أسس الشيوعية العمالية (الندوة الثانية)
ندوة في انجمن ماركس، لندن حزيران ۲۰۰۱
مقدمة
يتعلق الحديث في هاتين الندوتين بالشيوعية العمالية. لقد كان هدف هذه الجلسة اساساً ان نبحث ونعرض بدرجة ما رؤيتنا للشيوعية والماركسية، وبالأخص الرؤية التي هي أساس هذه النشاطات في الحزب الشيوعي العمالي. ثمة قائمة طويلة من العناوين التي كان ينبغي تغطيتها، ولم نبلغها كلها. اجمالا، اذا اردنا اجمال ذلك، اننا نشدنا في الندوة السابقة تناول الجوانب الاجتماعية للموضوع او أسس الشيوعية العمالية بوصفها ظاهرة اجتماعية، وان هذه الجولة تقودنا الى المضامين الفكرية للشيوعية العمالية والى رؤيتنا للشيوعية بالرواية والصيغة التي لدينا عنها. لم نكمل هذا العمل في الجولة السابقة. وعليه، اسمحوا لي ان اتطرق بصورة سريعة الى الموضوع الذي تناولناه لحد الان، وبعدها نعرج على موضوعة فقرة هذه الندوة. اسعى الى ايجاز ما ذكرناه بعد ساعات في الجلسة السابقة بنص ساعة . بعدها نتناول موضوع هذه الموضوعة.
لقد كان التقسيم العام الذي لدي لهذه الندوة هو ان اتحدث في الندوة الاولى عن الشيوعية العمالية بوصفها ظاهرة موضوعية-اجتماعية، واتحدث اليوم عن: باي شيء يفكر خط الشيوعية العمالية، وكيف يفكر تجاه قضايا العالم، وعن اي رواية عن الماركسية يعبر. بمعنى ما ان يبحث في الندوة قضايا اكثر ما هوية حول ماهي الماركسية، وماهي براينا الماركسية الحقيقية.
موجز لموضوع الندوة الاولى
ان حديثي في الندوة السابقة هو قبل كل شيء حول ان "الشيوعية العمالية" هي عبارة نستخدمها بدلاً من الشيوعية. اي بالضبط بنفس المحتوى الذي تستخدم فيه كلمة شيوعية-سواء من قبل المجتمع، او الماركسيين ام المؤمنين بالماركسية- نستخدم كلمة الشيوعية بالمحتوى ذاته. ان تصوري هو مثلما ان الشيوعية هي حركة اجتماعية، "الشيوعية العمالية" ايضاً من وجهة نظرنا، وتحت هذا الاسم، حركة اجتماعية. ومثلما كانت الشيوعية رؤية ونظرة، حين يقول احد ما شيوعية، فان قصده بالإضافة الى حركة اجتماعية، فإنها رؤية وسلسلة تصورات وتحليلات للعالم وللعالم الموضوعي وللنظام الاقتصادي. الشيوعية العمالية هي كذلك مجموعة من التصورات والرؤى والنظرات كذلك.
واخيراً، الشيوعية حركة حزبية-سياسية. حين نقول الشيوعيين في هذا البلد، الشيوعيين في ذلك البلد، يراود الاذهان فوراً حركة حزبية-سياسية معينة تشمل حزب شيوعي وجماعات شيوعية في ذلك البلد، طبقة عاملة وحلقات اشتراكية وعمالية. ان للشيوعية العمالية كذلك في بحثنا هذا الجانب بالضبط ايضاً. وعليه، هناك ثلاثة اوجه: حركة اجتماعية-طبقية، حركة حزبية-سياسية وسلسلة تصورات ورؤية للعالم. فمثلما يراود الذهن في كلمة الشيوعية، تأتي المقاصد نفسها في الشيوعية العمالية. لماذا اقترحنا ووظفنا كلمة الشيوعية العمالية بدلاً من الشيوعية؟ تناول البحث هذا الامر الى حد ما، وسعينا الى توضيحه اكثر.
ماذا كانت نقط انطلاق موضوعة "الشيوعية العمالية" بالنسبة لنا؟ لقد ذكرنا في الجلسة السابقة ان هذه الموضوعة انطلقت من سلسلة مشاهدات اساسية. فسواء من الناحية التاريخية او من الناحية التحليلية، تنطلق من سلسلة مشاهدات. حين يفكر المرء بوعي، فان من المقرر لموضوعة الشيوعية العمالية ان تبدأ من نقطة انطلاق ومشاهدات اساسية. لقد عددت لكم ذلك. اولاً، ان شيوعيي وشيوعية عصرنا تيار عديم النفوذ والقدرة، وبالنسبة لكل امرئٍ يعتبر الشيوعية فكرته ويقوم بنشاطه بوصفه شيوعي، فان اول سؤال يخطر على باله هو: لماذا ان الشيوعية في عصرنا تيار عديم النفوذ وهامشي؟ ليس قصدي بعدم النفوذ هو انها ليست في السلطة في اي بقعة من العالم، لأننا نعلم جميعاً ان شيوعيين على النمط السوفيتي، وفي بلغاريا، تشيكوسلوفاكيا، هنغاريا وروسيا في السلطة. انها تلك الشيوعية التي يعتقد قسم كبير من ماركسيي العالم انها لم تكن شيوعية المعسكر السوفيتي او الصيني. بالتالي، ان السؤال الواقعي الذي كان مطروحاً امام الكثير من الشيوعيين ويتطلعون الى رد عليه هو: اي مكان في العالم بأيدينا واي تأثير لنا على حياة جماهير عصرنا؟ وحين تنظر، تجد ان الحركات الشيوعية كانت حركات هامشية وقليلة التأثير الى حد كبير. لم تكن في السلطة، ولم يكن لها تأثير على التركيبة والبنية السياسية للبلد، بل لم يكن لها تأثير ونفوذ على الحركات الاحتجاجية ، واجمالاً، لم يكن لها تأثير يذكر. ان هذه اول مشاهدة تدفع الشيوعي الى التفكير: ما الامر؟ ليس للشيوعية التي هدفها تغيير العالم وايقافه على قدميه وانهاء وضعيته المقلوبة دور ومكان في اي بلد.
المشاهدة الثانية، من الناحية الفكرية، ان نقطة انطلاق موضوعة الشيوعية العمالية كانت مشاهدة وجود تناقض واختلاف وفصل ما بين المُثل والاهداف الشيوعية وما بين تلك الحقائق والوقائع التي تمثلها الشيوعية القائمة في عصرنا. عددت في المرة السابقة ذلك. انها حركة تحررية. في وضع بلدان تطلق على نفسها "بلداناً اشتراكية" واحزاب شيوعية في السلطة، بيد انها لم تكن بلداناً تفعم بالحرية. الشيوعية حركة تحررية وحركة التحرر الاخلاقي والثقافي، في حين كانت الحركات الشيوعية اكثرها انغلاقاً ومحافظة اخلاقياً، اي كانت اكثر الحركات الاجتماعية لبلدها ضيق افق ورؤية. لم يكن الشيوعيون هم ذلك الجناح المسمى "مثقف" او التحرري للكثير من البلدان. بالأخص، في العالم الثالث. ولكن في اوروبا ذاتها كذلك، لم تكن الشيوعية، ومنذ امد، رافعة راية العقائد الطليعية والافكار الجديدة. حتى في اماكن نراها تدافع عن العادات والتقاليد بحرارة. في الشرق تدافع على وجه الخصوص عن التقاليد، حتى انها تقاوم الحداثة والعصرية في العديد من الاماكن.
على اية حال، ثمة فصل ما بين المُثل الانسانية للماركسية. الشيوعيون عموماً مناهضون لعقوبة الاعدام، ولكن الكثير من البلدان المسماة شيوعية، قوانينهم الجزائية اشد واشرس بكثير من بلد ليبرالي عادي في اوروبا الغربية. لماذا الامر هكذا؟ على اية حال، اذا يفكر امرؤٌ ما بهذه المسالة، وينهل الشيوعية من ماركس والبيان الشيوعي والايديولوجية الالمانية والمواضيع التي طرحتها بوجه التصورات المختلفة لعصرها، حين ينظر لحال الشيوعية قبل عشرين عام او خمسة عشر عام، سيرى ان هذا هو ليس الشيء الذي قرأ عنه، ولا يشبه الشي الذي فكر به. يتضح ان الشيوعية لا تتعقب تلك الاهداف والآمال.
ان تعريفا اخراً للشيوعية العمالية، وكقاعدة، انها حركة الطبقة العاملة، حركة طبقية. مرة اخرى، انها نظرة ومشاهدة شيوعي في عام ۱۹۷۳ الى ۱۹۷۵. حين تنظر الى اسس هذه الموضوعة، على الاقل في اطار شيوعية ايران، اعتقد ان المشاهدة الطبيعية للشيوعية في العشرين سنة الاخيرة هي ان الطبقة العاملة ليست تحت تأثير هذه الشيوعية، وحتى ليس لها صلة قريبة بها على وجه الدقة. صحيح، على سبيل المثال، ان الحزب الشيوعي الفرنسي ذو نفوذ في الاتحادات العمالية، او لدى الحزب الشيوعي البريطاني نفوذ على بعض الفروع من الاتحادات، في اتحاد عمال المناجم، ومن الممكن ان هناك شيوعيين اثنين بلغوا قيادتها، كان احدهم شيوعياً، "سكاركيل" على سبيل المثال كان في حزب العمال. كان للحركة الشيوعية الايطالية نفوذ في المعامل. ولكن الحركة العمالية في مجمل هذه البلدان تحت تأثير الحركة النقابية التي ترتبط اساساً بالليبريزم (نزعة حزب العمال-م) والاشتراكية الديمقراطية لهذه البلدان. في البلدان التي هي خارج نطاق اوروبا او امريكا ، ليس للشيوعية بصورة محددة اي تأثير على حركة الطبقة العاملة. الامر على هذا المنوال في بلدان العالم الثالث. الشيوعية اساساً حركة خارج الطبقة. حتى في بلدان مثل امريكا اللاتينية او الشرق الاوسط ان ما هو نشط وفعال هي حركة المثقفين. حركة المثقفين وحملة الشهادات الساخطين وليس لهم صلة جدية بحركة الطبقة العاملة والاحتجاجات العمالية. وان هذه مشاهدة اخرى. عليهم ان يرسلوا احد ما ليتعقبوا لماذا الامر هكذا. مسالة اخرى هي السمة العاملة وشكل ونمط شيوعية عصرنا. ان الشيوعية الراديكالية لعصرنا هي من تدفع المرء للتفكير.
حين نقول عصرنا، يعود الموضوع الى خمسة عشر سنة خلت. وذلك لان الكثير من الاشياء قد تغيرت. اريد تناول تلك المسائل من جذورها. في الحقيقة ان هذه الندوة هي ندوة تتعلق بالشيوعية العمالية، بالشكل الذي ظهرت به. عليكم ان تضعوا تلك الخمسة عشر، ستة عشر والعشرين عاماً المنصرمة امام اعينكم برايي. بوسعنا تلمس ان هذا الوضع يختلف عن ذلك. لم نقتدر، ولكن الاوضاع مختلفة كثيراً. آنذاك كانت الحركات الشيوعية كثيرة، وهناك منظمات واحزاب كثيرة، بيد ان ما نقوله يتعلق بخصائص وسمات اغلبها.
نقطة اخرى وهي ان الشيوعيين اصبحوا ذوي شبه بـ"المونيستيين"، "السينتولوجيين" و"الهاريكاشنايين"، اي جمع مهجور يدعوا الناس الى سعادة بعيدة في المستقبل والى مجتمع عجيب، ولكنها على الاغلب دعوة نبوية ورسولية من هامش المجتمع. انهم يلونون انفسهم في المطارات ويطلبون دعماً ماليا. في حين تتجادل وتتصارع الاحزاب السياسية في البلدان المختلفة وتتنافس مع بعضها في الانتخابات والاضرابات وغيرها وتتدخل في مؤسسات جماهيرية، ترى الحركة الشيوعية حركة فئوية برايي، هامشية مثل الفرق الدينية، تدعوا الامة الى فعل وامر جديد، حتى بنوع ما الى حياة جديدة. كما لو إنه غدوتَ شيوعياً، يعني عليك ان تمضي نحو هذه الفرقة. حين تنظر الى الكثير من شباب الستينات والسبعينات، ان تغدوا شيوعياً يعني ان تخرج من النشاط الاجتماعي والحياة الاجتماعية وانضمامك الى احد فرق الصداقة المتبادلة والى اخلاقيات داخلية وسلسلة مراتب داخلية والى ثقافة داخلية. حين تنظر الى الحركة الشيوعية، تجدها ليست مماثلة للتصوير الذي يطرحه ماركس في البيان الشيوعي، او ليسوا شبه شيوعية عصر ماركس. اذ كانوا اناس اجتماعيين منهمكين في الاحتجاج ضد الاستبداد والملكية ضد المُلكية وغير ذلك، بل اقرب الى فرق دينية مهجورة في هامش المجتمع.
حتى في بلدان مثل ايران، اذا اردت ان ترى الشيوعيين، ستجدهم في الخط الفدائي وفي المنظمات الفدائية السرية. ان خصلتهم كذلك، بوصفهم ظاهرة اجتماعية، هي انهم منفصلون تماماً وغير عقلانيين. يزرعون العبوات الناسفة والقنابل، لديهم بي كي سي (سلاح رشاش-م)، ينامون على شكل فرق في البيوت. انك لا ترى اي صلة مباشرة بين هذه الظاهرة والحركات الفلاحية للبلد الامريكي اللاتيني الفلاني، يريدون ان يهبطوا من القرية لمحاصرة المدينة. لا ترى صلة بين هذه الظواهر وشيوعية العامل الصناعي الغربي. لا ترى في تلك الشيوعية التي كان من المقرر، استناداً الى المواضيع المطروحة في البيان الشيوعي او نقد ماركس للعالم المعاصر، ان تكون حركة اجتماعية عظيمة ذات برنامج اجتماعي للتحويل الاقتصادي للمجتمع ورافعة راية تغيير المجتمع لمجمل الفئات المحرومة.
ترى جماعات صغيرة تقوم بنشاطات بأشكال راديكالية ولا يمكن تقليدها، وان ۹۹٪ من الناس لا يستطيعون ان يأتوا معها، وليس بوسع الناس تكرار ذلك العمل. لقد ذكرت، سواء أكانت منظمات فدائية حضرية ام منظمات فدائية ريفية، أكانت منظمات تروتسكية او مماثلة للتروتسكية الغربية التي هي اقرب الى الفرق الدينية التي تعد بهلاك العالم، يقولون ان العالم سينفجر في هذه الالفية الاخيرة. تبدوا عليهم مسحة فرق دينية بقالب وهيئة اقلية. حتى ليس فرق دينية رئيسية (main stream) ومسار رسمي للأديان، حتى ليس شبهاً بالمسيحية، حتى ليس تيار اساسي للحركة الاسلامية يعمل بين الجماهير. انظر على سبيل المثال ماذا تعمل الحركة الاسلامية في فلسطين: تقيم مركزاً صحياً وعيادة صحية وتعمل مع الناس والشباب. ليست الحركة الشيوعية اساساً شبيهة بها كذلك. انها اشبه بفرق دينية مهجورة تقوم عادة بالدعاية لعقائد تبعث على الحيرة والعجب، وتطلق تحذيرات عجيبة وغريبة للمجتمع، وتنتظر بعد غد شيء ما، ان يحدث انفجاراً في العالم. مثلما يقولون من المقرر ان يأتي اناس من كوكب اخرى ويأخذوننا معهم. انها تقريباً الشيوعية الراديكالية لما قبل عشرين سنة خلت. اذا لم ترد ان توالي الطيف الروسي (وهو تيار اجتماعي معين ويقوم بعمله) وتذهب نحو منظمات شيوعية راديكالية، فان تلك الشيوعية هي ظاهرة مهجورة وفرقوية وهامشية.
واخيراً، ثمة جذر موجود دوماً في الشيوعية يعتقد الانسان انها تنظر للعالم كله بعين واحدة، تنشد تقدم العالم وتقدميته، وتنشد ان تبلغ بكل الناس الى مُثِلْ عالمية. ان الشيوعية عالمية. ولكنك ترى ان الحركات الشيوعية قطرية وقومية الى حد كبير، وترعرعت حتى في احضان ثقافاتها المحلية. اي منكم له صلة ومهتم بالجماعات اليسارية قبل ۱۹۷۷ ، يرى انه ، ؟ أوالى حد كبير، تحت تأثير ثقافة وتقاليد شعبها وامتها. حتى اذا تمضي لبائع كتب SWP (حزب العمال الاشتراكي البريطاني) وتقول له ابحث عن كتاب يتعلق بالعالم، لاتجد عنده. ولكن تجد حول كل شخصية من شخصيات الحركة العمالية البريطانية كتباً وسير ذاتية. تقول اريد ان اقرأ كتاب يتعلق بتاريخ الشيوعية على الصعيد العالمي، ليس لدى بائع كتب SWP شيء يذكر. انه تيار انكليزي. اذهب الى SWP او اقرأ الصفحة الاولى لـ"مورنينغ ستار"، جريدة الحزب الشيوعي البريطاني، سترى حول اي شيء يتحدث الناس. يتحدثون لأنفسهم ومنهمكين بأعمالهم، وفوق هذا، في النطاق الضيق الذي رسموه لأعضائهم.
على اية حال، تحولت تلك السمات العالمية للشيوعية الى سمات صغيرة ومحدودة. الشيوعيون هم في اغلب المناطق موالون لعدم التقدم والمضي للأمام، عدم ذكر للثقافات الاخرى، تقديس ثقافة شعبهم وامتهم، وحتى مدافعين قوميين ضروس عن الوضع القائم اكثر مما هم انصار القلب العالمي للعالم. اي بوسعك ان تتطلع من الشيوعي الياباني في اليابان ان يتعاطف مع الثقافة القديمة لليابان. ومثلما هو الحال مع الشيوعي الايراني في ايران، اذ يتعاطف مع الثقافة الايرانية القديمة. واذا فتحت فمك قبل عشرين عام على ذلك اليسار وطلبت منه ان يقول شيء ما عن الثقافة المتخلفة لذلك البلد، ستنال صفعة من الاسلاميين و اخرى غيرها من اليسار كذلك.
على اية حال، ان اول شيء يلفت انتباهك في شيوعية ذلك الوقت، شيوعية ماقبل عشرين عاماً، ان ليس لها صلة شبه بالشيوعية التي ظهرت مع ظهور العامل الصناعي في الغرب، ممثلة التحول الثوري للعالم. انها شيوعية تنشد تغيير الانتاج الاجتماعي، بحد من المقرر ان تضاعف الاستثمار ونجاعة انتاجية الانسان مئات المرات، ومن المقرر ان ترمي بمجمل الافكار القديمة والعقائد البالية للطبقات الحاكمة من الشباك. انها اكثر شبه وقرباً من الاجنحة الراديكالية للحركة القومية، الاجنحة المتشددة للحركة الدينية، ابناء جيدون للجامعة الفلانية واناس سيئون في محلة. كانت هذه اقرب الى سمة شيوعية عصرنا من الحركة العالمية للطبقة العاملة الصناعية العصرية.
ولكن ماهو الرد الذي ينبغي طرحه على هذا؟ ما هو الرد على عجز الشيوعية؟ على مغايرتها لتلك العقائد الانسانية والتحررية للشيوعية؟ انعدام صلتها بالطبقة العاملة، انعدام تأثيرها في ميدان السياسة والمجتمع والتخلف الثقافي والفكري والاخلاقي وغيره؟ اسألوا انفسكم لماذا هذا هو الحال؟ لماذا الامر على هذا الحال؟ وبعدها ابحثوا عن سبيل حله. الى اليوم الاول الذي طرقت فيه هذه المواضيع، كانت اول كلمة وضعت في ايدينا هي مفهوم "التحريفية". قالوا لقد اعادوا النظر في الماركسية؟ اذا لم تكن الماركسية بالشكل الذي ينبغي ان تكون عليه، ان اخفقت في روسيا، ان هُزِمَتْ في الصين، ان الحق بها الهزيمة في المانيا، ان لم تقم بشيء في بريطانيا، ان لم تكن الطبقة العاملة معها، ان لم يكن لها احزاب قوية، فان اول سبب لذلك هو سيادة "التحريفية" ونزعة اعادة النظر على الشيوعية. وعليه، كان اول تفسير قدموه لكم بوصفه كشف علة هذه الوضعية الاولية غير المنشودة هو التحريفية. اي ان هناك عقائد صحيحة، ولكن اعيد النظر بهذه العقائد. لقد طرأ تغير جدي على الشيوعية من الناحية العقائدية، لم يتحدثوا بذلك الكلام ولم يتعقبوا تلك الاهداف وغير ذلك. ان هذه صيغة بذاتها ايضاً. اي اننا غدونا شيوعيين نوعا ما في صلب تقليد مناهضة التحريفية، اي اننا جميعاً قلنا ان الصين والاتحاد السوفيتي تحريفيون، وان تروتسكي تحريفياً. وحين اردنا جميعاً ان نفصل شيوعيتنا عن التيارات الاساسية لشيوعية عصرنا، فإننا نتحدث عن أن نفصل انفسنا عن تحريفية او نزعة اعادة النظر، اي يعني التحريفية، وبالنتيجة، اننا اناس لا نعيد النظر. نحن لسنا تحريفيين، اننا نقبل بالماركسية بالشكل الذي قيلت به، يمكن ان يكون هذا اساس شيوعية حقيقية. ولهذا، تعود الهزائم الى مسالة ان هذه العقائد التي قد اعيد النظر بها لم .....، على سبيل المثال، ان "التجربة السوفيتية" قد الحق بها الهزيمة وذلك لوجود نوع ما من التحريفية، او في اوروبا الغربية وذلك لان الاحزاب الشيوعية دعت الطبقة العاملة الى مساومة طبقية كبيرة مع الطبقة الحاكمة، ولم يكن العمال مستقلين في الميدان وغير ذلك.
اول اختلاف اجتماعي لموضوعة الشيوعية العمالية
ان التحريفية هي اول نقطة يتم التعبير عنها. واذا تنظر، ترى ان التحريفية مقولة دينية. اعادة النظر في سلسلة من الدروس والاحكام الصادرة مسبقاً بوصفها مثلب. مثلب او خطيئة اعادة النظر في سلسلة من الاحكام السابقة هي تفسير ديني. انه ليس غريباً كذلك حين يؤمن اناس عموماً في اهداف وامال كبيرة ويقبلون بكتب، حين يواجهوا اخفاقاً ما، يتهموا عمل الاخرين الذين يعتبروه خاطئاً بالعدول عن تلك المبادئ وعن تلك الاهداف. ولهذا، ايجاد مقولة التحريفية بوصفها علة وعلات اشكال العجز والنواقص هذه هي ليست حديثة في تاريخ البشرية اساساً. لجميع الاديان تقريباً تحريفييها. احدهم يطلق على الاخر خوارج، يعتبر السنة الشيعة تحريفيين، تعتبر الكنائس المختلفة للمسيحية بعضها البعض تحريفية. من المثير للاهتمام حتى حين يتجادل شخص مثل لينين على سبيل المثال، يطلق عليه مرتد. المرتد كاوتسكي! لا يمكن لماركس ان يطلق كلمة مرتد على شخص لأنه لم يكن معلوماً عن اي شيء عدل ذلك الطرف، ولكن بمجرد ما تم تعريف الشخص الاول بوصفه نبياً واعتبرت البقية امته، عندها تغدو اشكالية العمل في العدول عن العقائد النقية والصافية الاولية لذلك النبي.
على اية حال، ان تفسير علّة هزيمة الشيوعية وعجز الشيوعية هو تفسير مناهض للتحريفية، وهي ما كانت الرمز والراية الاساسية لليسار الراديكالي. كان اليسار مناهض للتحريفية، وما ان يكون جمع ما موالياً للسوفييت، حتى اطلقنا عليه تحريفي! وتحدثنا في برنامجنا عن التحريفية الروسية والصينية وغيرها، ومن هذا المنطق فسرنا الامور.
ان تفسير اخر هو البحث عن المؤامرة والعقلية المؤامراتية في تفسير تلك الهزائم. في تاريخنا، عادة ثمة اناس خانونا تاريخياً، بحيث بلغنا الوضع الحالي. في مكان ما يخون ستالين، بعدها يخون خروشوف في مكان ما، يخون ليوشاوجي ولين بياو في اماكن اخرى، ومن ثم يخون تروتسكي في مكان ما، يخون زينوفيف وكامينيف وبوخارين في اماكن اخرى.... انه المكتب ذاته بالضبط، انه التصور ذاته، مع اختلاف وهو : اذا كانت هناك نزعة اعادة النظر، فانه يتحدث عن العدول عن الافكار. اذ هذا يأتي به احد ما حي. "اذا اخفقنا، فان ذلك يعود الى ان شخصاً ما قد خان هذه الحركة في مكان ما"! وان تفسير "رؤية الشيوعية بوصفها امراً مؤمراتياً" هو تفسير اخر تم الحاقه بنا.
ان الخطاب السري لخروشوف في مؤتمر الحزب الشيوعي السوفيتي عام ۱۹۵۴ والذي اعتقد ان المخابرات المركزية الامريكية (C.I.A) قد نشرت نصه، حيث قال ان ستالين ارتكب اخطاء اساسية. وهذا مرة اخرى شرح وتوضيح اخر رموه لنا. ان بدء خيانة خط ادى الى ما يسمى انفصال جماعة الفدائيين عن حزب توده. لم يمضي الفدائيون مع حزب توده وذلك لان خروشوف قد انفصل عن ستالين. بالنسبة للفدائيين، لم يرتكب ستالين خيانة ما، بل ان خروشوف هو من خان. في خطوة هناك قام ستالين بالخيانة، فيما لدينا اخرين فصلوا سبيلهم جراء تلك الخيانة. على اية حال، ان التفسير الذي يستند الى شخصنة عمليات تاريخية او رؤيتها على انها امر شخصي، اي ان "اناس خانوا بحيث دفعوا الشيوعية للهامش" هو تفسير اخر امامنا.
ان رؤية اخرى للمسالة، وبالأخص بين المثقفين الليبراليين، اناس مثقفون، واناس من الواضح انهم نهلوا كثيراً بمرات من التاريخ، وهي ان هذا الامر "لم يحن وقته بعد"! ان ثورة روسيا كانت قبل اوانها، كان انتزاع الشيوعيين للسلطة قبل اوانه! واجمالاً، لم يتقبل المجتمع العقائد الشيوعية بعد! وقد تُناقش الان، ويقول جمع ما انه لازال المجتمع غير مهيأ لذلك بعد. وثمة اناس هناك دوماً يقولون: الشيوعية صحيحة، اهدافها وامالها صحيحة كذلك. بيد ان سبب هزيمتها في روسيا، الصين وامريكا اللاتينية واي مكان اخر هو ان المجتمع لم يتطور بصورة كافية من الناحية الانتاجية والاقتصادية والاجتماعية بحيث يكون لتلك العقائد ذا النمط الصناعي والعصري وغيرها محلاً من الاعراب هناك، وانه لأمرٌ معروفاً ان العقائد الشيوعية الطليعية في روسيا المتخلفة ستواجه الاخفاق وتتحول الى نقيضها!
ان احد افرع التوضيح، احد تلك الاجوبة على اسئلتنا الاولية هذه هي انه لم يزف وقت الشيوعية بعد. قد تناقش الامر الان وتجد ان هناك جمعاً يقول لم يحن وقتها الان ايضاً، اي ان التفسير التاريخي لمسالة لماذا انهزمت في روسيا والصين وقسم من اوروبا ولم تحقق شيء ما في اوروبا الغربية هو انها "سابقة لأوانها"، "ليست الاوضاع متهيئة بعد" ، "لم تتطور قوى الانتاج بصورة كافية" وغير ذلك.
انها ليست ردود برايي. انها لاترد على سؤالنا. ان اي من هذه التفسيرات لاتوضح علّة وضعية الشيوعية المعاصرة، ليس هذا وحسب، بل انها نفسها تدلل وتبين الذهنية التي لدى الشيوعية المعاصرة، اي جذور دينية-اخلاقية في هزائمها، تدلل على الظاهرة نفسها، جزء من الاثار ذاتها لتغير مسار الشيوعية. ان لم تكن الشيوعية شيوعية، مأخوذة (من البرجوازية) مصائبها تبدو وتظهر على غرار ذلك، اي ان تمضي لان تجد اناس ارتدوا عن تاريخهم. وعليه، يكون كفاح شيوعي مؤمن ما في حياته هو ان يقوم دوماً بجهاد اكبر في داخله. اذ يقوم بفصل نفسه عن سلسلة عقائد خاطئة وسلسلة انبياء سقطوا، ائمة سقطوا. تمكن لحد الامس من فصل نفسه لحد المؤتمر ۲۰ و۲۲ للحزب الشيوعي السوفيتي، واذا تجادلت معه كثيراً اليوم، سيكون مستعداً لان يُرجعك ايضاً الى عام ۱۹۳۶. واذا تحدثت معه اكثر، سيرجعك لحد ۱۹۲۴. اي يصبح ايجاد مكان ارتداد، مكان خيانة في تاريخ الشيوعية قصة حياة اناس مناهضون للتحريفية يريدون ان يبقوا راديكاليون، وان عدد كبير من الاحزاب السياسية تختلف مع بعضها حول هذه الارقام. يقول اي عام ترى ان الهزيمة قد بدأت؟ يقول ۱۹۲۶، الطرف الاخر يقول نعتقد ۱۹۲۴، فيما يقول اخر اني اعتقد انه كان عليهم في ۱۹۱۷ ان لا ينتزعوا السلطة اساساً.
ما اود قوله ان هذه المنعطفات التي كما لو كانت بسبب "غفلتنا المفاجئة" او "وضع فكرة معينة تحت السؤال" او تقدم الصفوف "ناس غير لائقين"، هي من جلبت هذا الوضع لحياة الشيوعية والطبقة العاملة العالمية. لقد اصبحت نقطة الانعطاف الحاسمة هذه هوية مجاميع سياسية مختلفة. احدهم "بوردغوني"، اخر "كاستروي"، غيره "غرامشوي" واخر "تيتوي". كل منهم يضع اصبعه على نقطة ما ويقول الى هنا اتينا سوية. ومن هنا انفصل سبيلي عنكم وذلك لأنكم ارتدتم!
اننا نرفض هذا. وذلك لأننا، وقبل اي شيء اخر، نرفض التفسيرات الدينية. ان هذه ظاهرة اجتماعية، ولذا ينبغي توضيحها بصورة اجتماعية. كلنا نتحدث عن ان الحركة الشيوعية هي الحركة الاجتماعية للطبقة العاملة من اجل التحرر. ان السؤال الذي يطرح نفسه بعد ذلك هو: حسنا! لماذا بعد عدول البعض عن هذه العقيدة، لم تتعقب الحركة المعنية عقائدها السابقة؟ اي عملية وصيرورة جعلت من الحركة الشيوعية ان لا تبقى مثلما كانت عليه، او ما ينبغي ان تكون عليه؟ اني ادرك ان هناك اناس يغيرون عقائدهم او تغير احزاب خطها. ولكن ماذا حل بالحركة الشيوعية للطبقة العاملة خلال ۶۰-۷۰ سنة هذه؟ لا يمضي احد ليرى هل ان الشيوعية التي نتحدث عنها هي لازالت الحركة الاجتماعية لتلك الطبقة ام لا؟
الانتقالة الاجتماعية للشيوعية العمالية
ان اول شيء كسبناه في ذلك النقاش والجدل، وبرايي يتمتع بأهمية نظرية كبيرة، وهو اننا وضعنا جانباً موضوعة التحريفية ومناهضة التحريفية، وتحدثنا عن الإنتقالة الاجتماعية للشيوعية. قلنا ان هناك حركات كانت نشطة تحت اسم الشيوعية وانزوت، وسواء انهزمت ام لم تنهزم، فإنها كانت حركات اجتماعية اخرى. اننا لا نقول هذا كي نأتي الان ونجعل كلمة العامل معيار الهوية، ونقول من كان عمالياً ومن لم يكن عمالياً! ونقول انك انهزمت لأنك لم تكن عمالياً! انه تصورنا وفهمنا الموضوعي.
