال كل الطبقة العاملة و تحديد استثمار كل الراسمال الاجتماعي بفئاته و اقشاره المتعددة. البديل الاول هو الموجود على ارض الواقع و الذي قام اساسا، كما اشرنا، بدفع عملية نمو الانتاج البرجوا- فلاحي في الريف الى الخلف او بعبارة اخرى قام بحل مسالة الارض باسلوبه الخاص و استجابة لحاجات نموه المحددة. اما البديل الثاني فانه ليس سوى ذات "الراسمالية الوطنية و المستقلة"، اليوتوبيا التي يتحول جزئها المتعلق بمسالة الارض و ضمن الاطار المحدد للريف الايراني الى اساس للحركة الفلاحية داعية الفلاحين الى النضال الثوري ضد النظام القائم في الوقت الذي تتحول اجزائها الاخرى و ضمن اطارها الكلي الى اساس للدعاية الكاذبة و المخادعة للبرجوازية الليبرالية دافعة الثورة الايرانية، في المدن، نحو المساومة. ان هذا ليس سوى انعكاس للتاثير المزدوج للراسمالية الايرانية التابعة في المدن وفي الريف. ان ما تم في "المدن" هو "الانجاز" الفعلي لتراكم راس المال و حيث قامت الراسمالية التابعة بترسيخ الاسس الضرورية لاستثمارها و تم افراغ "هدف الراسمالية المستقلة و الوطنية" من كل محتوى مادي بالنسبة للبرجوازية نفسها و تحوله في الميدان السياسي و في ميدان الخداع الايديولوجي-السياسي للجماهير و طبعا بفضل انحرافات الحركة الشيوعية، الى اداة صرفة تستخدمها البرجوازية لاحياء الراسمالية التابعة تحت مسميات الاقتصاد الوطني او طريق التطور اللاراسمالي. ان يوتوبيا الراسمالية المستقلة و الوطنية و التي قامت البرجوازية بعرض جميع اوجهها صارت عاجزة عن تعبئة احدما للنضال الثوري ضد سلطة الامبريالية، اما الريف فان اهميته لاتتجاوز، من وجهة نظر الراسمالية التابعة، سوى كونه مخزونا لقوة العمل الرخيص من اجل زجه نحو المراكز الصناعية غير الزراعية و طبعا لتراكم راس المال الذي يحتل مرتبة اساسية. ان يوتوبيا تبلور الفلاح – البرجوازي الذي يشكل جزءا اساسيا من يوتوبيا الراسمالية الوطنية و المستقلة تزج بالفلاحين المعدمين و الحائزين على قطع صغيرة نحو مشارف النضال المسلح ضد الراسمالية التابعة و حكوماتها من اجل مصادرة الاراضي.

٥. و اخيرا؛ استنادا الى ما ذكرناه سابقا، كيف يجب ان تتصدى البروليتاريا الثورية و طليعتها الشيوعية لمسالة الارض و الحركة الفلاحية في الاوضاع الراهنة؟

    أ. ليس بمقدورالسمة الطوباوية لاهداف الحركة الفلاحية و يجب ان لاتشكل مانعا امام الطبقة العاملة الايرانية من اجل معرفة و ادراك السمات الثورية و الديمقراطية للحركة المذكورة و لدعم و تقوية تلك السمات و الجوانب خاصة وان:

      اولا: يحب البحث عن اسس فقر وبؤس كادحي الريف ليس في بقاء نظام الانتاج الاقطاعي بل في النتائج العملية لسيادة النظام الراسمالي التابع، اي راسمالية عصر الامبريالية في بلد تابع. ان واقع الامر، كما اشرنا، هو ان ما يبقي على المستوى المتدني الراهن لمعيشة الفلاحين الكادحين في ايران، ليس الاستثمار الاقطاعي و لا الاستيلاء المباشر للملاك الاقطاعيين على فائض منتوج الفلاحين بل الاستيلاء غير المباشر لراسمالية الدولة و راسمالية القطاع الخاص على الفائض المذكور. يعيش الفلاح الفقير في ظل النظام الراسمالي التابع بوصفه جزءا من جيش العمل الاحتياطي المستعد دائما للعمل في خدمة راس المال و لذلك فان منطق تراكم راس المال لن يسمح ابدا لجيش العاطلين بالعيش في مستوى اعلى او حتى مساو لحياة الجزء العامل من الطبقة العاملة. واذا تذكرنا ان الجزء المستخدم من الطبقة العاملة تجبر على بيع قوة عملها لراس المال باسعار بخسة (الاوضاع الامبريالية للانتاج في ايران) لاتضح لنا مصير جيش العمل الاحتياطي "العاطلين" و خاصة جزءه المخفي اي الفلاحين الفقراء. ان نضال الفلاحين الفقراء من اجل رفع مستوى معيشتهم اي النضال من اجل الارض هو قبل اي شئ نضال ضد سياسة الارض الامبريالية في ايران، انه نضال ضد التاثير المحدد للراسمالية التابعة في ميدان الريف.

