الحزب والسلطة السياسية
خطاب في المؤتمر الثاني للحزب الشيوعي العمالي الإيراني ١٥ نيسان ١٩٩٨
بالتأكيد للرفاق انتظارات مختلفة من هذا الموضوع، ولكن موضوعي ليس الحديث عن المراحل المتتابعة بدءاً من رمي المواد الغذائية والبيض الفاسد بوجه موظفي النظام المكلفين بالقمع وصولاً الى الانتفاضة المسلحة. لا أريد هنا شرح وبيان هذه المراحل. بل أريد بحث ملاحظاتي الخاصة حول المسائل المطروحة في عملية اقتدار الشيوعية العمالية والإمساك بالسلطة السياسية من قبل الشيوعية العمالية وتوضيح العوامل المتدخلة في هذه القضية.
أود الشروع بمجموعة من النقاط التي تبدو وكأنها أسئلة باعثة على الكفر نطرحها على أنفسنا. باعثة على الكفر بمعنى أن الأجوبة النظرية حتى الآن تضع طرح هذه الأسئلة نفسها تحت طائلة الشك والظنون.
وأتصور أن إلقاء نظرة أكثر دقة على نظرية الشيوعية والسلطة السياسية تبين أن هذه الأسئلة لن تخلق أي غموض والتباس. ولكن لدي هذه الأسئلة وأريدكم أن تفكروا بها أنتم أيضاً وأن تساهموا في طرحها.
أول النقاط فيما يتعلق بالسلطة السياسية هي: سلطة الحزب أم الطبقة؟ وهذا هو أول سؤال سيطرحه علينا كل شخص حين يفكر بنتائج هذا الموضوع. ستسألوننا: أتريدون الحديث عن "الحزب" والسلطة السياسية؟ وفقاً للنظرية الاشتراكية من المقرر أن تتحدثوا عن "الطبقة" والسلطة السياسية، أنتم الشيوعيون ليس من المقرر لكم أن تتحدثوا عن اقتدار حزبكم وكسبه للسلطة. بالنتيجة يبدو، من هذا المنظار، أن موضوع "الحزب والسلطة السياسية"، هو على النقيض من النظرية الاشتراكية. وسيقولون لنا بسبب أن النظرية تقول أن الطبقة العاملة هي من يأخذ السلطة من البرجوازية وتنظم نفسها كطبقة سائدة، ليس من المعلوم هنا ما هو موقع الحزب من الإعراب ولماذا تتحدثون أساساً عن "الحزب والسلطة السياسية"؟
هذا "المنع" فيما يتعلق بالحزب والسلطة السياسية هو يدور فقط حولنا نحن. فقط حين نتحدث، نحن الشيوعيين، عن السلطة السياسية، ينبهوننا ويقولون لنا أجلسوا في مكانكم، فليس من المقرر وفق نظريتكم أن تقتربوا كحزب من السلطة السياسية، بل من المقرر أن تقترب الطبقة العاملة من السلطة السياسية.
ونحن نُواجَه بهذا الموقف ونتعرض لهذا التنبيه، سواء داخل الحركة الاشتراكية أو خارجنا. فهذا هو جزء من "الممنوعات" تجاهنا. إذا ما اجتمع خمسة أشخاص قوميين وشكلوا حزباً جديداً، سيتحدثون على الفور عن الإمساك بالسلطة السياسية ولن يكون هناك مأخذ عليهم من قبل أيِّ شخص كان، أياً كان! يقولون أن الحزب القومي الجديد الإيراني تأسس والسيد فلان هو رئيسه، وهو يعلن قراره بالإمساك بالسلطة السياسية، ويعرِّف من سيكون رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ويقوم بإجراء المقابلات في الصحف وقنوات الإذاعة والتلفزيون، ولكن حين نقول نحن أن الحزب الشيوعي العمالي يريد الخطو نحو السلطة السياسية، فإن أول من يمسك بأعناقنا هو أحد اليساريين المجاورين لنا من طراز منظمة الوحدة الشيوعية ويبدأ بالقول: ما الذي حدث؟ الطبقة هي التي من المقرر أن تمسك بالسلطة، وإلّا ألم تروا ظاهرة الاتحاد السوفيتي؟
وهذا يذكرني بغراتشو ماركس الشخصية الكوميدية الأمريكية الشهيرة حيث يقول: إنني لن أصبح عضو نادٍ يقبل أشخاصاً مثلي أعضاءاً فيه! تصورات الطرف المقابل لنا هي شبيهة بهذا. تقولون إنكم على استعداد للعيش في مجتمع تحت سلطة دولة برجوازية ليبرالية، على استعداد للعيش في ظل حكومة المحافظين، على استعداد للعيش في ظل حكومة ليبرالية، ولكنني لست على استعداد للعيش في ظل سلطة حكومة يؤسس دولتها أشخاص مثلي!
هذه هي نقطة واحدة وجانب نظري واحد للقضية موضع البحث حيث ينبغي أن أتطرق لها. ولنا الحق بالحديث عن هذه المقولة بهذا الشكل الذي نستخدمه اليوم. وبعد ذلك نتعقب بحثنا القديم المتعلق بالثورة العمالية، التنظيمات الجماهيرية العمالية، الإمساك بالسلطة السياسية والثورة.
يقول مهدي خانبابا طهراني في مقابلة أجرتها معه صحيفة (نيمروز) كنت قد قرأتها، أن مشكلة المعارضة هي أنها تتطلع للسلطة! وأنا لا أفهم ذلك. إذن ما الذي من المقرر أن تقوم به المعارضة؟ إن مشكلة مهدي طهراني هي ليست أن المعارضة تفكر بشكل سيء أو حسن بخصوص المجتمع المدني على سبيل المثال، بل هو يقول أن مشكلة المعارضة الإيراني في أنها تتطلع للسلطة!
إن أول النقاط التي أريد قولها وربما تبدو كفراً أمام الأنظار هي أن هذا الحزب يتطلع للسلطة السياسية ويريد الإمساك بالسلطة السياسية وهذا ليس له أي تناقض مع وصول الطبقة العاملة الى السلطة، وليس هذا فحسب بل إن السبيل الوحيد في الأساس لكسب السلطة السياسية من قبل الطبقة العاملة هو هذا حيث تمد يدها للسلطة من خلال حزبها الخاص. وبالطبع إمكانية أن كسب الحزب للسلطة يمكن أن لا يؤدي لكسب الطبقة للسلطة هو مرهون بنوعية وطراز ذلك الحزب. فأنا أتحدث عن حزب شيوعي عمالي.
ثمة نقطة أخرى يبدو ظاهرياً أنها وردت إلينا من النظرية ألا وهي أن عملية كسب السلطة السياسية شبيهة بعملية غرس شجرة، أي بالمعنى التالي: يبدأ الشيوعيون بالعمل بين صفوف الطبقة العاملة، يمارسون الدعاية، التحريض، والتنظيم ويحققون النفوذ داخل الطبقة. ينظمون الطبقة بصورة تدريجية. يتحولون الى عناصر وحلقات شيوعية داخل الطبقة. يحققون هذه القدرة والنفوذ الواسع خطوةً خطوة. يحققون القدرة على القيام بالحركات. يحققون القدرة على القيام بالتظاهرات ويعملوا طوال هذه العملية على تقوية العلاقة بين الحزب والطبقة للدرجة التي يستطيع الحزب فيها من دفع الطبقة الى الانتفاض وينظم الثورة ويمسك بالسلطة. هذه هي نظرية اليسار والتصور العام عن العمل الشيوعي.
غير أنني أريد طرح سؤال آخر باعث على الكفر: إذا استغرقت هذه العملية أكثر من عشرين عاماً، وشرعنا نحن بالتنظيم بين صفوف العمال، على سبيل المثال العمال الذين أعمارهم بحدود ٢٠ و ٢٢ سنة، في هذه الحالة فإن بعض من هؤلاء العمال سيكون لديهم بعد عشرة الى خمسة عشر عاماً، أطفال، وسيمرض بعض من هؤلاء العمال ويترك بعض منهم أيضاً النشاط السياسي. في النهاية نرى بعد هذه السنين أننا، من جانب، نجعل، كما يبدو، الأشخاص شيوعيين، فيما يتقاعدون عن العمل، من الجانب الآخر، ويتنحون عن النشاط السياسي.