على سبيل المثال، لننظر للحركة الشيوعية الصينية والاهداف التي وضعتها نصب اعينها، والتفسير الذي طرحته عن نفسها، النداء الذي وجهته للمجتمع، والجماهير التي جمعتها خلفها والتناقضات التي سعت للرد عليها. (لنفترض ان ماركس والماركسية ليسا امراً مطروحاً). انه لأمر جلي جداً ان هذه الحركة موجودة، واتت لإخراج الصين من وضع كونيالي استعماري وتحويله الى بلد موحد، تؤسس فيه لاقتصاد صناعي حديث ومعاصر، تستأصل الأمية، تحل مسالة المخدرات وشيوع المواد المخدرة في الصين، وتوحد الاقسام المختلفة. الصين مجتمع فلاحي، كان الفلاحون الفقراء القوى الاساسية لهذه الحركة التي تنشد اساساً اقامة بلد من فوق وبصورة متمركزة. انها لم تكن حركة الطبقة العاملة في الصين من اجل الاشتراكية، لقد كانت حركة قومية وطنية صينية لتحويل الصين الى بلد ذا مكانة، عصرية، بحكومة متمركزة وسوق داخلي. اذا تحدثوا بالماركسية، واذا التجأوا الى الماركسية، فإنها لمهمتنا ان نأتي ونقول لماذا قاموا بهذا العمل. لماذا ان حركات قبل ماركس، او حتى قبل لينين، تعقبوا اهدافهم دون حاجة اصلاً لاسم الماركسية. بعد ظهور لينين والبلشفية، كانوا مجبرين على القيام بهذا العمل تحت اسم الشيوعية لمرحلة ما.
ماهي حاجة الحركة الطلابية في اوروبا الغربية لتطلق على نفسها لقب شيوعي؟ ان قادة هذه الحركة الان قد توزعوا في احزاب "الخضر" وغيرها. ان بعضهم في الحكومة الالمانية. ماهي حاجة قادة الحركة الطلابية في عام ۱۹۶۸ لان يقوموا بنشاطهم تحت راية ماركس وانجلز؟ حيث ان حركتهم اساساً هي حركة مناهضة للبيروقراطية وديمقراطية، تسعى للرد على مسالة تقسيم الثروات الناجم عن الازدهار لما بعد الحرب العالمية الثانية. اذا ذهبت ودققت بها، اذا تمعنت بها تجدها اساساً حركة لإرساء دولة رفاه واسس اقامة دولة رفاه في اوروبا الغربية ودولة اكثر يسارية. لماذا تطلق هذه الحركة على نفسها كلمة "شيوعي"، في وقت انها لم تكن حركة الطبقة العاملة في هذا البلد، وليس اهدافها ولا برنامجها ايضاً؟ حركة ديمقراطية، لماذا تطلق على نفسها ماركسية؟
ان اول امر لفت انتباهنا هو: صحيح ان الكثير من الحركات اطلقت على نفسها كلمة شيوعية، من "۵۳ شخص" الى "حزب توده"، حركة كاسترو في كوبا، الحركة الفدائية لأمريكا اللاتينية، الاحزاب الاصلاحية المختلفة في الشرق الاوسط. لماذا تطلق على نفسها كلمة شيوعية؟ هل لمجرد ان يسمون انفسهم شيوعيين، يجيز لنا ان نعرفهم داخل شيوعية ماركس، وبعدها نتحدث عن ارتدادهم؟ لم نتمكن ان نقول في البداية انهم حركات اجتماعية اخرى من اجل اهداف محددة؟ انهم موضوع دراسة وتقصي، يمكن رؤيتهم، ذوي وجود موضوعي واقوياء.
لم يتأسس "الحزب الشيوعي" في العراق من اجل الثورة الاشتراكية، مثلما هو الحال عليه مع حزب توده في ايران، حيث لم يتأسس من اجل الثورة الاشتراكية. انظر للنظام الداخلي لمؤتمرهم الاول والذي هو تجمعهم الاول، لا يعدون انفسهم شيوعيين اساساً، انهم يعرّفون انفسهم كحزب تقدمي. انهم مثقفو بلد وضع اقدامه حديثاً في القرن العشرين، وينشدوا ان يصبح على غرار اوروبا الغربية، يريدون ان تجري اصلاحات ادارية، وان يلغى اطلاق يد الدولة دون حساب، وانهاء الاقطاعية في الريف، ينشدون مجتمع حضري وعصري وغربي بدستور مثل دستور بلجيكا. لماذا يطلقون على انفسهم شيوعيين؟ واذا سمّوا انفسهم شيوعيين، أ ينبغي علينا ان نقبلهم بوصفهم جزء من الحركة الشيوعية، وبعدها نمضي لنبحث علّة ارتدادهم وخيانتهم؟ أ ليست مهمتي كماركسي هو ان انظر اولاً الى السمات الاجتماعية لهذه الحركة، وبعدها ارى لماذا، وبسبب اي مبررات تاريخية-اجتماعية اطلقوا على انفسهم اشتراكيين او شيوعيين؟
اذا ننظر للأمر على هذه الشاكلة، نرى ان مقولة التحريفية ليس لها ثقل ديني، انها ليست كلمة تبعث على لفت الانتباه اساساً. ان الحركات التحريفية هي حركة طبقات اخرى كانت مجبرة على ان تطلق على نفسها اسم اشتراكي وترفع راية ماركس ولينين بسبب توازن القوى الفكري لأغلب القرن العشرين. ولكنها في الواقع كانت حركات تقدمية او اصلاحية في البلدان، استمدت قواها اساساً من نفس الاقسام التي تنهل منها الثورات البرجوازية-الديمقراطية. مضت ووجدت نفسها في المثقفين والطبقات الحضرية غير العمالية، جمعت الفئات المتعلمة، وارست حركات. لماذا علي ان اطلق عليها اولاً شيوعية، وبعدها اوجه السباب لهم بوصفهم تحريفيين؟ لماذا لا يمكن ان يطلق على حزب توده بوصفه حزب اصلاح اجتماعي ينشد خلال هذه السنوات اقتصاد تتدخل فيه الدولة بصورة اكبر، وتقيم المردود الوطني، وتعديل الثروة في المجتمع والتحديث الاداري؟ انهم هم من يقول على انفسهم شيوعيين.
منح شيوعيو روسيا في، مؤتمر امم الشرق، امتياز لكل حركة تريد ان تقوم بنشاطها في العالم، وقبلوهم كحلفاء للحركة الشيوعية العالمية. بعد البلشفية، رأى اي امرئٍ في اي مكان نشد مطلب تحرري ان ابسط شيء ان يسمي نفسه شيوعي. ولهذا، فان الكثير منهم اطلق على نفسه كلمة شيوعي. اذا جادلت معه، سيقول لك في اليوم ذاته انه امراً سابقاً لأوانه. لا تحتاج الى اعادة نظر. يقول لك الملكية العامة والاشتراكية ليسا امراً عملياً، ان موضوعة الثورة العمالية هي امر وضع اخر. سيقول لك ذلك في ذلك اليوم. في ايام ستالين ذاتها كانوا يقولوا لك ذلك. في حكومة ستالين سيقولون لك، بل حتى اوصوا الكثير من الاحزاب اليسارية في البلدان الاخرى ان لا يقوموا بضجيج، عليكم ان تتعقبوا الان ثورة ديمقراطية-وطنية! ليست الان مرحلة الاهداف الاشتراكية في بلدكم، كونوا حليفنا وامضوا لتعبئة الناس. وبالتالي فان العديد من الحركات التي ظهرت في القرن العشرين تحت اسم الشيوعية، وعملت ولازالت، ولكنها لا تعمل بعد تحت اسم الشيوعية. كانت حركات ديمقراطية، اصلاحية، قومية، مناهضة للاستعمار والامبريالية سمت نفسها شيوعية استناداً الى توازن القوى المعنوي والايديولوجي لعالم عصرهم. وعليه، ليست المسالة فقط عدول الممارسة الشيوعية عن النظريات الشيوعية واعادة النظر في نظرية الشيوعية. انها موضوعة حركات مختلفة موجودة في المجتمع وتطلق على نفسها شيوعية. علينا ان نحدد الحركة الشيوعية بالمعنى الدقيق للكلمة بوصفها النضال الاجتماعي للطبقة العاملة من اجل الملكية العامة، الغاء العمل الماجور ومجتمع خال من الطبقات. ان هذه حركة بوسعنا ان نسميها شيوعية ونقول ان الماركسية هي فكرها. ولكن اذا حركة اخرى تتعقب "تعديل الثروة" و"التحديث" الاداري وتريد ان تستفيد من السوق وتطلق على نفسها شيوعية، علينا ان نقول، وبصورة صائبة، مهما كانت من شيوعية هذه، فإنها ليست الشيوعية العمالية قطعاً.
وعليه، فإن من المقرر من كلمة عمالي في "الشيوعية العمالية" بالنسبة لنا تبيان اختلاف الحركات الاجتماعية، وهو تطلع طبيعي من الماركسية –اي الحركة الشيوعية لحركة الطبقة العاملة وثمرة الثورة الصناعية وغيرها. ويمكن ان تكون هناك كذلك شيوعية غير عمالية مثلما ذكرت. ينبغي الجلوس والنظر في كل واحدة من الشيوعية غير العمالية في روسيا واي اهداف تتعقبها. في كل عام من تلك الاعوام في الاتحاد السوفيتي بصورة محددة، كانت الشيوعية راية اقامة البلد وبناء كتلة اقتصاديةـسياسيةـ عسكرية مقتدرة على امتداد العالم استناداً الى اقتصاد دولة يستند على الاجر (سأتناول هذا الموضوع لاحقاً). انها الشيوعية الروسية. لسنا مجبرين قط على الشعور باننا ننتمي لعائلة واحدة. بوسعنا القول انها شيوعية روسية وحركة برجوازية، حركة بناء بلد، حركة تهدف الى اقتدارها، انها قوية بصورة استثنائية كذلك، ذات امكانيات استثنائية، نموذجها الاقتصادي وافكارها النظرية تختلف عنا، يختلف نقدها للعالم الرأسمالي عن نقدنا، وان قوتها الاجتماعية التي تحشدها تختلف عن قوتنا، والمجتمع الذي ترسيه يختلف عن مجتمعنا. انها شيوعية برجوازية ونحن شيوعية عمالية.
كما ذكرت في الجلسة السابقة ، قام ماركس في البيان الشيوعي بالعمل ذاته بالضبط. في حينه، كانت شيوعية هي الكلمة التي ارادوا استخدامها. يتحدث ماركس عن: لماذا؟ وذلك لان لدينا اشتراكية عمالية، واشتراكية برجوازية كذلك، واشتراكية اقطاعية ايضاً. لم يتحدث ماركس ان " هناك جمع يقولون اشتراكية كذباً"! "اشتراكيين كاذبين"! اتى ماركس ليقول ان هذه اشتراكيات تنتمي لطبقات اخرى، وان الاشتراكية اشتراكية طبقة. لم يدرج احد ويثبّت الاشتراكية سابقاً باسمه في اي دائرة وثائق. ولهذا، يطلق "ليبر بارتي" (حزب العمال البريطاني-م) على نفسه اشتراكياً. انه اشتراكي وينشد ان يعرّف ويحدد اشتراكيته على الورق. يقول ان اشتراكيتي هي كذا، هي تعديل الثروة، الدول مسؤولة امام الحرمانات الاجتماعية، الضرائب التصاعدية وملكية الدولة او تأميم الصناعات الاساسية. اشتراكية! يقول لماذا اشتراكي؟ لأني اجعل هذه الاشياء تخص المجتمع، جعلت الطب، النقل والمواصلات، التربية والتعليم كذلك اموراً اجتماعية وتخص المجتمع. اني اطلق على نفسي اشتراكي.
مثلما هو الحال مع الاشتراكية العمالية وغير العمالية بوسعهما اطلاق اسم على انفسهما ويقوما بعملهما. الان، وبعد ۱۵۰ عام على البيان الشيوعي، على الشيوعية العمالية ان تأتي وتقول: نعم! ثمة شيوعيات كثيرة، ليس هناك مرتد عنها، ولم يخن احد معسكراً اخراً. كل طرف يسعى في جبهته لشيوعيته. ان هذه شيوعية عمالية، وتلك شيوعية برجوازية كذلك. وفقاً لذلك، وطبقاً للتعريف تقوم الشيوعية البرجوازية بإعادة النظر بأفكار ماركس. فوفقاً للتعريف، على الشيوعية البرجوازية ان تجري تغييراً على الافكار التي لا تناسبها، ان تغير بأفكار ماركس بالشكل الذي عبر عنه ماركس بشكل جاهز ومُعَدّ حتى يناسبها ويتناسب معها. ان اتى وتحدث عن الملكية العامة هي نظرية وانت مجبر لأسباب (سأتحدث عن سبب ذلك الان) على ان تستخدمها وانت لا تريد ان تجعل الملكية عامة واشتراكية وتريد ان تجعلها ملكية دولة، عليك ان تأتي لتقدم توضيحك عن الملكية العامة والاشتراكية بوصفها ملكية الدولة، وتتحدث عن تصور ملكية الدولة.
اذا كان تصور احد حول محو الطبقات هو ليس الغاء العمل الماجور، لأنه بحاجة للأجر، بيد انه يعتبر التصنيع الحكومي هو الرد على هذا الامر، يكون مجبراً على احالة موضوعة الغاء العمل الماجور الى القرن ۲۶. ليس لهذا المطلب مكان في اشتراكيته. وعليه، يعيد النظر. لا يعيد احد النظر بماركسيته وذلك لطينته الخبيثة، انعدام شهامته، وكونه من اهل جورجيا. بل ذلك لان هذه النظرية بالشكل الجاهز والحاضر لا تفيده، ولهذا عليه ان يعيد النظر بها وعليه، يأتي "ماوتستونغ" يجعل من حلقة الشيوعية مستطيلاً كي تتطابق مع الصين، كي تصبح نظرية الثورة الفلاحية بالمطاف الاخير. اذا اردت ان تبني بلد صناعي بعون تحكم الدولة، بثورة فلاحية، وتسعى الى ان تكون السياسة على كرسي السلطة لا الاقتصاد ( وفي المطاف الاخير، كل ما تتحدث عنه الماوية) عليك ان تفكر بشكل اخر، لان هذا ليس موجوداً في ماركس.
واذا كنت مجبراً، لأسباب-الحاجة للكومنترن، وذلك للسمة الاممية للشيوعية في ذلك الوقت- اعوام ۱۹۲۳ الى ۱۹۲۸-على ان تطلق على نفسك "الحزب الشيوعي الصيني"، عندها ستكون مجبراً على ان تقول ان تفسيري لماركس هو كيت وكيت. عندها تتحول جدلية ماركس الى "حول التضاد" ماو. لم يكن قصد ماو اعادة النظر. انها افكار ماو. ولكن التاريخ اجبره على الحديث باسم الشيوعية، وان يتحدث باسم الشيوعية. وبعدها ملايين الاشخاص من مثلي ومثلكم يتناولون الكتاب الاحمر لأننا تحت ضغط بدرجة يتحدثون لنا على انه شيوعي، بالمطاف الاخير ان ننظر لهم بصورة مناسبة وحسنة. ثمة شيوعيين في هذا العالم بعيدين عنا اكثر من البرجوازية برايي، ولكن يطلقوا على انفسهم شيوعيين، ونمضي لقراءة كتاباتهم لنرى في اي تقليد تقف رؤيتهم.
على اية حال، ان اول نقاش للشيوعية العمالية هو هذا الاختلاف الاجتماعي، وهو اننا لا نتحدث عن افكار مختلفة، بل عن حركات اجتماعية مختلفة. حين نقول حركة اجتماعية، لا اقصد اساساً من كلمة اجتماعي الان بمعنى الحجم والعدد الكبير للأشخاص، بل وبوصفها طبقات مختلفة، اي حركات لها جذور في المجتمع ولها جذور اجتماعية. من المقرر للحركة الشيوعية ان تكون حركة تمثل تعارض مصالح العامل والبرجوازي في المجتمع الرأسمالي. ان كانت هي هذه الحركة، عندها لا تحتاج الى اعادة نظر تذكر بالماركسية كذلك. اذ قد يكون لا مناص للحركة الشيوعية العمالية في اواخر القرن العشرين واوائل القرن الحادي والعشرين ان تطرح وتجلب الكثير من الامور. لأنه لا يمكن تطلع من امرئين في القرن التاسع عشر (ماركس وانجلز) ان يقولا لنا ما نحتاجه. بيد ان هذا ليس اعادة نظر. اذ لا يستلزم ان تمضي لتغيير اطروحة ماركس حول الدولة، ليس ثمة حاجة لتغيير نقد ماركس للاقتصاد الرأسمالي، ولا للأسس الاجتماعية للشيوعية، ولا نظرية ماركس حول فائض القيمة. عليك ان تنظر لترى ما هو العالم الرأسمالي اليوم.
بيد انها حركات اخرى، وبالتالي، تعيد النظر في الماركسية ايضاً. ولكن ليست هذه مثلبتهم الاساسية. انها سمة وجودهم في مجتمع ينبغي عليهم قولبة شيوعيتهم من اجل اهداف اخرى. قولبة اطار محددة وانطلقت على هذا الاساس. لماذا ان هذه الحركات الاجتماعية التي على سبيل المثال لإخراج "غينيا" من قبضة الاستعمار او لإنهاء الاقطاعية في بلد ما مثلاً، او ان تلجم على سبيل المثال في امريكا اللاتينية ايادي البرجوازية الكومبرادورية او ان ترسي شكل من الاقتصاد يستند الى البرجوازية الوطنية في هذه البلدان، ان تسمي نفسها شيوعية؟ بالمبرر ذاته الذي شهدنا فيه، خلال هذه السنوات، اطلاق اي ما على نفسه اسم حقوق الانسان وديمقراطي. الشيوعية ايضاً كانت لقباً ذا وجاهة للتحررية في حينه.
القسم الثاني من الندوة: ۲۸ دقيقة
(عدة كلمات قيلت ولكن لم تسجل بسبب تبديل الكاسيت)
.... مثل نبي سمعوا انه اتى لإنقاذ الفقراء. عندها، أي امرئ يهمه امر الفقراء او ينشد الحديث عن الحرية، من مصلحته، ويصبح بصورة طبيعية ذا صلة ايضاً بالشيوعية واللينينية، ويشعر انه قريب منهما. لا يشعر قريباً فحسب، بل يعبر عن قربه منها كذلك. سهل جداً ان تغدوا شيوعياً حين تكون الشيوعية مداً. حين تكون الشيوعية موضوع الساعة، حين تكون مطروحة، حين تكون قوة في المجتمع استناداً الى مكانة الثورة الروسية، من الطبيعي ان يطلق الكثيرون على انفسهم صفة الشيوعية.
لا اعرف مدى تمتعكم بخلفية حول جامعات اوروبا الغربية او اطلاع عليها. في السبعينات، بين كل ثلاثة اساتذة جامعة تقريباً تجد اثنين منهم يطلق على نفسه ماركسي. لم يكن ماركسي، ولكنه يسمي نفسه ماركسي. يقول انا ماركسي، ولكن في اعماق قلبه تجده يتفق مع "كينز"، او نصير عقائد "جون روبنسون". حتى اناس كانوا يختلفون مع رأسمال ماركس، يطلقون على انفسهم ماركسيين. ثمة كتب كثيرة في عام ۱۹۷۶، يسعى فيها ماركسيو بريطانيا الى ان يثبتوا ان ماركس قد اخطأ فيما يخص نظرية القيمة. ولكن رغم هذا يطلقون على انفسهم ماركسيين. الان لا يتحدث الاشخاص انفسهم عن انفسهم على انهم ماركسيون. لماذا؟ وذلك لان الماركسية الان لا تتمتع بعد بتلك الوجاهة الاجتماعية وذلك النفوذ وتلك الحالة التي تميزت فيها النزعة التحررية عن غير التحررية.
اذا تمعنت، ان بعد احداث الاتحاد السوفيتي، غدا الجميع ديمقراطيون. احد ما في قيادة منظمة بيكار لايعتبر اي احد سوى نفسه شيوعياً وستالينياً. بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، يطلق على نفسه ديمقراطي! غدا ديمقراطياً، او ان تكون ديمقراطياً "مودة". كل من تسأله: ماهو تصورك؟ يقول انا نفسي ديمقراطي. او اني معيد النظر، او ليبرالي، او انا الان مدافع عن حقوق الانسان. فجأة، اناس كان بدون موافقتهم لاتستطيع ان تعمل في منظمة يسارية، الان يتحدث بلسانه على انه ليبرالي وتحرري وديمقراطي، وليس على استعداد ان ينسب كلمة شيوعي لنفسه. لم تبق الشيوعية مد!
الان اذا شرع فلاح فلبيني بحمل السلاح، ليس بحاجة لان يطلق على نفسه كلمات افكار ماركس، لينين، انجلز، ستالين، ماو او ان هذا رفيق لي، مزارع في الفلبين. لأنها ليست مداً. بوسعه ان يقول وبراحة بال السيد كلنتون، بوسعه ان يكون من انصار "مابعد الحداثة" وان يقوم بثورة، بوسعه ان يكون اي شيء اخر. لأنه لم تبق الان تلك الهيمنة الفكرية-السياسية لأي مكتب (مدرسة) تحرري يقول الان "الثورة على صعيد جميع البلدان او كسر نير العبودية متلازم مع اسم الشيوعية". الامر ليس كذلك، ولهذا، فان أي امرئ في العالم يسعى اليوم لان يحرر نفسه لايطلق على نفسه كلمة ماركسي.
الحركة الفيمنستية هي نموذج اخر. في مرحلة كان احد ما يعد نفسه فيمنستياً، يعد نفسه قريب جدا من الماركسية. سعت الفمنستيات تقريبا الى ان يتحدثن عن انفسهن على انهن اشتراكيات ايضاً. الان اذا عثرت على فمنستية تطلق على نفسها اشتراكية، هذا يعني انها قد بينت عن مهارة كبيرة. ابتعدوا بسرعة رغم ان اغلبهم لم يغير كثيراً في تصوراته. ولكنهم لايريدوا هذا اللقب بعد.
وعليه، اللقب هو ذلك الشيء النابع من ان الحركة الشيوعية العمالية قد نالت، مع ثورة اكتوبر، حداً من الاقتدار والهيبة على الصعيد العالمي، حداً من تحولها الى قبلة امال واماني الجماهير المحرومة في العالم، بحيث ان اي قائد تحرري وديمقراطي واصلاحي في البلدان المختلفة يريد ان يقوم بعمل ما، يكون مجبرا! على ان يمد احدى اياديه للشيوعية وان يلتقط الصور مع الشيوعية، وحتى اجنحتهم الراديكالية تسمي نفسها شيوعية.
اقرأ تاريخ الحركة الفدائية في ايران. حين قلبت اوراق كتاب ابراهاميان، هناك فصل كامل يتحدث عن المجاهدين والفدائيين، "ايران بين ثورتين". اذهب وانظر ماذا كانت القصة، اذهب وانظر من اين اتى اولئك الافراد الستة لمجاهدي خلق، وكيف قاموا بتغيير ايديولوجي. اذهب وانظر مدى حجم صلة الحركة الراديكالية الشيوعية في ايران بالحركة العمالية والاشتراكية للطبقة، وكم هي ذات صلة بالمجلس الاسلامي للمحلة والطلبة الساخطين في كلية الآداب والفنون لجامعة طهران. وكم ان الشيوعية في ايران كانت مدينة للحركة المناهضة للبهائية! يؤسس احد ما المجلس الاسلامي، وبعد ستة سنوات، يرسل مجتبى طالقاني رسالة الى ابيه (مجتبى طلقاني ابن اية الله طالقاني ومن قادة التغيير الأيديولوجي لمنظمة بيكار واحد الشخصيات الاساسية لمنظمة بيكار-بعد الثورة حين تأسست منظمة بيكار)، يراسل الى ابيه ويكتب له كم اكن احتراماً كبيراً لك ولكن اهدافي اوصلتني الى ان الماركسية علم تحرر العالم. انهم كانوا يتعقبون تحرر ما، اعتقدوا قبلها ان القرآن سبيل ذلك التحرر، والان تبين لهم ان الامر ليس كذلك! الماركسية علم ذلك التحرر!
ماذا تقول الحركة العمالية في ايران، او ماذا تقول الحركة العمالية العالمية او في تلك اللحظات التي كان يقوموا بذلك التغيير الايديولوجي، اية نضالات عمالية كانت تجري في المانيا وفرنسا! لم يكن لها اي تأثير على الجيل الاول من ماركسيي منظمة المجاهدين. لقد بلغوا قبلها نتيجة الا وهي: لايمكن بالكلام الاسلامي، النضال ضد الشاه، يكتب الى ابيه ان العامل من في يديه مفتاح النصر. ان هذا الفصل من كتاب ابراهاميان لهو ملي بالعبر فعلاً لكي نعرف من اين اتت الشيوعية الراديكالية لعصرنا، على الاقل في ذلك البلد.
تقول الشيوعية العمالية ان اي تحرر او اي سعي طبقي لأي شكل من اشكال التغيير الاجتماعي هو امر في مكانه. نطلق اسم حركة الشيوعية العمالية على تلك الحركة التي نهضت تاريخياً مع العامل الصناعي. انها نقد اشتراكي لهذه الطبقة، وتسعى لقلب المكانة والوضع الاجتماعي لهذه الطبقة في المجتمع، اي العمل الماجور والاستغلال المستند الى دفع الاجر، بغض النظر عن مسالة صناعية او عدم صناعية البلدان الاخرى التي هي امراً محفوظاً في مكانه. ان هذا هو نقدها وهدفها النهائي هو الثورة العمالية والملكية الاشتراكية ومجتمع حر خال من اي نوع من الطبقات. ان اساس هذا المجتمع وقلبه في الاحتجاج العمالي واحتجاج الطبقة العاملة في المجتمع الرأسمالي.
وبالتالي، ان هذه المقولات اخذت مساحة اكثر من حجمها نوعاً ما، اي التحريفية، خيانة ستالين وغيرها. اذا كانت لديك مشكلة دوماً في ان تمضي لجماهير روسيا وتسالها ماهو رايك بستالين. سيرد البعض انه دمر حياتنا، ولكن يقول كثيرون انه اب هذه الامة، لقد انتزعنا من تلك المرحلة المظلمة للقيصرية، الحق الهزيمة بالألمان في ستالينغراد، تصدى للفاشية. ستالين بالنسبة لهم "اتاتورك" الروس. كل بلد جلبه قائد للقرن العشرين. لأولئك اتاتورك، احدهم لديه ستالين ايضاً، لذلك ماوتستونغ كذلك، لغيرهم نكروما ايضاً. ستالين ايضاً جلب روسيا للقرن العشرين.
لينين هو لينين الحركة العمالية في عصره ونظم الصراع الطبقي. ولكن حين نبلغ وسط عمل ستالين يلفت انتباهنا ان البرجوازية الروسية، وبدعم الثورة البلشفية، جلبت روسيا للقرن العشرين، بطريقتها البرجوازية. وحولته من بلد متخلف الى قطب صناعي هائل، قطباً تكنولوجياً هائلاً في تلك المرحلة. لنضع جانباً العشرين سنة الاخيرة من مرحلة بريجنيف والاخرين. ان هذه قصة تاريخ روسيا. لم يخن احد الثورة العمالية. حدثت الثورة البرجوازية في تزامن مع الثورة العمالية. الثورة العمالية ايضاً اضاعت راسها في خضم هذا. اي تزامنت هاتان الظاهرتان.
اذا اطلعت على مجلد بولتن الاتحاد السوفيتي (۳ مجلدات صدرت فيه نقاشات كوادر وقيادة الحزب الشيوعي الايراني حول تقييم التجربة السوفيتية-م)، والذي طرحنا فيه اطروحاتنا حول الاتحاد السوفيتي، اشرنا بالضبط كيف ان هذين المطلبين الاجتماعيين في روسيا مضيا سويةً للأمام في ان واحد. انه مطلب تحديث روسيا وتحويل روسيا الى مجتمع صناعي متطور، مع مطلب البلاشفة في الثورة الاجتماعية العمالية، كلاهما دخلا ثورة فبراير. كلاهما كانا مجبرين على دخول احداث مابعد اكتوبر. تحول بناء اقتصاد وطني روسي الذي هو مطلب احد هذه الحركات، الى راية البلد.
خلاصة القول، بدلاً من ان ننظر للتاريخ والحركات الاخرى بصورة دينية وبصورة اخلاقية، ننظر لها بصورة اجتماعية، ونقول ببساطة متناهية مثلما قال ماركس من اليوم الاول: ثمة شيوعيات مختلفة؛ شيوعية الطبقة المتوسطة، شيوعية بناء البلدان في العالم الثالث، الشيوعية الديمقراطية في اوروبا الغربية، الشيوعية القومية للبلدان المستعمرة وتحت الهيمنة الامبريالية والشيوعية العمالية للقرن الراهن التي نسعى لصياغتها على هذه الشاكلة، ونقر انها حركة اجتماعية متمايزة. لتلك الشيوعية غير العمالية ثلاثة مصادر اساسية برايي؛ احدهما القومية، والاخر الديمقراطية، وثالثهم الاصلاحية، وقصدي الاصلاحية الاقتصادية-الاجتماعية. انهم مصدر ثلاثة اشكال من التحررية تطلق على نفسها لقب الشيوعية. النزعة القومية، وحيث انها في مجابهة مع الامبريالية، في البلدان تحت الهيمنة الامبريالية -الحركة الداعية للخلاص من الانكليز وامريكا وبلجيكا وفرنسا- اضفت مسحة شيوعية على نفسها. بيد ان هدفها الاساسي وجوهرها الاساسي هو الخلاص من الاستعمار. وعليه، ان نزعة مناهضة الامبريالية (انتي امبرياليزم) التي هي في امريكا اللاتينية اساساً ضد اليانكي الامريكي، ضد امريكا، هي دليل ومعلم مدى كونك تحررياً ام لا... ولهذا، فان "الحركة المناهضة للإمبريالية" احد مصادر الشيوعية غير العمالية لعصرنا.
الاخرى هي الحركة الداعية للديمقراطية، في الحكومات الاستبدادية، المجتمعات الاستبدادية، وبعدها المجتمعات التقليدية. ان نضال القرن العشرين من اجل فتح الابواب امام الجماهير لكي تأتي وتتدخل في السياسة، لم تبق في اطار النزعة الجمهورية ضد الملكية والكنيسة حتى يتعقبوها من خلاله. انها ضد الحكومات الاستبدادية العسكرية-البوليسية التي ذيلها في الحقيقة في الرأسمالية الغربية. وعليه، اتخذت الحركة التحررية والداعية للديمقراطية ملمح شيوعي في اماكن كثيرة، وارتضت باسم الشيوعية واستطاعت تحت هذا الستار ان تنظم نفسها.
واخيراً الاصلاح الاقتصادي، احلال المساواة، ارساء دولة رفاه، استئصال الامية. ان هذه المطاليب ارتبطت تقليدياً بالشيوعيين، ومن الواضح انها جزء من برنامج الشيوعيين. ولكن في المطاف الاخير ان الاصلاحات نفسها، سواء في البلدان الفقيرة او الدول الغربية التي تزداد الهوة الطبقية فيها مع تراكم الرأسمال، وان تعديل الثروة نفسه، ان تأخذ من هذا وتعطي لذاك، اعادة توزيعها، كانت اساس لنوع من الشيوعية في هذه البلدان والتي تجد جذورها المختلفة في الشيوعية الاوربية واليسار الجديد وغيرها. ان النزعة القومية هنا قوية ايضاً. والان، وبالوقوف بالضد من اوروبا-المحورية للبرجوازية الغربية، اذا انتبهتم ستجدون ان اليسار مناهض لأوروبا بشدة. لقد حافظ اليسار على جذر قومي بنحو ما. حتى في بلدان اوربا الغربية، اذا نظرت الى القادة اليساريين الاساسيين للحركة العمالية، سترى فيهم نزعة قومية قوية الى حد كبير. في بريطانيا، من قادة النقابات الى احزابها اليسارية يتحدث عن اننا "انكليز" و"لانقبل باوربا الموحدة". وقليلاً ماتجد حزب يساري راديكالي في اوربا الغربية نصير الوحدة الاوربية. ان نزعة قومية قوية هي احد اركانها.