      ثانيا. ولذلك فان الاهداف البرجوازية للفلاحين، من زاوية النضال الطبقي و الثورة الراهنة، بعيدة بعد السماء عن الارض عن الوعود و الاوهام المتعلقة "بالراسمالية الوطنية و المستقلة" التي تروجها البرجوازية و البرجوازية الصغيرة الحضرية المرفهة. ان نضال الفلاحين من اجل مصادرة الاراضي (رغم انه يجري تحت الراية و الهدف البرجوا- فلاحي) الا ان حركته العملية، في الميدان السياسي يتعارض مع مصالح و اهداف البرحوازية الحضرية، هذه المصالح التي لجأت البرجوازية الايرانية من اجل الدفاع عنها الى نفس اهداف "الراسمالية الوطنية و المستقلة". في الريف. تدفع اليوتوبيا البرجوازية بالفلاحين نحو النضال الثوري المباشر ضد السلطة الاقتصادية و السياسية للامبريالية، الا ان البرجوازية، في المدن، تستغل نفس تلك الاوهام البرجوازية للجماهير من اجل اجراء المساومات مع الامبريالية و الحفاظ على ملكية راس المال لوسائل الانتاج و كذلك من اجل استغلالها لتوجيه ضربة قوية لقمع الثورة. شكليا تنسجم يوتوبيا الفلاح-البرجوازي مع الاوهام العامة "للراسمالية المستقلة و الوطنية" بوصفها اهدافا اقتصادية، الا انه بمجرد النظر الى ميدان النضال الطبقي ندرك بان هذا الانسجام ليس سوى سطحيا و شكليا. (طبعا تستثنى "زحمت" من ذلك لانها تبني في سياق تنظيرها لصورة الفلاح-البرجوازي، كل امالها على نفس وعود بني صدر و المستشاريين الوطنيين لوزارة الزراعة، هذه الحراب البرجوازية الحادة لقمع الثورة.) ليس بمقدور النظام الراهن الذي اخذ على عاتقه مهمة الدفاع عن المؤسسات الراسمالية التابعة و انقاذها من محنة الثورة سوى دعم سياسة الارض الامبريالية و قمع الحركة الفلاحية و ليس امام الحركة الثورية للفلاحين، في سياق نضالها من اجل تحسين اوضاع جماهير الريف رغم الطوباوية البرجوازية المرافقة لهذا النضال، سوى الالتحام بالجبهة الثورية للعمال و الكادحين المعادية للامبريالية و انها لذلك تعتبر احدى الحلفاء الاساسيين للبروليتاريا الايرانية في الثورة الديمقراطية الراهنة.

    ب. و لذلك و بناءا على كون اصلاحات عقد الستينات قد انجزت:

      ١. حل مسالة الارض على الصعيد الاقتصادي اي من زاوية دورها و مكانتها في انتصار سلطة راس المال على الانتاج الاجتماعي في كل البلاد و رفع الموانع الاقطاعية التي تحول دول بسط العلاقات الراسمالية في الريف؛

      ٢. رغم انجاز الحل الراسمالي لمسالة الارض الا ان المسار البطئ لتراكم راس المال في الريف (و الذي يشير ليس الى "اختلال" الراسمالية الايرانية بل الى خاصيتها المحددة) لم يؤد الى تقسيم المجتمع الريفي الى بروليتاريا و برجوازية على نطاق واسع. بعبارة اخرى فان الواقع المذكور ادى الى بقاء الجانب الطبقي لمسالة الارض غير محلولا و لذلك فان؛

      ٣. لايزال مطلب الارض يحتفظ باهميته بوصفه المطلب الاساسي للحركة الفلاحية و هو يدعو الفلاحين الى تنظيم حركة ثورية ضد الملكية الكبيرة للارض؛

      ٤. ان اية حركة فلاحية في ايران الراهنة و مهما اتسمت بالراديكالية فانها تبلور، في التحليل النهائي محتوى برجوازيا و سبيلا راسماليا لحل مسالة الارض و على هذا الصعيد فان الحل "الفوقي" و الامبريالي لمسالة الارض و كذلك "سبيل الحل الفلاحي (قد فقدا اهميتهما و مكانتيهما التاريخية في تطوير العلاقات الراسمالية و هما يتحولان اكثر من ذي قبل الى اهداف طوباوبة" خاصة وان "القضاء على الموانع التي تقف امام تطور الراسمالية" ليس مدرجا ضمن مهام الثورة الديمقراطية في ايران)؛