إلا إذا كانت، التعاليم الاشتراكية، الشيوعية، تنظيم الطبقة وعلاقة الحزب والطبقة، تنتقل من جيل الى جيل آخر؟ كأن نأتي نحن ونبدأ بالعمل والنشاط على عمال عقدي الأربعينات والخمسينات الإيرانيين (عقدي الستينات والسبعينات من القرن العشرين-المترجم) على أمل أن نصل الى السلطة مع عمال عقدي السبعينات والثمانينات الإيرانيين (عقد التسعينات من القرن العشرين والعقد الأول من القرن الواحد والعشرين-المترجم) ؟
هل من الممكن أن يعمل حزب شيوعي خلال خمسين سنة بين صفوف العمال ويصل بعد خمسين سنة الى السلطة؟
بالنسبة لي كعابر سبيل بريء في المجتمع ليس من الممكن أن يوجد مثل هذا الانتظار، لأن هذا الإرث التنظيمي، هذا التعهد الأيديولوجي، هذا الوعي الطبقي وهذه العلاقة بين الحزب والطبقة لا تنتقل بهذه البساطة من جيل الى جيل آخر. نحن بصدد ان نرى ذلك! أن تقومون بنشاطكم وتحققون نفوذاً يصل الى ٢٠٪ على سبيل المثال وهم يفقدون بعد مدة هذا الحماس والطاقة على التحمل. وإلّا كم هو مقدار الإقبال والذهاب؟ نحن نبقى نمارس حياتنا السياسية، في حين أن أولئك العمال الذين كنا نمارس نشاطنا وفعاليتنا معهم يذهبون. ونحن نرى هذا في تجربة حياتنا السياسية.
هذا الحزب كان هو الحزب الذي تدخل في احتفالات الأول من أيار في مدينة سنندج، وكانت له علاقة وصلة بالحلقات العمالية المختلفة التي كانت تستمع الى إذاعتنا وتقوم بتوزيع وتكثير برامج الحزب وبرامج الإذاعة، وكانت تسافر الى الخارج، والآن نسال أنفسنا كما يوجه الآخرون أسئلتهم لنا: ما الذي حلَّ بذلك النفوذ والاعتبار؟ والمثير للانتباه أننا حققنا ذلك النفوذ العمالي وأسسنا تلك العلاقات في قلب الحملات القمعية الدموية لحزيران عام ١٩٨١ وبعدها وكان لنا نسيجنا وركائزنا وقواعدنا العمالية التي لا نملكها الآن، فما الذي حل بذلك؟ المسألة معروفة، فقد نفد صبر الجميع، ولن ينتظروا كلهم مجيء الثورة لتأخذهم معها. بعد مدة يتخذون في حياتهم قراراً آخر ويقومون بعمل آخر أو حتى يقولون أن ليس لهذا العمل من نتيجة أو نفع. إننا نسمع الآن أن الحلقات العمالية والناشطين العماليين الذين كانوا معنا في تلك المرحلة هم الآن يقومون بعمل آخر.
هذه الاقتدار السياسي، وهذا الاقتدار الحزبي لا ينتقل من جيل الى جيل آخر. ولا يمكن إدَّخار نفوذ الأحزاب العمالي. إنه لا يشبه صندوق الإدخار الذي تضعون فيه ودائعكم لحين الوصول الى مبلغ مدّخر ملفت للانتباه.
إنك تكسب النفوذ العمالي وبتصوري إما أن تستفيد منه من أجل الإمساك بالسلطة السياسية أو ينبغي عليك العمل من جديد لحين الوصول الى مكانة ما. هل تستفيد من ذلك النفوذ لكسب السلطة السياسية أو لا؟ إن تجربة جميع الأحزاب السياسية الأوروبية هي على هذا النحو. وتجربة جميع الأحزاب السياسية اليسارية العالمية هي على نفس النحو والمنوال.
فالأحزاب التي تصل الحكم من خلال الانتخابات، تشارك مرة واحدة كل أربع سنين في الانتخابات في البلدان الديمقراطية وتصوت الجماهير لصالحها ولا يكسب اليساريون، كما هو الأمر عليه دائماً، الأصوات في أي وقت من الأوقات. قصة حياة اليسار المتطلع للنظام البرلماني واليسار الراديكالي التي تتأملونها ترون أن في حالات معينة يصل التروتسكيون الى إرسال أحدهم في انتخابات محلية الى المجلس المحلي وأخيراً وبعد عشرين سنة لا يستطيعون تحقيق هذا الأمر في انتخابات محلية حتى في بلدان من قبيل إنكلترا وفرنسا. هذه هي قصة نجاحات أحزاب اليسار الراديكالي في الأنظمة البرلمانية فيما يتعلق بالسلطة السياسية. وحين يصل الرفيق الفلاني، على ما يبدو، الى مجلس المدينة لن يتبقى حينذاك أي أثر للحديث عن السلطة السياسية.
ينبغي طرح هذا السؤال: هل من الممكن الحصول على نتيجة من مثل هكذا نظرية، أي نظرية التكامل التدريجي، فيما يتعلق بالوصول من النقطة ألف الى النقطة باء، الوصول من الصفر الى المئة والاستعداد من أجل الثورة؟ وهل أن الثورة الشيوعية ستكون في نهاية مثل هكذا عملية؟
وهناك نقطة أخرى وسؤال آخر: أ بإمكاننا الإمساك بالسلطة متى ما شئنا أو تمكنا أم ينبغي حدوث تغيرات في المجتمع؟
افترضوا أننا حققنا نفوذاً وانظم ٣٠٪ الى ٤٠٪ من العمال الى صفوفنا، مثل الحزب الشيوعي الإيطالي، أو مثل الحزب الشيوعي الفرنسي قبل عشرين عام. فها هيأت أنفسكم لكسب السلطة السياسية حين وصلتم الى هذه النقطة؟ هل سيحسم مصير المسالة في العلاقة بين الحزب والطبقة؟ ويمكن للثورة أن تحدث في أي وقت يهيأ الحزبُ الطبقةَ للثورة؟
الثورة هي ظاهرة في المجتمع. ويقال في الرؤية التنظيمية والفكرية لليسار أننا متى ما كنا على استعداد، نذهب للإمساك بالسلطة. ولكن النظرية الماركسية تقول أن على المجتمع الورود الى مرحلة من التحولات الثورية لنكون قادرين على التدخل في تغيير المجتمع. والمجتمع الذي لا يريد التغيير، يتصدى بالقمع للعامل الذي يمده للسلطة، أياً كانت درجة تنظيمه. لا يمكنك أن تنهض من النوم في صباح هادئ لتقول إنني على استعداد للإمساك بالسلطة، فالمجتمع نفسه لا يسمح لك في مثل هكذا أوضاع بالإمساك بالسلطة.
فالغليان الثوري، تصاعد النشاط السياسي، وجود تناقض في قلب المجتمع يدفع الطبقات للصراع مع بعضها البعض الآخر ووجود فترات خاصة في هذا الصراع التي يمكن فيها الإمساك بالسلطة، هي من العوامل المهمة التي تترك تأثيرها على موضوع الحزب والسلطة السياسية. هل يمكن الإمساك بالسلطة في أية لحظة؟ هل بإمكانكم الإمساك بالسلطة لو أنكم تصورتكم أنكم على استعداد من الجوانب التنظيمية، الكيفية، العسكرية ومن جانب القوى؟ هل أن السلطة قابلة للإمساك بها في كل الأوضاع أو أنه يمكن الوصول إليها فقط في ظل أوضاع وظروف خاصة؟
إن جوابي على هذه الأسئلة هو التالي: بتصوري أن النظرية الفجة تنظر دائماً الى الحزب بدون الطبقة والطبقة بدون الحزب. وحين تتحدث عن الحزب تتحدث عنه كتنظيم ثوار مقطوعي الجذور مع وجود الاختلاف في أن هذا هو مجلس ثوري وهو خارج الطبقة تماماً ولا يتسبب في أي تأثير وتأثر داخل الطبقة نفسها. وقد بحثنا هذه المسألة في أدبياتنا. وحين يتحدث عن الطبقة يرى أن هذه الطبقة لا تملك أقل درجة من التحزب، ونفس العمال الذين في هم حالة إضراب واعتصام يمسكون السلطة بنفس هذا المظهر وبشكل جماعي وإذا ما قاموا بتنظيم أنفسهم أو حقق تنظيم سياسي نفوذاً في أوساطهم، تتشوه ثورتهم على الفور!
على العموم، في طريقة التعبير الفجة للنظريات الشائعة، توجد الازدواجية التالية: الحزب بدون العمال من جهة والعمال بدون الحزب من الجهة الثانية.
هذه المسألة في أن الطابع العمالي لحزب شيوعي وهويته العمالية هي في امتلاك برنامج عمالي، دون أن يكون بالضرورة كافة العمال أو أغلبيتهم معه، هي الظاهرة التي نسعى نحن لطرحها.