على اية حال، ان هذه المصادر الثلاثة لـ"التحريفية" ذوات صلة ومترابطة. مثلما ذكرت ان اسمها ليس التحريفية. انها الحركة ذاتها التي تقف امامنا، ولكن يجب ان نخلع نظاراتها، وان ننظر بصورة صحيحة للحركة التي تنتصب امامنا ونضع عليها اسمها الواقعي عليه. ان هذه الظاهرة التي اسمها في ايطاليا، الحزب الشيوعي الايطالي، تعمل الان تحت اسم "الديمقراطي اليساري"، وتعمل على ايصال احد منها رئيساً للوزراء. قضى "برلين كوئير" عمره منهمكاً بنشاط لم يبلغ نتيجة تذكر، فيما ارسل الحزب الديمقراطي اليساري للحكومة رئيساً للوزراء. ان اغلبهم لا يختلفون كثيرا عن اهداف الشيوعيين الاوربيين (الاوروشيوعيين) في ايطاليا. ما اود قوله انهم يعملون تحت اسمهم الان. لم يبق لديهم اصرار على ان يأتوا بصورة لينين او ان يبيعوا كتب ماركس. بوسعهم ان يتحدثوا باسمهم، وان امعنتم النظر، لم يكن هناك اي حديث عن تحريفية في مكان اخر. لم يبق امرؤ ما يشغل باله بالتحريفية في الماركسية.
وعليه، اضفنا صفة عامل الى الشيوعية لكي نحدد اننا نتحدث عن حركة اجتماعية متمايزة، وبالضرورة، عن مكتب فكري متمايز. انها رؤى مقترنة بهذه الحركة، وليس اي حركة اخرى ينشد الاخرون ارسائها. الماركسية مقترنة ومتناغمة مع حركة الشيوعية العمالية. اذا اردت ان تصوغ منها نظرية الثورة الوطنية، ينبغي ان تجري تغييرات عليها، ينبغي ان تعيد النظر بمسائلها.
(.......)
لقد احللنا كلمة عامل بهدف فصل الشيوعية من وضعيتها كحركة، من الناحية الطبقية وفي اساسها الاجتماعي. لم نجلب كلمة العامل بوصفه اعلان وفاء لأناس يعملون في المعامل. لان هذا تعريف اي شيوعي. اي شيوعي، وكقاعدة، يقول عاشت الطبقة العاملة، ويمضي للعمل بين العمال. ان هذه الكلمة بالنسبة لنا الان في هذه الموضوعة ذات ثقل اكثر نظرية وعلمية.
الشيوعية العمالية لاتعني شيوعية تولي انتباهاً للعامل، بل بمعنى شيوعية حركة اجتماعية لطبقة اجتماعية اخرى. وضعنا اسم العامل تمايزاً لها عن الشيوعيات غير العمالية؛ الشيوعية البرجوازية الروسية، الشيوعية الفلاحية الصينية، شيوعية العالم الثالث في الشرق الاوسط، والشيوعية الشعبية للبرجوازية الصغيرة التي شهدناها وكان للكثيرين منا صلة بمنظماتها. نطرح الشيوعية العمالية بوصفها طبقة عمالية. ان ماركس نفسه كذلك تحدث عن ان البروليتاريا تعني الاشتراكية. اننا نطرح شيوعية بروليتارية. بعبارة ما، لانقوم بعمل جديد، ولكنه عمل قديم أزف وقت القيام به. كان على الشيوعية ان تأتي منذ امد وتقول مرة اخرى ان من المقرر ان تكون الحركة الشيوعية حركة اجتماعية متمايزة، لم يكن من المقرر انه كما لو ان يسير الجميع وراء نبي، ماركس- انجلز، و ان كل من يطرح تفسيره يكون مقبولاً! انها حركة اجتماعية متمايزة. ولهذا سأتطرق واوضح لاحقاً جوانب اخرى من: ماهو اختلاف الشيوعية العمالية عن الاشتراكية العمالية وعن النضال الطبقي وغير ذلك.
اختلاف الاشتراكية العمالية والشيوعية العمالية
ان الشيوعية العمالية هي الحركة الاشتراكية-الشيوعية للطبقة العاملة، لتمايز نفسها عن الحركة الشيوعية للطبقات الاخرى. ليس ثمة اشكال في هذا، لديهم حركتهم. فيما يخص هذه الكلمة، بوسعهم ان يتمتعوا بحق ان يكون لهم ارضهم ومائهم. بهذه الكلمة، يهتفوا ايضاً عاشت الشيوعية ويُقتلوا، شنوا حرباً باسم تلك الشيوعية وتصدوا للفاشية كذلك. وبعض الاحيان، وجراء التشابه بالاسم، اخذوا معهم قسم كبير من قوة طبقتنا ايضاً، وشاركوا في هذه العمليات، وبعض الاحيان اعطونا امتيازا. بصورة واقعية، اعطت الشيوعية الروسية، في المطاف الاخير، بعض الامتياز للعامل الروسي الذي استطاع ان يقف على قدميه وان يستفيد من هذه الكلمة التاريخية (الشيوعية) للطبقة العاملة، على غرار التشغيل التام، حظر الطرد من العمل، السكن بوصفه حقكم البديهي والمسلم به والصحة المجانية. انهم منحوا هذه في المطاف الاخير، امور يستلزم نيل كل واحد منها في هذه البلد عشرة او خمسة عشرة عام من الحرب. لقد منحتها البرجوازية الروسية.
ما اود قوله، انهم، في المطاف الاخير، كانوا في مساومة مع الشيوعية العمالية، ولكننا شهدنا ان هوة طبقية هائلة فصلتهم. بالشكل الذي يدافع فيه حزب توده عن البرجوازية، ويتهم اليسار المتشدد بان له صلة بالـ(CIA)، تدرك جيداً اين يقف حزب توده من الناحية الطبقية. لا اتحدث عن حزب توده، بل ان قسماً كبيراً من اليسار في ايران يتحدث عن ان خاتمي تحرري، ويقول علينا انا وانتم ديكتاتوريين! يوضح انتمائه الاجتماعي. انهم ابناء الطبقة ذاتها التي يعد خاتمي احد شخصياتها الاخرى. اي انا وانتم مدينون للسيد خانبابا طهراني لماذا اننا، الديكتاتوريون، المستبدون والقيّمون على الجماهير، لم ندافع عن السيد خاتمي الذي لا يعرف احداً كيف اتى رئيساً للجمهورية، ولديه سجون!
ينبغي ان نعرف وضعهم الاجتماعي والشيوعية العمالية عبارة مفهومة. تحدثت في نهاية الجلسة السابقة عن ان تحول مسالة العامل الى امر اخلاقي لهي رواية برجوازية. ان حديثهم بالضبط هو كم افواه العمال من اجل تنفيذ برنامج اجتماعي غير عمالي. تحدثت عن تقديسهم للعامل بوصفه مهنة او كفرد. راينا تقديس العامل في المنظمات اليسارية الشعبوية، تقديس العامل، واحلال العامل محل تلك الظواهر الدينية المقدسة هو اخفاء لمكانته الاجتماعية. لأنكم لم تروا الى الان قائد اتحاد عمالي، يعلق نفسه كنصير للطبقة العاملة بهدف الخداع او ان يطلق من داخله نزعة تقديس العامل. انظر الى الكتابات الاولى للحزب الشيوعي الايراني ايام سلطان زاده وحيدر عمو اوغلي، لاتحتوي بياناتهم نداءات (هب ايها العامل الغيور والمقتدر والواعي)، بل تقول "ايتها الجماهير عديمة الشهامة وقليلة الاحساس في البلد! الى متى تريدون الخضوع لهذا القهر؟!"!
انه لايفصل حضرته عن تلك الطبقة. اذا شرع امرؤ ما بتملق العامل واخفى حقيقة ان العامل الايراني ليس لديه منظمة، فانه، اي المرء، ليس له منظمة جدية من الاساس، ليس لديه قائد عملي معروف، وشرع بتقديس العامل بوصفه ظاهرة مكتملة مظفرة ينبغي ان نرفع على شرفه الأنخاب ان هذا المرء يكشف عن نوع مخادع اخر لجناح من النزعة لقومية اليسارية في ايران. يود ان يبين انه يريد العامل من اجل التأميم بوصفه "مُخَلِد الشاه". "عمالنا، عمال وطننا لايفكرون على هذه الشاكلة"-يأتون دوماً بهذه الـ"نا"-"عمالنا لايفكرون على هذه الشاكلة"، لدى هذا وطن، هو نفسه في مركزه كذلك، والعامل هو ايضاً احد افراد ذلك الوطن بالنسبة له. مثلما هو الحال مع الشاه، الذي قد يثمن الجماهير الصابرة والكادحة والعشائر الغيورة في ايران، فالأشخاص الذي يقدسون هذا، يثمنون العامل كذلك.
لا يتعلق موضوعي بهذا. الشيوعية العمالية تيار ينتمي الى داخل الطبقة العاملة، وبوسعه، برايي، ان يتحدث بصراحة تامة عن نفسه وعن بقية الطبقة العاملة. ليس بحاجة الى تملق طبقي. وان احد التيارات التي تنمو داخل الاحزاب اليسارية نفسها هو دعاة "القول الفصل للعامل"، و"من انتم؟!" و"من هو ماركس؟!" وحتى ماركس واللينينية يأتيان في اطار مجموعة من ظاهرة العامل! اي اذا ارتأى العمال في معمل ما ان ماركس على خطأ، علينا انا وانتم ان نوافق على هذا! ان حتى الاكونومستية، الاقتصادوية، هي كلمة اكبر من هذا، انه شكل من نزعة "عامل عامل" البرجوازية (التشدق باسم العامل-م). لقد ذكرت ان هذا يبين الاحساس التاريخي للطبقة البرجوازية في ايران بالخطيئة والتي لم تتمكن من انتاج دواء وطني في ذلك البلد. ويريد ان ينتزع ذلك الشيء من قلب الطبقة العاملة عبر التملق وحلاوة اللسان. على اية حال، ان هذه نقاط وردت في القسم السابق من كلامنا حول الصلة بموضوعة الشيوعية العمالية.
اشارة الى تاريخ انبثاق هذه الموضوعة
لم تبدأ هذه الموضوعة في الحزب الشيوعي السوفيتي، لم تشرع في الحزب الشيوعي الصيني، ولا في الحزب الشيوعي الايطالي والاسباني كذلك. لقد انطلقت في الحزب الشيوعي الايراني. ان هذه حقيقة. ليس بوسع احد ان يتجاهل هذا الامر. بدأت تلك النقاشات هناك، وكتب عنها هناك، وكتبت هناك، وثائقها للأسف بتلك اللغة (الفارسية-م)، وكانت ثمرة عملية وصيرورة تاريخية في ايران. سأوضح هذا لاحقاً في القسم المتعلق بمحتوى وماهية موضوعتي، بالأخص فيما يتعلق بصلة الفكرة بالحركة السياسية.
ولكن، وبصور واقعية، ان ما كان يقف خلف تمكن هذه الموضوعة من ان يكون لها يد طولى في ايران وتنتصر، وان توحد مجمل هؤلاء الناس في المنطقة، في ايران والعراق بصورة محددة، حولها استنادها الى ثورة كبيرة حضر العمال الميدان فيها. في بريطانيا، باعوا بالأمس شركتي BMW و Rover وحوّلوا ۵۰ الف شخص الى عاطلين عن العمل، ولم يتحرك عمالهم اساساً. ماعدا كتابة عدد من الشعارات على جدران منازلهم، لم يتمكنوا من عمل شيء اخر.
في ثورة ايران، حضر العامل الميدان، وتبين ان "الله نفسه كان عاملاً" و"المسلمون انصار العمال" و"العمال القائد الصلب للثورة". ان تلك الامكانات الكامنة والطاقة التي تحلت بها الطبقة العاملة، قبل عشرين عاماً في بلد كبير نوعاً ما، بنفوس تبلغ ۳۰-۴۰ مليون في وقته، ومن الناحية الجغرافية كبير، ومن الناحية الاستراتيجية مهم، حَرَّكَتها الطبقة العاملة. وافصحت خلال سنة او سنتين في ايران عن بعض النقاشات والقضايا التي من الممكن ان تستغرق ۲۰-۳۰ سنة في الحركات الاجتماعية والسياسية لبلدان اخرى ولا تبلغ نتيجة، وبالتالي لا يعرف احد من كان على حق، ولكن في غضون عام او عامين تبين ان الشيوعية الشعبوية لاتنفع بشيء، وما قاله ماركس كان صحيحاً، وتأسس الحزب الشيوعي الايراني وهيمنت الكثير من هذه الابحاث والمواضيع على الحزب. اي كان من الممكن طرح هذه الابحاث نفسها في الحزب الشيوعي الايراني السابق وطرحناها، وقلت اني انشد ان احقق الان هذا، وكنا قادته. اكتسحت هذه الموضوعات في غضون ثلاثة سنوات اليسار الايراني. لماذا؟ وذلك لمدى ما بينته هذه الثورة، بصورة واضحة، من زيف شيوعية الحركات الاخرى بحيث لم يكن بوسع احد ان يدافع عنها. مضت الشيوعية البرجوازية خلف الحكومة الرجعية التي اتت للسلطة، ماذا بقى ان يعملوا اكثر؟
الان في بريطانيا، ان تتبع توني بلير، لا يكون معلوماً ماذا عملت. ولكن في ايران، اتبع خميني، يكون معلوماً جدا ماذا تعمل. ليس بوسع اي شيوعي يكن الاحترام لنفسه ان يبقى في المعسكر الشيوعي الروسي، في المعسكر الشيوعي الصيني والعالم الثالثي، ليس بوسعه ان يبقى في معسكر الفدائيين الذي، بنظرية المراحل، دافع عن احد الاجنحة الحاكمة. وعليه، كانت العملية والصيرورة السياسية والاحداث السياسة التي جرت في ايران اهم عامل وعنصر. موضوعة يمكن ان تطرح في المانيا كذلك، يمكن ان تطرح في بريطانيا ايضاً، وربما قد طرحت وليس لدينا علماً بذلك. قام الكثيرون بهذه النقاشات، وقد يكون الكثير قد بلغوا هذه النقاشات بصورة مستقلة، وطرحوها في هذه البلدان، ولم يأخذها الاخرون على محمل الجد. ولكن تحولت هذه المواضيع الى انفجار حركي في يسار ايران والعراق، وجمعت حولها كل هؤلاء الناس. وذلك لأننا خرجنا من تجربة ثورية كان للعمال فيها دوراً ويمكن رؤية الشق الطبقي، يمكن رؤية حضور الطبقة، ولم تبقى مقولات من مثل انتفاضة، حزب، اضراب، سلطة، الدولة، اطاحة السلطة مقولات كتبية. لقد حدث هذه امام اعيننا جميعاً. انقلاب، ضد الانقلاب، حرب. قد لا تكونوا مدركين اي تاريخ سياسي غني انتم. اذهبوا الى فرنسا وقل لاحد انقلاب، ليس لديه اي تجربة عن انقلاب. انقلاب رمى اوزاره على رؤوسنا، وانقلبوا واعتقلوا مئات الالاف وقتلوهم.
لقد قرأنا في الكتب حول موجة الاعدامات في اندنوسيا، بيد ان موجة الاعدامات في ايران هي تاريخ حياتنا. النضال المسلح، ليس معلوماً كم مقاتل مسلح دخل معارك طيلة سبعة وثمان سنوات وهو الان حاضر في هذه الصالة، انهم كثيرون. اناس قاموا بنضال سري، لقد قرأنا في الكتب "الموائمة بين النضال السري والعلني" ، جريدة جيبية طبعها البلاشفة، ونقلوها خلسة من باكو واعطوها للآخرين. اننا انفسنا قمنا بهذا العمل مئات المرات. ان مجمل الظواهر التي كان من المقرر ان نطلع عليها في الكتب ونقرأها، رأها هذا الجيل بعينه، وبالتالي، جُربت مجمل هذه النظريات بصورة سريعة جداً. وبسرعة متناهية، تبين جوابها. وهو ما المعنى الاجتماعي والعملي-السياسي لهذه الموضوعات؟ ما هو فرق اتحاد المناضلين الشيوعيين الذي يقول كذا عن رزمندكان التي تتحدث عن كذا؟ بعد شهرين من ذلك، يتضح الامر. لايمكن للمجتمع ان يقف ساكناً، وان تكون النقاشات جدلاً بين افكار. انها تتحول بسرعة الى مواضيع ذات بعد عملي. صلة الحزب الديمقراطي وكومله، البرجوازية الكردية والبروليتاريا الكردية، وبغض النظر عن تصوير اي شخص، جرت حرباً، حرب قتل من كل طرف منها اكثر من ۲۰۰ شخص. جرت حرب كبيرة بين قوى برجوازية وشيوعية في كردستان قتل فيها الكثيرون، وتركت بصمتها للابد على حركة كردستان. انها حرب جيلنا وجرت حول مواضيع الشيوعية ومناهضة الشيوعية. حول موضوعة حرية التعبير، الحرية غير المقيدة والمشروطة، حق التنظيم، حق تنظيم المجالس، حرية المرأة جرت هذه الحروب.
اذا لم تضم النساء لصفوف البيشمركة (القوة المسلحة في الحزب الشيوعي الايراني-م)، واذا لم تدافع عن حرية التعبير، ولم تقوم بالدعاية للشيوعية، لم يكن للحزب الديمقراطي الكردستاني (حزب قومي كردي-م) دعوى و شكوى وقضية عليك. ولكنك دخلت حرباً مع الحزب الديمقراطي وذلك لان المرأة انخرطت في صفوف البيشمركة، وذهبت للقرى، وقامت بالدعاية وحرضت الناس. تعرضت مصالح تلك الجهة للخطر. ما اود قوله ان حركة اجتماعية مادية عظيمة مقتدرة جلبتها هذه الموضوعات للميدان. ليس مهماً كثيراً اين طرحت هذه الموضوعة، وليس امراً حاسماً من اين اتت هذه الموضوعة من الناحية النظرية والفكرية. لو وضعت اي تروتسكي انكليزي في ايران، افضل جماعاتهم، او اي امرئ راديكالي في اليسار الايطالي والبرتغالي آنذاك في ايران، لقال ان هذه حركة قومية، وهذه شعبوية، ينتبه فوراً لذلك. اي لم يكن يستلزم ان تقوم بعمل فكري جبار لكي تدرك وتقول ان ذلك الحدث او الامر ليس شيوعياً. وقاله الكثيرون. في بلدان اخرى قالوها كذلك. ولكن كان ثمة فرق ايران تمثل بانها تحولت الى قوة مادية فوراً وتنامت هذه الموضوعات.
الشيوعية العمالية، وفقاً لهذا، ثمرة تحرك العامل الايراني بعد ثورة ۱۹۷۹ وتناميه ابان ۱۹۷۹ مع هذه الموضوعات، وبمعنى ما حصيلة الاصلاح الزراعي. حصيلة الاصلاح الزراعي للستينات في ايران والذي تحول العمال فيه الى الفئة المستغَلة الاساسية. توسعت المدن، وطويت مرحلة معارضة الجبهة الوطنية وحزب توده، ولم يعدا الاخيرين الاحزاب الاساسية للمجتمع. لقد كان كافياً ان يرفع شاباً ما في مكان ما، احد ما من منظمة الفدائيين، راية شيوعية حتى تحتشد الجماهير حوله اكثر مما ان يلتفوا حول حزب توده. غدت الجبهة الوطنية لدى الجماهير ظاهرة ثانوية، ولكن ظهرت منظمات شيوعية متعددة في كل زاوية. تشكلت المجالس العمالية، سمة صناعية مجتمع ايران، عماليته وبعد هذا السمة المتدخلة للعامل في مجتمع ايران. ان الموضوع الذي طرحه ماركس ووضعه على الورقة، طرح بسهولة في ايران، وانتصر فيها جيل من يسار ايران. الان اصعب دون شك.
اعتقد ان الجميع، ولسنا نحن فقط، الذين كان البعض منا في الحزب الشيوعي الايراني والعراقي او في هذه الحركة، يقر بحقيقة اذا افترضنا ان نرسم خارطة الشيوعية في ايران، ستكون الشيوعية العمالية ظاهرة خاصة فيها. لايمكنكم الحديث عن الفكر الشيوعي الفدائي وراه كاركر (درب العامل-م) وغيرها بوصفها ظواهر محددة ذات دينامية داخلية. ان سلسلة افكار تحررية موجودة دائما والان كذلك. ولكن الجميع يدرك ان هناك شيء خاص له ماضي ومستقبل يعبر عنه دون شك. ثمة قصة ورائه. انه التيار الايديولوجي المعتبر الوحيد ليسار ايران والمنطقة، وذلك لان ثورة من خلفه، وذلك لان تلك الثورة دفعته لواجهة الميدان. ولهذا، دُفِعَ النقاش خارج ميدان الافكار والجدل والتحريفية، واصبح النقاش اجتماعياً بصورة سريعة. ان هذه هي المواضيع التي اشرت اليها في الندوة السابقة.
* * *
في هذه الندوة، اود ان اتناول مرة واحدة المحتوى الفكري لهذه الشيوعية العمالية. كيف انظر للجوانب المختلفة: النهج (ميثود)، الاقتصاد، السياسة. نظرا لتناولي السمة الاجتماعية لحركتنا، اود ان اتناول الان بصورة اوسع نوعا ما ماركسيتنا.
القسم الثالث: ۳۷ دقيقة
الشيوعية علم اوضاع تحرر الطبقة العاملة
نصل القسم الثاني من الندوة. ولكني اشير بصورة سريعة الى اساسين للشيوعية العمالية. تحدثت في الموضوع السابق، والان سأتحدث ايضاً في الموضوع اللاحق عن، ما هو معنى هذان الاساسان. فمن جهة، الشيوعية علم تحرر الطبقة العاملة، علم اوضاع تحرر الطبقة العاملة، وثانيا، لا يمكن للطبقة العاملة ان تتحرر بدون ان تحرر المجتمع كله معها. سعيت في المرة السابقة ان اوضح هذا الامر نوعا ما. في القسم الاول من موضوع اليوم بحثت الجملة الاولى تحديداً كذلك، وفي القسم الثاني سأعيد البحث عملياً الى الجملة الثانية.
ان علم تحرر الطبقة العاملة يعني ان الشيوعية العمالية (الشيوعية) هي فكرة، ايديولوجيا ومجموعة تصور ورؤية واستراتيجية ناجمة عن ظهور طبقة معينة باسم الطبقة العاملة بالأجر بموازاة الثورة الصناعية وبعد الثورة الصناعية، معها، بصراعها من اجل التحرر، وحربها من اجل التحرر من اوضاعها الاستغلالية والتي صاغت الشيوعية في المجتمع وجعلتها مثمرة.
قد تكون القومية علم تحرر البرجوازية في البلدان التابعة. الحركة القومية او الافكار والرؤية القومية تساعد ايضاً في تحرر امرئ ما. اما الشيوعية موضوعة ماركس فهي بصورة محددة ايديولوجية ورؤية تحكم سعي هذه الطبقة من اجل التحرر. وهو الامر الذي تحدثنا عنه في الجلسة السابقة. لقد كان التضاد مابين المستغِل والمستغَل في المجتمع موجود دوماً. وكل مرة، كانت ترفع راية من اجل التحرر من الاستغلال والخضوع.
ان موضوعة ماركس هي ان راية الشيوعية هي راية هذا النوع من المستغَل الجديد. حين يريد العبد، القن او الفئات المضطهدة الاخرى للمجتمع ان تنهض لتحررها لا ترفع بالضرورة راية الشيوعية. وجراء مكانتها الموضوعية في المجتمع، على الطبقة العاملة ان ترفع راية نضال تنهي تلك المكانة الموضوعية ووضعية العمل المأجور تلك. لاينبغي ان تحمل فكرة شيوعية حتى تلغي العبودية. ان الغاء العبودية هو امر عملي تماماً مع الفكر الراسمالي. تقول الغيت العبودية، ومن اليوم، لا يحق لاحد ان يخضع جسد شخص اخر. ليس احد بمالك لاحد. لايكون احد عبداً لاحد. قضي الامر. هناك سوق حر، اذهبوا اعملوا وعيشوا. او حتى في الاقطاعية وصلة الاقطاع بالقن التي هي من جانب مرتهن بالأرض ومن جهة اخرى جزء من املاك (الارباب). ليس الامر هكذا، ان بوسع الرعية ان يهز راسه ويمضي للمدينة، يأتون ويعتقلوه ويقولوا له انت من املاك العامة للخان الفلاني، يجب ان تبقى في قطعة الارض تلك. ورغم ان قطعة الارض لا تعود له الا انه يزرع فيها. يرفع الرعية راية تقسيم الارض، لا يرفع راية الشيوعية.
الشيوعية راية تحرر الطبقة العاملة. اذا اراد العامل المأجور ان يتحرر من هذه الوضعية، يستغل من خلال الية الاجر، ستكون رايته الشيوعية. اذا ارادت ان يرفع اجره، ليس راية هذا الشيوعية، اذ ان رفع الاجر بحد ذاته لايحرر العامل. بالمعنى الذي تحمله تلك الجملة الاولى بالضبط تقول الشيء ذاته الذي سعيت في كلا الندوتين قوله. ليست الشيوعية نظرية اي عمل، انها نظرية عمل محدد، نظرية الغاء نظام العمل الماجور في نظام المجتمع الرأسمالي.
ان تلك الجملة الثانية، وهي ليس بوسع الطبقة العاملة ان تتحرر دون تحرر معها مجمل المجتمع، ترجع الى المكانة الموضوعية للعامل وبالسمات الموضوعية لمجتمع تنشد هذه الطبقة ان تنتزع هذا التحرر في ذلك المجتمع. كيف يمكن في المجتمع الرأسمالي، يتحرر العامل بالأجر فيما تبقى الاشكال الاخرى للظلم. حين تنظر من الناحية التحليلية، ترى ان الظلم الذي تتعرض المرأة، تنال الاثنيات في اطار التمييز العرقي حقوق اقل او يعيشون في اوضاع غير مناسبة، يبقى في المجتمع القائم حين تكون قد ازلت اساسه الذي هو الملكية الخاصة والمنافسة على ربحية الرأسمال وتراكم الرأسمال؟ تحت اي مبررات يبقى الظلم على المرأة على سبيل المثال او باي مبرر يواصل التمييز العرقي حياته؟
بمعنى ان الثورة العمالية هي ثورة تستأصل بصورة تلقائية جذور بقية اشكال الظلم. ابلغ في هذا الموضوع مسالة لماذا ان جذور مجمل مصائب المجتمع المعاصر حتى تلك التي لها طابعاً قديماً مثل النزعة الذكورية التي ليست من اختراع الراسمالية. ولكن لماذا اعتقد ان انهاء الراسمالية يستأصل جذور النزعة الذكورية، في الوقت الذي خلفية النزعة الذكورية تسبق الراسمالية وجذورها اقدم؟ لماذا نعتقد ان الثورة العمالية تنهي النزعة الذكورية وتساوي المرأة والرجل؟ لماذا نعتقد ان الثورة العمالية تزيل النزعة الاثنية؟
ان موضوع الجملة الثانية، "لايتحرر العامل ان لم يحرر معه الجميع"، لاتعود الى سياسة ائتلافية او جمع الفئات المختلفة مقارنة بالمكانة الموضوعية التي تحتاجها الطبقة العاملة لتحررها. اذا نظرت الى الحركة الفمنستية التي تناضل من اجل نيل حقوق المرأة على سبيل المثال، انها ليست مجبرة على الغاء علاقات الملكية، اذ يمكن ان تنشد في العلاقات القائمة ازالة الاختلاف مابين المرأة والرجل. تقول: ايها المجتمع الراسمالي انظر بعين واحدة الى الاجناس المختلفة رجاءً. قد يكون مثل هذا العمل صعباً من الناحية العملية الان، ولكن من الناحية النظرية ليس امراً غير ممكن افتراض لا شأن للمجتمع الراسمالي بجنس الانسان. مثلما ان العامل هو عامل، وصاحب العمل صاحب عمل ايضاً. مثلما نرى ان هذه الحدود تبهت تدريجياً. تمضي النساء لسوق العمل بصورة متزايدة، وتلعب النساء دوراً اكبر في الادارة كذلك. في السياسة يجدن دوراً اكبر. من الناحية النظرية، وفي ذلك الاطار الذي قبلته الراسمالية للمساواة، ليس ثمة مانع ان تتساوى المرأة والرجل في المجتمع الراسمالي. ولكنه ليس امراً عملياً في المجتمع الراسمالي ان يتساوى العامل بالأجر مع امرئٍ يمتلك وسائل الانتاج. وبناءً على السمة الثورية التي تجعل العامل يقيم مجتمع يزيل فيه الاساس الاقتصادي والاجتماعي لـ"الاستغلال والظلم بأشكال اخرى"، وبالتالي، يحرر العامل البقية معه.
من الواضح ان هذا يجيز دعوتها الطبقات المحرومة للانخراط في حركتها، وربما تقف في مقدمة الحركات الداعية الى الغاء التمييز. بيد ان موضوعة ماركس تنطلق من امر موضوعي ومادي. اي لا يمكن للعامل ان يتحرر ان لم ينه مجمل اش
كال الظلم في المجتمع، بموازاة ذلك الشكل من الظلم (اي الغاء العمل المأجور).
نصل كذلك الى تعريف "الطبقة" و"الشيوعيين هم جزء من الطبقة" كذلك. اود ان افصل هنا بعض الاشياء استناداً الى العنوان نفسه. اي الاختلاف مابين الصراع الطبقي، الحركة العمالية، الاشتراكية العمالية والشيوعية العمالية. اود ان افصل هذه الظواهر الثلاثة عن بعض. في هذا الجزء من بحثي سأبلغ ذلك وبوسعنا ان نتحدث عنها. مثلما هو الحال مع السؤال الثالث، الاختلاف مابين الحركة العمالية والحركة الاشتراكية.
اعتقد انه كان في المؤتمر الثالث لذلك الحزب (الحزب الشيوعي الايراني-م) طرحت موضوعة "تبقى الاشتراكية العمالية فقط"، موضوعة كانت حول انتهاء عصر التحريفية. اذا تمعنتم، ستجدون ان ظاهرة الشيوعية غير العمالية، ونظراً لهزيمة الاتحاد السوفيتي وانهيار المعسكر الاشتراكي، سحبت الطبقات الاخرى ايديها عملياً من فكرة الشيوعية ومن راية الشيوعية. اي لم يبق هناك سعي جدي لان يناضل امرؤٌ ما من اجل المصالح غير العمالية وغير الاشتراكية تحت راية الشيوعية. بدرجة حتى ان الشيوعيين انفسهم اجبروا على طرح كلامهم تحت رايات غير اشتراكية حتى يكون مبعث اهتمام الاخرين.