      ٥. ان وجود هكذا حركة فلاحية في ايران تعمل على تحقيق اهدافها الطوباوبة و البرجوازبة ستلجأ حتما الى النضال الثوري ضد الملكية الكبيرة و التي هي "نيبجة لسياسة الارض الامبريالية في ايران" و من خلال ذلك ضد السلطة المدافعة عن مصالح تلك السياسة، ان هذه الحتمية تجسدت في الوقت الراهن في انبثاق حركات عديدة و واسعة (في كردستان، تركمان صحرا...)؛

      ٦. واخيرا فان مايمكننا استنتاجه من هذا المقال عن اسلوب لنين في التصدي لمسالة الارض و الحركة الفلاحية ومن الجوانب القابلة للتعميم و التي اشرنا اليها باختصار هو ان:

        اولا: لايمكننا اعتبار حل مسالة الارض حلا راسماليا و "محددا" وان جاء راديكاليا و من تحت، المسالة المحورية للثورة الديمقراطية، رغم احتمال تحقيق بعض اهداف الحركة الفلاحية بالارتكاز على نضال الفلاحين الثوريين و ضمن اطار محدد و رغم السياسة الارضية للامبريالية و قوانين نمو العلاقات البرجوازية،ذلك ان ما يعتبر مهما و حيويا بالنسبة للبروليتاريا الايرانية، في الثورة الراهنة، و بقدر تعلق الامر بمسالة الارض هو الجانب السياسي-الطبقي للمسالة، اي المسالة الفلاحية و الحركة الثورية للفلاحين.

        ثانيا: يجب على البروليتاريا الثورية و طليعتها الشيوعية:

          ١. دعم وتقوية الجوانب والسمات الثورية بكل طاقاتها و الدفاع عنها بوجه الرجعية الامبريالية و لذلك يجب، في سياق، الدفاع عن النضالات الراهنة للفلاحين رفع شعار مصادرة الاراضي و الدعوة الى ترسيخه (بالاشكال السياسية-التنظيمة المختلفة) المرافقة لهذه النضالات (المجالس، الاتحادات، او اية مسميات اخرى مرتبطة بامكان تواجد هذه الهيئات)، هذا من جهة

          ٢. و من جهة اخرى يجب ان يرافق الدعاية المستمرة للاشتراكية بوصفها سبيلا للقضاء النهائي على الفقر و الاستعلال في الريف، العمل على تنظيم بروليتاريا الريف و التي تتواجد باعداد ملحوظة في اوضاع ايران الراهنة في تنظيمات سياسية بروليتارية مستقلة (شيوعية) و الاشتراك من خلال هذه التنظيمات و الى اقصى حد ممكن بتحديد سمات و توجهات الحركة الفلاحية.

          ٣. يجب عدم التورط باي شكل من الاشكال في الابحاث المتعلقة بتمييز و تفضيل احدى الاشكال الراسمالية "الانتاج الزراعي"، "في الاوضاع الراهنة"، "غريزة التملك" و الطوباويات البرجوازية للحركة الفلاحية، بل بالعكس يجب العمل على نقد الخصائص البرجوازية لاهداف الحركة الفلاحية بشكل راسخ استنادا الى المصالح المستقلة لبروليتاريا الريف.

          ٤. يجب على الشيوعيين عدم التورط باي شكل من الاشكال في بلورة الاطروحات العامة والساذجة المتعلقة بكيفية "تقسيم الاراضي" الزراعية او تملك المنتوج. يحب على الشيوعيين الالتزام بالتوجيه اللنيني المتعلق بهذا الميدان؛ سيتم تحديد الاراضي المصادرة، في كل حالة خاصة، استنادا الى الامكانات المادية الموضوعية و الذاتية للبروليتاريا الريفية من خلال النضال.

          (من المهم جدا ادراك هذه المسالة خاصة وان هناك اشكالا متعددة من تملك الارض و الانتاج في مناطق الريف المختلفة؛ الزراعة المصنعة، البستنة، الزراعة الممكننة،... ذلك ان المحتوى التقدمي للتصور البرجوا- فلاحي هي مسالة صورية و ذاتية فحسب، الا انه يمثل عمليا بديلا متخلفا لشكل التملك و الانتاج. ان الدعاية لهذا التصور او اي تصور برجوازي اخر في الاراضي التي يتم ادارتها في الوقت الراهن عن طريق استخدام العمل الماجور على نطاق واسع و على اساس راسمالي تام، هي حركة باتجاه الخلف و رجعية و على الرغم من كون هكذا دعاية متوقعة من "الحركة الفلاحية" الا انها لاتحفف قيد انملة من دعم البروليتاربا لها، الا انه غير مسموح به للشيوعيين. تتوفر للبروليتاريا الريفية "موضوعيا" في مثل هذه الحالات ظروفا مناسبة لنفي الملكية البرحوازية، مبدأيا، و للدعاية لحيازة الاراضي المصادرة بشكل اشتراكي و القيام جماعيا بزراعتها).