إن حزباً عمالياً، ومع كونه يشكل أقلية في صفوف العمال، بإمكانه، في فترات تاريخية معينة، بلورة حركة أغلبية العمال، والقيام بالثورة والإمساك بالسلطة والحفاظ عليها ومن خلال هذا السبيل يمكن في الأساس التحول الى الأغلبية. بتصوري يمكن القيام بهذا العمل. ينبغي أن يكون بهذا الشكل وإلا يأتي أي شخص، أي أستاذ جامعي درس الاشتراكية ليقول أن هذا العمل لا يتطابق مع ما درسته أو أي يساري أخذ دروسه من الستالينية ليقول لنا أننا أقلية خاصة بين صفوف الطبقة العاملة وليس من حقنا كسب السلطة، وجوابي على هؤلاء هو أن نظريتنا منذ البداية لم تكن هكذا.
وسيكون جوابي أننا لا يمكننا في أي وقت جذب أغلبية الطبقة نحونا في غياب حركة ثورية. على الأقلية الثورية والشيوعية للطبقة الإقدام على خطوات في النضال الاجتماعي تؤدي الى ارتباط أكثرية الطبقة بها. فإذا لم يكن لكم موطئ قدم في أي مكان لن يكون هناك سبب ليرتبط أحد ما بكم. ليس لدى أحد ما أي سبب للارتباط بحزب لا يمتلك برنامجاً خاصاً للقيام بعمل مهم. فالجماهير ترتبط بأشخاص لديهم برنامج خاص لتغيير المجتمع. جماهير الطبقة العاملة حين ترى أنكم تضعون الثورة في جدول أعمالكم وتعجزون فيما بعد عن تنظيمها وتحقيقها، تذهب للارتباط بحزب إصلاحي يكون قادراً، على الأقل، على تأمين زيادة أجورها. فعلاقة الحزب والطبقة بالثورة والإصلاحات هي علاقة خاصة وإنسانية تماماً وهي تحسين الأوضاع في كل لحظة وتحسين ظروف الحياة.
ولكن حين يرى العمال أنكم لا تنوون ولا تستطيعون بموضوعية تنظيم حركة تؤدي الى نتيجة معينة، يذهبون للتصويت لصالح نفس الحزب البرجوازي الذي بإمكانه، على الأقل، يقطع الطريق على المحافظين، يدافع عن الحد الأدنى للمعيشة، أو يحافظ على مجانية الخدمات الطبية والصحية...
وجوابي على هذا الموضوع هو: إن حزباً عمالياً يشكل أقليةً، حين تكون له قوة واقعية داخل الطبقة، وحين يكون حزباً شيوعياً له قوة واقعية يمكن لمسها داخل الطبقة تقدم له إمكانية القيام بعمل ثوري وراديكالي على المستوى الاجتماعي، بوسعه جذب بقية الطبقة نحوه من خلال نفس ذلك العمل الثوري والراديكالي في الميدان الاجتماعي. آلية اقتراب الحزب من السلطة السياسية في العلاقة مع الطبقة هي هذه، فالحزب ليس محفزاً كيماوياً تجد الطبقة فيه تفاعلها الداخلي. كذلك إن نفس الأقلية ونفس الحزب مضطرة، بتصوري، للعب دور حاسم في تنظيم السلطة مباشرة بعد كسبها.
وعليه فإننا ننتفض مثل الأحزاب البرجوازية للسلطة، أي أننا نريد الإمساك بالسلطة أيضاً. إذا قال حزب برجوازي أنه يريد الإمساك بالسلطة، هل لنا أن نقول له أ لست حزباً برجوازياً، هل جاءت البرجوازية كلها معك ونطلب منه أن يبين لنا نفوذه داخل صفوف البرجوازية؟ ويجيبون لنجرِ عملية انتخابات كي نرى أن كنا نمتلك هذا النفوذ والاعتبار أو لا؟ فالانتخابات هي العملية التي يطرحونها كعملية لكسب السلطة والنفوذ والاعتبار داخل طبقتهم.
وإذا كانت الانتخابات ليست برنامجنا وسبيلنا للوصول الى السلطة، فإننا نقول لنقم بالثورة لنرى فيما بعد إن كان العمال يؤيدوننا أو لا؟ نحن بالضبط نطرح هذه العملية الاجتماعية. وبالتأكيد سيقولون لنا (أي البرجوازيون-المترجم) نحن لا نقبل بثورتكم، ونحن نقول لهم أيضاً أننا لا نقبل انتخاباتكم. إن ما أريد قوله أن كفتي الميزان هذه متوازنتان.
وحين نخرج من المؤتمر ونقول، على سبيل المثال، في مقابلة، إننا نتجه صوب كسب السلطة السياسية، سيتعالى صياح اليسار خارجنا بالقول أنظروا هؤلاء صامتون ويريدون احتكار السلطة ومركزتها في أيديهم! وردي عليهم هو إذن من أجل أي شيء جئتم أنتم؟ هل أنتم من السيارات ذات المحركات الخلفية الألمانية القديمة لإيصال الطبقة الى أمام الصالة؟ ما هي فلسفة وجودكم؟
بتصوري أن علاقة الحزب والطبقة تتحرك في دائرة، تتقوى وتضعف. إنها لا ترتقي تدريجياً و يتم إدخارها. وأنتم كحزب سياسي لديكم فرصة محددة لإعداد الطبقة في كل مرحلة من أجل الانتفاض لكسب السلطة السياسية وإذا لم تستفيدوا من هذه الفرصة عليكم الذهاب والشروع من البداية. السلطة والاقتدار بالنسبة لكم ليست شيئاً يمكن إدخاره. من الممكن بقائها في ذاكرة العمال التاريخية، ذاكرة المجتمع، وفي النفوذ والاعتبار بين صفوف اليسار، إلا أن نفوذكم واعتباركم السياسي بين صفوف العمال ليس أمراً يمكن إدخاره. العامل يأتي ويذهب، لمرحلة يكون معكم وفي مرحلة أخرى لن يكون معكم. فإذا قمت بالثورة وفشلت ثورتك سيترك العمال صفوفك أفواجاً أفواجا. ولو كنت أنا أيضاً لتركتك وذهبت. فأي شخص ينضج بعد الثورة الفاشلة سيترك الأحزاب الشيوعية. واستمرار وجود حزب شيوعي في مثل هكذا أوضاع هي البرنامج والخطة التي ترشد ذلك الحزب الشيوعي وتبقي عليه واقفاً على أقدامه، أما إذا كان شخصاً يقف على خطوة أبعد من مثل تلك المكانة، فإنه سيذهب، وسينفد صبره وتحمله.
الجماهير وبدلاً من رسم سيناريو عجيب لحياتها، تحب ممارسة حياتها في العالم الواقعي والاستمتاع بها، وأن تكون مرفهة، وتعيش أجواءاً من الألفة والتعايش. ونحن مجموعة تختط وتختار سيناريو لحياتها بناءاً على أسباب معينة، غير أن جموع الناس الغفيرة لا تقوم بهذا الأمر. وبالنتيجة لدينا مرحلة نمارس فيها نشاطنا وفعاليتنا، فإما أن توصلنا الى نتيجة أو علينا الشروع مجدداً من البداية.
فهل أن الإمساك بالسلطة السياسية تابع لنفوذنا واعتبارنا داخل الطبقة العاملة ومتى ما حققناه ومتى ما شئنا نذهب ونمسك بالسلطة؟ باعتقادي، كلا! بإمكان حزب الإمساك بالسلطة حين توجد ظروف يكتشف أن السلطة فيها معلقة ومن الممكن الإمساك بها. وإذا لم تكن لنا هذه النظرة فإننا لن نتمكن من الإمساك بالسلطة في أي وقت من الأوقات، حتى لو كانت قوة عظيمة من العمال معنا.
وهناك الكثير من الحالات في تاريخ الأحزاب اليسارية التي كانت تتمتع بتعاطف كافة العمال ولو أنها قامت بالثورة لتحقق كل شيء، لم تقم بالثورة، والعمال الذين كانوا معها تخلوا عنها وأعتقل قادتها وأعدموا. وهناك العديد من الأمثلة على الأحزاب اليسارية التي راحت فيما بعد تلومها بالقول: أنتم كان لكم كل ذلك النفوذ والاعتبار، كانت لكم القدرة و...لماذا لم تذهبوا في تلك الأوضاع المحددة للإمساك بالسلطة حين كانت قضية السلطة مفتوحة وغير محسومة؟
من الممكن القول أن العمال لا ينفصلون عن صفوفنا في مثل هكذا أوضاع. ولكن البرجوازية التي لا تجلس مكتوفة الأيدي، تقوم بدعايتها، تقترح الإصلاحات وتقوم بإصلاح المجتمع، إنها لا تسمح بأن نذهب الى التجمعات الاحتجاجية فما بالك بالعمل بين صفوف العمال للإمساك بالسلطة. أنها ستعمل على أن لا تمسكوا بالسلطة.