لقد تمثلت الموضوعة في حينها، قبل سقوط الاتحاد السوفيتي، بانه لم يبق محل من الاعراب او صلة للشيوعية الوطنية، الشيوعية العالمثالثية، الشيوعية الشعبية، الشيوعية الديمقراطية، الشيوعية الراديكالية غير العمالية، وان ذلك المعسكر يتداعى، ومعه تنتهي مجمل الانتقادات الهامشية لذلك المعسكر ايضاً. ومن الان فلاحقاً، يمكن ان يكون للشيوعية في عالمنا اساس واحد فقط، وهو ان تؤسس على الطبقة العاملة فعلاً. ليس لأي فئة اخرى خارج حركة الطبقة العاملة مصلحة في رفع راية الشيوعية وتُنمي شيوعية ثورية، مثلا حركة الفلاحين في المكان الفلاني او حركة البرجوازية الصغيرة للبلد الفلاني. لا للنزعة الاكاديمية صلة بالماركسية ولا تطلق الحركات الاصلاحية في الغرب على نفسها شيوعية. تنبئنا بهذه الوضعية التي نحن الان فيها نوعاً ما.
ان النقطة الخامسة هي هذا بالضبط. لايمكن تحديد الممارسة الثورية بمعزل عن المصلحة العمالية. يمكن ذلك سابقاً. لاحظ الان ان اي حركة داعية للاستقلال ترجو اولاً امريكا كي تتدخل. بالتنسيق مع امريكا وجلب تأييدها والغرب، كان ينبغي الاطاحة بنظام الفصل العنصري، وينبغي نيل تأييد الغرب للإطاحة بالملالي. وفي اطار النظام العالمي الجديد والعقلانية الديمقراطية، نقوم بعمل ما من شأنه ان تتمكن النساء في السعودية ان تقود سيارة. يريدون ان يبقوا غير اشتراكيين ايضا، ولايبحثون عن سمة ثورية، ويلجئون الى البنية السياسية للعالم المعاصر. يمضي رؤساء العالم –ليس مهماً من يكون- ليقولوا ان هلاري كلنتون تفكر ايضاً بحال النساء في السعودية، وهم يفكروا ايضاً. ليس الامر انهم جميعاً يجاملون.
يسعى الغرب والبنية السياسية للمجتمع الغربي بصورة واقعية وحقيقية الى ادغام العالم في مجموعة من شكل واحد للنموذج الغربي الى حد ما. اذا يجد امرؤ ما شفاء علته في هذا الاطار، فسيلجأ له لكي يتمكن من اعطاء رده. اذا اراد امرؤ ما ان تجري في تركيا انتخابات ديمقراطية غربية، بدلاً من ان يتجه الينا، يذهب صوب امريكا. ان هذا امر منطقي كذلك. تقول انها الان في الناتو، تريد الانضمام الى الاتحاد الاوربي، ايتها الطبقة الحاكمة في تركيا نظمي انتخابات سلمية! ان هذا الضغط اكبر على تلك الدولة من ان تأتي الحركة العمالية في تركيا، وينتصر ليبرالي ما في عملية الانتخابات هذه ويمضي لتطبيق شيء اخر.
ما اود قوله اصبح الامر جلياً جدا ان المصالح غير العمالية تبحث عن اطر غير ثورية من اجل تحقيقها. حتى اسقاط نظام الملالي في ايران، الاطاحة بنظام ديني ويميني في ايران، لا تتمسح للأقسام غير البروليتارية من المعارضة الايرانية بمسحة ثورية قصداً. اذا دققتم، ستجدهم يقولون لماذا انتم (وهم من حددوا الاسم) لستم مناصرين لسبيل الحل السلمي. يقولون لماذا لا يمكن اضعاف نظام الجمهورية الاسلامية عبر اصدار بيان وتقوية منتظري و اللجوء الى "اوربا الموحدة" ودعم امريكا؟
قس هذا بزمان الشاه. حين كان طرف ما ينشد اذابة المعادن (التصنيع) يشرع بحمل السلاح، وامرؤ يعتقد بوجوب تقسيم الاراضي، يشرع بحمل السلاح، وامرؤ يعتقد انهم عملا فعلاً قبيحاً بالحاق الاذى بخسرو خان قشقايي، يقوم بحمل السلاح، فيما يدعو هذا الشخص ذاته اليوم الى مراجعة الامم المتحدة! هذا ماحدث بالضبط. من الصعب جداً الان ارساء حركات ثورية وراديكالية لايكون اساسها حركة الطبقة العاملة، على سبيل المثال الفئات والطبقات الاخرى.
* * *
مقدمة الموضوع
ان احد عناوين موضوعنا اليوم هو النظرية والحزب، صلة الحزب والمجتمع والحزب والحركات الاجتماعية.
برايي ان كلام علي (احد الحضور-م) ملفتاً للانتباه. وذلك لأنه يوفر لي الفرصة لتناول نقطة قد تمثل اهم اوجه هذه الندوة. اذا نتعامل فقط مع اناس هم اعضاء حزب ويقومون بنشاط، فان هذا امراً صحيحاً. بيد ان حركة سياسية تحتاج الى قائد، تحتاج الى وعي عميق بتاريخها، تحتاج الى ان تكون قادرة على ان تدفع الجماهير العريضة للأعضاء وحركتها الطبقية. لهذا، لايمكنك ان تنظر الى النظرية بصورة وظيفية، مهنية، او مينماليستية (بصورة الحد الادنى). ينبغي ان تكون قادراً على ان توضح للجماهير التجربة الروسية لسنوات بعدنا. انها جزء من احداث القرن العشرين. لايمكن لاحد ان يقول ايضاً اني شيوعي دون ان يقول ماذا كان عليه الاتحاد السوفيتي، وماذا كانت عليه الصين وغير ذلك. قد يكون من وجهة نظر احد منهمك، في لجنته الحزبية او حزبه، مع اعضائه يريد منهم ان يقوموا بتجمع احتجاجي، لايحتاج ان يتعمق في الكثير من المواضيع. ولكن بالنسبة لأمرئ في قيادة حركة، وان هدف هذه الندوة في الحقيقة تعريف كوادر حركة ما او شيوعيي مرحلتنا المنهمكين نوعاً ما بالتفكير بهذه الحركة. نريد مناقشة مجمل اليات ومجمل تعقيدات فكر اطلقنا عليه اسم الشيوعية العمالية، ان نكون قادرون على مواصلتها، وان تكون لدينا قوى في اعلى المستويات لإرشاد هذه الحركة. ان نكون واعون لما نقول، من اين اتينا وماهو واقع الامور. اي بذلك الشكل والثقل الذي تتحدثون عنه، ستقعون في اول منعطف. لان المنعطف الاول يُفرض ويُحدد تاريخك وتُطرح المواضيع مرة اخرى. واذا لم تكن تتحلى بفهم عميق لما هو منهج حركتك، وماهو محتوى آرائك حول الكثير من الاشياء، ومن اين اتيت، وتاريخ ظهور هذه الافكار، عندها لن ترد على تلك المتطلبات النضالية.
على اية حال ان ما هو ملفت للانتباه، بالنسبة لي، هو ما اريد التأكيد عليه. ان هدف الندوة اساساً هو ان يعرف على الاقل عدد اكبر كيف يعمل علقنا، عقل تيار الشيوعية العمالية هذه، كيف ينبض قلب تيار الشيوعية العمالية هذا، متى يعمل وكيف تحدد هذه الحركة اولوياتها، لماذا نحن بهذا الشكل والمنظمات الاخرى بشكل اخر. لقد تم لفت انظار الجميع بصورة واقعية ان لدينا تقليدنا ونمط اخر للقرار ونبدي رد فعل بشكل معين على المسائل السياسية. ولكن من اين نأتي بها؟ من اين نأتي بآليات اتخاذ القرار هذا، وهذه الاولويات وهذه الاختيارات السياسية الواحدة بعد الاخرى؟
من الضروري والحياتي، برأيي، ان يعرف اولئك الذين هدفهم قيادة هذه الحركة، ويسعون على امتداد سنوات من اجل انتصار سياسي حتى لو كان صغيراً، ماهو هذا التقليد المختلف. مثلما تعرف الاوروشيوعية الى اي نقد للمجتمع والتاريخ وغيره تستند جذور حركتها، او ان يعرف تروتسكياً ما لماذا هو تروتسكي، على الشيوعية العمالية ان تعرف ما هو اساس هذه الحركة، كيف يعمل عقلها، من اين تأتي بأولوياتها، ومن اي زاوية تنظر الى ظاهرة ما وغير ذلك. ان هذا امر مهم من هذه الزاوية.
على اية حال، اسمحوا لي ان امضي نحو الموضوع. الى هذه اللحظة، تحدثنا عن الجوانب الاجتماعية لهذه الظاهرة، وعن الموضوعية الاجتماعية للشيوعية العمالية. واود الان ان اتحدث نوعاً ما في الوقت المتبقي عن ماهيتنا النظرية، منهجنا الفكري ورؤيتنا المحددة للقضايا المختلفة. من نقدنا للاقتصاد الراسمالي الى نظريتنا حول الحزب، الى الثقافة التي تتطلبها مثل هذه الحركة مثلاً، الى نظريتنا فيما يخص الدولة وغيرها. اود ان اتحدث عن اركان عقائدنا تلك. اي ان نبلغ، وفق هذا الترتيب، مكان ان يتمكن شخص ما من القول: بوصفي ناشط او مفكر حركة الشيوعية العمالية، اني انظر الى هذه القضية بهذا الشكل. من الان الى خمسين سنة اخرى، وان منهجية تعاملي مع هذه المسالة هو هكذا، وانظر الى الراسمالية من هذه الزاوية، ومن هذه الزاوية ادافع عن الاشتراكية. وان هذا يختلف مع حركتكم التي تنظر لهذه المسالة بهذا الشكل. اود ان اعدد رؤوس نقاط هذه المسالة، ينبغي علي، دون شك، ان اوضح، لاحقاً، اشياء ما لا تؤخذ بنظر الاعتبار. يمكن توضيح هذه الاسس في غضون الساعة او الساعتين المتبقيتين.
مثلما قلت، حين يصل الامر الى ميدان العقائد والسياسة والاطروحات، ان الشيوعية العمالية هي رواية عن الماركسية، قراءة ما للماركسية. بماذا تحدثت الماركسية؟ قد يقول لك اي امرئ ان الماركسية تتعلق بهذه القضايا ولها هذه الاسس. الشيوعية العمالية كذلك هي تفسير للماركسية، رواية ما ونوع من قراءة للماركسية. نقول اننا نفهم الماركسية بهذا الشكل، وان ماركس تحدث عن هذا حقيقة، وليس الشيء الذي تقوله، ولا تلك الرؤية التي قيلت. اننا نفهم ماركس بهذا الشكل، وان الاسس العقائدية لحركتنا هي كذا.
السمة الخاصة لشيوعية العامل
لأوجه سؤالي بهذا الشكل، اي كلمة توصف الشيوعية العمالية؟ لنفترض انك تريد وصف اليسار الجديد، تقول ان الكلمة التي توصف اليسار الجديد هي "الديمقراطية" ربما. ان المقولة الاساسية لليسار الجديد، في هويته، بوجه المعسكرات الشيوعية، هي مقولة الديمقراطية. او من الممكن ان تقول فيما يخص التروتسكية، اي شيء يعرّف التروتسكية، يرد عليك التروتسكيون انفسهم بكلمة "الاممية"، ان احد مفاهيمنا ومقولاتنا الاساسية وهويتنا هي الاممية. لكن اذا سمع امرؤ ما كلمة الاممية عند الحديث، سيذهب ذهنه تدريجياً نحو التروتسكية.
اي كلمة، واي مفهوم واي مقولة توضح الشيوعية العمالية اكثر من اي شيء اخر وتبين مسحة روايتنا للماركسية. ثمة تفسير قومي للماركسية، اخر اممي، وغيره ديمقراطي، ماركسية تدخل الدولة. اي تفسير لنا للماركسية؟ واي كلمة اكثر من اخرى يمكن ان تصف ماركسيتنا؟
هناك بعض الكلمات التي تعبر عنا بأفضل شكل: "براكتيكال" (عملي، ممارساتي-م)، اي اناس يعطون تفسير ممارساتي وعملي عن الشيوعية، ماكزيمالست (اقصوي-م)، ناشط وفاعل، إنسانوي، ثوري ولايساوم. انها كلمات، اعتقد اذا اراد امرؤ ما ان يصف الشيوعية العمالية، سيقول انها انسانوية الى حد كبير، انها تتحدث بصورة اقصوية دون اي تهاون. انها، ولدرجة تحدثها دون تهاون ودون تخفيف، كما لو ان ليس لها فهم او ادراك لمقولة التكتيك والمحطات في الطريق، وتتحدث دوماً بكلامها الاخير. انهم بالأخص ممارستيين، ويفكرون بصورة عملية وينشدون الاقتدار والسلطة. انهم يتحدثون دوماً عن التغيير. ان الحديث عن العمل في الشيوعية في موضوعة الشيوعية العمالية بارزاً. بهذا المعنى، تُعَبّر هذه الكلمات عن سماتنا. لايصح هذا على بعض الشيوعيات. اذ لا تستند الكثير من الرؤى الشيوعية الى الفعالية والنشاط، على العكس من ذلك. انها تأملية. انتقادية. تفكرون ان الماركسية اداة للفهم والنقد. ولكن يبدو ان الماركسية بالنسبة للشيوعية العمالية هي اداة تدخل في السياسة على سبيل المثال. ومثلما تحدثنا في المرة السابقة، هو جانبها الإنسانوي.
كان استنادنا الى الانسان في مجابهتنا للكثير من الشيوعيات القائمة لحد الان التي ترى الشيوعية جزءاً من مسار تاريخي، وتنظر لها بوصفها مقولة " حاملة دور في التاريخ". في حين ان حركتنا تستند بقوة الى آدمية الانسان وحياة البشر والانسان المعاصر، وتتحدث عن الشيوعية بوصفها عنصر في حياة الناس المعاصرين، لا في مسار التاريخ ووضعيته. باي جهة نمضي (من ناحية التاريخ-م) هو امرٌ ليس ببارز بصورة تذكر في أدبياتنا. تتحدث ادبيات هذه الحركة في كل مكان عن الانسان ودوره في الحياة.
انها كلمات تصفنا، واود ان اشرّح جزئياتها وتفاصيلها، وستجدون في الموضوع لماذا ان هذه الكلمات كلها مرتبطة ببعض، وان يكن لا اريد هنا ان احدد كلمة منها. اعتقد ان ماركس يطرح الشيوعية هكذا بالضبط. من الملفت للانتباه ان تعرف ان ماركس، في مكان ما من الايديولوجيا الالمانية، يذكر الشيوعية بوصفها مادية ممارساتية. وان الموضوعة القديمة لماركس، بكون "الفلاسفة فسروا العالم، في الوقت الذي ينبغي تغييره"، تطرح من البدء الجوهر الممارساتي والعملي لهذه الرؤية، ويتحدث عن ان هذه الفكرة للشروع بالقيام بعمل معين في المجتمع. ليس التحلي بفهم معين عن المجتمع، لا التحلي بتصور معين، ولا التحلي برؤية معينة بذاته. بل نقداً لمد اليد ولتطال المجتمع. كما يتحدث عن اننا على النقيض من الماديين السابقين، الذين يعطون تفسير موضوعي وذاتي ومادي وروحي، هدفنا تغيير العالم. اننا ماديو الممارسة. بهذا المعنى، يتم تمثيل الروح الجدية لفكرة ماركس في توجهنا بجلاء، وان هذا ما اود ان اتناوله بصورة اكبر.
المنهج
قد يكون اول شيء يعرّفنا بصورة افضل هو ما هي هويتنا العقائدية، واين تبين الشيوعية العمالية تفسيرها وتصورها للماركسية، هي الميثود او المنهج. ماهو منهجنا؟ مثلما قلت ان كلمة الممارسة والمادية البراكتيكية هي اساس هذا المنهج. انها تلك الرؤية التي ترى في النظرية ان الماركسية تتعقب مرشداً للعمل. انها رؤية تعد الانسان متدخلاً في حياته وواقعه الاجتماعي والاقتصادي، وتعتبر ارادة الانسان امراً مهماً في تغيير اوضاعه. قد تبدو هذه بديهية بالنسبة لكم. ولكن ينبغي ان لايغيب عن بالكم ان قسماً كبيراً من الشيوعية مُتهَماً، لحد الان، بالحتمية. وان اناس فسروا، بالتالي، التاريخ كأمر حتمي. واناس فسروا الشيوعية بوصفها حركة لبلوغ التاريخ نتائجه المُقَدّرة والحتمية. تحدثوا عن الماركسية بوصفها حتمية تكنولوجية. اي اناس يعتقدون ان العالم يمضي صوب الاشتراكية، بذاته، وبصورة تلقائية، مع تطور قوى الانتاج. اناس يعتقدون ان تخلي اساليب الانتاج مكان الواحدة منها للأخرى، وتمضي البشرية صوب تلك الجهة، وبالتالي، فالاشتراكية هي امر حتمي في التاريخ. اذا جعلت من شيوعيي القرن العشرين نموذجاً، يرفض وينبذ ۹۹٪ منهم الظاهرة ذاتها في ماركس بصورة ضمنية او بعض الاحيان واعية، وهي ان ارادة الانسان ذات دور مهم في مسار التاريخ، وان اختيار وقرار البشر له دور في حياتهم، وبالتالي، دور الممارسة ومكانة الانسان في الواقع الموضوعي.
في المرة السابقة، تحدثت عن، كيف تحدث ماركس، في اطروحات فيورباخ، عن ان الواقع الموضوعي هو ثمرة ممارسة الانسان. ولهذا، لايعني الامر ان ينعكس العالم الواقعي مثل المرآة في رؤوسنا ام لا، او هل ان الذات انعكاساً صحيحاً للعالم الموضوعي ام لا. يتعلق الامر حول الجدلية بينها واثرها على بعض والمحدوديات التي يضعها العالم الموضوعي على ممارسة الانسان، بشكل بحيث ان الانسان قبل الفي عام لم يتمكن من ارساء الاشتراكية. وان التغيير الذي يوجده انسان حي يجري في ظروف موضوعية، بحيث ان بوسع الانسان المعاصر ان يشرع بتغييرها. ومن وجهة نظر الماركسية، اذا لم يقم الانسان بهذا العمل، لايحدث تغيير ايضاً.
ولهذا اذا اردنا ان نمضي في ماركس، نمضي في اطروحات نقد ماركس للماديين الذين سبقوه، وبالأخص اطروحات ماركس بصدد فيورباخ، وان اول كلمة تطفو هي الممارسة والتغيير ومكانة الانسان فيهما. اي من هو الشخص، في الحركة الاشتراكية لحد الان، كان ممثلاً لنزعة الارادة هذه، اي بمعنى اصالة الارادة، اصالة الاختيار واصالة التغيير الواعي في المجتمع؟ انه لينين. ان لينين متهم عادة بالنزعة الإرادوية والقسر في دفع التاريخ، في الوقت الذي عبّرت مقابله، الاممية الثانية والمنشفية، عن التطور التدريجي للتاريخ ونظرية تطور التاريخ وتكامله. وان تقرأ الروايات غير اللينينية لتاريخ الشيوعية، ترى في كل مكان ان اساليب الانتاج العبودية، الاقطاعية، الراسمالية، تخلي مكانها للاشتراكية، تتطور قوى الانتاج، لايقف امامها حائل، تناضل الطبقات، نضال الطبقة العاملة مظفراً، الشيوعية حتمية، ليست مرغوبة ومنشودة وحسب، بل حتمية!
يخرج لينين والميل اللينيني والحزب البلشفي تيار يأتي ليخرج عنصر الارادة في الشيوعية، ويقول يتحدد التاريخ ارتباطاً بما تقوم به الاحزاب السياسية، ارتباطاً باي اختيار تختاره الطبقة العاملة في كل مرحلة، واي خطوة تتخذها. اذا قمت باختيار خاطئ، سيكون التاريخ شيء اخر. ولهذا، فان لينين هو امرؤ يناقش امكانية التغيير. واذا انتزعت لينين من ثورة روسيا، لن تقم ۱۹۱۷ ، لان ليس هناك اطروحات نيسان. في الثورة الروسية نفسها، ان الخط المنشفي هو الذي كان سائداً فيها، حتى ان القسم الاغلب من اللجنة المركزية نفسها للحزب البلشفي لم تكن تتطلع للسلطة وان يهبوا لانتزاع السلطة، وثانياً، ان لينين نفسه كان موضوع نقد من هذه الزاوية. على سبيل المثال، فرض الشيوعية على مجتمع روسيا المتخلف. ظاهرياً ان هذا المجتمع لم يكن يقبل بهذه الارادة! ليس للبشر هناك رخصة ان يقوموا بهذا التغيير.
يرى الكثيرون منهم في الشيوعية هذا المسار التدريجي والحتمي بوصفها جزء محدد ومميز لأفكار ماركس. افتح القواميس السياسية والنظرية والفلسفية، واقرأ قسم الماركسية، ستواجهك كثيراً كلمات حتمية، حركة قانون التاريخ، في الوقت الذي ان ماركس هو امرؤ اخذ الجدلية من هيغل، حركة قانون التاريخ بالنسبة لماركس تحددها عنصره الحي والذاتي. ان حركة قانون التاريخ ليست عمياء، بل حركة قانون يتم دفعه للأمام بعون تدخل الجماهير الحية.
اذا للراسمالية، على سبيل المثال، قانون حركتها وهو تراكم الراسمال بصورة مستمرة، ويزيد بصورة مستمرة من حجم الراسمال مقارنة بالعمل المبذول، فبالنسبة لماركس، في كتاب الراسمال، ليس هذه الموضوعة اوتوماتيكية. بل يقول ان المنافسة ما بين الراسماليين انفسهم تعني القرار الواعي لعدة راسماليين، ولكي يبقوا في السوق، عليهم ان ينافسوا بعض، وبالتالي، يحسنوا تكنيكهم، ويرخصوا قيمة الاشياء، ينتج عنه تحقيق ذلك القانون الاساسي للراسمالية، وهو ان يصبح الراسمال اكثر تراكمياً. تلجم المنافسة، يبطل قانون تراكم الراسمال.
ولهذا، فان العنصر الحي في الفلسفة الماركسية، في تفسيرها للاقتصاد وفي تفسيرها للتاريخ، ان تمد اليد للتغيير هو امراً حياتياً. ويبين هنا شيء اخر من سمة حزبنا وحركتنا وافكارنا وكلمة "ماذا نريد". اذا القيت نظرة الى ادبيات الحزب الشيوعي العمالي، في مناقشات هذا الخط التي طرحها على امتداد عشرين عاماً، تجد ان ماننشده هو شاخص ومعلم حاسم لسياسته. قبل اي شيء اخر، ماذا ننشد؟ في الحقيقة تغيب عن أدبياتنا اساساً عبارات من مثل ماذا يستلزم ويريد التاريخ، اي مرحلة هي هذه، اي عصر هو هذا. يبدو انه لأمر كاف بالنسبة لحزب سياسي ان يريد شيئاً حتى يمضي للسعي من اجله، نعم ان هذه سمة حركتنا. التحلي برؤية ممارساتية، متدخلة وحتى ارادوية هو سمة حركتنا برايي.
بوسعنا مناقشة هذا. قد يأتي جمع ويقول ان الحزب الشيوعي العمالي هو ارادوي فعلاً، ويتهمنا بالارادوية والبلانكية ومجمل هذه. ان لاحظتم ان اتهامات تنهال علينا دوماً من هذه الجانب. انكم إرادويون، امال طنانة، تريدون ان تدفعوا التاريخ قسراً، لاتتمتعون بقواه، لم يزف موعدها، لماذا تمد يدك على السلطة؟! لماذا تريد ان تؤسس حزب؟ لماذا تجعل الاختلافات هي الرئيسية؟! لماذا لا تقومون باتحاد عمل؟! لماذا تخلقوا شق؟! انها كلها من زاوية لماذا تتعقبوا الشيء الذي تنشدون! انه ليس ذلك الشيء الذي يتطلبه العصر، ولا التاريخ، ولا يتطلبه اسلوب الانتاج ولا مكانة مجتمع ايران، ولاتتطلبه الوضعية السياسية!
ثمة مشاهدة تلفت الانتباه خلف هذا. نعم هذا صحيح. ان عنصر الارادة ودور العنصر الحي في تطور التاريخ وتكامله هو بارز جداً في تصورنا وتفكيرنا. اعتقد ان جذوره تمتد الى لينين وماركس نفسه في طروحاته حول فيورباخ. اذا اراد امرؤ ما غداً ان يدفع هذه الحركة لمكان ما، عليه، اول شيء، برايي، ان يتذكر انه ليس هناك اي شيء خارج الانسان يملي عليه ماذا يريد. وليس ثمة شيء خارج الانسان يحدد لماذا، ومن اجل اي شيء يناضل. على البشر ان يحدد في المطاف الاخير.
واذا تنشد مجتمعاً اشتراكياً يتمتع الانسان بالمساواة، ينبغي ان تسعى لهذا بالضبط. ليست مهمتك ان تذهب اولاً لصياغة محطات بينية. تقول علي اولاً ان اخرج الراسمالية من حالة التبعية واؤممها، وبعدها ارسي مجتمع غربي ديمقراطي، والمرحلة التي بعدها هي ان ابني مجتمعاً عمالياً. اذا دققت، تجد ان سمة مجمل خطنا السياسي هو اننا نقول من اليوم الاول اذا بلغ العالم مرحلة بان هناك نظرية باسم الماركسية، والبيان الشيوعي احد اكثر كتب العالم مبيعً وماركس شخصية الالفية، وهناك احزاب شيوعية بملايين الاعضاء، وهناك راسمالية صناعية، فان العصر بصورة تاريخية بلغ مكاناً ان ننشد ان نطبق ونرسي كلامنا الاخير. لم تبقَ مرحلة اذن. ارادتنا وخيارنا هما حقيقيان وواقعيان بقدر عملية الانتاج.
ما اود قوله هو ان هذه الارادوية لاتصح علينا فقط، بل اعتقد انها سمة جدية لنظرية ماركس. نعتقد اننا بقينا اوفياء لماركس، حين نعد دور ارادة الانسان، الاتحاد، التنظيم، السياسة، التجربة، القيادة والخيارات السياسية للأحزاب بوصفها شاخص حاسم في حكم النضال السياسي، ليس مثل منظمة اكثريت (الفدائيين) التي تجعل من نظرية المراحل اساساً، او تقسم العصور وتقول هل حل عصر الثورة البروليتارية ام لا، عصر تطور الراسمالية قائم ام لا. ليس لكلمة "عصر" مكانة لدينا. اعتقد ان مجمل العصر بلغ مكان اننا موجودون، وطالما نحن موجودون وننشد الاشتراكية، فإننا نناضل من اجلها.
ان احد الاسس الاساسية لنهضة الشيوعية العمالية هذه هي اننا اسسنا حزبنا برايي. ارادوية بالمعنى الحسن للكلمة، بمعنى اننا نؤمن بان بوسع الانسان تغيير العالم بممارسته المتنظمة. واذا كانت العقيدة مادية بهذه الدرجة بحيث التف حولها كل هؤلاء الناس، فإنها قد غدت مادية بشكل بحيث يمكن تحقيقها.
وبالتالي، لانتفق مع الرؤى الحتموية، الارتقائوية، التكاملية، الجبرية للشيوعية والشائعة قبلنا، بالشكل الذي ترسمه البرجوازية للشيوعيين. وان اتهامات المغامراتية، البلانكية، والمثالية التي يرموها علينا هي بالضبط تشير الى حقيقة ما فينا؛ وهي ماركسية حزبنا وحركتنا وذلك القرار، دور قرار الانسان في تغيير العالم. وان هذا اكثر معلم وشاخص، اساسيان لنا برايي.
حين نتحدث عن القرار، فمثلما قلت، ان الحديث عن ارادة الانسان، دور القسر، القرار ودور التنظيم، دور الاهداف والآمال في تقدم التاريخ فلا اقصد دون شك ان اطرح موضوعة الارادة الحرة ارتباطاً بالفرد، بل اتحدث عن الارادة الجمعية. اتحدث عن ظاهرة طبقية اجتماعية. انه لأمر مفتوح هو النقاش كم لإرادة فرد تأثير في حياته عموماً، سواء السياسية اوغير السياسية، وتأثير في تحديد مصيره وكم هو اسير وخاضع للظواهر التي خارجه. بوسعي ان اناقش موضوعة ما هي علة ان لدي اموال من عدمه او ان وضعي المالي وغير المالي هو تقصيرنا ام فرضه المجتمع علينا. ان مناقشة هذا الامر هي مفتوحة بالنسبة لي كذلك.
بيد اننا نتحدث عن طبقات، وعن عمل طبقي وعن ممارسة اجتماعية. ولهذا نتحدث عن حركات. ان نظرية ماركس حول الممارسة ليست موضوعة فرد. اذا كنت فرد، بوسعك بهذا الشكل والحد ان تترك تأثيرا على مصيرك. المسالة مسالة صراع طبقي ومسالة حركات طبقية، حركات اجتماعية. اني اتحدث، في هذا الاطار، عن الممارسة وعن اصالتها واهمية الممارسة واهمية العنصر الواعي واهمية الارادة الجمعية. في هذا الاطار الجمعي، وفي هذا الاطار التاريخي، اتحدث عن هذا الموضوع. ولهذا، فان سمة اساسية للشيوعية العمالية هي انها تتحدث عن الممارسة الاجتماعية لعصرنا. وكذلك حول السياسات التي بوسع الطبقة العاملة هذه ان تنتصر في حالة اتخاذها. لهذا، الحزب الشيوعي العمالي او فكرة الشيوعية العمالية يطرحا انفسهما بوصفهما بديل عمل، برنامج، اسلوب للانتصار امام الطبقة العاملة. اعتقد ان الحزب منهمك في نضال، لاندحة له من الانخراط في هذا النضال وان ينتصر، وتطرح الشيوعية العمالية نفسها بوصفها احد الاساليب التي بوسع الطبقة العاملة اتخاذها واحد الرايات التي يمكن التمسك بها.
ليست الشيوعية العمالية فكرة تلقائية وعفوية للعمال. الشيوعية العمالية نهج قسم من الطبقة العاملة يطرح سبيل حل معين امام العمال. ويمكن فهم ان سبل حل معينة اخرى يطرحها الاخرون امام العمال، وبالتالي، يقام كفاح فكري-سياسي هائل لتاتي الطبقة العاملة تحت قيادة هذه الراية. وعندها، اذا اتت، ستكون الانتصارات امراً عملياً ويمكن تحقيقه.
ان نقطة اخرى في نظرية الممارسة لماركس او في نظرية التغيير لماركس هي سمة المراحل والمرحلية التاريخية. يتحدثوا عن نظرية ماركس عادة عن انها نظرية اسلوب الانتاج. قد يكون ماركس حدد خمسة اساليب انتاجية اساسية: المشاعية الاولى، العبودية، الاقطاعية، الراسمالية والاشتراكية. يقولون ان ماركس تحدث عن ان الانسان يعبر اساليب الانتاج هذه. لكن يفوتهم ان لماركس مقولة اساسية باسم المراحل الانتقالية، التي هي مراحل مابين اساليب الانتاج هذه، وان لايكن بصورة مهيكلة كذلك ان تنتهي العبودية وتبدء بعدها مرحلة انتقالية، بل ان انتهاء اي اسلوب انتاجي، يدخل المجتمع في مرحلة انتقالية ويدخل مرحلة ثورية مفعمة بالتحولات. وان المجتمع الذي يحل لاحقاً هو حصيلة تحديد مصير المرحلة الانتقالية. ان ممارسة الانسان، على وجه الخصوص، تغدو حاسمة حين ننظر اليها في سياق المرحلة الانتقالية، ان ننظر اليها في اوضاع وضع المجتمع امر التغيير على جدول اعماله. مايكون حاسماً عندها ماذا يعمل البشر، وماذا تقوم به الاحزاب السياسية من عمل. ولهذا، فان موضوعة المرحلة الانتقالية ورؤية الصراع الطبقي وليس اسلوب الانتاج ما هو بارزاً في هوية الشيوعية العمالية وفكرة الشيوعية العمالية.