ان شعار "المصادرة الثورية لجميع الاراضي عن طريق الحركة الثورية للفلاحين" هو، في الوقت الراهن، اصح شعار من وجهة نظر البروليتاريا الايرانية بشكل عام و بروليتاريا الريف بشكل خاص ذلك انه يهئ الارضية المناسبة للتصعيد المجدد للنضالات الثورية في ميدان الريف و هو اداة مناسبة تكسب البروليتاريا الهيمنة السياسية في الثورة الراهنة، انه شعار يضع الحركة الفلاحية الثورية بشكل واضح تحت حماية و تضامن البروليتاريا الثورية من جهة و من جهة اخرى يمكن البروليتاريا و خاصة بروليتاريا الريف من بسط امكانياتها الموضوعية و الذاتية في ميدان النضال من خلال تقوية جبهتها المستقلة و تكاملها السياسي و التنظيمي و التاثير على "تركيب القوى" التي تحدد مصير الاراضي المصادرة و المشاركة النشطة في توفير مستلزمات الحركة النهائية نحو الاشتراكية و ليس على اساس صيغ تحليلية و تقيمية جاهزة و مسبقة حول مرحلة الثورة او صيغ متعلقة بما "يجوز" و "لايجوز" في "الثورة الديمقراطية". ان صياغة الاطروحات المتباينة لتقسيم الاراضي و الانتاج الزراعي و التي تؤكد قبل اي شيئ على الابقاء على الملكيةالخاصة البرجوازية و بالذات في ظروف تبلورت فيها الجبهة المستقلة للبروليتاريا الريفية ضمن مسار النضالات الفلاحية، هو دفع الثورة باتجاه العناصر و الجوانب البرحوازية ليس الا[٩]. ان البرنامج الرفاهي الذي يطرحه الشيوعيون للكادحين (ومن ضمنهم كادحي الريف، ليس سوى اطروحة التنظيم الاشتراكي لاقتصاد المجتمع وان من يهبون، ضمن النظام القائم، دفاعا عن نضالات العمال و الفلاحين و يقفون في الصفوف الامامية لنضالاتهم لايستهدفون سوى تامين شحذ الطبقة العاملة لكل قابلياتها الجسدية و الروحية وزجهالاجل ترسيخ نضالها من اجل التحرر. لنين، مراجعة برنامج الحزب، المجلد ٢٤، الانجليزية، ص٤٧٤، خطوط التاكيد منن عندنا). واخيرا يمكننا تلخيص ما قلناه في هذا الدرس اللنيني البليغ:

"ان ما اوضحته هذه النظرية (الماركسية) عن المهمة الواقعية لحزب اشتراكي ثوري وما اكدت عليه هو ان وظيفة الحزب ليس صياغة البرامج من اجل تجديد المجتمع و القاء المواعظ على الراسماليين و اتباعهم، بل تنظيم النضال الطبقي للبروليتاريا و قيادة هذا النضال الذي يشكل استيلاء البروليتاريا على السلطة السياسية و تنظيم المجتمع الاشتراكي هدفه النهائي." خطوط التاكيد من لنين. برنامجنا، الاثار الكاملة المجلد ٤، الانجليزية، ص ٢١٠- ٢١١١ عن "حول الحزب البروليتاري من طراز جديد" ص ٢٥.


اتحاد المناضلين الشيوعيين
النصف الاول من كانون الثاني ١٩٧٩


الهوامش

[١] وردت كلمة "الديمقراطيين" في النص الانجليزي الا اننا تعتقد، استنادا الى الموضوع الذي يتم بحثه بان المقصود هو "الاشتراكين الديمقراطيين".

[٢] اذا كنا نتصور بان شعار "نظام الاراضي المتساوية" هو اكثر الشعارات اغراقا في الرجعية فاننا على خطا مبين. ان مؤيدي شعار "الارض لمن يزرعها" قد بيضوا فعلا وجه "زحمت" و "كريج" في اطلاق الجمل و العبارات الطنانة الفارغة لانه اذا كان للشعار الاول بعض من الاصول الاشتراكية الطوباوبة المبنية على التقسيم المتساوي للارض، فان الثاني يدعي بانه يستند على المرحلة الاولي من الاصلاحات الامبريالية و يعمل مبدأيا على ترسيخ "شكل من اشكال" الملكية البرجوازية الخاصة على اساس الاصناف الراهنة للاراضي. "الارض لمن يزرعها". حسن جدا، ولكن من الذي يقوم بالزراعة؟ كيف و باية وسائل و باية مقاييس؟ كم و كيف هي الارض التي يتم زراعتها؟...و..تتلخص كل مهمة هذا الشعارباضفاء طابع الغموض على المسالة و لذلك فانه انسب شعار لمن يتحتم عليه ان يطلق شعارا و لكن دون ان يدافع علنا عن اية طبقة و فئة اجتماعية. انه شعار للسفسطة الاقتصادية و لكن دون ان يطرح موضوعة اقتصادية مفيدة اولا وليس في جعبته موضوعة واحدة عن اقتصاده؛ من الواضح انه تحصيل حاصل لمراعاة الميول و النزعات الفلاحية الغامضة المتعلقة بتقديس الملكية و حصر وعيهم ضمن اطار "غريزة التملك الغامضة" انه شعار يشوه تماما اهداف البروليتاريا في الثورة الديمقراطية و يدفع بمستوى وعي حلفائها في الثورة المذكورة الى مستوياتها الدنيا. يعتقد ماركس؛