وبالأخذ بنظر الاعتبار هذه العوامل يمكن صياغة المسالة بهذا الشكل: إن الحزب الشيوعي العمالي في حالة احتوائه على القسم المؤثر من العمال، قسم الأقلية ولكن الأقلية المؤثرة والقاطعة من العمال، أقلية لها صوتها من العمال في المجتمع وأقلية فعالة من العمال، وإذا كان الحزب الشيوعي العمالي حزباً ذا علاقة متينة وراسخة بالطبقة العاملة، له برنامج ثوري وأوصل نفوذه واعتباره في مراحل معينة الى درجة حضوره على الصعيد الاجتماعي وفي قلب عالم السياسة كأحد اللاعبين الأصليين في الساحة السياسية وإذا كان هذا الحزب يمتلك هذه الحساسية في تشخيص الأوضاع التي صار فيها موضوع السلطة السياسية في المجتمع مفتوحاً وغير محسوم وتحول الى موضوع للصراع الاجتماعي، بإمكانه الإمساك بالسلطة السياسية. وبغير هذه الصورة لا يمكنه الإمساك بالسلطة.
المصير ليس محتوماً ولا يمكن تجنبه. فبهذا الكفر الذي قلته نحن نمسك بالسلطة. والمثير في المسألة هو في نفس عدم حتمية مصيرنا. إن الأمر مرهون بممارستنا، بقدرتنا على التشخيص ومرهون بعامل قرارنا وإرادتنا الواعية في المراحل التي تسنح لنا فرصة كسب السلطة. فقد قلت سابقاً أيضاً أن الاشتراكية ليست حتمية ...
ومن المؤسف أن مثل هكذا أوضاع تظهر مرة أو مرتين في حياتنا. عليكم أن تكتبوا برنامجكم وخطتكم من أجل هذه الأوضاع. ولا يقدم لي ولهذا الحزب الخاص أية طمأنينة وراحة بال أن عملية تكامل المجتمع ليست حتمية وأن بعدي يأتي عمال أو بشر باسمي واسمكم ويمسكون، في خاتمة المطاف، بالسلطة. على هذا الحزب الخاص أن يقول أنها يسعى لكسب السلطة السياسية من أجلنا وفي زماننا نحن والعمال لا أن يفسر ويوضح السيناريو الذي من المقرر أن يطويه العالم وفق قوانين محددة.
بالنتيجة فإن الإمساك بالسلطة السياسية هي وظيفة عملية. بمعنى أن السلطة السياسية تتضمن ما يلي:
١- التحول الى تقليد سياسي ونضالي حي داخل المجتمع وداخل الطبقة العاملة. ويكون هذا التقليد تقليداً لا يندثر ويتلاشى تحت أية كبوة ونهوض. فلو تمكنتم من أن تكونوا تقليداً سياسياً، ستكون الشيوعية العمالية إحدى القوى الاجتماعية المتدخلة، إحدى القوى الاجتماعية الموجودة، وإذا جرت انتخابات، على سبيل المثال، من الممكن أن تحصل على ١٠٪ من الأصوات أو ٣٠٪ من أصوات العمال، وتكون قوة متموضعة في الساحة ولها حضورها، وتكون جزءاً من حياة الجماهير، وجزءاً من المكونات والتركيبة السياسية للمجتمع. وهذا هو العمل الذي يمكن أن لكم أن تنشغلوا به بمعزل عن الكبوات والنهوض وبمعزل عن الأوضاع الثورية والأوضاع غير الثورية وتضمنوا بقاء هذا التقليد وشقه لطريقه ومساره.
٢- عليكم، بوصفكم حزباً، معرفة الظروف والأوضاع المناسبة لكسب السلطة السياسية والبدء بتأمين مستلزمات هذا الأمر، حينذاك سيكون لكم حظ الإمساك بالسلطة السياسية والتحول الى حزب الأكثرية، والمقصود حزب أكثرية المجتمع. هذه هي آلية التحول الى أكثرية المجتمع وليس العكس، أي ليس التحول الى الأكثرية هو آلية كسب السلطة.
نهوض الطبقة الثورية من أجل كسب السلطة هو الشرط اللازم للتحول الى الأكثرية في المجتمع وليس العكس. فالتحول الى الأكثرية في المجتمع الخارجي وداخل مشجب التاريخ ليس شرطاً للبقاء في العمق الأصلي للتاريخ. هذا غير ممكن. ذلك هو الإطار الذي إذا نظرتم إليه من أي جانب سيعكس لكم خصائصنا وعملية تحولنا الى الأكثرية، لا العملية التدريجية للتكامل التاريخي وما يكون الحصيلة النهائية لعملية الدعاية والتحريض والمرافقة مسبقاً لأكثرية الطبقة، هذا الأمر الذي كان الموقف الدائم لليسار حتى الآن.
لقد سعيت للحديث عن المتطلبات اللازمة لكيف يمكن التحول الى تقليد سياسي حي داخل المجتمع. وقد عرضت أطروحات وموضوعات محددة تتعلق بحزب خاص واتجاه خاص من الشيوعية، ولم أتحدث عن ما يتعلق بالأحزاب الشيوعية بشكل عام. هذا المتطلبات هي:
- أول شروط تواجدنا في المعركة على السلطة السياسية هو أن نكون حاملي راية أقصى اليسار داخل المجتمع، لا أن نكون الشخص الثاني والشخص الثالث. يجب أن تكون راية أقصى اليسار في المجتمع، اليسار العمالي في المجتمع بأيدينا نحن دون منازع. وأن يعرفوننا بوصفنا ممثلي الثورة العمالية المقبلة، بوصفنا ذلك الشبح الذي يجول في المجتمع. وأن نكون ذلك الطرف الذي تسعى كل القوى المدافعة عن الأوضاع القائمة الى شجبه واستنكاره. وذلك الحزب الذي تكون بيده راية الاحتجاج الراديكالي العمالي، راية الماركسية، راية النقد الاشتراكي للمجتمع الموجود ولا أن يكون أحد الشركاء اليساريين، بل يكون ممثلاً للشيوعية العمالية. من ثم يمكننا الحديث بهذا الخصوص وكم تقدمنا بهذا الاتجاه أو كم مازال يفصلنا عن هذا الأمر أو أين وصلنا.
هذا هو أحد الميادين التي علينا الخوض فيها. من أجل حين يعرفنا المجتمع بمثابة أقصى اليسار، وحين يفكر بأن عليه أن يسلم السلطة ليد أقصى اليسار، يقدم لنا الفرصة للإمساك بالسلطة. ولكن إذا ما أعتبر المجتمع حزب توده على السبيل المثال بمثابة الممثل أقصى اليسار ويرغب بمنح السلطة لليسار، فإنه سيقدمها لحزب توده. وإذا ما أعتبر المجتمع الماركسيين يتجسدون في الفدائيين والتقليد الفدائي وحين يحب ويرغب أن تقع السلطة بيد الاشتراكيين، فإنه سيمنحها للمسلحين الفدائيين.
عليكم أن تكونوا راية تلك المطالب، تلك الحاجة، ذلك البرنامج والأهداف الاجتماعية وذلك الانتقاد السياسي داخل المجتمع بحيث تقول الجماهير اتركونا كي نمتحنهم. اتركونا كي نحتشد خلفهم. كان عليكم أن تؤمنوا أن تكونوا تلك الحركة وإلا فهناك الكثير ممن رفعوا صور ماركس ووصلوا الى نتائج مختلفة.