وبنفس القدر الذي تنظر الشيوعية الشائعة لعملية الانتاج وتقسيم العمل وعملية انتاج فائض القيمة والازمة وغيرها، فإننا ننظر بالدرجة ذاتها للصراع الطبقي، والتصادم الاجتماعي هذا الذي يتشكل على اساسه هذا الاقتصاد. اننا نقبل ان قد يكون من المستحيل، ابان الثورة الصناعية، ان تقام الثورة الشيوعية الفورية. ولكن في نهاية القرن العشرين واوائل القرن الحادي والعشرين، حيث بلغت فيهما الراسمالية مرحلة بلوغها ونضجها، وتتصارع الطبقات الاجتماعية تحديداً حول مصير هذه الراسمالية، عندها يصبح الصراع الطبقي بالنسبة لنا وفي تصورنا السياسي امراً محورياً. ان انظارنا، وبخلاف الماركسية الشائعة، مصوبة نحو الصراع الطبقي وليس الاقتصاد.
اذا تنظر لنظرية الدولة، تجدنا اننا قمنا بالعمل ذاته، نظرنا الى الظاهرة ذاتها في الثورة الايرانية. اننا ننظر للمجتمع الراسمالي وهو في حالة تحوّل، في الوقت الذي يحدق الشيوعيون عادة بالاقتصاد، ويصوروا المجتمع على انه في حال تحجر وموت؛ طبقات اجتماعية، اقتصاد، انتاح، فروع صناعية، غير صناعية. ولهذا فان مكانة المرحلة الانتقالية والمراحل الثورية ونضال الطبقة العاملة في مرحلة التحول من الراسمالية الى النظام اللاحق هي امراً حاسماً بالنسبة لنا، وهنا، تعد الممارسة امراً حاسماً، مئة مرة اكثر من الحالة العادية لمجتمع لم يدخل المرحلة الانتقالية.
القسم الرابع ۴۷ دقيقة
(قطع حين تغيير الشريط التسجيلي)
..... فهم برجوازي، السير وراء سبيل تطور برجوازي او سبيل تطور اشتراكي؟ تعقب بنية فوقية سياسية ليبرالية او سبيل حل فاشي؟
في المرحلة الانتقالية او مرحلة التلاطمات والتحولات، تضعف الاعراف والاعتبارات القديمة فيها، تتراخى البنى القديمة ولايمكن لها ان تُبقي على المجتمع. على المجتمع ان يختار. في هذا الوضع بالضبط تصبح الشيوعية العمالية انسب ايديولوجيا. وذلك لان الممارسة، العمل واصالة الارادة والاختيار والدور الجماعي قوية في هذه الفكرة. اذا اردنا، ستكون هذه المرحلة مرحلة نوبتنا ودورنا. اي ان تحديد النوبة والدور التاريخيين يتخذان مساحة اساسية بالنسبة لنا. في الوقت الذي من الممكن ان تطرح جماعات سياسية، في اوج ثورة عظيمة مثل ثورة ۱۹۷۹ في ايران، نظرية المراحل، نظرية
المراحل التاريخية، اي علينا ان نمضي لطي مرحلة البرجوازية الديمقراطية. بالضبط، في مرحلة انتقالية، ينبغي ان يُطرح الهدف النهائي بالنسبة للشيوعية العمالية بوصفه هدفاً ذا صلة وراهنية.
كيف تتحول النظرية الى قوة مادية؟
هناك موضوعة اخرى ينبغي تناولها هنا وهي كيف تتحول النظرية الى قوة مادية. في حزبنا وفي فكرنا، ثمة شيء راسخ وهو ان النظرية ليست افراز الطبقات. ليست السياسية افراز طبيعي للطبقات. الامر ليس كما لو ان تاتي الليبرالية او القومية من الطبقة البرجوازية بصورة تلقائية، وتاتي الاشتراكية من العامل بصورة تلقائية. بل ان الطبقات الاجتماعية تتواجه بمنظومات فكرية ورؤى حصيلة عملية الصراع الطبقي، ولكن في بُعد العقائد. تتجابه العقائد الاجتماعية، تُطرح اطروحات مختلفة للمجتمع، وتمد الطبقات الاجتماعية ايديها لها. ولهذا، فان الصلة بين الاوضاع الاجتماعية والنظرية الماركسية في ذهننا هي: اذا لدينا نظرية، وهذه النظرية تتناغم مع حاجات هذه الطبقة في مرحلة معينة، بوسع هذه النظرية ان تغدو جماهيرية في مدة قصيرة.
لاتغدو النظرية جماهيرية عبر التعليم. ان احد اركان هويتنا هي ان النظرية تصبح جماهيرية عبر سبيل سياسي. اذاحولت نظريتك، رؤيتك واهدافك الى اختيار سياسي، لحظة تحتاج الطبقات الى تجسد هذا الاختيار، تراك هناك، عندها تتحول الى قوة جماهيرية. عندها تغدو النظرية شيئاً مادياً.
انه لفهم قديم وتقليدي لليسار وهو ان الماركسية تمضي عبر التثقيف داخل الطبقة العاملة، ان هذا ليس جزءاً من تفكيرنا. لاتمضي الماركسية داخل الطبقة العاملة عبر التثقيف. تمضي الماركسية داخل الطبقة العاملة عبر اختيار الطبقة العاملة. اذا كانت الماركسية احدى الاختيارات ايضاً، واحدى الخيارات الاجتماعية، عندها يكون للطبقة العاملة اختيارات سياسية مابين الليبرالية والقومية، الاصلاحية والماركسية والشيوعية العمالية، سترفع فوراً تلك الراية. لم يكن للبلاشفة فرصة، ولا اذاعة ولا تلفاز، ولا مدرسة تتعلم فيها الطبقة العاملة في روسيا ذات السبعين مليون نسمة في مدرسة البلشفية آنذاك، وليس هناك في كل روسيا امكانية ان ينظموا اجتماع بهذا الشكل.
اختارت الطبقة العاملة في روسية البلشفية وذلك لموقفها من الحرب الامبريالية وردها على مسالة معيشتها في اعوام ۱۹۱۴-۱۹۱۸. ولهذا، فان الصلة التي نقيمها بيننا والمجتمع، المكانة التي نقرها لنظرية الشيوعية والصلة التي نقيمها بين النظرية الماركسية والطبقة، هي صلة واعية واختيار سياسي. ليست صلة زرق فكري، ديني وخلق وايجاد مؤمنين بالماركسية. لاننوي خلق ايمان ماركسي في الجماهير العريضة. نريد ان نطرح حركة الشيوعية العمالية مثل حركة امام المجتمع، وفي تلك اللحظة بالضبط التي تطرح فيها الممارسة الاجتماعية والسياسية، اننا على ثقة ان قسماً واسعاً من العمال سيختارها. ولهذا، يعد دور السياسة والصراع والصراع على جعل النظرية جماهيرية هنا هي امرا حاسماً بالنسبة لنا.
على اية حال، النظرية بالنسبة لنا ليست سلسلة من "الاحكام الحقيقية" او مايطلق عليه سلسلة من "الاحكام العلمية" نقوم بطرحها، وان الافراد من البشر، بـ"منطقهم وحكمتهم" يقتنعون بصحتها، ويبقون، منها وللابد، ماركسيين. من المقرر للنظرية ان تكون معيناً للرد على معضلة اجتماعية. لهذا، ينبغي ان تتحول الى برنامج عمل. ان برنامج العمل هذا تدفعه للمجتمع حركات تعد تلك النظرية اساس لها. في خضم مجابهة سياسية للمجتمع، مجابهة طبقية جدية، يختار المجتمع تلك النظريات.
لوكانت الشيوعية العمالية في عام ۱۹۷۹ واقع سياسي معتبر، بقدر الجبهة الوطنية، بقدر القومية، او بقدر الدين في مجتمع ايران، لو كانت تقليد سياسي موجود بحيث يكون هذا برنامجه ورايته، لم يمضي مجتمع ايران صوب هذه الجهة ( مجيء الجمهورية الاسلامية-م) اطلاقاً. وذلك لان ۳۰ بالمئة من مجتمع ايران سار خلف هذه الراية (الشيوعية العمالية) ولاصبحت قضية في ذلك البلد.انها لم تكن من ضمن اختيارات الجماهير. رغم وجود هذه النظرية، ورغم وجودهذه الفكرة، ولم تُطرح هذه البرامج امام المجتمع بوصفها بديلاً اجتماعياً - سياسياً.
وبالتالي، في موضوعة الصلة بين العمل والنظرية، نقر ونعتقد بالصراع الطبقي والانتخابات الطبقية. الماركسية بالنسبة لنا ليست ديناً نقوم بترويجه كي يزداد المؤمنون، او نشيعها بضرب السيف. الماركسية بالنسبة لنا راية حركة سياسية. انها حركة سياسية ينبغي ارسائها ووضعها في مكان محكم في المجتمع، بحيث ان يستمد الصراع الطبقي تاثيراً من هذه الحركة السياسية، وتحول الطبقة العاملة، اي طبقتنا، الطبقة التي هذه نظريتها وهذه حركتها، الى راية حركتها العريضة. لهذا، في منظومتنا الفكرية، النظرية وموضوعة الفكر بذاتهما يستلهمان من الصراع الطبقي، بوصفهما جزء من الصراع الطبقي، ولكنهما تنبثقان من الصراع الاجتماعي...
* * *
ان ماركس هو ماركس لماركسيته. لم يتلقى امراً من العمال بان يفكر بالطريقة الفلانية. ان الماركسية موجودة من تعقب تاريخ العقائد الفلسفية في اوربا الغربية والغرب اجمالاً من اليونان حتى اليوم. موجودة تحت تاثير الصراع الطبقي، بيد ان صراع الطبقة بذاته لم ياتي بماركس. عليك ان تتعقب تاريخ الافكار في المطاف الاخير.
بيد ان الماركسية بوسعها ان تنتصر بوصفها حركة سياسية، ليست كدين، ولا كمجموعة من الاحكام المفعمة بالحكمة والمنطق. بل بوصفها حركة سياسية تمضي نحو مقدمة المجتمع، ويقوم المجتمع باختيارها. ولذلك، فان الجذر العملي والممارساتي للشيوعية العمالية موجود هنا ايضا، ويبرز هنا كذلك. وذلك لانها ليست مهمتنا ان نوضح التاريخ، ونوضح المجتمع وينبغي للجماهير ان تبلغ حقانية هذا الكلام. وحتى لو كانت لديك حقانية، فانها لاتساوي شيء ان لم تتحول الى حركة سياسية بوسعها ان ترفع راية في الصراع الطبقي. عبر هذا السبيل، تغدو النظرية جماهيرية، وعبر هذا السبيل، تترك تاثيراً على التاريخ ومصير الانسان.
ان هذا يضعنا في تقليد سياسي وطبقي مختلف كلياً، مقارنة فرضاً بالطيف الروسي، الطيف التروتسكي، اليسار الجديد، او طيف الاوروكومنيزم ( الشيوعية الاوربية). حركتنا حركة تثقيفية في سياق سياسي فقط، وليس في سياق ديني، معنوي، فلسفي. نحن حركة سياسية، وان هذه سمة سياسية لحركة لماركس الذي موضوعته اساساً هي ان الصراع الطبقي هو صراع سياسي. ولايقصد بالنضال السياسي نضال تظاهرات واضرابات. يقول ان الصراع الطبقي هو صراع سياسي اساساً. انه ليس نضال علمي او نضال معنوي! نضال سياسي اساساً. ان الفرق والسمة الاساسية لحركتنا المنبثقة عن سمة تفسيرها الممارساتي والعملي للماركسية وفهمها لجوهر الماركسية هو انها تنظر لنفسها على انها سياسية قبل اي شيء اخر. ترى نفسها جزء من الصراع السياسي في المجتمع المعاصر. وليس هذا فقط، بل كاختيار سياسي بوسع البشرية ان تنتخبه في هذا الصراع، في مرحلة الانتقال من الراسمالية الى اي شيء اخر ياتي بعدها، تطرح نفسها امام الناس لاختيارها.
مثلما ذكرت، ان هذا هو تقليد لينيني برايي. يضعنا بصورة زاهية في وسط التقليد اللينيني للشيوعية، لا تقليد الاوروكومونيزم، ولا تقليد اليسار الجديد، ولا التقليد الستاليني، ولا التقليد التروتسكي، بل بالضبط في صلب التقليد اللينيني. تقليد متدخل وسياسي يسعى دوماً لطرح الشيوعية بوصفها اختيار اجتماعي امام المجتمع. وان سعيه لتاسيس حزب، لتوحيد اممية جديدة، لبناء معسكر جديد يمكن الدفاع عنه وارساء قطب نابع من نزعة التدخل السياسي هذه. ان هذا يعطينا تيار يختلف مع اناس ينظرون للشيوعية بوصفها مُثل "ينبغي حراستها والدفاع عنها".
مثلاً يقولون لنا "ماذا يحصل ان انهزمنا في روسيا، ولكن حرسنا مثلنا"! ولكن ليس ثمة فائدة ان انهزموا في روسيا، ولكن حرسوا المُثل. لان حراسة هذه المُثل وحمايتها، بالنسبة لتقليد ممارساتي وماركسية ممارساتية، بالنسبة لتقليد لينين، هي حراسة وحماية سياسية. ليست حراسة وحماية اخلاقية. لم يبقى اؤلئك الاشخاص الذين كانوا ماركسيين على قيد الحياة، رحلوا. لقد رحل مجمل اؤلئك الذين كانو اشتراكيين حتى عام ۱۹۴۵. اعتقد ان مارتوف كذلك رحل في اواخر ۱۹۶۵-۱۹۶۶.
الشيوعية ليست امراً ترثه لابنائك بوصفها عقيدة او دين تقيموا صلاتكم وتصوموا كلاهما او ثقافة لكم! اذا سميتم اولادكم "اميد"-امل- "بويا" –اسم فارسي يعني مفعم بالقوة والاقتدار للتغيير- او "مزدك"- شخصية تاريخية نظمت ثورة ونشر دينه- جَعَلتَ منه شيوعياً. ليست الشيوعية ثقافة ما. انها حركة سياسية. ينبغي طرحها كل لحظة امام المجتمع كي تكون موجودة. اذا لم تُطرح، لن تكن موجودة. انها ليست مكتباً فكرياً. ان هذه الرؤية والتفسير السياسي- الممارساتي للماركسية يفصلنا تماماً عن التفسيرات الفلسفية، الدينية، التثقيفية، الدعائية، المكتبية عن الشيوعية برايي. وبرايي، هنا بالضبط يعد كل من احكام الماركسية يتمتع باهمية مئات المرات عن اؤلئك الذين لا تتمتع الماركسية بالنسبة لهم بتلك الاولوية والفورية بوصفها اسلوب سياسي.
تفسيرنا للوعي والصراع الطبقي
الصراع طبقي. يختلف تفسيرنا للصراع الطبقي عن الكثيرين. لقد تم التعبير عن الصراع الطبقي في الشيوعية بعدة اشكال وتفاسير. اضيف له، في اغلب الاحيان، جرعة من الوعي! يبدو ان الصراع الطبقي صراعاً واعياً ضد الراسمال. ويطلقون على ذلك الصراع صراعاً طبقياً لانه يجري بالاخص تحت راية الاشتراكية! حين يتحدث ماركس في البيان الشيوعي عن الصراع الطبقي لايتحدث عن ذلك. يقول انه صراع دائمي. حتى انه يقول struggle، نحن وضعنا كلمة "نضال" بدلاً من تلك الكلمة. Struggle تعني صراع، حد من التضحية والسعي والتمرين. ان كلمة "صراع" هي افضل مرادف. انه صراع في المجتمع بين طبقات مختلفة. لقد كان موجود دوماً كذلك.
يتحدث ماركس عن كونه مستتراً بعض الاحيان، وبعض الاحيان سافراً. بعض الاحيان متنظم، والبعض الاخر لا ايضاَ. بيد انه صراع مستمر. ان سعي عمال معمل Rover في بريطانيا اليوم لانقاذ عملهم هو جزء من صراع طبقي. ان هذا الضغط الان ليس على فئة الادارة اليوم. السعي لزيادة الاجور، الحد الادنى للاجور، السعي لتقليص ساعات العمل هي جزء من الصراع الطبقي. السعي لان ياتوا ويبنوا مدرسة في المحلة او حديقة، عامل يسعى لتحسين وضع حياته هو جزء من الصراع الطبقي. النضال ضد الدين هو ايضاً جزء من الصراع الطبقي بالنسبة للبروليتاريا. النضال ضد العقائد الرجعية هو كذلك جزء من الصراع الطبقي. النضال من اجل ثقافة طليعية هو جزء من الصراع الطبقي كذلك. انه صراع متواصل في عمق المجتمع وحول المسائل المختلفة للمجتمع، يطلق عليه ماركس صراع طبقي.
وبالتالي، ان اي شيء يعد جزء من النضال الطبقي للعمال هو امر يمكن مناقشته، ولكن ليس هناك بان اي حدث يحدث هو جزء من صراع الطبقات مع بعض. ثمة نزاع حول الاموال، حول الممتلكات هناك نزاع، حول وسائل الانتاج، حول الرفاه، حول الامان، حول الجمال، حول تخصيص طاقة المجتمع. انه نزاع في المجتمع. تلاحظون انه حول كل مسالة، ثمة اناس هناك مقابلكم. احد تقتضي مصلحته شيء اخر. وحين تنظر للصراع الطبقي عموماً بين اناس يعملون، وعليهم ان يؤمنوا معيشتهم عبر بيع قوة عملهم، واناس يستخدموهم، فان هناك نزاع يلقي بضلاله ويصيغ كل شيء. من انتخابات المحافظة في لندن وصولاً الى اي شيء يدرسوه في الجامعات، او كيف توزع المزانية او ماذا تريد ان تقول الكنيسة المسيحية الان. يقف الصراع الطبقي خلفها جميعاً. بل حتى القرارات الداخلية للطبقة الحاكمة حول حياتها الخاصة، او اية معايير يدافعوا عنها او اي اخلاق تسود. الصراع الطبقي هو صراع متواصل، ويقول ماركس انه صراع حول السلطة دوماً، صراع سياسي.
لا نعتبر عنصر الوعي شرطاً في الصراع الطبقي. ذكرت، لدى البعض ان تكون اشتراكياً يعني ان يقول ان "الصراع البروليتاري صراع طبقي" مفترضين انه نضالاً ضد الراسمالية! ولكن ليس هذا تعريفنا للصراع الطبقي. ثمة جوانب لاحقة اخرى ما بين الصراع الطبقي الى حركة الشيوعية العمالية، ساتناولها. بيد ان احد الاوجه المحددَة لحركتنا هو اقرارنا بالوجود المستمر للصراع والنضال الطبقي. واذا نفكر ان هذا تيار يفهم العالم من زاوية ممارساتية، من زاوية التغيير، ستجدوا كم ان هذه الاطروحة حياتية بالنسبة له. ان اتوا وقالوا، وقد قالوا، "لايجري صراع طبقي"!، "اضمَحَل"!، "صراع طبقي او بروليتاري هو امر غير مطروح" الان! او "ساومت البروليتاريا البرجوازية"! يقولوا هذا ليسحبوا اسس عملنا.
اذا لم يكن الصراع الطبقي موجود، يمكن ادارة الوجه عن مجمل موضوعة الشيوعية العمالية. للشيوعية العمالية معنى بفرض وجود الصراع الطبقي. في حين ان دين الاسلام ليس كذلك، ليس الامر هكذا بالنسبة له. المسيحية كذلك، يكفي ان تكون قد ارتكبت معصية، حتى ياتي احد وفق زعمه لارشادك، ويصبغك بصبغته. بيد ان اساس الشيوعية العمالية يستند الى وجود الصراع الطبقي، وفرضه هو ان الصراع الطبقي موجود دوما. انه النبض الدائم للتاريخ ولايسعى لاضفاء طابع مثالي عليه او مسحة عقائدية.
كما لو ان تحطيم العمال للالات هو ليس جزءاً من الصراع الطبقي. في موضوعة الشيوعية العمالية، تحطيم الالات او الصراع ضد التكنولوجيا هو اسلوب تصطف الطبقات بوجه بعض. نقول ان الخط والنهج السائد على هذا القرار هو حركة سياسية تسود افكارها في هذه اللحظة على النضال الطبقي للعمال، هي حركة رجعية، قومية، متخلفة وغير ذلك. بيد ان هدف تحطيم المكائن هو صراع طبقة عاملة بالاجر مع اناس يستغلوهم هو امر لانشك به لحظة.
الصراع الطبقي وصلة الشيوعية العمالية بالحركات الاخرى
ساتحدث عن هذا لاحقاً، ان موقفنا في اماكن كثيرة يختلف فيما يخص الطبقة العاملة، النضال الاقتصادي، النقابات، الحركات الاخرى التي رغم اختلاف مُثلها واهدافها معنا، الا اننا نستطيع ان نتفهم وندرك علتها ومشكلتها. وهذا يوضح صلتنا بالحركات الاخرى. بوسع التروتسكيون والكثيرون غيرهم ان يقولوا:"الاتحادات العمالية فاسدة، وقادة الاتحادات خونة"! بوسعهم ان يقولوا هذا براحة بال. دون ان ينتبهوا الى ان الاتحادات، في المطاف الاخير، سواء اكانت فاسدة او غير فاسدة، هي سد دفاعي لهؤلاء الناس المحددين لهذه المرحلة وامام اصحاب العمل اؤلئك.
ان حركتنا، وفي الوقت الذي قد تقول ان الحركة النقابية هي حركة برجوازية انبثقت من اجل الطبقة العاملة، ولكن تفهم انها حركة برجوازية ارساها العمال للدفاع عن انفسهم، وهي في المطاف الاخير للدفاع عن مطاليبهم. بعد هذا نقول ان هناك صلة ما بين علاقتنا بالحركات الاخرى داخل الطبقة وكذلك صلتنا بالحركات "من اجل تحسين اوضاع العالم". ان اتى شخص ما، في زاوية من زوايا العالم، رافعاً مطلب مساواة المراة والرجل والدفاع عن حقوق الاطفال، وطالما اننا نعتقد ان هذا جزء من البلاتفورم والبرنامج الطبقي للطبقة العاملة، نقر بقيمة هذا. ليس مهماً ان لم ياتي ويقسم باغلظ الايمان بماركس وانجلز. في الوقت الذي لا يحسب لك حساب شخص يساري راديكالي قح، وقد تكون درّست ابنه مادة الرياضيات قبل ۱۵ عام، وكنت معلما جيداً وسعيت الى تعليم اطفال الناس الرياضيات بصورة جيدة وصحيحة، الا اذا امنت بالخط المسلح استراتيجية وتكتيك على السواء! او ان تتحدث بلاشك "ينبغي دحر المطلقات الثلاثة" او عليك ان تقول ، على سبيل الافتراض، "حصار المدينة عبر الريف"، (مقولات اليسار الايراني في وقتها-م) والا فلا يعتبرك جزء من حركة تحرر المجتمع!
ولان الشيوعية العمالية تنظر بهذه الطريقة، وترى الانسانية، وتناضل بمجمل الادوات التي بايديها وبالوعي الذي تمتلكه، تفهم اية ميول حقيقة تقف خلف هذه الشعارات، وان هذه الصيغ رايات متنوعة رفعتها البشرية، ولماذا حقيقة ان بعض تلك الحركات "تعود لنا"والان خلف تلك الراية. وبالتالي، يغير صلتنا بالاحزاب، الحركات، الاقسام والرايات المختلفة.
كتب احدهم "الفاشية والقومية والدين هي اشكال انحرافية لاحتجاج البروليتاريا|!" كتبت له ان الامر ليس كذلك. انها اشكال برجوازية من اجل قولبة الحركات الاحتجاجية العمالية. لايطلق العامل من داخله الدين. لايطلق العامل نفسه القومية من داخله. ولايطلق الاصلاحية من داخله، ولكن العامل وبصورة عفوية يريد ان يخرج من هذا الوضع غير المناسب. القومية، الدين والاصلاحية هي رؤى، تصورات وحركات سياسية اخذها اناس مثلي ومثلك وطرحوها امام المجتمع كي يتمكنوا، عبرها، من جعل الجماهير تنطق بكلامهم. اذا سحبت هذه الحركات، لايبقى للمجتمع شيء يقوله. ولكن عبر الدين، القومية، الاصلاحية وعبر الليبرالية، يسعون بقول ما يعتمر قلبهم.
ان هذه الرؤية بالضبط هي ما تضع على عاتقنا مهمة. ساتناول هذا في موضوعة الحزب والمجتمع. مهمة ان نذهب انفسنا لطرحها للمجتمع بوصفها خيار واقعي جنب بقية الحركات. ومثلما يمكن اختيار الليبرالي، او الاصلاحية والبرلمانية والقومية بوصفها سبل احتجاج بوجه امريكا، او بوصفها اسلوب احتجاج بوجه الامبريالية مثلا، يمكن اختيار الشيوعية العمالية كذلك بوصفها اسلوب للاحتجاج بوجه الاوضاع غير اللائقة للحياة في البلدان التابعة للامبريالية.
لايمكن ان توجهوا اللوم للعالم وذلك لعدم حضوركم وتواجدكم. اذا لم تكن حاضراً كحركة سياسية، وبالتالي تنضم الجماهير الى حركتك الشيوعية، ليس بوسعك توجيه اللوم لهم وتتسائل لماذا انضموا الى الحركة الفيمنستية، او لماذا انضم الى الحركة القومية كي يشكو علته. انها حركات سياسية تحركت قبلي وقبلكم ومضت نحو الميدان وانتخبوها وقنونت حاجات الجماهير. نتحلى بالامكانية لرؤية ما خلف ذلك ونقول ان ما خلف هذه يمكن رؤية ميول طبقات اجتماعية اساسية، واذا وفرتم لانفسكم هذه الاهلية بوصفكم حركة سياسية تمضي لوسط الميدان، عندها لن يقتفوا خطى النزعة القومية الكردية، سياتون خلف الحركة الشيوعية. وقد جرى هذا ايضاً. اذا اعليت راية شيوعية في مكان ما، لقال اناس كثر اعتقدوا سابقاً بلى! سيأتي ويلتحق اناس كثر كانوا يتطلعون من تعميق راديكالية النزعة القومية بلوغ قضيتهم، لينخرطوا براحة بال كاعضاء في الحركة الشيوعية.
على اية حال، ما وددت قوله ان الصراع الطبقي محرك التاريخ، وكان موجود دائماً. بيد ان اي شكل تتخذه حركة الطبقة العاملة من قالب سياسي وايديولوجي، لا يبين وجود او عدم وجود الصراع الطبقي. بل يبين ويشير الى اية حركات سياسية تمكنت من ترسيخ نفسها في ساحة صراع الطبقات، وموجودة بوصفها اطار وخيار سياسي للطبقة العاملة.
منهجنا: اللينينية
تحدثت لحد الان عن المنهجية. ان منهجيتنا هي منهجية سياسية متدخلة وفعالة، وربما تكون اللينينية برايي افضل وصف لنا. وذلك لان لينين، وبمعزل عن تجربة الاتحاد السوفيتي ومسالة هبة كرنشتات و"بناء الاشتراكية في بلد واحد"، واذا نناقش لينين قبل استلام السلطة، تعد اللينينية مَعلَم الجانب العملي والممارساتي للشيوعية. تدلل على صلة الشيوعية بالتدخل في الحياة المادية والموضوعية لعصرها. تبين الاقرار بامكانية الانتصار. ان لينين اثبت امكانية الشيوعية امام موضوعة حتمية الشيوعية. قال: ان ذلك امر ممكن. تحدث الجميع في الاممية الثانية عن حتميتها، انها منشودة، سامية وغيرها. اتى لينين وتحدث عن لينينية الشيوعية برايي، ومضى نحو امكانية تحقيقها. حتى انه سعى نفسه لتبيان امكانية تحقيقها. وعلى هذا الاساس، تتوسد موضوعة الشيوعية العمالية التقليد اللينيني. لا شان لي بمواضيعهم حول العلاقات الحزبية الداخلية والبناء الاشتراكي. اني اتحدث عن المنهجية، منهجيتنا لينينية اساساً. ان تعبير لينين عن ماركس هو اقرب تعبير وتفسير للماركسية عند ماركس. اي لو راى ماركس لاحقاً كيف وضّحَ اتباعه كلامه، بين كاوتسكي وبرنشتين ولينين ولوكسمبورغ وغيرهم، لقال ان لينين من فهم كلامي على وجه الدقة، وفهم موضوعة المادية التاريخية بصورة صائبة. واننا لنعتقد اننا نتخذ مكاننا في هذا التقليد، وليس في تقليد الحتمية، تقليد نزعة المراقب الخارجي والمدرسي عن الاشتراكية. اننا في صلب تقليد ممارساتي-ثوري للشيوعية، ونعتقد ان هذا يوضح جوهر الماركسية. لقد كان هذا منهجنا، منهج التدخل سياسي، ولكن ماهو نقدنا؟
نقدنا للمجتمع الراسمالي
يختلف نقدنا للراسمالية عن نقد البعض. قد يكن البعض تعاطفاً مع نقدنا هذا، بيد ان اساس احتجاجهم على الراسمالية هو شيء اخر. ان نقدنا للراسمالية هو نقدنا للاساس الاستغلالي للراسمالية، للعمل الماجور والى وضعية ان لا يكون مناص للانسان من بيع قوة عمله، ومن الجهة الاخرى، يواجه محصول عمله في السوق وتراكم الراسمال امامه.
ان هذا هو ليس النقد الوحيد للشيوعيين على الراسمالية. ولكن قد يبدوا ذلك الان بديهياً بالنسبة لكم، لان الكثيرين منا يعرف من قديم تقليد الشيوعية العمالية. بيد انه ثمة "شيوعيين" يشكون من تخلف الراسمالية، واعلوا راية ضد تخلف الراسمالية في بلدهم. كانو "شيوعيون" (اتحدث عن شيوعيين في ... كيومه، حركات "شيوعية" للطبقات الاخرى) سعوا الى تبني سبيل تطور غير راسمالي "لا راسمالي-لا اشتراكي". اشتراكيون سعوا الى التخفيف من الجوانب غير الانسانية للراسمالية. كانوا جميعاً كذلك.
الشيوعية العمالية تيار يقول: ياسيد! ان احتجاجنا على العمل المأجور وليس على المرحلة الاخيرة من الرأسمالية او الامبريالية. ان نقدنا واحتجاجنا على الراسمالية نفسها. لان بعض الشيوعيين ذا احتجاج على دخول الراسمالية لعصر الامبريالية، ولديهم احتجاج على الجانب الامبريالي للراسمالية في بلدهم. ان الحركة الشيوعية العمالية هذه محتجة على الراسمالية في بريطانيا وفرنسا، وليس الراسمالية في الفلبين فقط او الراسمالية في مصر فقط! واذا تحولت (الرأسمالية) الى فرنسا المتقدمة، نكون قد بلغنا غايتنا! لدينا احتجاج على الراسمالية بالنموذج السويدي كذلك، لان احتجاجنا على الراسمالية. وذلك (احتجاجنا) بالضبط على ان ينهض الانسان من النوم ويذهب للعمل، ويبيع قوته الجسمية وقدراته وابداعاته الى جماعة تجلس في الطرف الاخر، وتمنحك شيئا باسم نقد لتشتري به قسم من نتاج عملك الذي خرج من باب اخر من اجل مواصلة حياتك. اننا لانقبل بهذا.
برايي ان هذا اساس مصائب البشرية اليوم. وذلك لان الذي يدفعون هذا الاجر من هذا الطرف، يشكلون جيش كذلك من الطرف الاخر، يبنون سجون، وذلك لانك تقوم بعصيان وتريد اكثر. من ذلك الطرف يقوم بتمييز عرقي، يقسموا البشر على اساس الجنس، على اساس المتروبول والمستعمرة، صناعي وفلاحي وحضري وريفي. ان مجمل الواقع الكريه للراسمالية المعاصرة يستند الى الظاهرة الاساسية التي مفادها ان المجتمع تقسم الى اناس يذهب جمع منهم للعمل عند جمع اخر. ولسبب يمكن فهمه رهنوا وسائل الانتاج ولايمكن ان تمضي جماعياً لتقرر وتعمل، انه خاص بصاحب العمل. وطبقاً للتعريف الذي قام به، فان ثمرة منتوج عملك يعود الى ذلك الذي جلب وسيلة العمل، وليس العمل. ولهذا فان اي سلعة تم جمعها في المساء في ميدان العمل تعود لصاحب العمل. تخرج، تستلم اجرك، وتمضي غدا لتشتري قسم من المنتج من بائع هو قسم اخر من الطبقة ذاتها. لنا احتجاج على هذا.