ان الحركة الفلاحية الامريكية ثورية لكونها تسهل نضال الطبقة المضطهدة ضد الطبقة المضطهدة ليس من اجل اجراء تحسينات مؤقتة و تحقيق مسائل رفاهية عابرة بل لانها بالضبط: "توجه ضربة للنظام الراهن لملكية الاراضي و تسهل توجيه ضربات لاحقة لنظام الملكية بشكل عام"

ان المسالة هي توجيه ضربة لنظام الملكية بشكل عام و ليس صياغة شكل من الملكية نيابة عن البروليتاريا. طبعا هذا لاينفي ان يطرح الفلاحون في اوضاع محددة و خاصة شعار "الارض لمن يزرعها" وان يتحول هذا الشعار الى اساس لحركة فلاحية ثورية و ان يحقق منجزات سياسية معينة للفلاحين. في هذه الحالة فقط يؤيده الشيوعيون ولكن هل يدعمه الشيوعيون بوصفه شعارا عاما، شاملا و ثابتا؟ مطلقا لا؛ هل يؤيده الشيوعيون بوصفه شعارا يحمل وهم تبديل بروليتاريا الريف الى مالكين صغار؟ قطعا لا؟ و هل يحضى بتاييد الشيوعيين بوصفه شعارا تتحمل البروليتاريا مهمة طرحه تاريخيا؟ بالتاكيد لا. "ان اساس المسالة هو توعية الفلاحين بضرورة القضاء الثوري على النظام القديم والسير بهم، عمليا نحوذلك وليس صياغة اطروحات خيالية حول "التقسيم المجدد للاراضي" او "تاميمها".

[٣] ادى تجاهل تحليل مسالة الارض تحليلا تاريخيا بهؤلاء الرفاق الى القول؛ ان "حل" مسالة الارض هو مسالة ضرورية حتى في اكثر البلدان المتطورة و بمعزل عن التطرق الى الثورة الاشتراكية و الدور التاريخي للبروليتاريا. ف"الحقيقة؛ لسان حال اتحاد الشيوعيين الايرانيين" في عددها ١٨ في مارس (اذار) ١٩٧٧، تكتب محاولة اظهار "الاختلافات" الموجودة بين مسالة الارض في ايران عنها في البلدان المتقدمة: ان مسالة الارض "بالمعني الشائع للكلمة" لا تقتصر فقط على البلدان المتخلفة و المظلومة مثل بلدنا (وهي ليست نتاجا لمرحلة تاريخية معينة بل انها موجودة منذ ظهور الملكية الخاصة، طبعا بالمعني الشائع للكلمة، فنحن نواجه هذه المسالة في اكثر البلدان الراسمالية تقدما،علما انها لا ترتبط لا من قريب او من بعيد بمسالة التناقض بين العمل وراس المال..!؟ كما نسمع بين الحين والاخر خاصة في بلدان السوق الاوروبية المشتركة حركات احتجاجية للمزارعين الصغار على مسائل؛ مالية اسعار المنتجات الزراعية، الديون و..الخ هذه المسائل المتعلقة بمسالة الارض و التي تشير الى انفصالها عن التاقض بين العمل و راس المال ذلك انها موجهة ضد الراسمال الكبير و الحكومة). الاقواس و علامات التعجب و السؤال من عندنا.

ان مطالبات المزراعين الصغار للراسمال الكبير واللحكومة المتعلقة بالضرائب، اسعار المنتجات، القروض في المجتمعات الراسمالية المتقدمة، اي المطالبات المتعلقة بتقسيم الربح الذي انتجته البروليتاريا لا ترتبط مطلقا بمسالة ازالة الموانع و العقبات الاقطاعية امام تطور الراسمالية، يبدو ان هؤلاء الرفاق يستمتعون بمقارنة مسالة الارض في ايران ب"مسالة الارض" في اكثر البلدان الراسماية تطورا رغم انهم يبينون، حتما، اوجه الاختلاف بينهما.