- ثانياً: علينا أن نكون القسم النشط، القابل للمشاهدة واللمس من معارضة المجتمع. لقد قلت في بداية حديثي أن علينا المضي من هامش السياسة الى قلب المجتمع. علينا أن نكون أحد لاعبي تقسيم السلطة الأصليين وأحد اللاعبين الأصليين في الأوضاع السياسية في المجتمع. موضوع السلطة السياسية ليس فقط أ بوسعنا أن نمسك بالدولة أم لا؟ بل هو هل بوسعنا الإمساك بقوة داخل المجتمع يمكن ملاحظتها ومن بعد ذلك يمكننا استخدام تلك القوة في الصراعات على السلطة والتفكير من أجلها؟ إذا ما امتلك طرف ما جيشاً فإنما من أجل الحفاظ على خضوع شخص ما، ونحن علينا أن نكون أيضاً ممثلي تلك القوة في المجتمع. وحتى إذا لم نستطع الإمساك بكل السلطة، علينا أن نكون قوة يحسبون لها حساب داخل المجتمع البرجوازي، بحيث يقولون "إن الخطر قادم من هؤلاء". علينا أن نكون قوة، علينا أن نقول كلمتنا، وأن يكون مكبر الصون بأيدينا وعلينا أن نكون قسم المعارضة الواقعي. وفيما بعد نتحدث بخصوص الحزب الشيوعي العمالي والى أي حد اقترب من هذه النموذج المرسوم. إنني مسرور أننا بصدد الاقتراب من هذا النموذج، فقد اقتربنا من النقطة الأولى من النقطة الثانية أيضاً.
- ثالثاً: علينا أن نكون حزب تلك الطبقة. إنني أعرف أن بوسع تيارات مقطوعة الجذور تماماً غرس جذورها في ظل أوضاع خاصة وتأتي لتمسك بالسلطة بوصفها جماعات عديمة التقاليد ولكنها مضطرة في عملية معينة أن تثبت ركائزها على واحدة من الطبقات والتقاليد الاجتماعية الموجودة داخل ذلك المجتمع، ذلك أنها طبقات اجتماعية داخل ذلك المجتمع. فلا يمكنها أن تذهب للإمساك بالسلطة فقط بوصفها إثني عشر شخصاً خبيثاً أو مجموعة عنيفة. تلك الطبقة بالنسبة لنا هي الطبقة العاملة وتلك الشريحة بالنسبة لنا هي الشريحة الاشتراكية والراديكالية للطبقة العاملة التي تحدثنا عنها خلال ومنذ الفترات الماضية. علينا أن نكون جزءاً من تلك الشريحة وأن نرتبط بها فعلاً. هذه هي زاوية من علاقتنا بالسلطة السياسية حيث مازالت غير متحققة عملياً. نحن لسنا في علاقة حية، خلاقة وعلاقة انتماء مشترك بالقسم الراديكالي والاشتراكي والمحتج من الطبقة العاملة الإيرانية. ونفس هذا القسم من الطبقة ليس مطلق اليدين بشكل كبير بحيث يستعرض نفسه كي نفهم كيف يفكر وما هي الميول والاتجاهات داخله. فأوضاع الكبت والتضييق سلبت منه هذه الفرصة، ولكننا على أية حال يمكننا نرى بموضوعية أن هذه واحدة من نقاط ضعفنا.
- رابعاً: ينبغي عكس وتجسيد القدرة على القيادة. وهذا بمعنى أن الأحزاب التي تريد تمكين الجماهير، الأحزاب التي من المقرر كما يصطلح عليه أن تتعلم من الجماهير، الأحزاب التي تريد مراقبة الميول داخل الطبقة نفسها وعكس تلك الميول، بتصوري لن يكون لها الكثير من الحظ للوصول الى مكان ما. ذلك أن الميول العامة للطبقة في الأوضاع الشاقة تتجه نحو التراجع وفي أوضاع الرفاه من الممكن أن تكون ميول الطبقة شيئاً آخر. ففي حالة وجود حزب كبير إصلاحي يمكن لأن تميل الطبقة لدعم ذلك الحزب ومساندته.
علينا أن ننطق بالكلمة التي يمكنها نقل الطبقة من المكانة التي هي فيها الآن الى مكان أخرى. وأن يكون لنا القدرة على الذهاب وإحضارها وأن ترانا في الصف المتقدم وتدرك أن كلامنا معقول وعملي. وهذا يعني القدرة على نقلكم لموضوعكم الى الطبقة، ويعني الحاجة للقدرة على القيادة. وهذا الموضوع ليس موضوعاً خاصاً بالقدرة على الإقناع، بل علاقة اجتماعية معينة.
وامنحوني الفرصة للحديث عن كل واحدة من هذه النقاط الأربعة التي أشرت إليها وتوضيحها أكثر:
- فيما يتعلق بالعلاقة بالطبقة. أن تكون جزءاً من الطبقة، ليست فقط علاقة وجود، وعلاقة أحد بأحد وعلاقة وجود، وعلاقة مفرد بمفرد وعلاقة دقيقة ومختبرية. فإذا رأت الطبقة الحزب كحركة موجودة في الساحة، ستتوجه أنظارها نحوه وتهتم به. وعليه فإن جزءاً من علاقة الحزب بالطبقة مرتبطة بما الذي يقوم به الحزب على الصعيد السياسي؟ وجزءاً منها هو الارتباط بالحلقات العمالية والحضور في ميدان الحلقات العمالية. وجزءاً منها الاعتراف رسمياً به بمثابة تيار واقعي بين صفوف الطبقة العاملة يفكر بهذه المسائل. كل هذه تضع في جدول أعمالنا درجة من النشاط والحيوية السياسية. فالحيوية والنشاط التي يجسدها الحزب الشيوعي العمالي اليوم في الخارج، لا تجذب فقط انتباه الرأي العام نحوه، بل وتجذب العامل نحوه أيضاً، وتجذب الطبقة العاملة نحو وثائقك، نحو شخصياتك، نحو مواضيعك، ونحو استدلالاتك وتنظيماتك. بالنتيجة لقد قلت في أحاديث اليوم الأول أن خلايا الداخل والخارج مرتبطة ببعضها البعض وتؤثر على بعضها البعض. بالتالي يمكننا في مواضيعنا وأبحاثنا أن نفكر بلماذا نذهب وننظم تلك الحركة؟ ومن الممكن بالضرورة أن لا توضح العوامل المحلية ضرورة تلك الحركة، أو لا تبرر أسبابها. ولكن أنا أقوم بحركة لأقول على سبيل المثال لشخص ما في طهران أو أصفهان، إذا ما أراد الارتباط بنا، وإذا ما أتى الى الخارج وأراد معرفة من يكون هؤلاء، بأي تنظيمات يرتبط أو بأي رقم هاتف يتصل.
- بقدر تعلق الأمر بامتلاك راية اليسار والشيوعية، بتصوري أن هذا ليس ميداناً قاصراً فقط على إيران وباللغة الفارسية، والكردية أو العربية. فالحزب الذي هو راية الماركسية لا يمكنه أن لا يكون راية الماركسية على مستوى أكثر عالمية أو على الأقل لا يمكنه أن لا يكون واحداً من دعاة الأبحاث الماركسية وأقطابها الأصلية على الصعيد العالمي. إن إحدى مشكلاتنا هي أننا وبمعزل عن أن الأبحاث الماركسية خفتت أو ما عادت موضة على الصعيد العالمي، لم نظهر بهذا المستوى. بتصوري إن هذا هو أحد أبحاثنا الأساسية ويكفي أن نبدأ بهذا العمل ونتجه بهذا الاتجاه ليسجل مرة أخرى بالنسبة للعامل أننا حاملي راية الماركسية. والآن صار هذا من المعترف به رسمياً من قبل المجاميع السياسية وفي بعض الأحيان خضعت لاعتبار أنها هي الماركسية وفي بعض الأحيان راحت تطلق النكات وتهزأ وتقول أنظروا الى ماركسية هؤلاء، وتقول هذه ليست الماركسية و...
يجب أن توجد المجلات النظرية والسياسية التي تعكس القدرة النظرية الماركسية والاشتراكية لهذا التيار. برنامج الحزب هو إحدى نقاط قوتنا التي ينبغي على الآخرين البحث والنقاش بصددها والوصول لها والوصول الى استدلالاتنا ونقدنا الماركسي للمسائل المختلفة. ألان نحن لسنا معروفين كتيار طاغي بقدر كوننا معرفين بمثابة تيار مناهض للدين، ويقولون عنا هؤلاء هم نفس الأشخاص الذين لا يهتمون ولو بأقل ما يمكن من الاهتمام بالدين. الجميع يقولون عنا نقد هؤلاء نقد جذري، هؤلاء لا يريدون أصلاً أن يكون للدين أي وجود ويمتلكون الأسباب لعملهم هذا، هؤلاء هم الماركسيون، هؤلاء هم اليساريون. نحن الذين سمحنا لأن توجد في المجتمع مرة واحدة ولأول مرة شيوعية ليست بمدينة للمساومة مع عواطف الناس وشوائب المجتمع والخرافات داخل المجتمع بحيث يقولون عنا هل ترونهم؟ إنهم معادون للدين. وينجذب الكثيرون نحو صفوفنا لهذا السبب وبسبب موقفنا على سبيل المثال من الدين، هم يذهبون لرؤية ما الذي تقوله الماركسية أو ما الذي يقوله ماركس بهذا الخصوص؟ أو بحثنا بخصوص الحجاب، الحركة القومية والتناقض والتضاد الشديد هذا الحزب مع الحركة القومية، التي ينظر إليها الآخرون كجوانب سلبية لنا، في حين أنها في نفس الوقت هي نقطة القوة النظرية لهذا الحزب أيضاً.