هل تعرف لماذا ان تناول هذه المسالة مهم؟ وذلك لانكم حين تكونوا في السلطة، ستغيروا الشيء ذاته الذي تحتجوا عليه. ولكن حين يكون امرء في السلطة لا يغير شيء ليس له اعتراض عليه. ان امرءاً محتجاً على عدم اتساق وتجانس الراسمالية، حين ياتي للسلطة يقوم باتساقها وتجانسها. ان امر محتج على فوضى الراسمالية، حين ياتي للسلطة يبرمجها. ان امرء محتج على تخلف الراسمالية، يسعى الى تطورها. ولكن امرء يحتج على الراسمالية ذاتها، لابد ان يسعى لقلب الراسمالية ذاتها. من هذه الزاوية، ان هذا الانتقاد هو ليس مسابقة ذكاء كي يكشف من ينتقد الراسمالية افضل! بل ان اي نقد تطرحه على المجتمع القائم، يقول لك اي شيء تغيره ان استلمت السلطة.
اي اي شخص ياتي بوصفه حركة سياسية، يغير الشيء ذاته الذي لايريده. ولهذا فان محورية هذا المفهوم بالنسبة لنا هو لانه يصيغ هويتنا. اذا اتينا للسلطة، وانتصرت حركة الطبقة العاملة في ظل راية الشيوعية العمالية، عندها سنمد ايادينا لعلاقات الملكية ونستاصل وضعية ان هناك جمع هو ملّاك وسائل الانتاج، ملّاك الارض، ملّاك المعمل، ملّاك وسائل النقل، ملّاك الجو، الجو ملكهم كذلك. أ لاحظتم ان ليس للعالم شوارع، كلها بيوت، جعلوه كله بيوت؟ اذا خرجت من بيتك، تضع اقدامك في الدار المجاور. الان اذا اندلعت النار في بيتك الحقيقي، تهرع للشارع، ولكن في عالمنا المعاصر، اذا ضرب الحرب والقحط بيتك، تهرع للبيت المجاور ليس هناك شوارع، كلها وثقوها وها باسمائهم. بالاخير، يطلقون عليك كلمة لاجيء. لايمكنك ان تقول كلا عزيزي! لست لاجئاً، اني تركت ذلك المكان الذي هو يبعد خطوة واحدة عن محرقة، هناك كانوا ينوون قتلي، هرعت للشارع. مثلما اذا اندلعت النار في منزلك، تهرع الى الشارع. ولكن للاسف لم يبقوا شارع يكون لنا جميعا، احتكرتوا الجزر كذلك، الجو يعود لهم. بل حتى وبمعنى ما احتلوا الوقت كذلك، حددوه مسبقاً كذلك، تكون بعد ولادتك مع والديك، وبعد ستة اعوام تذهب الى مكان اسمه مدرسة، بعدها تذهب للجامعة، ومن ثم الى سوق العمل، واذا لم تذهب للجامعة، ويخرجوك من المدرسة، تذهب الى سوق العمل، الى العمل، وبعدها تتقاعد وتموت.
لقد رتبوها لك. لقد رتبوا وصاغوا مسار حياة الانسان المعاصر. لايعيش نمر، خنفساء بهذه الطريقة. لايمكن لك ان تضمن ان حين تاتي خنفساء الى عالمنا تبقى هناك وتطوي المسارات التي حُدِدَت لها. لكن الانسان يقوم بهذا. لقد وضعوا قصة الحياة بقبضتهم وجُمِدَت، انها تعود لهم. وانتم اميال ساعة تعيشون في هذه الاجواء وفي هذا المسار الزمني الذي حددوه لكم.
الا تريد تغيير هذا؟ في هذه الحالة، ليس خطكم ورايتكم شيوعية عمالية برأيي. يمكن ان يكون خطكم ورايتكم اشتراكية ديمقراطية، ليبرالية، ممكن ان تكونوا اناس جيدين جدا. ممكن ان تكونوا فابيين، ممكن ان تكونوا اي شيء، بيد ان الشيوعية العمالية تنشد تغيير هذه الظاهرة. تنشد ان تنتزع الزمان والمكان والوجود والمادة من ايدي الطبقة الحاكمة، ان تكون ملك الجميع. يمكن المضي جماعياً وتقرروا بعون بعضكم البعض ماذا تعملون، واذا لا تريد ان تعمل ايضاً. في الحقيقة ان احد اوجه الشيوعية، وهو الامر الذي لا يرد على ذهن احد ليقوله، هو اذا لا تريد ان تعمل، بوسعك ان لاتعمل.
مثلما ان من الممكن الافتراض بان ليس ثمة امرء لا يجلس طوال عمره على الارض، وينهض ويمضي. برايي، يمكن افتراض ان ترقى البشرية لتبدع، يمكن افتراض ان البشرية تنهض لتبحث، يمكن الافتراض ان الانسان فضولي. لانه قبل ضغط صاحب العمل، يتعلم الابن اللغة، ويشرع باللعب مع محيطيه. وبالتالي، ارسيت الشيوعية على فرض حياة الانسان، ليس بوسع اي قانون ان يجبر احد على العمل، مثلما لايقول احد لاخر ان عليك ان تتنفس! لانه يفترض مقدماً ان الطرف الاخر يريد ان يتنفس. بيد ان ذاك الذي ينوي ان يبدع، ان يكشف صدره وان ينال كل شيء يعتقد المجتمع الراسمالي انه يمكن تأمين هذا عبر الحد الادنى للاجور، الاجبار على العمل، قانون ضمان البطالة وتقليص الضمانات الاجتماعية. في المجتمع الاشتراكي، يقول الانسان ان هذه وضعية معطاة للانسان، واذا رفعت يدك عنه، يذهب، يعمل ليبدع وينظم الانتاج.
ان نقدنا للراسمالية هنا، برايي، هو نقد على الجوهر الاساسي للتقسيم الطبقي، العمل الماجور والملكية الخاصة، مثلما راى ماركس الامر. وعليه، نعتقد اننا نظرنا بصورة صحيحة لماركس، وعبرنا عن رواية دقيقة لماركس، اذ اننا نعتقد بوجوب انهاء عمر الراسمالية. اي استئصال العمل الماجور، ينبغي ان يزول النقد والملكية الخاصة. ان تكون الملكية اشتراكية.
لا نقبل بالسوق، بالاضافة الى الدولة. العمل الماجور بالاضافة الى البرنامج ليس امراً مقبولا عندنا. ماذا يعني ذلك؟! عمل ماجور ولكن اقتصاد مبرمج! لايزال لا يلبي شيء. يبين ان يد الراسماليين في احدهما، فيما يبين الاخر فقط ان مرجع ما اخذ على عاتقه دور الراسماليين براينا. لا يكشف عن اختلاف في عمل وحياة ذلك العامل في روسيا، في ان هذا عامل غير ماجور. بل بوصفه مواطن وصاحب حق وصاحب حصة في المجتمع، وبمجرد ان اتى الى الحياة بوسعه ان يذهب ويشارك بالنشاطات القائمة. ان نقدنا حاسم براينا.
توضيح الشيوعية العمالية لصلة البنى التحتية والبنى السياسية.
ثمة موضوعة اخرى تميزنا، من الناحية النظرية، ضمناً، وهي موضوعة صلة البنى التحتية الاقتصادية بالبنى الفوقية والثقافية والسياسية. ومرة اخرى، ثمة اتهامات تطلق علينا نحن الشيوعيين وهي ان من الواضح ان الاقتصاد يحدد السياسة، ويحدد الثقافة، وثمة حتمية على صعيد عرضي هنا ايضاً. ومثلما قالت الرفيقة أعظم (كم كويان) "إذا كان اقتصاد طرف ما برجوازياً صغيراً، إذا كان برجوازياً صغيراً، سيكون حزبه على هذا النحو، سيكون رأيه السياسي هكذا أيضاً، وتكون ثقافته تكون هكذا ايضاً"!
نقر بدور للإنسان. ولنا تفسير وتصور اخر للجانب الحاسم للاقتصاد او البنى الفوقية. في هذا التصور، فإن الصراع النظري-الصراع السياسي، كل هذه لها مكانها، اي انها مادية بقدر الاقتصاد. يوضح ماركس بصورة جلية جداً في مقدمة نقد الاقتصاد السياسي الصلة ما بين البنى التحتية والفوقية. كيف ان الناس، وعبر تعقب ميولهم، يحققون وينفذون القوانين الاساسية للمجتمع. على سبيل المثال، كيف ان محو الدين او اضعاف الهرمية الدينية، وهما حاجة المجتمع الرأسمالي، يحدثان عبر الصراع الفكري لجمع من الناس الذين لا يؤمنون بالدين مع الأشخاص الدينيين. لا أحد يتصل هاتفياً ليقول: مرحباً. هنا الاقتصاد ويقول ينبغي محو الدين، وعلى الدين ان يمحى بعد ذلك! لا يمثل أحد ما الاقتصاد، ولا يمثل أحد البنى التحتية. انكم ممثلو عقائدكم، ولكن بالجدال الذي تقوموا به، تنفذون القوانين الاساسية للمجتمع. إذا بلغ المجتمع انتاج سلعي معمم، غدا رأسماليا، وحلت الصناعة، ومن الجلي عندها ان يتداعى المجتمع الاقطاعي، وتضعف دعامة الدين وسنده، يتقوى العلم، وتغدو التقنية مهمة. عندها يبلغ احساس الانسان انه ربما لا يكون هناك رب، ربما يكون كل ما يقولوه كذباً. ويفهموا الطابع المكبل للدين، ويمضي في موضوعه. ان ذلك الصراع العقائدي هو جزء من التاريخ المادي ايضاً. ناهيك عن كونه حياتياً. (حياتي است بجاى خودش۱). الصراع السياسي، الصراع حول الافكار كلها اجزاء لا تتجزأ من التاريخ والحياة المادية للإنسان. ولهذا، فإننا نقر كثيراً بهذا الجانب من الوجود الانساني. وحتميتنا ظاهرة تضعف هنا كذلك.
ولكن في المطاف الاخير، تشير نقطة هنا الينا. وهي ان خلف مجمل هذه الصراعات النظرية، السياسية، الثقافية، حول الجمال، الفن، العدل، القانون، الانصاف، وكل شيء، نرى طابع تقسيم المجتمع الى طبقات. لا نقر بعلم وفن وقانون وسياسية وافكار ما وراء هذا التضاد الطبقي. لا نؤمن بدولة، او احزاب سياسية، او قانون او عدل او انصاف بوصفها ظواهر ما فوق طبقية. اننا نراها بوصفها ظواهر تتناسب مع الوقائع الاقتصادية والسياسية والطبقية التي خلفها.
ان هذا يكشف لنا مسالة الا وهي: ان حكمنا على هذه الظواهر هو حكم معاصر، حكم بوصفها ظواهر معاصرة. إذا نظرت الى برنامج الحزب الشيوعي العمالي، بوسعه ان يكون مصدراً للكثير من الاسئلة. لماذا نقول البغاء حصيلة الرأسمالية، في حين ان تاريخ المجتمع يقول انها أقدم مهنة في العالم؟ بمعنى أقدم مهنة بالأجر في العالم. لماذا نقول ان التمييز العرقي حصيلة الرأسمالية والرأسمالية اساس المصائب، وان اساس مصائب الانسان هي الرأسمالية، في الوقت الذي يعتبر التمييز العرقي فيه عقيدة قديمة في ذات الانسان، اتى مع تاريخه؟ لماذا نعتبر ظلم المرأة وانعدام حقوق الطفل كذلك ظواهر مسببها الرأسمالية، في الوقت الذي هي قديم بقدم تاريخ الانسان. وذلك لسبب بسيط اننا لا نرى البنى الفوقية السياسية للمجتمع ثابتة وجامدة ومجمدة. انها ليست لوحة علقت في مكان ما مرة واحدة، ظلم المرأة، الدين ظواهر يعاد انتاجها. وإذا يعاد انتاج شيء ما اليوم، فانه ينبغي ان يجد خاصيته واستخدامه على اساس الصراع الاجتماعي الطبقي المعاصر.
لاحظوا! ان الكثير من الاشياء قد انقرضت لأنها تتعارض مع الرأسمالية، وهي اقوى من الكثير من اشياء اخرى. على سبيل المثال، في المجتمع نفسه، موضوعة الحرية الجنسية. لقد انهزمت المعايير الفكتورية، الانسان يتمتع بحريات من الناحية الجنسية قد لم يفكر بها قبل مئة عام (على الاقل النساء، لان الرجال على كل حال كانوا يقومون بما يريدون بصورة سرية). اخيراً، انطرحت المسالة. لماذا حدث هذا؟ وذلك لان هذا الخضوع وهذه القيود المكبلة لا تتناسب مع الرأسمالية. تحرر الانسان، يمضي للسوق ليعمل، يؤجر بيته، ويستلم اجره كذلك. ليس تابعاً لاحد، وليس من المقرر ان يتخذ معاييراً من أحد. ان تلك الفتاة او الفتى الذي ينبغي على عائلته اطعامه او يرث ارض والده، يتوجب عليه ان يطأطأ الراس للمعايير الاخلاقية للأخر ايضاً. اقطع سلسلة مراتب الارث والميراث، يكون الشخص عنصراً مستقلاً ومنفرد في المجتمع، ويتخذ قراراته. وتضعف هذه المعايير بالتالي.
ولكن لماذا لا يضعف الاسلام؟ يتعارض الاسلام بالدرجة ذاتها مع الرأسمالية والتطور. اذن، لماذا؟ وذلك لأنه يناسب أحداً ما في المجتمع المعاصر. الاسلام الراهن هو ليس الاسلام المحمدي، والكنيسة المعاصرة ليست كنيسة المسيح، وليست كنيسة ما يسمى المريدين اللاحقين. العنصرية العرقية اليوم هي ليست عرقية ما قبل ثلاثمئة عام. انها ظواهر عصرية. الدين ظاهرة راهنة. وهو ينفع ويلائم أحداً ما اليوم، ويعاد انتاجه اليوم في إطار الصراع الطبقي الراهن ويجد هناك مكان له. ان لهذه الرؤية مكانة مهمة في موضوعاتنا، وذلك كي نتمكن من تعريف وتحديد صلتنا بهذه الظواهر بصورة سياسية. وهي كيف يمكن النضال ضد الاسلام؟ بالنسبة لشخص ما بوسعه ان يقول: سيدي المحترم! أ عليك ان تصرح بعقائدك وتنشرها ام تهاجم عقائد الناس؟! حسناً، ان مجتمع إيران قبل ثلاثين عاماً كان أكثر تحررية (لا اقول الان ان هناك ردة فعل قوية ضد الدين) منه قبل ۱۰ اعوام، ومن عام ۱۹۷۹. كان مجتمع إيران عام ۱۹۵۰ أكثر غربية ومناهضة للدين من مجتمع إيران في ۱۹۷۵، بعد شريعتي والسيدة كاتوزيان وامثالهم.
ولهذا ليس الموضوع مسالة تثقيف، بل مسالة القدرة الاجتماعية لهذه الظواهر، وموضوعة نجاعتها وسعيها للتطابق مع صراع الطبقات وميزتها للمجتمع الراهن. ولهذا، فان اشياء مثل القومية، الدين، الليبرالية، التمييز على أساس الجنس، العنصرية، الشوفينية والذكورية وغيرها، بالنسبة لنا، ليست ظواهر اتت من ذات الانسان او حصيلة تاريخ الانسان. نعم! انها حصيلة تاريخ الانسان، كل شيء حتى الملابس التي نرتديها عليها صبغة الملابس التي ارتديناها في التاريخ. بيد انها اليوم سلعة تنتج وتباع، ولأننا نشتريها، فانهم ينتجوها اليوم ويبيعوها. ان هذا يوفر لنا الفرصة لنرى الطبقة الحاكمة التي خلفها. ان الدين وامثاله ظواهر راهنة. انه يسمح لنا برؤية الطبقة الحاكمة التي خلفها، لا الطبقات الهامشية، ولا التواريخ المزيفة التي يدونوها لنا.
ولهذا، ترون ان نضالكم ضد الدين، نضالكم ضد الشوفينية، ضد التمييز الجنسي والعنصرية وهو جزء من نضالكم العام ضد الرأسمالية. ان هذا يوفر لكم استراتيجيات اخرى في النضال السياسي اليومي وفي المجتمع وفي تحالفاتكم وفي دعاياتكم. وإذا تنظر لها على انها ظواهر تاريخية وقديمة، لا توفر لك استراتيجية. لا اعرف هل تتذكرون موضوعة التحريض-عملية تدريجية (على مراحل، تدريجي-م) لحميد تقوائي ام لا؟ كان لدينا ذلك البحث منذ زمن، فقلنا اذهبوا! قوموا بالدعاية لرسالتكم وما تريدون قوله، قوم
وا بالدعاية ضد الدين! قالوا لا! انها عقائد الناس وغير ذلك!
في هذه الموضوعة، ليس ثمة شيء اسمه معتقد الناس. كيف وضعت الجماهير الكثير من الاشياء التي كانت تعتقد بها جانباً، ولكنها لا تستطيع وضع هذا جانباً؟ قرر أحد ما ان يسمع عبر الموجة القصيرة لإذاعة BBC، ولكنه ليس على استعداد لان يرفع تسلطه عن اخته في البيت؟ لماذا؟ لماذا حقوق المرأة في البيت ادنى، غير أن نفس هذا الشخص يغير القنوات التلفزيونية بجهاز التحكم عن بعد، ويرى هل الاوضاع تختلف في امريكا؟ لماذا لا يتخلى عن تلك العقيدة؟
انها ليست معتقدات الناس، إنها معتقدات جلبتها حركات سياسية في المجتمع، وتفيد أحد ما. ان هذه تبين بالضبط اختلافنا، وإذا تتمعن بالأمور، يتبين اختلافنا الجدي مع اليسار في ميدان التكتيك. لماذا هم مكبلين بالدين؟ لماذا لا يرحمون أحداً؟ لماذا يسيرون عكس التيار لهذا الحد؟ لماذا يتعاملون بشكل عديم الرحمة مع هذه التعصبات؟ ولماذا يشنون حرباً كانها حربهم الاخيرة على الاخرين؟
وذلك لأننا نعتبرها اسلحة المجتمع الرأسمالي، وليست معتقدات الجماهير او الذكريات البالية للإنسان. ان شخصاً رجولي النزعة في المجتمع هو برأيي يمد يد العون للإخضاع الطبقي. ينبغي ان نقول هذا له. بغض النظر عن ماذا تكون عليه مكانة هذه النزعة في الحياة الشخصية لاحد ما او ما هي عليه حياة ذلك الشخص الذي يعاني التمييز، فان عدائنا لها هو انعكاس لعدائنا لمجمل المجتمع القائم.
ولهذا، ان ما يطلق عليه "تخلف ثوري" هو ليس من مفاهيمنا. في ذهننا، ليس هناك "تخلف طليعي" و"تخلف ثوري"، "تخلف شعبي"، "تعصبات بروليتارية"، "رجعية طليعية"! الرجعية بالنسبة لنا رجعية، وإذا كان شيء ما رجعي، فانه يعود للطبقة الرجعية في عصرنا. يعاد انتاجها، والا إذا سحبت يدك من دعم الدين، إذا تُخلي البرجوازية ظهر الدين، سيستأصل جذوره من الكرة الارضية. وذلك نظرا لسعة القوى التي حشدت وتجمعت ضده، ومدى ما يُكن من سخط عليه، ولكنك ستتجابه بعوائق التربية والتعليم، الاعلام، الجيش، المحاكم والسجون. قالت جهة ما في بنغلادش كلمة واحدة، بعدها، اجبرت تسليمة نسرين على ترك حياتها، والذهاب لزاوية اخرى في شمال اوروبا لتعيش. وذلك لأنها واجهت شيخ ما في المحلة، يقول لقد اهانت عقائد الناس! ولكن لم يكن الامر كذلك. لأنها وجهت ضربة لمصالح هذا الشخص في الشارع، تجعل حصته من الإمامة تحت طائلة السؤال. تجعل حكومة بنغلادش تحت طائلة السؤال، وتجعل سلطة هذا النوع من الرأسمالية الضعيفة والهشة الحاكمة هناك تحت طائلة السؤال. تجعل الرأسمالية في حلقتها الضعيفة تحت طائلة السؤال بصورة تامة.
ما اود قوله هو ان البعض لا يفهم لماذا تساورنا مشاعر الارتياح الى هذا الحد، ولماذا الحزب الشيوعي العمالي متطرف الى هذا الحد ضد اشكال التخلف والعصبيات. وذلك لأننا بنفس الدرجة التي نكون فيها متطرفين ضد مجمل الطبقة البرجوازية واحزاب الطبقات الحاكمة، فإننا متطرفون بالقدر ذاته ضد ادواتها الجانبية كذلك.
القسم الخامس ۴۷ دقيقة
بديلنا الاجتماعي والاقتصادي والسياسي
لقد تحدثنا فيما يخص منهجنا ونقدنا للمجتمع القائم، منهجنا في النشاط السياسي ومنهجنا اجمالاً في تفسير الماركسية وكذلك فيما يخص نقدنا للمجتمع الرأسمالي. ان جزءاً آخر من هويتنا، من الناحية العقائدية، هو موضوعة البديل الذي نطرحه، وهو يرتبط مباشرة بموضوعة النقد التي تحدثنا عنها. ولهذا، لا أسهب بها كي نتمكن من اللحاق بنقاط اخرى.
ان البديل الاجتماعي-الاقتصادي والسياسي الذي نطرحه ذو صلة مباشرة بانتقادنا للمجتمع القائم. ان الشيء الذي ننشد تغييره سنغيره وفق ذلك النقد الذي لدينا. ولهذا، فان الاشتراكية وفق تصورنا مرتبطة مباشرة بإلغاء العمل المأجور، الغاء الملكية الخاصة وارساء مجتمع ليس فيه تقسيم طبقي. ان هذا يختلف عن الاقتصاد المدار من قبل الدولة، يختلف عن الاقتصاد المخطط، ويختلف عن دولة الرفاه. بوسع كل واحدة من هذه ان تكون موضوع المحتوى الاقتصادي للاشتراكيات المتنوعة. ان المجتمع الذي نطرحه واشتراكيتنا يختلفان عن هذه الاشكال.
صيغة اساسية في موضوعنا هي نفس الشيء الذي تعرفوه جميعاً دون شك، ألا وهي صيغة "من كل حسب قدرته، ولكل حسب حاجاته". اننا نؤمن بإمكانية تطبيق هذه الصيغة وتحقيقها في المجتمع. لا ينبغي تطبيقها فحسب، بل يمكن تطبيقها الان، وليس لدينا برنامج اقتصادي غير هذا. وأصل الان الى مقولة المساومة في الصراع السياسي، حتى المساومة كدولة. من الممكن لدولة عمالية ان تساوم في أحد الاشياء، بيد ان البرنامج الاقتصادي للشيوعية العمالية لمجتمع "من كل حسب قدرته، ولكل حسب حاجاته" ونعتقد ان هذا في العالم الراهن هو امراً عملياً وذلك لمستوى التطور الفني والعلمي والانتاجي للعالم المعاصر. لا نعتبر ذلك امنية، ولهذا، نعتبره امراً نصّر عليه اليوم فوراً. نعتقد ان الاشتراكية هي امر عملي الان، وان هذا أحد سماتنا المميزة لنا. وان تلك التيارات التي، من اجل جعل الاشتراكية عملية يرون عليهم أن يعدلوها او يحيلوها اجمالاً الى زمان ابعد. {....}
ولهذا، فان هناك شيئين لا مكان لهما في منظومتنا الفكرية، أحدهما نظرية المراحل. لا نعتقد باشتراكية نظرية المراحل للوصول، مرحلة اولى، مرحلة ثانية، مرحلة تطور قوى الانتاج تحت إطار غير اشتراكي وغير ذلك. او مرحلة اولية للاشتراكية، مرحلة ثانوية للاشتراكية. نحن نؤمن ان بالإمكان تنظيم العالم وفق شعار ماركس ذاته. وثانياً، لا نؤمن بنظرية المراحل. اي بالشكل الذي يطرحه بعض اليسار: هل انه عصر هذا العمل ام ليس بعصره. هل هو عصر التحولات الاشتراكية؟ هل هو عصر الثورة البروليتارية؟ وغير ذلك.
أيّاً كان من طرحها، فان نظرية المراحل كانت عادة مبرراً لتأخير المهام الاشتراكية لليسار، المهام الاشتراكية للشيوعيين. اذ يقولون المرحلة تقتضي الان، على سبيل المثال، طرد القوى التقدمية للإمبريالية. انه ليس عصر الثورة البروليتارية، بل عصر الثورة البرجوازية الديمقراطية. ان ما نؤمن به هو إن كان هذا العصر عصر شيء ما، فانه عصر الثورة الاشتراكية وعصر التنظيم الاشتراكي للمجتمع. (إني اتناول هذه المسالة على عجلة، واذا اقتضى الامر، ان نسهب في اي نقطة نريد اذا توفر لدينا الوقت).
الدولة وديكتاتورية البروليتاريا
ان موضوعاً اخر هو موضوعة الدولة. تفكك موضوعة ديكتاتورية البروليتاريا التيارات الاشتراكية المختلفة. اناس يعيدون النظر في هذا المفهوم، واناس يعطون تفسيرات مختلفة له. أ نقر بديكتاتورية البروليتاريا ام لا؟ ماذا يحل بهذه الصيغة اجمالاً؟ لان الكثير من اليساريين وضعوها جانباً. حين يُطرح شعار ديكتاتورية البروليتاريا هذه، وحين تأتي في الادبيات الماركسية كلمة "ديكتاتورية"، اي ليس بالمعنى الذي تحمله اليوم، اي حكومة نظامية. ديكتاتورية تستخدم حتى بمعنى حكومة. بمعنى ان هناك حكم وهناك ارادة تُملى. وان موضوعة ماركس والماركسيين حول ديكتاتورية البروليتاريا كانت تتمثل بان المجتمع هو طبقي باي حال من الاحوال. حتى في أكثر الحكومات الغربية ليبرالية، يتم تسيير برنامج اجتماعي واقتصادي وافق سياسي لطبقات معينة. لا تصوتون كل مرة حول مصير المجتمع. حين تجري انتخابات ما بين الاشتراكيين الديمقراطيين والمحافظين، فإنك تحدد في إطار ما ديكتاتورية محددة ما يُطلق عليها القوة التنفيذية ومؤسساتها. بيد أنك لا تغير بالأساس هذه السلطة، سلطة تستند الى السوق، تستند الى الملكية الخاصة، اصالة المنافسة والفردية. لم تكن الاشتراكية يوماً ما جزء من موضوعات موضع نقاش في مجتمع بريطانيا، المانيا، كندا او امريكا. لم تكن الملكية العامة والاشتراكية في يوم من الايام موضوعة انتخابية لذلك اليوم. تجري الانتخابات في إطار الملكية الفردية.
وعليه، إذا كنت تقبل بان المجتمع يستند الى اساس الملكية الفردية لوسائل الانتاج والملكية الخاصة على وسائل الانتاج، إذا كنت تقبل بان المجتمع يفترض بداهة وجود الجيش، المحاكم، السجون. إذا كنت تفترض بان دستور ذلك البلد على سبيل المثال يضفي القدسية هذه على الملكية، او يقر بالمكانة الفلانية للاتحادات مثلاً، او يعطي الشرعية للأجور ويستند حتى المجتمع الى اساس الاجر، عندها فان ديكتاتورية معينة تُمارس بغض النظر عن اجراء انتخابات من عدمه. انها ديكتاتورية البرجوازية التي تمارس، وان يكن بصورة وعبر طريق البرلمان.
ان ديكتاتورية البروليتاريا هي بمعنى ديكتاتورية بروليتاريا كذلك لأنها تضع برنامج اقتصادي لطبقة اخرى اساساً للمجتمع. تسعى لإلغاء الملكية الخاصة، تسعى لجعل الانتاج الاجتماعي على عاتق مجمل افراد المجتمع، تسعى لمحو الاجور، لحذف مقولة النقد، تسعى لمبدأ لكل حسب حاجته، ولكن يمكن ان يجري هذا عبر الانتخابات المجالسية، وكل فرد له حق الراي والتصويت. كل شخص عضو مجلس مدينته ومحل سكناه ويرشح نفسه في ألف مكان ومكان، ويشارك في ألف انتخابات وانتخابات كذلك، وفي الحكومة العمالية وفي دكتاتورية البروليتاريا للجميع حق الراي والتصويت وان يكونوا اعضاء وممثلين في المجالس المختلفة، بيد ان هذا لا يقلل من امر ان هذه هي ديكتاتورية طبقة باي حال من الاحوال. ديكتاتورية طبقة بمعنى ان برنامج عمل وبديل اجتماعي طبقة محددة هو ما يتم اجراؤه.
وللسبب ذاته، يمكن استبدال الديكتاتورية البروليتارية بالديكتاتورية البرجوازية كذلك عبر ثورة مضادة، وليس عبر الانتخابات. ان السبيل الوحيد عملياً لكي يكون بوسعك في بريطانيا، على سبيل المثال، تحويل الغاء الملكية الخاصة الى موضوع تبدي الجماهير رأيها فيه هو تجاوز وتخطي العملية البرلمانية. لا يتعلق الامر بعنف ولاعنف عملية سياسية. يتمثل الموضوع بهل هناك برلمان ام لا؟ لا تواجه قط في إطار النظام البرلماني بمسالة "الاشتراكية: نعم ام لا؟" وتذهب لتبدي رأيك وتصوت. ولكن في مجتمع بريطانيا ايضاً، ومن اجل ان تقوم الجماهير بتثبيت الاشتراكية، عليها ان تمضي ابعد من البرلمان، وتقوم بعمل ما خارج البنية السياسية القائمة.
ان الامر لهو كذلك في المجتمع الاشتراكي. طالما لم يأتِ أحد لمحوها، فأنها ديكتاتورية البروليتاريا.، سأتناول دون شك مقولة زوال الدولة، لا تعني في اقصاها "الديكتاتورية بالمعنى اليومي للكلمة" التي يجري الحديث عنها في الصحف كحكومات بوليسية ونظامية. ديكتاتورية ليست بمعنى الغاء الحقوق المدنية للإنسان او التضييق عليها! على العكس من ذلك، تصون ديكتاتورية البروليتاريا تلك الحقوق المدنية للإنسان في المجتمع بدرجات أكبر، وتوفر فرصة أكبر للأفراد للتدخل. خذوا بنظر الاعتبار الحركة المجالسية وقارنوها بالنظام البرلماني. في النظام الانتخابي، يذهب بحدود ۴۰٪ الى ۶۰٪ من الناس كل اربعة او خمسة سنوات ليدلوا بانتخابات من يوم واحد. في هذا البلد، كل شخص يحصل على اصوات بصورة نسبية أكثر، يصبح مندوباً. اي أحدهما ۳۰٪، والاخر ۲۰٪، وغيره ۴۰٪، الـ ۴۰٪ من الـ ۴۰٪ يحدد من هو محافظ او نائب تلك المدينة. يشارك فقط ۴۰٪ في الانتخابات، يعطي ۴۰٪ منهم صوتهم لحزب العمال الجديد، وهم يكونوا ممثلي المدينة فقط بـ ۲۴٪ من الاصوات.