علينا القول اولا بان التصدي لمسائل معينة بصيغ مثل "المعروف ب"او "حسب التعبير الشائع" او "ما يسمى هذا و ذاك" و ليس على اساس المحتوى الاقتصادي-السياسي-التاريخي لتلك المسائل يكشف بان هؤلاء الرفاق يتجاهلون المنهج اللينيني الراسخ: (يطالب المنهج الماركسي بحزم بالنظر الى اية مسالة في اطارها التاريخي عندما يتم بحثها و تحليلها)، حق الامم في تقرير مصيرها، الاثار المختارة. لان النظر بهذا المستوى من التعميم الى هاتين "المسالتين الارضيتين"، هذا اذا كان بمقدورنا اطلاق "مسالة الارض" على كلا الحالتين لان احداهما ترتبط بالتناقضات الداخلية لنظام راسمالي متطور و متعفن، و اظهار نقاط التشابه و الخلاف بينهما غيرمنطقي، عديم الاهمية و غير ماركسي، بالاضافة الى انه يجب الانتباه الى مايعنيه هؤلاء الرفاق عندما يشيرون الى مسائل "من هذا القبيل" بمعزل عن التناقض بين العمل و راس المال!؟ الا يعتقدون بوجود تناقضات اخرى سابقة قبل وجود تناقص العمل و راس المال في هذه البلدان الراسمالية المتطورة؟، الامر الذي يدعونا الى الاعتراف بان هؤلاء الرفاق هم اول من اكتشفوا هذه التناقضات الاخرى..! التي يجب حلها قبل حل "مسالة الارض" في كل انحاء العالم. الا يؤكد هؤلاء الرفاق صحة القول: "خلقنا من التراب و اليها نعود". يحب الاعتراف بان الرفاق يدركون بعض الاختلافات الاساسية بين الحالتين:

"تختلف مسالة الارض، في ايران، عنها في البلدان الراسمالية المتطورة (؟)... و لكن لاتوجد في كل اوروبا و امريكا الشمالية حركة فلاحية ضد نظام تملك الارض و من اجل الارض (واسفاه)، رغم ان مسالة الارض التي تشير الى حالة اخرى خارج نطاق التناقض بين العمل وراس المال باقية بكل قوتها. كلا يارفاق ان المسالة التي تسمونها "مسالة الارض" بالمعنى الدارج للكلمة ليست سوى تناقضات نظام انتاجي وصل حد التعفن و الازمة و يجب ان يستبدل بنظام انتاجي اخر هو الاشتراكية. ان المسالة التي تشيرون اليها هي جزء من الانتاج الاجتماعي و التي يتم انتاجها و اعادة انتاجها في ظل نفس النظام الانتاجي و ليس هناك سوى سبيل واحد لفهمها و نقدها و هو التصدي الصريح لها وفق منهج ماركسي بالارتباط مع الاجزاء الاخرى لكل النظام الاجتماعي اي كل النظام القائم و طرح البديل عنها بالتالي. ليس غريبا بانه لايمكن العثور على اية حركة فلاحية ضد نظام تملك الاراضي ومن اجل الحصول على الارض في بلدان اوروبا و امريكا الشمالية ذلك ان الهجمة القادمة على نظام تملك الارض و على الملكية بشكل عام يقع على عاتق البروليتاريا الريفية و البروليتاريا بشكل عام و ليس على المزراعين الصغار و المشتتين. ان ادعات الراسمال الصغير ضد الراسمال الكبير هي ادعاءات "ودية" لايعود البت فيها للبروليتاريا و لا لطليعتها الشيوعية.

[٤] يجب التاكيد هنا على ان انتاج قيمة استهلاكية معينة، المناجم...مثلا و كذلك الاستثمار في ميادين انتاجية محددة لايشكل للراسمال هدفا بحد ذاته ذلك ان الراسمال يتحرك و يبحث دائما عن تحقيق اقصى الارباح و لذلك وفيما يتعلق بالاولويات الانتاجية للراسمالية الاحتكارية في فترة محددة لايمكن الاستنتاج بان الراسمال يستهدف بالتحديد هذا الميدان او انه "يعج" عن ولوج ميادين اخرى.

[٥] الراسمال الثابت؛ Fixed Capital ليس مفهوما دقيقا في الاقتصاد البرجوازي و هو يبين بشكل عام قيمة الجزء "الثابت" من الراسمال "المكائن، الالات، الابنية و.." على هذا الصعيد يجب عدم خلطه بالراسمال الثابت الوارد في النقد الماركسي للاقتصاد الراسمالي الذي يترجم ب "Constant Capital".

[٦] المقصود هو جزء الراسمال المخصص للاستثمار الزراعي و الذي يتم انفاقه على الالات و المكائن.

[٧] "حل مسالة الارض من زاوية مصالح الفلاحين" و "حل مسالة الارض من الزاوية الطبقية" هما، دون شك، مفهومان متقاربان و لكنهما يستعملان لاغراض مختلفة. الاول يشير الى انتصار السبيل الفلاحي و وما ينتج عنه من استقطاب و تمايز داخلي في صفوف الفلاحين و الثاني يطرح نتيجة هذه العملية "وليس فقط هذه العملية" اي نفس الاستقطاب و التمايز الداخلي للفلاحين و اختفاء صورة الفلاح – البرحوازي الصغير. لم نرى ضرورة التطرق الى اختلاف المفهومين بالتفصيل لان كليهما يشيران الى ان اختفاء الشكل الفلاحي يؤدي الى اختفاء اساس الحركة الفلاحية.