وفيما يتعلق بالدين لدي نقطة أخرى أقولها: وجهت صحيفة منظمة (راه كاركر-طريق العامل) خمسة أسئلة وتساءلت إن كنت سأجيب، فكتبت نعم سأجيب. وكان أحد الأسئلة هو السؤال التالي: العلاقة مع أمريكا، نعم أم لا؟ وقد كتبت أن هذا السؤال عجيب جداً. لأن هذا السؤال يحمل معه افتراض أولي لا يحتمل جواباً واحداً بنعم أو لا. لأن الجواب بنعم أو لا يحمل معه أيضاً الافتراض الأولي على سبيل المثال القول أنك على علاقة بدولة معينة وتطرح وجهة نظر ولديك علاقات دبلوماسية وغير ذلك. إن هذا شبيه بالسؤال ولاية الفقيه على أساس القانون أم خارج القانون؟ أو الولي الفقيه القانوني، نعم أم لا؟ فإذا قلت لا، حسناً أنت تقول أنك تقبل الولي الفقيه القانوني وإذا قلت نعم، سيقال حسناً أنكم تؤيدون أصلاً ولاية الفقيه! وفي آخر إجابتي على أسئلة (راه كاركر) كتبت: العلاقة مع أمريكا لا تتم مواجهتها بمعارضتنا. فموقف المعارضة لامتلاك التيارات الإسلامية علاقة مع أمريكا من عدمه ليست واحدة من مشكلاتنا بوصفنا تياراً ماركسياً واشتراكياً مناهضاً للإسلام.
لقد أشرت الى التيارات الإسلامية من موقفي بوصفي أحد المناهضين للإسلام. ربما أن هذا لم يرد في برنامجنا، ولكنني أعتبر نفسي ناشط حركة مناهضة للإسلام وأريد أن يتم كنس الإسلام وإزاحته. الإسلام السياسي هو تيار له وجود واقعي في القرن العشرين وأنا أعرف ما الذي يجلبه على أبناء نوعي. إنني تيار مناهض الإسلام وهذا هو بحث نظري وليس شعوراً شخصياً وناجماً عن كوني لست من عائلة تلتزم بالصلاة والتدين. أنا ضد الإسلام ويمكنني تحليل وتفسير الإسلام نظرياً بأنه لم يعد أفيون الشعوب. لكورش مدرسي مقال في صحيفة (انترناسيونال) يقول فيه إنه لم يعد أفيون الشعوب. يا ليته كان كذلك. فلو كان أفيوناً لن يكون لنا به شأن، ونحن وضعنا في برنامجنا فقرة صرف كمية من المواد المخدرة للمدنين، حسناً لو كان الدين مخدراً لتعاملنا معه بهذا الشكل وجعلنا الدين حراً! ولكنه حركة قذرة ضد الإنسان وهي بصدد القتل والتهديد والوعيد. إنها تهدد حرية وتمدن الإنسان إذ أتصور أن مركز التمدن اليوم هو في الغرب. التيارات الإسلامية إذا ما أرادت تزرع قنابلها في الغرب وتدمر مساكن الناس، وأول أضرارها تقدمها للعمال الذين تقدموا الى هذه الدرجة، فالبرجوازيون لديهم حكوماتهم الفاشية وليست لهم أية مشكلة مع الدين. فإذا ما أدعت الدولة الجزائرية أن هذه الجرائم الجارية هي من صنع الإسلاميين، تصدقها الجماهير، لأنها رأت بأم عينها أية أطر للجريمة موجودة في الإسلام السياسي.
وأريد القول أن هذه هي أيضاً مواضيع وأبحاث نظرية، شرط أن نمنحها أطراً نظرية ويذهب أحدنا ويقول أن الإسلام ما عاد أفيون الشعوب، بل هو حركة إسلامية في القرن العشرين تريد لعب دور معين.
- وفيما يتعلق بموضوع الظهور كمعارضة فعالة وجالبة للانتباه، لدينا مجموعة من العوامل التي يمكن تعدادها: الحركات الاحتجاجية، الصحف، الشخصيات، النشاطات، التجمعات، الاعتصامات والإضرابات، والتظاهرات و...هذه هي الأعمال التي تؤدي لأن تقول الجماهير عنا هذا هو حزب المعارضة الفعال وجزء من القوى الموجودة في الساحة. أي توسيع النشاط الدعائي، التحريضي، التنظيمي والنشاط الحركي. هذه هي شروط التحول الى تيار معارضة أصلي. يعرف الجميع في إيران الآن أن المجتمع الإيراني يتضمن أحزاب سياسية مختلفة جزء منها في الداخل وجزء منها، بسبب موقفها من النظام والمسائل الأمنية والكبت والاستبداد، تتمركز في الخارج. بالتالي هناك شرط أساسي وهو أن تتشكل هذه المعارضة بالدرجة الأساسية في الداخل، وهذا ما يشكل الآن نقطة ضعف ولكن لا ينبغي المبالغة فيها. فإذا ما تحولتم في الخارج الى قوة المعارضة الأصلية وإذا ما كرست تنظيماتنا ٦٠ الى ٧٠ شخص للعمل في الداخل وتكرس البقية لنشاط الخارج ويكون كل شخص قد أصغى لهذا الحزب، نكون نحن قسم المعارضة الفعال. لأنهم سيكتبون في الغد في أحدى صحف الداخل أن الشخص الفلاني من الحزب الشيوعي العمالي الإيراني ذهب الى اجتماع معين وأجاب على (فرخ نكَهدار) وأحرجه وفضحه. أو ذهب الشخص الفلاني وقام الحزب الشيوعي العمالي الإيراني بجمع ثلاثة آلاف شخص في الساحة الفلانية وتحدث ضد لقاء خاتمي بالمرجع الأوروبي الفلاني وحضرت الناس التجمع،وراحت ترمي رموز النظام بالمواد الغذائية والبيض الفاسد و...
- كيف يمكننا أن نعكس قدرتنا على القيادة؟ علينا قبل كل شيء أن نبين أن لدينا قيادة. يجب أن يعتبروا قيادتك بوصفها قيادة. إن حزباً يصدر بلاغاً سرياً وهو متخفي خلف جدار لا يمكنه قيادة شخص ما. في النهاية يتآلف الناس بالناس سواء على صعيد المعمل، أو على صعيد المدينة أو على الصعيد الاجتماعي بشكل عام. ينبغي عليكم أن تكون لديكم بوسترات كبيرة لصور مرشحينا الى المجلس الثوري، أو مرشحينا الى مجلس المدينة او قيادة الاتحادات العمالية و...لقد أن أوان هذا الأمر الآن وعلى الرفاق أن يهيئوا أجمل صورهم كي نتمكن من طباعتها ونشرها في صحف الداخل. للأمر جوانبه الأمنية ولكن نحن نعيش أوضاعاً جديدة. لقد كنا على استعداد في ثورة عام ١٩٧٩ لتنفيذ قرارات خطيرة، جميعنا قام بسفرات خطيرة وهناك الكثير من الرفاق من شارك في معارك خطيرة وأعمال عسكرية وعجيبة. غير أن الأوضاع الآن على نحوٍ بحيث يجب تقديم هذه الصور. من الواضح أننا لا نريد التعرض لضربة. ولسنا مجانين، ولكن يجب أن يضع القيادة في متناول وأمام الجماهير. ومقابل الصور التي يعلقونها على الجدران مع شعاراتهم (الموت ل..) و(عاش..)، علينا أن نعلق أضعاف ذلك بمئة مرة صورنا على الجدران مع شعاراتنا (الموت ل..) و(ليعش..). فلو سمعت أنهم قالوا في المدينة الفلانية ليعش الرفيق الفلاني وعلى سبيل المثال ليعش الرفيق محمد آسنكَران وهذه من الحالات التي لن تجعلني أسحب الدعم من تحت أقدام محمد!...بل أشعر بالسرور من مثل هكذا ظاهرة وأتصور أن عليهم أن يكتبوا أسماء الكثير منا. أتصور ينبغي عليهم في أي مكان لنا فيه نفوذ واعتبار أن يقولوا هل تتذمر فلان؟ مازال حياً، وهو رئيس المنظمة الفلانية، عضو اللجنة الفلانية، مسؤول الحملة الفلانية، ناشط في التيار الفلاني و...إذا ذهبت الى لندن عليك في البداية أن تلتقي به و...