ان هذا هو النظام القائم الان. ان النظام المجالسي يستند الى انكم يومياً اعضاء في مجلس منطقتكم ومحلتكم، ترشحون انفسكم لاي منصب، من المحتمل ان الانتخابات التي يشارك بها فرد ما في اربعة اعوام هي أكثر بخمسين ضعف من الانتخابات التي على الفرد ان يشارك بها في النظام البرلماني. بالإضافة الى ذلك، انه متدخل من اليوم الاول في البنية السياسية. ان ذلك المجلس هو قوة تشريعية وتنفيذية على السواء. ولهذا، فان موضوعة ديكتاتورية البروليتاريا لا تتعلق بموضوعة التصويت او الحقوق المدنية، بل بموضوعة الافق والبرنامج الاجتماعي لاي طبقة، الذي يعد هو الاساس، واستناداً الى اي برنامج اجتماعي يتم اتخاذ القرار.
ولهذا نعد هذا الشعار شعارنا. ولكن، وبالضبط، نظراً لكون تصور الجماهير للديكتاتورية اختلف عما كان عليه قبل مئة وخمسين عام، وحين تقول للجماهير ديكتاتورية، يراود ذهنها بينوشيت، او الشاه او ماركوس او حكومة إيران، تحدثنا في برنامجنا عن "الحكومة العمالية التي اطلق عليها ديكتاتورية البروليتاريا في الادبيات الشيوعية .... وبهذا المعنى ندافع عنها كذلك".
ما اود قوله ان ليس لدينا تعصباً حول الصيغة، بل يتعلق تعصبنا بمحتوى الموضوعة المطروحة هنا والتي هي: ان كل حكومة هي طبقية، كل حكومة هي نوع من الديكتاتورية، وغياب الديكتاتورية يعني زوال الدولة، لا بمعنى الدولة البرلمانية. وبالأخص ان هذا البلد ديكتاتوري جداً. ففي هذا البلد، بريطانيا، الديكتاتورية تنضح. إذا كنت لا تتفق مع رئيس حزب، لا تستطيع ان تقدم نفسك كمرشح لعضوية البرلمان، واذا لم تكن لديك اموال محددة في حسابك الثابت، ليس بوسعك ان ترشح نفسك لعضوية البرلمان ايضاً. وإذا لم يقسم ممثل "شين فين" بأغلظ الايمان بالوفاء للملكة، لا يفسحوا له المجال للدخول للبرلمان كذلك، ناهيك عن مدى كون القرارات تتخذ في البرلمان نفسه اساساً، فهذا بحث اخر.
وبالأمس فقط في هذا البلد، قامت شركة BMW، بعد عام من المفاوضات السرية مع شركة أخرى تريد الاستيلاء على شركة Rove وبيع آلاتها، بالإعلان فجأة للعمال وللحكومة نفسها أن المصنع سيغلق غدا. فما هو شكل الديكتاتورية اذن؟ دولة هي نفسها منتخبة! ومن الواضح ان جماهير بريطانيا لا خبر ولا علم لها ببرلمانها، وهو (اي الاطلاع على مداولات البرلمان-م) امر سهل. كقاعدة، ينبغي ان تكون حكومتها على اطلاع، لا علم لها بان BMW تبيع Rover، ويلتحق ۵۰ ألف عامل بالبطالة. ان لهذا معنى عملي عند اناس هذا البلد. ۵۰ ألف عامل يُرسل نحو البطالة في المنطقة، يعني فرض ركود تام في تلك المنطقة. سيُدمر من الطب الى خفض الجريمة، من موضوعة السكن الى كل شيء هناك.
ليس للبرلمان حتى دور وتدخل في قرار كهذا يخص مصير منطقة واسعة في البلد. لماذا؟ لان الموضوع يتعلق بالاقتصاد، إطار ذلك الاقتصاد هو الملكية، ملكية رأسمال BMW، إذا شاء باعة وإذا لم يشأ لن يقوم بالبيع. ان لم تكن هذه ديكتاتورية، فماهي اذن؟ انا وأنتم و۵۰ ألف عامل في Rover ليس لنا اي دور يذكر في القرار حول هذه القوى الانتاجية في المنطقة. تقوم بالإغلاق وتمضي لعملها. ان هذه هي مكانة ديكتاتورية البروليتاريا عندنا.
هل تعني ديكتاتورية البروليتاريا ان العمال فقط من يحكمون؟ ليس الامر كذلك قط برأيي. مثلما قلت لماذا تُستخدم ديكتاتورية البروليتاريا؟ وذلك لقمع طبقة تعارض هذه الظواهر. اي قمع تلك الطبقة (البرجوازية) ذات ذاك الافق قد قمعت. مثلما ان حرمان الطبقة العاملة من التدخل السياسي لا يعني حرمان العمال من التصويت. في ذلك المجتمع، بوسع كل شخص ان يذهب ويدلي بصوته، ويشترك في المجالس. ان الامر الذي تُوظَف الديكتاتورية ضده هو المقاومة التي قد تندلع من المدافعين عن الملكية الخاصة. وان دور تلك الدولة هو اخضاع تلك الطبقة، إذا كانت البرجوازية، فالبرجوازية ظاهرة عالمية كذلك.
"مجالس" العمل المباشر للجماهير اساس هوية الشيوعية العمالية
على اية حال، ان الحكومة العمالية هي ليست حكومة العمال فقط. يكشفون اياديهم المتشققة كي يصوتوا، وإذا لم يكشفوا ويبينوا ذلك، فليس لهم حق التصويت. على العكس، انها حكومة كل الجماهير، وكل الجماهير تشارك في العملية السياسية وتتمتع بحق متساو. ان هذا هو تصوري على الاقل. ان حزبنا هو ايضاً حزب يستند الى الحركة المجالسية ويدافع عن الحركة المجالسية، وهذا ما ورد في أديباتنا بوضوح، فلا حاجة لتوضيحه هنا. ان أحد اسس هوية الشيوعية العمالية هو موضوعة المجلس والعمل المباشر لعدد كبير من الجماهير. ينبغي على الجماهير نفسها ان تتدخل في ميدان المشاركة في تحديد مصيرها. وليس لانتخاب ممثل واحالة السياسة الى ممثلين مكان في منظومتنا الفكرية. على كل شخص ان يكون متدخلاً يومياً في حياته السياسية.
ثمة مقولات اخرى فيما يخص الدولة موجودة في بحث الدولة في المراحل الثورية، في مجلة "بسوى سوسياليزم" (صوب الاشتراكية) (اعتقد العدد الثاني من الدورة الجديدة)، وهناك تفسير هو دخيل علينا برأينا. وقد يكون امرأ مثيراً التطرق له بالنسبة لرؤيتنا، خصوصاً بالنظر لأوضاع ايران. تتمثل الموضوعة ان الماركسيين تحدثوا عن ان الدولة هي دولة طبقات، وكل دولة هي دولة طبقة وتناغم اقتصاد معين. وبالتالي، فان ديكتاتورية البروليتاريا تتناسب مع الغاء الملكية الخاصة وغير ذلك.
ان ما ناقشناه في "الدولة في المراحل الثورية" هو ان الدولة اداة صراع طبقي مثل بقية الادوات، وبالأخص في المراحل الثورية. ان الدولة، وقبل ان تبين اي طبقة حاكمة، قد تبين اية طبقة تريد ان تكون حاكمة. ولهذا، بوسع الدولة ان تكون اداة تُنتزع السلطة عبرها، وليس العكس. لأنه اذا انتزعت السلطة، تذهب لتكون في الدولة.
ولهذا فإن موضوعة استلام السلطة السياسية ووضع اليد على الة الدولة او اعادة هيكلة آلة الدولة او الوقوف بمكان الدولة هو لحظة في الصراع الطبقي. ولا يعني ذلك بالضرورة أنك انتصرت. فليس معلوماً تقريباً ماذا كانت الدولة البلشفية بين عام ۱۹۱۷ حتى عام ۱۹۲۰. أ كانت دولة بلشفية؟ ربما ما كانت ديكتاتورية البروليتاريا الروسية، او على الاقل بالمعنى الخاص للكلمة، ديكتاتورية بروليتاريا. وذلك لأنها تلبي متطلبات تلك المرحلة للطبقة العاملة وصراعها الطبقي، ولكن لم يكن هناك تنظيم مجالسي للمجتمع. التنظيم المجالسي لم يكن سلطة، اداة للحرب والصراع. مثلما هو الحال مع الجيش الاحمر بوصفه اداة للحرب، بوسع الدولة العمالية في المرحلة الثورية ان تتمتع بدور طرد طرف ما من الساحة، طرد معارضي الثورة من الميدان.
وبهذا المعنى، فان اناساً، وبالأخص أولئك الذين يوجهون نقداً عديم الاساس لموضوعة السلطة السياسية (التي سأبلغها الان) ويعتبروها غير ماركسية، لا يأخذون بنظر الاعتبار انه ينبغي دفع الصراع الطبقي للأخير. لا يعطون الدرجات لاحد في وسطه، وبعدها يقولون ان هؤلاء حلوا ثانياً في الصراع الطبقي. على الصراع الطبقي، في المطاف الاخير، حسب قول ماركس ولينين، ان يبلغ خاتمته المنطقية، وهي انتزاع السلطة السياسية من قبل طبقة تقوم بهذا الصراع. وهنا تطرح مقولة الدولة.
ان شيوعية لا تمضي لمسالة الدولة، ولا تنشد ان تمسك بمقبض الدولة، او ان تصورها لموضوعة الدولة والسلطة السياسية هو تصور نابع من الكتب فقط، هي برأيي لا تنسجم مع تقليدنا. في لحظة ما تنفض مجمل الزخارف والرتوش عن الدولة وتتحول الى اداة اخرى للحرب. ان تكون الدولة بيدك في الحرب الداخلية يكون دورها ان تخصص الميزانية وتنظم حربك على القوى المسلحة للطرف الاخر، وكذلك في تنظيم الانتاج، والاهم من هذا في اعلان قوانين البلد. إذا لم تضع يدك على مقبض الدولة، فان مطلبك يبقى مطلباً. إذا الدولة بيدك، يصبح مطلبك قانوناً. وان اختلاف المطلب عن القانون، الذي هو نفسه طلب اتى بصيغة قانون، هو اختلاف كبير من زاوية الصلة بالجماهير.
ولهذا فان مكانة الدولة، بوصفها اداة تمضي عبرها في الصراع الطبقي، في الوقت الذي مصير السلطة ليس واضحاً على المدى البعيد هي قضية مطروحة بالنسبة لنا. نسيطر على الدولة كي نحوّل قوانيننا الى نمط المجتمع، عندها تكون الطبقة المقابلة مجبرة على ان تتجابه مع القوانين. يتعلق الموضوع بقانونية الشيوعية، حول تحويل الشيوعية ومطالبها الى قانون للبلد. اسمحوا لي أن أضرب لكم مثالا ألا وهو موضوع الحجاب. قضية تحريم الحجاب (ولنترك الآن حجاب الأطفال جانبا) أثارها رضا شاه، وأعرب الكثيرون عن عدم رضاهم تجاهها بالقول لماذا ينزع الحجاب قسراً عن الناس؟
الفرق بين من يقول إن على النساء عدم ارتداء الحجاب على رؤوسهن وبين من يقول إن الحجاب غير قانوني هو أنه إذا لم تقاوم، فهذا هو العرف السائد في البلد. وبالتالي، انا الجالس في البيت او تلك المرأة الجالسة في البيت والتي لا تملك الجرأة جراء تخويف العائلة وملالي المحلة لها، ان تزيل حجابها، بالاستناد الى: اخي! تقول الدولة إذا ارتديت الحجاب، لا أستطيع الخروج من المنزل. ان هذا العُرف يمد يد العون للقوى غير الفاعلة في المجتمع، قوى تميل الى ذلك، ولكن ليس لديها القدرة على النزال حول هذا الامر، ان تتحول الى قوة ذلك القانون وذلك المطلب. وان الشخص الذي يريد تغييره، يكون مجبراً على اتخاذ موقف نشط جداً لكي يقلبه ويعكسه. الان الوضع بالشكل التالي: الحجاب اجباري، وانا وأنتم الذين نريد الحصول على إذن عدم ارتداء الحجاب، علينا ان نشن صراعنا مع الدولة، والمحاكم، والسجون وجيوشهم. في اوضاع مغايرة لها، عليه ان يشن صراعه مع الدولة والمحاكم والقانون. وذلك لان هناك تغيير جدي في تناسب القوى.
وبالتالي، ان تحويل الطلب الى قانون، من زاوية ومن موقع سلطة الدولة، يتمتع بمكانة اساسية في الحركة السياسية، والجميع يريد ان يقوم بهذا. ليس هناك أحد، من القوميين والليبراليين الى دعاة حقوق الانسان والخضر (حزب البيئة) وغيرهم، لا تتعجبوا اذا ارادوا تغيير القوانيين لمصلحتهم، ويريدون ان يمضوا الى رئاسة وزراء او الحكومة لتغيير القانون، قبل ان يطلبوا راي احد حوله. اذهب لأقول هذا هو القانون، قف على جهة، القانون قانوني. اذهب انت واحتج.
ان هذه العملية حاسمة بالنسبة لنا. نحن لا ننظر الى الدولة بالضرورة بوصفها تنظيماً مجالسياً للمجتمع ومنظمة مجالسية لاتخاذ القرار، بل مكان ما بوصفه اداة لتغيير ميزان القوى. وبالأخص في المراحل الثورية والتي لم تحسم مسالة السلطة السياسية بعد، والسلطة بعدها في الشارع. واي طرف يقبض على الدولة، واي طرف بوسعه ان يتحدث بوصفه دولة، حتى ولو لخمسة ايام، يتغير ميزان القوى الى حد كبير لصالحه. على اية حال، أدعوكم للاطلاع على بحث "الدولة في المراحل الثورية"، ان جزءاً من رؤيتنا هو موضوعة السلطة السياسية. كما طرحت هذه المواضيع في تفسيرنا للمسالة السوفيتية. وسأتناول لاحقاً موضوع الاتحاد السوفيتي. حيث يرتبط الامر كثيراً بموضوعة الدولة على وجه الخصوص.
زوال الدولة تحت السلطة السياسية للشيوعية العمالية
ما وددت الاشارة اليه هو ان على الدولة، وفق تصورنا، ان تزول، على اية حال. اذ نعتقد فعلاً بان بوسع الدولة، بوصفها مؤسسة سياسية، ان تزول. ان لا تتحول الدولة، في هذه الحالة، شيئاً فشيئاً الى "حامي قسر القانون "! يمكن ان يزول ذلك الجانب من الدولة (المؤسسة السياسية)، وبوسع ذلك الجانب ان يبقى في مكانه وعلى حاله، اي جانب مؤسسة مركزية تتشكل من نوع من هيكلية مواطني المجتمع أنفسهم لاتخاذ القرار الخاص بالاقتصاد والانتاج والجوانب الاجتماعية. وذلك لان الجماهير تحتاج في المطاف الاخير الى تنظيم لاتخاذ القرار الجمعي. ولكن بوسع الدولة ان تزول بمثابة مؤسسة سياسية تقوم بفرض قسر على جمع ما، وان اي دولة هي، في المطاف الاخير، اداة لفرض شيء ما على طرف ما، وفي النظرية الماركسية، ينبغي ان تزول الدولة. السؤال المطروح هو يمكن القيام بهذا ام لا؟
انه لأمر عملي ان بحثنا الامر في إطار مجرد، في بلد ما. ولكن عالمنا المعاصر، حيث توجد دول متعددة، وان بيد البرجوازية، على اية حال، في اي مرحلة ۹۹٪ من هذه الدول، وان السلطة السياسية هي ليست امر متعلق ببلد واحد، يدفع بمسالة "كم سيستغرق الأمر حتى تسير الدولة البروليتارية نحو الزوال في حين ان العالم مليء بالقوى البرجوازية التي تمتلك حتى اسلحة نووية؟" نحو الغموض.
برأيي ان هذه مسالة ذات قيمة. لم يتم حسم هذا الامر في تقليدنا، ينبغي مناقشته، ينبغي ايجاد سبيل حله. ان هذا هو السبب الوحيد الذي يمكن تصوره، في الإطار الفكري للشيوعية العمالية، ان تديم الدولة بقائها في إطار ما. ولكن مَعلَمنا هو، ومثلما تحدثنا عن ذلك قبل ۲۰-۳۰ عام كذلك، ينبغي ان تكون الدولة البروليتارية والدولة التي اساسها البروليتاريا أكثر الدول حرية في العالم. برأينا، لا يمكن تبرير الاستبداد والاعتقالات والقسر بمبررات عالمية. ان أفضل سبيل لمقاومة الحملات البرجوازية العالمية هو وجود بلد يتمتع بذاك الحد من الحرية والتحرر بحيث يشمئز العالم من شن هجوم عليه.
اي ان سبيل مقاومة هجمة عالمية على الشيوعية العمالية في إيران هو ان يكون المجتمع منفتح، حر ومتساوي بحيث ترى جماهير العالم بأم أعينها ان دعاية البرجوازية ضدها هي كذب، وترى بوضوح ان هذا ليس ببلد تشن عليه هجمة. اورد مثال كوبا ايضاً، حيث ان كوبا برأيي تقع خارج سيطرة امريكا، ومر وقت طويل منذ توقف الاتحاد السوفيتي عن دعمها ومساندتها إذ ما عاد الاتحاد السوفيتي موجوداً، ولكن ذلك يبين بدرجة ان الجماهير متدخلة في هذه الظاهرة، ورفاه الجماهير هو أحد الاسس الاساسية لهذه الحكومة، بيوت تبنى، ويتم استئصال الامية في المجتمع، بلد متمدن، بوسعك ان تمضي لتراه ان شئت. وبوسع اي انسان في اوروبا ان يركب طائرة ويسافر الى كوبا ويراها، وبهذه الدرجة تمكنت من مقاومة امريكا. فلو كانت مجتمعاً مغلقاً مثل بلغاريا، لكانت قد وقعت منذ زمن طويل بيد عصابات الكونترا الخاصة بها. ونتيجة لذلك، فإن الانفتاح، والتقدم، وهذا الوضوح في تقدمية للمجتمع، يجعل أي شخص في العواصم الأوروبية يعرف أنه لا يمكن مهاجمة إيران الحزب الشيوعي العمالي، لأن إيران حينها مجتمع مفتوح وحر وذو تواصل ثقافي مع بقية العالم، حيث يرى الجميع ما هي حقوق الناس هناك.
واعتقد إذا وضعتم راية برنامج "عالم أفضل" بنظر الاعتبار، واعلنتم عشية الثورة ان الطبقة العاملة اتت للسلطة، وهذه هي قوانينها، من مثل، الغاء عقوبة الاعدام فإن ذلك سيدفع الهجوم العسكري لأمريكا على ايران الاشتراكية ستة اشهر الى الوراء. سيقولون انهم الغوا تواً عقوبة الاعدام، أعلنوا مساواة المرأة والرجل، جعلوا الطب والصحة مجانيين، وجعلوا التربية والتعليم مجانيين، فصلوا الدين عن الدولة، فهل تريد ان تذهب وتشن هجمة هناك؟! اذهب وشن حملة على السعودية! برأيي ان بوسع هذه الحالة ان تكون على هذا النحو. اي في تقليدنا السياسي، لا تنبع السلطة من القمع، بل ان السلطة تنبع في الواقع من مدى تدخل الجماهير في مصيرها وانفتاح المجتمع. ان ديكتاتورية البروليتاريا في الإطار الذي نصوره هي مجتمع منفتح وعصري الى ابعد الحدود، وليس في هذا اي منافاة مع ديكتاتوريته وبروليتاريته.
ما اود قوله: على اية حال، ان لوحة الاوضاع السياسية، والنظام السياسي الذي في ظله اتت طبقة للميدان براية الحزب الشيوعي العمالي هو مجتمع منفتح الى ابعد الحدود بحيث يجلس المثقفون في فرنسا، السويد وامريكا ويسهبوا في تمجيده. مثلما هو الحال مع قسم كبير من مثقفي اوروبا الغربية، حيث يتحدث بتمجيد لثورة كوبا. فيما يخص الثورة الايرانية ايضاً، بوسعهم ان يتحدثوا عنها بهذا الإطار. امام انظار الجماهير، وليس هناك معالم قمع. إذا اراد مجتمع عمالي ان يكون مغلقاً، يكون قد أعلن حكم موته برايي. ولن يبلغ اهدافه ولن يكون بوسعه الدفاع عن نفسه. ان قدرة مثل هذا المجتمع تكمن في تدخل الجماهير وانفتاحه.
توضيح الشيوعية العمالية لصلة الاصلاحات والثورة
صلة الاصلاحات بالثورة هي ركن اساسي لهويتنا
هناك نقطة اخرى هي مرة اخرى سمة مميزة بشكل جدي لتفكيرنا ألا وهي العلاقة التي نقيمها بين الثورة والاصلاحات. ربما لا يخطر ببالكم او تعودتم على ادبيات الشيوعية العمالية او لا يرد في بالكم اي مشكلة جدية للشيوعية الراديكالية التي ما قبلنا، او الشيوعية الراديكالية لاماكن اخرى في العالم الان، مع مقولة الاصلاحات. تحتاج لراديكاليتها كثيراَ كي تثبت ان الاصلاحات في الكثير من الامكنة غير ممكنة، او خداع، جوفاء، او تحرف الجماهير او تفسدها. اطلع الكثيرون منكم وعرف تيارات يسارية تعبر عن هذه المسائل بهذا الشكل. اعتقد اننا التيار الوحيد الذي لا ينبذ ضرورة الاصلاحات، بل وأقمنا علاقة جادة بين الاصلاحات والثورة، واننا جزء نشط من القوى المدافعة عن الاصلاحات في المجتمعات. اي ان زيادة الاجور وتصحيح القوانين هو امر مفيد برأينا.
ما اود ان اقوله هو انه قد يبدوا بديهياً جدا بالنسبة لكم ان يأتي أحد ما يسعى ان يثبت: نعم ايها السيد، ان تحسين اوضاع الناس عمل جيد! ولكن ينبغي ان نضع في الحسبان ان اليسار واليسار الراديكالي، ومنذ زمن، ابتعد عن هذه الظاهرة، ولم يبدِ اهتماماً وصلةً بها، وليس متدخلاً بها على وجه الخصوص. اي ان الحركة من اجل تحسين اوضاع الجماهير، من اجل تقسيم الاراضي الى تصحيح المناهج الدراسية، الى مجانية الصحة، الى الدفاع عن حقوق المرأة تركت اغلبها الى ايدي المصلحين الاجتماعيين للطبقات العليا. ولم تبين الحركات الشيوعية، بالمعنى الخاص للكلمة، لنضع جانباً الان الشيوعيين الموالين للروس، الحركات الشيوعية الراديكالية عن صلة ما بها. بالأخص الشيوعيات المدرسية. من المقرر ان تحل الثورة، وتبين عدم قيمة والطابع المنحرف لمقولة الاصلاحات. لا يفكر حزبنا على هذه الشاكلة. لا تنطلق الشيوعية العمالية من مدرسة ما، بل من الوقائع الاجتماعية الطبقية. حيث ان الانسانية بمكانتها ووضعها الاجتماعي منطلق لها بالضبط، والاصلاحات جزء لا يتجزأ من سياستها ومن فهمها.
ينبغي تحسين أوضاع الناس
ان احدى اطروحاتنا الاساسية هي بالضبط ان ذلك الامر الذي يقرب العامل من الثورة هو رفاهه، وليس مشقاته. يعتقد الكثيرون ان كلما يكون العمال أكثر حرمانا، يُدفعون للثورة، الامر على العكس، وفق تفكيرنا. كلما كان العامل مرفها أكثر، وكان أكثر مكانة واحتراماً من الناحية الاقتصادية والاجتماعية، كلما أصبحت الثورة الاشتراكية أقرب. اننا نقر بصلة جدية ما بين الاصلاحات والثورة. وكلما تسير الحركة نحو اوضاع أكثر ثورية، يتم الدفع بالنضال من اجل الاصلاحات للأمام أكثر وأكثر. وذلك لأنك تتعقب الاصلاحات، ولكن ليس افقك الاجتماعي بالضرورة اصلاحياً. بوسع القوة الثورية ان تكون قوة مستقلة وقائمة بذاتها للنضال من اجل الاصلاحات، تدافع عن الاصلاحات، وتقول أفقها كذلك، وتتحدث عن بديلها ايضاً. وان هذا الشيء الذي اعتقده السمة المحددة الاساسية لخطنا، حركتنا وفكرنا خلال السنوات العشرين الاخيرة.
ان من جملة ذلك اصلاحات سياسية واوضاع اجتماعية. بالنسبة للمجاهدين، اذ كسب خاتمي اصواتاً أكثر، عليهم ان يمضوا لرمي متفجرات أكثر حتى يتم إخراج هذه العملية عن مسارها، برأيهم! في مرحلة، كان الفدائيون يقولون: اصاب عمال المكان الفلاني الفساد، لديهم تلفاز! انهم غريبون عن الشيوعية والماركسية. ليسوا مع شيوعيتنا وماركسيتنا، بل مع الشيوعية والماركسية. لأننا واثقون أن هذه ليست ماركسية. الماركسية هي الشيء الذي نقوله، ونتحدث به، وان المطالب التي في نهاية البيان الشيوعي نفسها هي دليله كذلك. اذهب واقرأ ماركس وانظر لماذا يدافع ماركس عن ثمان ساعات. في البيان الشيوعي، هناك ثمانية الى عشرة مطالب اصلاحية.
ولهذا، فان صلة الاصلاحات والثورة بالنسبة لنا هي ركن اساسي لهويتنا. لا يمكن لناشط حركة الشيوعية العمالية ان لا يكون ناشط حركة تحسين اوضاع الجماهير. سواء أ كان تحسين اوضاع الطبقة العاملة على الصعيد الاقتصادي او النضال من اجل رفاه الجماهير ام على الصعيد السياسي. انه لأمرٌ معروفٌ اننا لا نحب ان يأتي جنرال ما في مكان ما ليقوم بانقلاب على النظام البرلماني. إذا تصدينا لهذه الحركة او قمنا بإدانة هذه الحركة، هل يعني ذلك دفاعنا عن النظام البرلماني؟ كلا! بالنسبة لتلك المدارس نعم، وهي انها ترى تناقضاً بينهما. في منظومتنا نقول، بطريقة اولى، يعمل الحزب من اجل التحرر التام للإنسان، ولا نرضى باي محدوديات على جزء من حرياته ايضاً، واننا قوة جدية مناضلة من اجل الاصلاحات.
حركات انهاء التمييز هو امر مستقل لحركة الشيوعية العمالية
كذلك الحال مع الحركات الداعية لأنهاء التمييز، اذ اننا نشاطرها المصلحة. لا نشاطرها المصلحة فحسب، بل نعتبر أنفسنا حجراً اساسياً فيها. ان الشيء الذي يميزنا في هذه المسالة هو اننا لا نحتاج، من اجل الاصلاحات، الى التحول الى مساعد سائق الطبقات الاخرى في تلك الحركة. بوسع حركة الشيوعية العمالية نفسها وبصورة مستقلة ان ترفع راية التحولات الاصلاحية في المجتمع. حين تنشد تحرر المرأة، ليست هناك ضرورة لان تكون حليف الحركة الفيمنستية. اوحين تنشد حل المسالة القومية، تكون حليف الحركة القومية، وحين تكون هناك مسالة الحقوق المدنية، تمضي خلف راية الديمقراطية الليبرالية، وتقوم فقط بإقراض الاخرين قوتك. ان النضال من اجل الحريات المدنية، حرية التنظيم، حرية الدين، حرية الملبس نفسها امر مستقل لهذه الحركة، وذلك لأننا لم نفصل في اي وقت ما هاتين المسالتين، لأنه لا يمكن فصلهما على الصعيد الاجتماعي.
المسالة ليست كما لو انه هناك طبقة ما تنشد الثورة، وطبقة اخرى تنشد الاصلاحات. انها الطبقة التي تنشد الثورة هي نفسها الطبقة التي تنشد الاصلاحات. لأنها تعيش. وأنكم لا تدوسون على امر ثورتكم وذلك جراء الامر اليومي وتحسين اوضاع حياة الجماهير. وجراء ثوريتك لا يغيب عن بالك كذلك ان ثلاثة تومانات (التومان: عملة ايرانية-م) هي اكثر من تومانين. ان قدرة شرائية اعلى هي أفضل من قدرة شرائية ادنى، وان حرية التعبير هي افضل من غياب حرية التعبير.
انها لمشكلة ان يطلق علينا هذا اليسار المدرسي، (إطلاق كلمة مدرسي عليهم ليس بأمر حسن، لانهم ليسوا مدرسيين بقدرنا ايضاً)، يسار راديكالي فئوي، اسم اشتراكيين ديمقراطيين. انه لأمر معروفٌ ما يتحدث عنه برنامجنا، اذ ينشد الغاء العمل المأجور، وينشد الاطاحة بالجمهورية الاسلامية. وفي اليوم الذي يأتي فيه للسلطة، سيعلن هذه بوصفها قوانين البلد. ولأننا مدافعين عن تقليل ساعات العمل وضمان البطالة وحقوق الاطفال، يعتقد الطرف الاخر اننا خرجنا من التقليد الشيوعي. هم يفكرون هكذا بالضبط، ويوضحون ويفسرون الامر بالضبط على هذا النحو. لماذا؟! لأنهم يدافعون عن الحقوق المدنية للجماهير! انها نقطة ينبغي الانتباه لها برأيي. يمكن ان تكون عنواناً مستقلاً، ان تكون موضوع كتاب، ويمكن ان تكون موضوع ندوات مستقلة حول الجوانب المختلفة لكيف تخلى الشيوعيون عن النضال من اجل اصلاحات، وكيف سلّموا راية الاصلاحات ليد الطبقات والفئات الاخرى، وما هو اختلاف الدعوة البروليتارية للإصلاحات عن الاصلاحية البرجوازية و....
ومثلما اننا حركة من اجل الثورة الاجتماعية، فإننا كذلك حركة من اجل اصلاح الاوضاع القائمة لصالح الجماهير، ولصالح الاقسام المحرومة، وذلك لأننا نعتبر ان كلاهما يستندان الى بعض. ونعتقد كلما تحسنت اوضاع العمال والجماهير المحرومة، يتقوى استعدادهم لاستئصال جذور هذا المجتمع أكثر، وكلما تقوت الحركة الثورية في المجتمع، تتراجع البرجوازية اسرع واسرع وتُسَلّم بأمر منح الاصلاحات للجماهير.
"الانسان" مركز ثقل الشيوعية العمالية
نقطة اخرى تمثل خصيصة شيوعيتنا، ذكرتها في العنوان الاولي، وهي نزعتنا الإنسانية. ذكرت ان الانسان مركز ثقل توجهنا، لا التاريخ ولا ظاهرة موضوعية غير انسانية وغير حية من المقرر طي مسيرها.
شيوعيون كثر في التاريخ رأوا أنفسهم كبيادق لدفع التاريخ الى الأمام. ويبدو الأمر كما لو أنك ستولد لتقوم بنشاط ما، وتعيش حياة ينتقل فيها التاريخ من المرحلة (أ) الى مرحلة (ب). بالنسبة لنا، هذا هو التاريخ تاريخ حياة الناس، وبالتالي، فان هدف الشيوعية هو تحسين وضع وحياة الناس. إذا لم تستطيع الشيوعية ان تقوم بهذا العمل، فإنها تكون قد انحرفت عن سبيلها. ولهذا، فان إنسانيتنا ملحة وعاجلة. فهي تتعلق بمليارات الناس من عصرنا، العصر الراهن. ولذاك فإن الشيوعية، وفق هذا المعنى، في عجلة من أمرها لتحقيق النصر لا لإنها تريد ان تلعب دورها ورسالتها التاريخية.
ان شيخاً يصون كتاب الرأسمال (بالقراءة) على الشمعة هو عمل جيد دون شك. بيد ان على عاتق الحركة الشيوعية ان تغير اوضاع حياة الناس. وكذلك انه لأمرها ان تضع الحركة الاشتراكية للطبقة العاملة في مكانة افضل للنضال، حتى اذا لم تستطيع ان تنال الانتصار التام والنهائي. ينبغي ان نقول بصورة مادية، نظراً لوجود هذا الحزب السياسي او ذاك او تلك الحركة الشيوعية العمالية، فان عمال هذا البلد اقوى في ميدان الصراع الاجتماعي مع البرجوازية.