[٨] رغم التكرارات العديدة فاننا نامل الان ان لا يتحجج "اتحاد الشيوعيين الايراني" بالرد على،نقد "المناظلين في سبيل اهداف العامل" الوارد في كراس "بحث حول مسالة الارض،كانون الاول ١٩٧٩" او باية حجة اخرى و ان يدفعوا بمقال "مسالة الارض في ايران و موقف الشيوعيون تجاهها" و الذي نشر في "الحقيقة" العدد ١٨، مارس (اذار)، الى المطبعة. على اية حال ان الاستشهاد بمقاطع من هذا المقال سيساعدنا على التعرف على التصور غير الماركسي لهؤلاء الرفاق حول مسالة الارض و اصلاحات عقد الستينات:

"بعد مرور اربعة عشر عاما صار بمقدورنا ان نرى الان بوضوح فشل السياسة الارضية للملاكين الشاهنشاهين و الادراة الامبريالية" يجب ان ننتبه اولا الى الناقد! بعد ذلك حتى اذا وافقنا على فشل سياسة الملاكين الشاهنشاهيين و ادارتهم الامبريالية..! هل يمكننا عدم الموافقة على اعتبار ان ماحصل عليه هؤلاء الملاكين الشاهنشاهيين و ادارتهم الامبريالية من فائض القيمة و فائض القيمة الامبريالية من خلال قوة العمل الرخيصة التي تدفقت من الارياف الى المدن قد انقذتهم من خطر الازمة و الافلاس لسنوات طويلة؟ من المؤكد ان ان رفاق "الاتحاد" لايهزون رؤوس الموافقة على ذلك و لكننا نقول لهم "اطمئنوا" فان السياسة المذكورة لم تصب بالفشل و الافلاس. ان واقع الامر هو ان مبعث قلق هؤلاء الفرفاق هو شيئ اخر:

"لم تؤد كل المحاولات البيروقراطية الا الى دفع مئات الالاف من الفلاحين نحو البؤس، الشقاء و المجاعة و لجوء اعداد كبيرة منهم الى السكن في العراء او في الاسطبلات و الاكواخ الحقيرة الملحقة بقصور المرفهين في الارياف و المدن و مع هذا يدعي هؤلاء الرفاق بان هذه السياسة قد اصيبت بالفشل..!". بل ان السياسة المذكورة لم تنجح في حل اية مسالة من مسائل الاستثمار الزراعي في ايران..!؟. الاقواس و علامات التعجب من عندنا.

اصبح واضحا الان بان هؤلاء الرفاق يشفقون على حال الفلاحين و سكان الارياف الا انهم يصبون جام غضبهم على سياسة الارض المذكورة لكونها "لم تنجح في حل اية مسالة من مسائل الاستثمار الزراعي في ايران". الاستثمار الزراعي في ظل اي نظام و لمصلحة من؟ دون شك لمصلحة نفس السياسيين غير الكفوئين التي لم تؤد "كل جهودهم البيروقراطية" سوى الى الفشل الذريع. الا يؤكد هؤلاء الرفاق صحة القول القائل: "ان هزالة الراسمال يحرك الدماء، في بعض الاحيان، في شرايين الجدات العجائز الاكثر حنانا من الامهات".

[٩] كان نقدنا في معظم فقرات هذا الكراس موجها للقوى الشيوعية التي تنهمك بصياغة اشكال الملكية التي يجب ان تتخذها الاراضي المصادرة من قبل الفلاحين وقد فاتنا ان "بيكار- النضال" جريدة "منظمة النضال في سبيل تحرير الطبقة العاملة" منهمكة الان بتحديد الاراضي التي صادرها الفلاحون ووضع الشروط عليها. فقد نشرت الجريدة المذكورة في عددها ٣٩ تقريرا عن قرية "قرق" القريبة من "أمل": يوجزقيام ١٢٠ من الفلاحين معدومي الاراضي، بعد تنظيمهم لعدد من الاجتماعات التشاورية بمصادرة ٥ هكتارات من اراضي احد المرابين الذي كان محل سخط الفلاحين الشديد وقاموا بعد ذلك باعدادها للزراعة، ثم قاموا بعد ذلك بمصادرة ٤ هكتارات من الاراضي البورالعائدة الى احد راسمالي المدينة. تستمر "بيكار" قائلة:

"بعد هذا النجاح الذي سيؤدي حتما الى توثيق اتحاد الفلاحين ينوي الفلاحون الاستيلاء على بعض الاراضي العائدة الى الفلاحين المرفهين و المتوسطين الا ان تعزيز وعي الفلاجين و ادراكهم سيصرفهم عن القيام بمثل هكذا عمل، يحب على المثقفين الثوريين توعية الفلاحين و صرفهم عن هذا الانحراف (اي الاستيلاء على اراضي الفلاحين المرفهين) الذي قد ترتكبه الحركة الفلاحية. يجب عدم مصادرة اراضي الفلاحين المرفهين في الارضاع الراهنة، بل ان على الفلاحين مصادرة اراضي الملاكين، راسماليي المدن، المرابين... حتى وان كانوا يملكون قطع صغيرة." (الاقواس من بيكار. خطوط التاكيد من عندنا)

باختصار ان الفلاحين الذي يؤدي انتصارهم الى توثيق عرى وحدتهم هم بصدد ارتكاب انحراف يساري و تقوم "العناصر الواعية" بتوعيتهم للقيام "بدورهم التاريخي" صحيح ان جهل الفلاحين ب"مرحلة الثورة" يؤدي بهم الى خلق مشاكل جدية للعنصر "الواعي"!

يجب ان نسال "بيكار" هل يجب علي المثقفين ان يستننتجوا "مرحلة الثورة" و روح الاوضاع الراهنة من الحركة الثورية للجماهير و على اساس النضال المادي الطبقي و اصطفاف قواها السياسية ام ان على الجماهير تحديد افاق حركتها اولا من خلال تلقي التوجيهات من "المثقفين الثوريين" لان من المحتمل ان تتحول "الصيغ الجاهزة مسبقا" التي يعدها "المثقفون الواعون" الى "فقاعات هواء فارغة" طبعا بسبب "تخلف الوعي" و "الاوضاع الراهنة" و ليس استنادا الى مصالح الجماهير "المتخلفة".

على اية حال تطرقنا في هذا الكراس، بما فيه الكفاية، لكيفية تصدي الشيوعيون للحركة الثورية الفلاحية و تحويلها الى قوة تساهم في خلق مستلزمات الحركة النهائية للبروليتاريا نحو الاشتراكية الا ان ما نتمناه صادقين، هو ان يكون "مثقفوا" قرية "قرق" الثوريين قد تجنبوا تعريف انفسهم على فلاحيها المعدمين بوصفهم شيوعيون.

[*] يطرح الرفيق منصور حكمت هنا مفهوما جديدا و جوهريا لفائض القيمة التي يتم انتاجها في البلدان الراسمالية التابعة و التي ستتحول الى اساس لرفض العديد من الاطروحات الاقتصادية و السياسية التي روجتها مكاتب الشيوعية البرحوازية؛ نشير منها الى مقولات البرجوازية الوطنية و التقدمية و موضوعة التطور اللاراسمالي ومسالة التحالفات و قيام الحبهات الوطنية التي روجت لها المدارس الماوية و الروسية... ويطرح كذلك و لاول مرة. حسب علمنا، استحالة قيام انظمة ديمقراطية في هذه البلدان...استنادا الى الخصائض التي يتميز بها النظام الراسمالي في هذه البلدان. فانتاج فائض القيمة في ظل المنافسة الحرة يتم عن طريق شراء قوة عمل العمال في سوق العمل بناءا على اتفاق "حر" يتم بين العامل و الراسمالي في ظل توازن محدد لعرض قوة العمل و الطلب عليها مع الاخذ بنظر الاعتباردرجة تشكل العمال و توحدهم في النقابات و الاتحادات العمالية و توفر حق الاضراب و التظاهر..... التي بامكانها التاثير على مستوى الاجور و الامتيازات الاخرى، في هذه الحالة يعتمد درجة الاستغلال و الكمية المطلقة لفائض القيمة على مستوى التطور التكنولوجي "فائض القيمة النسبية" الا ان عملية الانتاج في البلدان الراسمالية التابعة او ما يسمى ببلدان العالم الثالث يعتمد على استغلال قوة العمل في ظروف احتكارية تفرضها الطبقة البرجوازية مدعومة بقوة الدولة وكل الاجهزة القمعية و البوليسية مع حرمان الطبقة العاملة من كل اشكال التنظيم و الحقوق السياسية و المهنية الاخرى و لذلك فان درجة استغلال الطبقة العاملة تتجاوزمثيلاتها في البلدان الراسمالية المتقدمة. من المهم ان ندرك ان كل فئات الراسمالية تستفيد من هذا الواقع وان وسيلة الحفاظ عليه ليس سوى الاستبداد المطلق و يشكل هذا الواقع احدى الخصائص الاساسية للنظام الراسمالي في هذه البلدان التي اكتشفها منصور حكمت والتي تعبر بحق احدى اضافاته الاساسية للفكر الماركسي. لم ارى في الادب الاقتصادي العربي مردافا لها فاقترحت فائض القيمة الاحتكارية مقابلها.. المترجم

ترجمة جلال محمد


Translation: Jalal Mohammad
hekmat.public-archive.net #0160ar.html