الشخصيات، والقادة، هم أولئك الذين لهم القدرة على الإمساك بالسلطة السياسية بوصفهم شخصيات اجتماعية ملموسة، وإذا ما كنت عاملاً في إيران يدخل الميدان، سيعملون هؤلاء بكلامهم هذا، بهيئتهم هذه، بحالهم هذه وبهذا الطراز السياسي والاجتماعي. هؤلاء هم بشر لهم وجود واقعي وليسوا تنظيمات سياسية تصدر بلاغات بأسماء سرية. وحتى أن أسمائهم معروفة ومن المعروف أي شخص وبأي منهج وطراز وهيئة يقف في الميدان الكامن خلف هذا الاسم، وبالتالي ينبغي حضور الميدان مع أشخاص لهم وجود واقعي.
- يجب أن تكون مواقف الحزب مترابطة ودقيقة وتجيب على المسائل السياسية. فلو وقع حدث ما عليك أن تتخذ موقفاً منه يتناسب مع ذلك النضال. ولن أتحدث كثيراً بهذا الخصوص، وأقصد نفس الأطروحات القديمة الخاصة بالقيادة السياسية ونفس المفاهيم التي كنا قد تحدثنا عنها.
- وأخيراً يجب امتلاك سرعة في العمل. لا يمكن للقيادة أن تقول من خلف المسيرة قوموا بهذا العمل أو تقول بتصوري يجب القيام بهذا العمل. على القيادة أن تضع نفسها في المقدمة والطليعة. قال أحد الرفاق يوم أمس كيف يجب أن أعرف أنا مسؤول اللجنة أن "مهاجراني" جاء الى الخارج؟ حسناً، إن نفس الأشخاص الذين عليهم إخبارك، من المقرر أن تقوم أنت بإخبارهم! نحن ليست لدينا سرعة العمل هذه.
إنني أريد ختام حديثي بنقطة واحدة ألا وهي ما هو التصور الذي علينا إيصاله للجماهير عنا؟ علينا تقديم تصور قابل للثقة والتصديق عن الحزب الشيوعي العمالي للجماهير ونجعله شائعاً داخل بيوتها، في المعامل وفي الشوارع، تصور عن برنامج الحزب، سياساته ووجهات نظره.
بالتالي إذا أردنا ترسيخ هذا التصور متمحوراً على جملة من النقاط في أذهان الناس، ما هي المشخصات والخصائص التي يجب أن تكون في أذهان الناس فيما يتعلق بحزبنا؟
بتصوري عليهم أن يقولوا:
- حزب الذين هم في منتهى الراديكالية، ولكن أقدامهم على الأرض. التصور الذي يجب أن يكون في أذهان الناس هو أن يقولوا عنا: هؤلاء في منتهى الراديكالية، ولكن أقدامهم راسخة على الأرض. يعرفون أن ما يقولونه عن أي شيء، ليس كلاماً مريخياً. أهدافهم في منتهى التطرف ويريدون الآن تحقيق أهدافهم عملياً، ولكنهم ليسوا مريخيين. هم يعرفون ما هي المعضلات التي تخلقها عملية النضال الواقعية، هم يعرفون أن يتحدثوا في الحوار الخاص بأكثر المسائل تعقيداً، يعرفون نقل الأمور من النقطة ألف الى النقطة باء ولكنهم يقولون دائماً أن هدفنا ليس هذا ونريد ضرب جذور المسالة الفلانية. هم في غاية الراديكالية، راديكالية اجتماعية وليس راديكالية تقليدية وعصبوية. يجب أن يكون تصور الناس عنا هو أننا راديكالية اجتماعية. بتصوري يمكن التفكير بما هي الأعمال التي على سبيل المثال تقوي راديكاليتنا، أو ما هو الذي يقدم عنا تصوراً غير اجتماعي أو بالعكس نحن نفكر بالتحول الى تيار اجتماعي ولكن دون أن نتراجع عن راديكاليتنا. على الجماهير أن تقول: لو جاء هؤلاء الى السلطة سيمنعون جملة من الأعمال، ليرحم الله ويبارك آبائهم!
يجب أن تصل الى الحكم دولة تقول يجب إرسال الفتيات الى المدارس وإلا ليست هناك أية عائلة ترسل بناتها الى المدرسة حين يكون إرسال البنات الى المدارس أمراً طوعياً ويقف الملا على رأسها كل يوم. يجب أن تكون دولة تقول إذا قام ملا المحلة بإزعاجكم ومضايقتكم، قدموا شكواكم كي يمنع الملا من ممارسة الإزعاج والمضايقة.
هذا التحضر والتمدن المبالغ به هو في المنهج وفي الفكر أيضاً. فأساليب تيار متحضر ومتمدن من أجل تحقيق أهدافه، لا يمكنها أن تكون أساليب متخلفة، متهافتة وضعيفة. يجب أن يروا بشكل واقعي أن هذا الحزب الشيوعي العمالي تألف من مجموعة من البشر الذين على معرفة بالعمل بالتجهيزات والوسائل وبين أوساط الوسائل الإعلامية وبالمستلزمات المعقدة للمجتمعات المعاصرة. وإذا ما أراد الشيوعيون العماليون النضال بشكل قانوني في مجتمع معين، هم على معرفة بما يقومون به وإذا كان مقرراً أن يناضلوا عن طريق النزول الى الشارع هم يعرفون ما الذي عليهم القيام به، وإذا ما أرادوا الارتباط بالاتحادات يعرفون السبيل الى ذلك، هم يعرفون آليات إدارة المجتمع، يعرفون آليات بلورة وتأسيس التنظيمات الجماهيرية، ويعرفون آليات بلورة وتأسيس التنظيمات والجمعيات الخيرية. أما إذا ما كنتم تياراً مناضلاً لا يعرف غير إخبار الدولة بالقيام بما يريد هو أن يقوم به، فإن لديكم، بتصوري، القليل من الحظ في التحول الى مثل هكذا ظاهرة.
- وفي خاتمة المطاف، بتصوري أن جميع هذه التي قلتها هي أجزاء من الحركة الاشتراكية العمالية. وأريد القول أن هذه هي صورة عن الشيوعية العمالية وأي طراز من الماركسية تقوم بتحقيقها عملياً. أما أن نقول فقط للجماهير أننا ماركسيون، ولكننا نعجز عن التأثير على حياة الجماهير، سوف لن يغير شيئاً. أو إن النظرية الماركسية وكوننا شيوعيين لا يبين بحد ذاته أننا تيار حضاري ومتمدن.
- وأن تدرك الجماهير أننا تيار بمنتهى الإنسانية، أي أن هذا ليس تياراً يريد توجيه المجتمع بقوة في اتجاه معين، ولا يسحق أي شخص بين يدي وتحت قدمي هذا التنظيم. فاقتدار هذا التنظيم مرهون بسيادة الإنسانية واقتدارها. كيف يمكن عكس هذا الأمر وبيانه؟
بتصوري، نحن نعاني من ضعف بهذا الخصوص. من الصحيح أننا ندافع عن الإنسانية في كتاباتنا وأدبياتنا، إلا أن علاقتنا الواقعية مع الناس ليست قائمة على هذا الأساس. وهذا ما أراه. نتحدث بفظاظة مع الآخرين، نضغط على الآخرين، لا نرأف بأنفسنا ولا نرأف ببعضنا البعض، ولا نرأف في الكثير من الأماكن بحرمة وحقوق بعضنا البعض الآخر المدنية. بتصوري هذه نقطة ضعف يمكن رؤيتها من الخارج. ليس هناك من إشكال في أن يقال يتعبون بعضهم بعضاً في اجتماع للجنة المركزية. ولكن حين يُنظَر إليها من الخارج، فإن الأمر ليس مناسباً. بتصوري أن أساسنا، هو إنسانيتا، تحضرنا، احترامنا للحقوق العادلة للبشر حتى حين يكونون معارضين لنا حد النخاع.
بالإضافة الى ذلك علاقتنا بالجماهير هي في نفس الوقت علاقة قائمة على المودة. وقد قلت في اليوم الأول لو كان العالم بأيدينا، لكان لدينا اليوم كم كبير من السعادة. وما أقصده ليس فقط سعادتك وسعادة عائلتك. بل سعادة أشخاص لا تعرفهم، سعادة أشخاص لا يشعرون بالألفة معك أو كانوا على شجار معك في العام الماضي، أو أن لونهم لون آخر أو أن أثنيتهم وقومهم مختلفة وكانوا قد تصارعوا وتحاربوا لمرتين أو ثلاث مرات مع قومك. سعادة البشر وهذه السعادة والتطلع لها وللرفاه والطمأنينة والبسمة وأمان حياة البشر، ينبغي أن تتجسد كل يوم في حركتنا اليومية. ينبغي أن تتجسد إذا شاركنا في اجتماع ما، أو عقدنا اجتماعاً أو دعونا شخصاً الى منتدى الحزب أو مكتبه، وإذا اتصلنا بمعارض لنا، وإذا كنا بصدد المشاركة في نقاش وبحث سياسي مع شخص ما، وباختصار ينبغي أن تتجسد في كل النشاطات. هذا الحزب الشيوعي بهذه العظمة لا يمكنه فقط المحاربة والصراع، بل عليه تقديم المساعدة في مكان ما. أهمية الاتحاد العام للاجئين هي هنا في تقديم ملامح إنسانية. إذا كان مقرراً فقط أن يخرج الاتحاد العام للاجئين مؤيديه من تركيا لن تتحقق هذه الملامح والصورة. أهمية العمل من أجل حقوق الطفل، إذا ما شرعنا به، تكمن في الدفاع عن الطفل وحقوقه بغض النظر عن لونه وأصله وفصله وعائلته. هذا الدفاع هو دفاعنا الواقعي عن حقوق الطفل لا أننا نريد كسب قوة من أجل نضال آخر وكأنه احتيال نقوم به. علينا أن نقول أن لدينا عمل ولدينا وظيفة، إلا أننا على استعداد أيضاً للتعرض الى الضرب من أجل حقوق الطفل، وهذه هي قضيتنا الواقعية.
- بأية لغة تكتب نشراتنا وصحفنا؟ بتصوري أن هذا أمر مهم.
تقديم صورة إنسانية يمكن لمسها وصورة مرغوبة عن الحزب، هي وظيفتنا جميعاً، وليست فقط وظيفة قيادتنا العامة. إنها وظيفتنا جميعاً في العلاقات اليومية. وبتصوري يجب القيام بعمل بحيث يتولد لدى الشخص الذي له معرفة وشعور من المودة إزاء أحد أعضاء الحزب، الإحساس بالإعجاب والمحبة إزاء الحزب كله. ربما يبدو أن هذا شبيهاً بموعظة ونصيحة أخلاقية. ولكن بتصوري أن الأحزاب العابسة الوجوه بمكنها التقدم الى درجة محددة.
ماذا قلنا في بحث السيناريو الأسود؟ لقد قلنا إذا ما وقعت منطقة بأيدينا في أوضاع السيناريو الأسود، بكل السخط والنفور الذي لدينا من "الإمبريالية" وبكل الكره الذي نكنه لـ"عملائها المأجورين"، يجب أن يحسب كل شخص لنا حساب، من منظمة أطباء بلا حدود وصولاً الى اليونسيف بحيث إذا ما أرادت إيصال شيء ما الى الجماهير نقوم نحن بفتح الطريق لها. نحن لا نمسك بمعيشة الناس كرهينة. وحتى إذا كنا نعرف أن وضعنا لبعض المدافع في المناطق السكنية سيجعلنا نضطر العدو للتراجع، سوف لن نقوم بهذا العمل. يجب ترسيخ هذا التصور. من أجل أن نرى في الثورات الكبرى هذا التصور عن الثوريين في أذهان الجماهير القائل أن هؤلاء هم الأشخاص الشرفاء والنظيفون في المجتمع، هؤلاء هم أبطال المجتمع. إذا كنتم سياسيي وراديكاليي ذلك المجتمع ولكنكم لم تدخلوا واقعياً قلوب الناس، ربما يكون لذلك مكسبه، إلا أنه في خاتمة المطاف لن يصل الى نتيجة وسيزول.
أيها الرفاق!
في جميع هذه الميادين التي ذكرتها حققنا تقدماً بحيث يمكننا الآن أن يكون لن توقع وانتظار تدخل الحزب في موضوع السلطة السياسية تدخلاً فعالاً. فمقولة السلطة السياسية هي بصدد أن تُفتح من جديد. وحين نقول السلطة السياسية لسنا نقصد كل سلطة الدولة، بل نقصد جذب زاوية وخيط من زوايا وخيوط السلطة والصراع من أجلها. وقد أصبح هذا ممكنا بالنسبة لنا. فالحزب الشيوعي العمالي من الناحية التنظيمية وصل الى مكانة تؤهله لأن يستعرض نفسه أمام الجميع وترى الجماهير وجوده. الحزب الشيوعي العمالي يتوافر على قدر من الأشخاص بحيث يمكن لهم تغيير مواقع القوى المادية في الكثير من الميادين واستبدالها ببعضها البعض الآخر. كما أن للحزب الشيوعي العمالي في سياساته قدر من الحقانية بحيث تقول الجماهير يجب فسح المجال أمام هذه الحقائق.
لدينا بعض من نقاط الضعف الأساسية التي أشرت إليها في اليوم الأول ولن أكررها. علينا معالجة نقاط الضعف هذه. ولكن، أيها الرفاق، بوسعنا على أية حال القيام بدور في بقاء هذا التقليد. وإذا لم نتمكن من الإمساك بالسلطة وتعرض الحزب الشيوعي العمالي لنكسة، ستستمر مجموعة أخرى من أجل أن يكون هذا التقليد موجوداً ليثمر في أوضاع معينة. غير أن هدفنا في هذه المرحلة، الهدف الروتيني الدائم لحركتنا هو الحفاظ على تلك الأهداف والتطلعات والخطوط الفكرية حية وفعالة. هدفنا هو القفز باتجاه التدخل في مصير السلطة السياسية. وعلى الأقل علينا التدخل في الصراع على مصير المجتمع. وإذا ما سألتموني فإنني أقول أننا نريد التدخل بجدية في صراع السلطة في المجتمع الإيراني وأن يكون لنا تدخلنا الملموس.
إننا نتموضع في هذه المكانة. وإذا كان لبحثي من خلاصة شاملة، فإنها ستكون أن مرحلة العام الى العامين هذه حاسمة فيما يتعلق بالحزب الشيوعي العمالي وعلاقته بالسلطة السياسية.
من الممكن أن تبين الإحصاءات والأرقام والمعايير الاجتماعية الآن أننا لا نملك القابلية على الذهاب للإمساك بالسلطة. ولست متأكداً، بل هذا مرتبط بما يطرأ علينا في الأشهر القادمة...لا أعرف أية طاقة ومقدرة كانت لدى البلاشفة في ثورة شباط حين خاضوا في الثورة الروسية، ولكنني أعرف أنهم كانوا في قيادتهم، في نسيجهم، وفي علاقتهم بالطبقة العاملة الروسية يمتلكون تلك المستلزمات التي كنت قد تحدثت علنها بحيث يمكنهم لعب دور في منعطف تاريخي معين. ونحن لسنا محرومين من هذه المستلزمات. ولا أقول أننا قادرون. لا أريد إثارة حماس مجاني ولا أريد أن أشجع أنفسنا. إلا أنني أقول احكموا بأنفسكم بموضوعية وليحكم كل شخص بنفسه، إذا ما وجدنا أنفسنا في هذه المكانة المناسبة، سيكون هناك انتظار منا في أن نلعب دوراً في المستقبل السياسي لهذا البلد الذي يبدو أن أي حزب لم يوجد حتى الآن للقيام بهذا الدور.
إن أكثر أحزاب هذا البلد يسارية إما لم تكن أحزاباً اجتماعية أو أن من كانت منها اجتماعية، من قبيل (حزب توده)، لم تكن يسارية. ولم تكن أحزباً شيوعية عمالية وحتى لو كانت كذلك علينا تشكيل لجنة لتذهب وتحقق وترى أن كانت أحزاب شيوعية عمالية أم لا؟
هذه هي وظيفة لنا علينا إنجازها بوعي، بشكل متحد وبخطة سياسية متفق عليها وبإجماع، وبأفضل ما يكون من الفعالية والنشاط، متمنياً أن نخرج من هذا المؤتمر بهذا الشكل والطراز.
منصور حكمت
ملاحظة: تمت الترجمة من النص المنشور في (مختارات منصور حكمت)، ص ١٣٩٩ الى ص ١٤١٠، الصادر من منشورات الحزب الشيوعي العمالي-الحكمتي، في حزيران ٢٠٠٥. ويكمن قراءة النص الفارسي الأصلي.
ترجمة: يوسف محمد
hekmat.public-archive.net #3510ar.html
|