النزعة الإنسانية والحقوق الفردية
ارتباطاً بالإنسانية ذاتها، فإن الفرد مهم برأينا، وان حق الفرد مهم الى حد كبير. ولكن في المطاف الاخير ان الشيء الذي يعرّف مقولة الحق ويحددها عندنا ليست حقوقية الى ذلك الحد. في المجتمع البرجوازي، الحق مقولة حقوقية. اذ يُطلق على اي عمل مسموح لك القيام به حقك. على سبيل المثال، مسموح لنا ان نقفز ۲۵ متر، ولكن إذا لم نتمكن من ذلك، فإننا نتمتع بهذا الحق على اية حال! لم يحُل أحد امام قفز هذه الـ ۲۵ متر!
ليس لمقولة الحق عندنا صبغة حقوقية وسلبية فقط، اي لم يقف أحد ما حائلاً امامنا، بل ان تكون لدينا قدرة تحقيقها. إذا كان لديك حق الانتقال في هذا المجتمع، وهو امر لا شك فيه، ولكن إذا كانت كل بطاقة ركوب القطار تكلف بقدر راتبك الشهري، فإنك لا تتحرك في هذا المجتمع، ان تسافر من هنا الى هناك. صحيح ان بوسعك السفر في الكرة الارضية. ولكن إذا لم تكن لديك ميزانية ذلك، إذا لم يكن لديك وقت لذلك، او ان تفقد اعمالك جراء هذا، او ليست لديك رخصة لذلك، عندها لا تستطيع السفر. من حقك المشاركة في السياسة، ولكن إذا لم يكن لديك أموال كافيةً، لا تستطيع المشاركة والتدخل فيها. لأنه ليس لديك وسائل اعلام، ولا يأتي المراسلون اليك وغير ذلك.
لا يوضح الحق بذاته وضعي ووضعك في المجتمع. الامكانات هي من توضح مدى امكانية تحقيق حقوقنا هذه. ولهذا، فان هذا الجانب الإيجابي وغير السلبي للحق، اي في الوقت ذاته كم بمقدورنا الاستفادة من حقنا، هو جزء من فهمنا لحق الانسان في المجتمع. وحين نتحدث عن حرية التعبير، لا نتحدث فقط عن أن المرء حر في ان يقول كلامه. اذ ان السؤال الذي يليه هو: حسناً، اين يقول كلامه؟ إنك اعطيته "حريته"، ولكن ليس هناك جريدة، تلفاز، جمعية، تجمع بوسعه ان يقول كلامه من خلاله طبقاً للتعريف. تطرح قضية مثل قضية حرية التعبير امامنا على الفور مسالة امكانية ابراز وجود الناس كذلك.
بهذا المعنى اقول ان مقولة الحق ومحبة الانسان أعمق لدينا بكثير من الليبراليين والديمقراطية الغربية التي تسعى لطرح الفرد والفردية بوصفها نقطة قوة لهم ونقطة ضعف الشيوعية. ليست شيوعيتنا فقط، بل شيوعية ماركس يكون الانسان فيها حراً أكثر بدرجات كبيرة. وذلك لأنها تتحلى بإمكانية تحقيق تلك الحرية.
انه لشائع هو اتهام الشيوعيين بعدم رؤية الفرد والنظر للأفراد بصورة واحدة وتشابه الافراد. مرة اخرى، ليس الامر كذلك في تقليدنا. ان موضوع الاتساق والتماثل وتشابه الافراد ليس وارداً في تقليدنا. مثلما ذكرت، ان الموضوع هو ان يكون بوسع اي شخص ان يقوم باي عمل يريد، وثانياً، أن يكون بوسعه انجاز الشيء الذي ينشد القيام به. بعد هذا، سيترك لاختيار الفرد كلياً ما الشكل الذي يظهر به، وكيف يبدو.
لا ربط لذلك التصور الرمادي للشيوعية والشائع جراء التقاليد البرجوازية للاشتراكية ولا صلة له بنا. اعتقد ان من ينظر الى الحزب الشيوعي العمالي من بعد، يرى بدرجة ما تنوع هذا التيار وانفتاحه عالياً. إنه ليس تنظيماً لـ"الى الامام سر- الى الوراء دُر" وعلى الجميع ان يقوم بعمل خاص. كلّ يعزف موسيقاه، وان كانوا متناسقين معاً، فان ذلك قد يعود الى تشاركهم الكبير معاً في العقيدة.
ولكن، وبصورة واقعية، ان جعل البشر بمقياس واحد ليس جزء من منظومتنا ومكتبنا. بل على العكس من ذلك، نقر بالطابع الابداعي للناس، وننشد بروزه وتفتقه. لا نستلذ بالضرورة من تقليد بعضنا البعض، ونكون بمقياس واحد شبيهي بعض. المهم هو ان يتمتع الجميع بإمكانيات متماثلة.
ثمة نقطة اخرى، أضعها على شكل عنوان بارز، وسوف لن اتناول المواضيع التي تحدثت عنها لأنه لم يبقَ لدينا الكثير من الوقت، لأبلغ عمق وقعر قائمة "اختلافاتنا" هذه. ان الموضوع الأخر هو "العلاقة بين التكتيك والاستراتيجية".
العلاقة بين التكتيك والاستراتيجية
لقد رأيتم "شيوعيين" كثر، (شيوعيين مع الاقواس الصغيرة)، يكون التكتيك عندهم "تلاعب" ومداهنة تاريخية ومرحلية ليبلغونا استراتيجية وراء ذلك التكتيك. ومن الواضح ان ذلك التكتيك لا ينسجم بحد يذكر مع تلك الاستراتيجية. حيث لا تماثل اهدافهم الاخيرة العمل الذي يقومون به في يومهم. على سبيل المثال، تمضي منظمة تدّعي التحررية خلف حكومة دينية! وتقول على سبيل المثال: ينبغي نجاح هذه الحكومة. امرؤ يعارض مؤسسة ما، ويدعوا الناس الى ان المشاركة في انتخاباتها. في الوقت الذي تفترض انه يعلن نفسه نصير حرية المرأة، ولكن يعتبر راية ما ضد الحجاب بانه تطرف! كيف يكون هذا تكتيك طرف ما للتقدم، إذا افترضنا ان حركته ستحقق، حين تمسك بالسلطة، تلك الحريات التي لا تدافع عنها الان؟! ان هذا هو تناقض غطّوا فيه.
في الحقيقة هناك تناقض بين افعالهم ومُثلنا. أجبُرَ طرف ما، ولمقتضيات تاريخية، على ان يفسح مجالاً لمُثلنا في منظومته، ولكن اعماله ونشاطه اليومي ليس كذلك. يريد حزب توده ان يقيم كتلة مناهضة لأمريكا. أ تؤمن حكومة الملالي هذا؟! لتؤمنه! أ تؤمنه حكومة جنرالات؟! لتؤمنه! لا يهم. انهم يريدون اقامة حكومة تتصدى لأمريكا. يدافعون عن حكومة خميني بوصفها حكومة مناهضة لأمريكا في المنطقة. ولا يأبه، ماذا سيقع على رأس الجماهير، وماذا سيحل بالإنسانية، وأية مصائب من المقرر ان تحدث! انه لأمرٍ كافي، من وجهة نظر هذا التقليد على سبيل المثال، ان يكون هناك قطب مناهض لأمريكا في النزاع العالمي. بيد ان هذا يتناقض مع ذلك ما يعتقد به على الاقل على الورق، وهو أنه نصير الحرية المدنية أو المساواة او أي شيء آخر. كما لو ان من قالته هي منظمة شبه اشتراكية.
وفق فكرنا، لا يمكن للتكتيك ان يغاير مبادئنا. لا يمكنك أن تدعو الجماهير الى أمر أنت معارض له في المطاف الاخير. لا يمكن لكم ان تدافعوا في إطار ما عن أمر، فيما تقومون بمنعه حينما تصلون للسلطة. لا يُقبل بهذا التناقض في منظومتنا. فنحن لا نتحايل على التاريخ! وان هذه الموضوعة تقودنا الى نفس موضوعة السعي لتحقيق والوصول الى الحد الأقصى، (الاقصوية۳)، وهو ان على عاتقهم مسؤولية ان يقولوا اخر وكل كلامهم. وان هذه نعتبرها نقطة قوتنا جراء تلك النقاط التي ذكرتها سابقاً. وذلك لأننا لا نهدف الى كسب رأي محافل وحلقات حاكمة. بل نتطلع لأن نتحول الى بديل تكون فيه الطبقة العاملة معنا حين يدب هوى الثورة في الطبقة العاملة. أما حين لا يدب هوى الثورة في الطبقة العاملة، فإننا لا ننوي الاصطفاف مع الطبقة البرجوازية الى ان يدب هوى الثورة في الطبقة العاملة. ننوي ارساء حركة ذات اهداف شفافة، وتنشد الاقتدار، وما ان وبقدر ما تسمح له قدراتها في المجتمع، حين تجري الصراعات الطبقية التاريخية، سنكون هناك بملامحنا وهيئتنا ذاتها كي يكون بوسع الجماهير انتخابنا، حتى تكون الطبقات العاملة والكادحة قادرة على ان تأتي وتلتف وتنتظم حول هذه الراية.
ولهذا نحن لا نستطيع في اي مرحلة من وجودنا ان نكون موالين لجناح حكومة رجعية او ندعو الجماهير الى تقوية جناح ما من حكومة رجعية. ليس بوسعنا القيام بذاك! ولا نقوم به أبداً! من الان الى خمسين سنة مقبلة. فإذا كان هذا تقليد الشيوعية العمالية، واذا تربى احد على هذا التقليد، لن يأتي مسؤول اي مكتب سياسي ذات يوم ما بقرار يدافع فيه عن "خط بني صدر" أمام خط الجمهورية الاسلامية، أو يدافع عن جناح خامنئي امام جناح خاتمي، أو يدافع عن "البرزدنت (الرئيس) رفسنجاني"، او عن "الإلهيات التقدمية" امام الدكتاتوريات العسكرية! إن ذلك لا ينبع من هذا التقليد!
قد يقول أحدٌ ما: لهذا السبب أنك لا تجمع القوى مثلاً! ولكنني أريد من صميم قلبي أن أرى متى جمعها هؤلاء الذين انهمكوا طوال أعمارهم بالتحايل على التاريخ؟! اين هي القوى التي جمعها هذا الطيف الموالي للسوفييت السابق والذي كان منهمكاً طوال حياته بهذه الحسابات والالاعيب المخادعة السياسية؟! أنها ليست موجودة في مكان! بالنسبة لحركتنا، ان الامر غير المقبول من الناحية الاستراتيجية والمبدئية بصورة كلية على المدى البعيد، هو أيضاً غير مقبول على المدى القريب.
وبالتالي، لا يمكنك أن تكون مؤيدا لإخراج النساء من هذا الأوضاع المأساوية الحالية، وتكون في نفس الوقت موالياً، ولو لذرةٍ، لفائزة رفسنجاني أو تشجع الفيمنستية الاسلامية. اذاً بما أننا لسنا بإسلاميين، فإننا لا نشجع الفيمنستية الاسلامية كذلك! بل نشجع رؤيتنا. لتاتي الفمنستية الاسلامية الينا. لماذا ينبغي على ان امضي لها؟! وسأصل الى مقولة المساومة. ولكن لنترك القوى لتحدد لأي طرف يمضي أي شخص. فليس مقرراً ان نكون منبر شخص آخر.
وعلى اية حال، ان عدم تناقض التكتيك والاستراتيجية، وتناغم التكتيك والاستراتيجية هو جانب مهم من هويتنا.
ماهي المساومة؟
ألا نقوم بالمساومة؟ باعتقادي، في تقاليدنا وبالأخص نهج لينين في التعامل بخصوص سياسة الـ"نيب" (السياسة الاقتصادي الجديدة-المترجم) تتجلى ابلغ العبر. في تقليدنا، يُسمح لنا بالمساومة. فحين لا نكون قادرين على شيء، نقول للجماهير: إننا لا نقدر! اننا مجبرين امام القوة المواجهة لنا، وهي قوة يمينية، ان نتفق في نقطة التوازن والتعادل الفلانية، وبان نقوم بهذا الحد من التغييرات، وسنقوم بالباقي في اي وقت نكون قادرين على ذلك. ولكننا لا نعده اشتراكياً، ولا نعدّه مهمة تاريخية للطبقة العاملة. ان قمنا بمساومة ما، انها لمهمتنا ان نقول انها "مساومة سياسية". أهدافنا هي خلاف ذلك، وخطتنا هي خلاف ذلك، ولكن لم نقدر على غير هذا. مثلما ان من الممكن ان نعقد اتفاقاً في حرب ونقول نتخلى عن هذا الحد من اراضي البلد. فهذا ما نقدر عليه.
يوضح لينين علاقته بسياسة الـ"نيب" على هذه الشاكلة بالضبط. ففي الوقت الذي رأينا فيه لاحقاً من سعوا الى تقديس الـ"نيب" والتنظير لها بوصفها "اقتصاد المرحلة الانتقالية"! يقول لينين بوضوح بالغ، أعزائي ليس بمقدورنا القيام بغير هذا، أُجبرنا لسنوات على ان نترك السوق وشأنه كي يدور عجلة اقتصاد البلد، كي نستطيع بعد ذلك ان نمضي لتحقيق برنامجنا. أعزائي ليس بمقدورنا القيام بغير هذا! انه نظام برجوازي، نسعى الى اتباعه، نخضع امرنا له، والان نستل يدنا منه.
بالتالي، للمساومة معنى بالنسبة لنا. نحن لسنا تياراً أحمق، عديم الفهم وعنيد مع التاريخ بحيث نقول رغم اننا لا نستطيع الا اننا نصر على قول كلمتنا ولا نقبل القيام باي عمل اخر. كلا! قد ندخل ألف شكل من اشكال المساومة. ولكن نعرف ان اول مهمة لنا هي ان نقول ان هذه مساومة. مساومة هذه الطبقة مع تلك الطبقة حول هذه المسالة. إذا لم يقوموا بهذا العمل، لا نقوم بهذا العمل. قد تعد بانك لا تلجأ الى السلاح، ولكن بشرط انه لا يلجأ هو للسلاح ايضاً. قد تكون مجبراً على القيام بهذا العمل.
على اية حال، اود ان اقول هناك فرق كبير ما بين المساومة العلنية امام انظار الجماهير وبين الإعلان بان نيتك كانت شيء اخر، عن صياغة "سبيل التطور اللارأسمالي" و"الرأسمالية المستقلة" وصياغة حركات مختلفة لـ "النهضة التقدمية" وابتكار واختراع "اللاهوت التحرري" وغيره. ان تلك مساومة، وتعلن أنك في مساومة مع الطبقة المقابلة لك حول قضايا أجبرت بسببها على "تجرع السم"! ولكن تلك ليست مساومة حين تقوم بتقديس سبيل حل اخر وتقوم بإشاعة الأوهام.
ثمة عناوين اخرى اود ان اتحدث عنها. وهي موضوعة الاتحاد السوفيتي حيث لا اتطرق هنا الى ما هو تفسيرنا للاتحاد السوفيتي. حيث يمكنكم ان تطلعوا على انعكاسات هذا الموضوع في "بولتن المسالة السوفيتية".
القسم السادس (۳۳ دقيقة)
الاممية سمة حركتنا
قد تعتقدوا ان من الممكن في بلدان مختلفة، وبفواصل زمنية مختلفة فيها، ان تندلع ثورة او ازمة سياسية، وعليكم ان تردوا على تلك الاوضاع. ليس بوسعكم القول لنصبر حتى تندلع الثورة في العالم سوية. ولهذا، فان امميتنا لا تتمثل بكما لو اننا ننشد ثورة عالمية متزامنة. تكمن امميتنا باننا نؤمن بان حركتنا هي حركة عالمية. وفي كل بلد، هي قسم من حركة عالمية، نعتبرها امراً عالمياً. ولكن في الوقت ذاتها، نعتبر الاجابة على قضايا ذلك البلد مهمتنا. ان هذا له تأثير فيما يخص نقاشنا حول الاتحاد السوفيتي، ولكن في الوقت ذاته له تأثير على إيران كذلك.
تحدثت قبل عدة ايام مع أحد ما، وقال انه ينبغي ان نتحلى الان بردود عالمية. اجبت: نعم، إذا واجهتنا قضايا عالمية، علينا ان نرد عالمياً كذلك. ولكن إذا طُرِحَت غداً مسالة السلطة السياسية في إيران، وهو امر ليس مستبعد، علينا ان نتدخل وان تشاركوا بردكم. وإذا اعطوكم تلك المنطقة لمدة ثلاثة أشهر، ينبغي ان تطبقوا برنامجكم. ليس بوسعكم ان تتريثوا وتصبروا، لا يمكنكم ان تكونوا شهداء التاريخ. فإذا وقعت منطقة ما بأيديكم، عليكم تطبيق برنامجكم، وعليكم ان تستفيدوا منها لأجل حركتكم الاممية.
وعليه، لا تعني السمة الاممية انكار النضال في كل بلد، وانكار امكانية انتصار النضال في اي بلد. بل يبين سمة حركتنا والمكانة العالمية للجماهير وان اوضاعاً عالمية تسود على الجميع وان الطبقة العاملة طبقة عالمية.
ثمة نقطة اخرى ان الاممية ليست سمة معطاة للعامل. اي ان العامل لا يصبح أممياً بصورة غريزية في المعمل. مثلما ان في العديد من البلدان قوميين او دينيين. الاممية سمة حركتنا. ان الحركة الشيوعية لحركة الطبقة العاملة هي حركة اممية. الحركة النقابية للطبقة العاملة ليست أممية اساساً. اصبحت اوروبا الان موحدة، يقوم رجال الاعمال بتوحيد بنوكهم، بيد انه ليس لنا اتحاد عمالي عالمي، ليس لدينا اتحاد عمالي اوروبي واحد. ان الحركة النقابية بين العمال هي حركة قومية. ومثلما ذكرنا فان الطبقة العاملة بذاتها لا تخرج من نفسها شيئاً سوى التعبير عن احتجاجها على الوضع القائم.
ان من يرفع راية النقابية امام العمال هو حركة برجوازية اصلاحية وذات سمة قومية. الاممية العمالية برأيي ايضاً هي حصيلة الحركة الشيوعية العمالية. لا تنبع الاممية تلقائياً من العمال، ولم تأتِ تاريخياً كذلك، بيد ان مكانتها الموضوعية تسمح لها إذا رأت الراية الاممية ذات اقتدار كاف، ستفهم ان هذه هي قضيتها الواقعية وليست القومية. سيفهمون وسيعون تناقض النزعة القومية مع مكانتهم الموضوعية. ليس ثمة عامل اممي بذاته، ومن نفسه وتلقائياً. ان هذا ما رأيناه في اذربيجان وارمينيا، رأيناه في يوغسلافيا، رأيناه هنا وفي كل بلدان العالم ارتباطا باي ايديولوجيا سائدة، تكون هي ايديولوجيته.
فيما يخص الايديولوجيا، اعتقد أنى تحدثت عن هذا الأمر. ما اود قوله ان الايديولوجية الموجودة في المجتمعات هي ايديولوجيا الطبقات الحاكمة. ان ايديولوجيات من مثل النزعة القومية، الاصلاحية، الديمقراطية و... هي ليست ايديولوجيات الطبقة العاملة، حتى لو سارت ورائها الطبقة العاملة او تمثل قواها الاساسية، انها ايديولوجية الطبقات التي تحكم وانها وجدت لها نفوذا مادياً داخل الطبقة العاملة.
الاممية بوصفها رؤية الى العالم كذلك، تفسير لوضعه، بوصفها سمة سياسية لحركة ما، هي باعتقادي أمر مكتسب. ليست غريزية، بل مكتسبة، وان سمتها المكتسبة هذه هي الحركة الشيوعية التي ممثل لهذه السمة في الحركة العمالية.
النزعة العصرية، عالمية للمعايير وشمولها هي جانب مميز للشيوعية العمالية
اود ان انهي موضوعنا بموضوعة الحزب والطبقة والسياسة. وعليه، فان اول نقطة تتعلق بثقافتنا التي اود الحديث عنها هي ان أديباتنا تتحدث كثيرا عن الحداثة والتحديث والعصرنة. ان من يكتبون يصرون على ان يقولوا انهم اناس عصريين او يدافعون عن معايير حديثة. ان هذه المقولة نسبية دون شك. ولكن في المطاف الاخير اود ان اتحدث عن صلتنا بالحداثة.
في نزعة الحداثة التي تم انتقادها، واتت بعدها ما بعد الحداثة وجرى انتقادها ايضاً، وبغض النظر عن اي طبقة تتحدث بها، ثمة عناصر ثابتة فيها وهي اولاٍ، التكنولوجيا مهمة. يتم النظر الى تنامي التكنولوجيا على انه امر ايجابي، وان التكنولوجيا سبيل تحرر البشر. وفق التفكير الحداثوي، من المؤمل من التكنولوجيا ان تخلص الانسان من هذه الوضعية المأساوية. ثمة احترام للتكنولوجيا وتنامي انتاج العمل والاختراعات والعلوم موجودة في النزعة الحداثية. وهناك درجة من الكونية مقابل النزعة المحلية. بمعنى هناك شمولية وعالمية للمعايير، وهنا شمولية وعالمية للأفاق والآمال. فبالنسبة لشخص حداثي، من طبيعي التطلع لأن تدرس كل مدارس العالم مادة علوم الاحياء، لأنه يعتبرها علماً. مقابل ذلك، قد يقول ذو النزعة المحلية: ما هذا؟! "لكل بلد ثقافته". النزعة الحداثية مناصرة لنوع من الطابع الشمولي والعالمي للمعايير والقيم والحدود الدنيا، على سبيل المثال. لان للتاريخ جهة يسير وفقها. تعتقد حركة الحداثة أن للتاريخ اتجاه. يمضي من هنا صوب وضع أفضل. من هذه الأوضاع تسير صوب أوضاع أفضل، الأكثر هو أفضل على سبيل المثال، والأجد هو أفضل.
في الحداثة، ثمة نوع من الأمل. الامل الذي هو سمة الاختراعات وتقدم العلوم، من عصر التنوير وبالأخص القرن العشرين. مثلما ذكرت، انها خصائص حداثتنا ايضاً. صلتنا بالحداثة هي هذا الامل ذاته، بغد أفضل، وأكثر رفاهاً، والثقة بالإنسان وبان بوسع امكاناته العلمية والفنية ان تحل قضاياه. انها خصائص حركتنا. بمعنى ما اننا جميعا عصريون، وكذلك الطابع العالمي لمعاييرنا. وهنا بالضبط تصلح قبعاتنا للجميع، مقارنة بسلسلة الحركات الاخرى التي تتعقب ثقافة قومية وسمات قومية وميول وآمال قومية-محلية. تلك الحركات التي تتبع ثقافة الجماهير، وتتبع ثقافة شرقية.
ان فكرة الشيوعية العمالية هي بمعنى ما عصرية بذاتها، عصرية زمانها. تنشد المضي قدماً الى الامام، وتتطلع لأن تخلق أوضاعاً أفضل استناداً الى المكاسب العلمية والفنية للإنسان، وهذا ما يجعلها متفائلة ومتطلعة. وهذا هو ما يتناقض مع جدالات هذه المرحلة والعصر، من قبيل "النسبية الثقافية"، "ما بعد الحداثة" وغيرها التي تهيمن على اوساط اليسار. اذهب للحديث مع اوساط انواع اليسار الراديكالي، ستجد معظمهم مناهضين للإمبريالية، يفهمون الامور بمعنى "دع البلدان المختلفة ان تقوم بأمورها"! لماذا تتدخل في اوضاع المرأة في البلدان الاسلامية، وعليهم هم أنفسهم ان يقرروا. انها امبريالية ان نذهب ونقول: لا يحق لكم القيام بهذا العمل! انه تدخل امبريالي غربي! في حين ان المسالة بالنسبة للحزب الشيوعي العمالي الغرب أفضل من الشرق. بالنسبة لفكر الشيوعية العمالية، اوجد الغرب حتى هذه اللحظة تمدناً أفضل من تمدن الشرق، وهذا امر ايجابي، وبوسعه الاقرار بذلك. ان الرفاه، المساواة، الحرية الفردية، محو العلاقات التقليدية و... كلها جميعا ظواهر نقر بقيمتها.
احترام النشاط السياسي الطوعي في صفوف الشيوعية العمالية
حين يلقي أحد ما نظرة على الصف الذي بنيناه، سيلفت انتباهه بعض الاشياء التي قد ُنظر لها في الاوضاع الثورية الاكثر تعقيداً كنقطة ضعف لنا بمعنى ما. أحدها، على سبيل المثال، الاحترام المفرط للطابع الطوعي للنشاط السياسي في صفوفنا او فكرنا. اي عدم اجبار أحد. مثلاً في فكر الشيوعية العمالية، ليس ثمة اي سعي لصياغة عبادة شخصية او رموز، تشييد مقدسات، طرح مفاخر، تهييج، ممارسة ضغوط اخلاقية، نزعة شهادة حتى تستطيع ان تضع صفك في صف النضال. وأننا لعادة منهمكين بشرح وتوضيح كل شيء للأخرين، بتعريف السياسة، نضفي عليها معنى، نروّج لها، وان ما هو فرض عندكم ان يأتي اي شخص يرغب لصفكم، ويقوم بنشاط ما، ولا يمكن اجبار أحد. ان هذا ميل اساسي في تقليدنا الفكري، بمعنى غربية تقليدنا بمواجهة الفهم الشرقي العسكرتاري الذي قد يكون موجوداً لدى الكثير من اليساريين، وهو "لقد قال التنظيم هذا"! وعليه، ستكون مكبل الايدي. في تقليدنا، ايادي الفرد مفتوحة لعدم الميل لشيء او عدم القيام بأمر ما، وطالما لا يقتنع، لا يمضي اليه. وبعد هذا، لا يوظف هذا التقليد الادوات العاطفية والدينية لحشد الاخرين.
ان ضرر هذا الامر هو إذا لم تكن تعرف باي شيء عليك ان تملأ هذا في اوضاع تستلزم الانضباط، الحرب، الحاق الضربات في النضال الطبقي، قد تكون أضعف تقليد سياسي واكثرها هشاشة. اننا منتبهون لهذا. اي ان تنظيماً يضع اساس نشاطه على الطابع الطوعي لأعضائه، ولا يصيغ ثقافة "الدم" و"الشهداء" لعمله، لا يقيم اشكال فخر وتهييج واثارة، ويقنع اعضائه كل مرة من جديد بسياساته، ينبغي ان يكون واضحاً لديه إذا لم يحل شيئاً مكان هذا بحيث يؤمن نزعته المقاتلة، فيمكن، كعاقبة هذا الامر، ان يكون تنظيماً هشاً، قليل الحركة ومن المحتمل ان "يدخل الميدان متأخراً". برأيي، على سبيل المثال، ان تنظيماً دينياً مثل المجاهدين تجده، مع اي حركة ما، في وسط الشارع ويعرف ماذا يعمل واي سياسة يتبع.
على الحزب الشيوعي العمالي ان يقنع مليوني شخص بانه أزفت ساعة العمل الفلاني، ويمكن القول ان عملية الاقناع المستمر لصفوفه بان "ينبغي القيام بعمل ما" هو نقطة ضعف رؤيتنا. ولكن، برأيي، ان هذه نقطة ضعف بمعنى ينبغي ان تُملاً، محلها، عبر اليات الحشد في هذا التقليد. لحشد الصفوف، لا يجيز تقليدنا لاحد الخداع، الاثارة والتهييج، الاسر الاخلاقي، القسم، حجز جوازات السفر، المساومة على الراتب. اقبلوا انه صاحب حق ان يمضي لمكان ما ويقوم بنشاطه. كيف لمثل هذا التقليد ان يحشد قوى كبيرة ويرسلها للحرب؟ يرسلها لحرب على وشك الاندلاع الان في إيران، على سبيل المثال؟ ينبغي ان ينتبه لهذه القضية كل من يفكر في هذا التقليد بمستقبله. اعتقد ان جواب هذا الامر هو القيادة. يتمثل جواب هذا الامر بان، في كل تقليد، يحتاج الامر الى عدد كاف من البشر مفعمين بالحماس الذين عليهم في كل مرة ان يمضوا لأول الصف، ويقنعوه بوجوب سلوك هذا السبيل.
اي ان هذا التقليد يحتاج الى كادر، ولهذا، في تفكيرنا، للكادر، القائد العملي، القائد السياسي مكانة اوسع كثيرا مما لدى اليسار بتقاليد الانصياع شبه النظامي، وبمجرد ان يوجه التنظيم نداءً، عليكم ان تهبوا وتقوموا بذلك العمل، بغض النظر عن اي توضيح تقدمه المنظمة. في تقليدنا، نحتاج الى اناس معروفين من هم، وكيف يبثون الثقة، واي منطق يتحدثون به، وباي منطق ينشدون دفع صفهم؟ وإذا ما انهزمنا، فانه من ناحية الانضباط في الحركة المقبلة، واذا لم نستطع الرد على مهامنا، ستكون هزيمتنا، اساساً، في ايجاد وخلق وجلب طيف كاف من القادة السياسيين-العمليين في حركتنا وحزبنا. وان هذا الان نقص اساسي لنا، اي اننا نعرف ذلك.
ما اود قوله، في تقليدنا، ليس هناك مكان لـ "الى الامام سر والى الوراء در" (الانصياع عديم الروح) وانعدام الملامح وقسم الجماهير بالمقدسات، ولكن للقيادة في الواقع وعملياً مكانة " كل يوم من جديد"، وان هذا الشيء، حسب ما اعتقد، أكبر نقطة ضعف عملنا. ولكن لا اعتقد ان هناك اشكال في منظومتنا الفكرية، وان هذا هو سبيله. ان الشيوعي الذي ينشد النصر من اجل والمساواة والحرية، عليه ان يقنع الجماهير، في المطاف الاخير، ويجلبهم لساحة الحرب. لا يمكنكم ان تأخذوا شخصاً ما، جراء نظام عمل اجباري او نيله لراتب منكم او غياب منفذ اخر له للمعيشة، وإذا لم يكن معكم ليس بوسعه القيام بعمل ما، للصراع الطبقي الذي من المؤمل منه، اي الصراع، ان يكون اساسه الخلاص والتحرر. ليس بوسع امرؤ غير حر ان يحرر أحداً ما. ان امرأ ليس بحر في ذلك النشاط الذي يقوم به، حر بما يقوله من كلام، لا يمكنه برأيي ان يكون بشير تحرر اي شخص. حسناً، ان هذا هو أمر معروف، أن تدرك الجماهير أن من اتى الى هنا انسان او جندي مجبر في هذا الصف.
بالتالي، بوسع حركة ان تمضي بحماس وتجلب هذه القوى، لو فعلاً مضت بحماس، وهذا ما كان أكثر الاعمال مشقة لنا في العشرين سنة هذه. برايي، ان ايجاد وخلق جيل جديد، ونمط من الناس الذين يقفون في مقدمة الصفوف، ويسعى كل منهم لجلب صف الى ميدان الصراع، ويخلق ذلك الحشد الجماهيري الذي تحدثت به مع علي، وذلك كي تتمكن من القيام بهذا العمل، عندها لن يكون كافياً ان تعرف العمل وبرنامج العمل، عليك ان تكون قادراً على ان تمد يدك وتتلمس وجود ودواخل الناس، واقناعهم بانها مهمة اساسية وحاسمة، قادرون على القيام بها وينبغي القيام بها.
وبالتالي، فان مقولة القيادة، مقولة الطليعة، مقولة القائد العملي هي امر محوري في تقليد الشيوعية العمالية. وهي على النقيض من التقاليد التحريفية التي يعد فيها الانصات، اطاعة الاعلى مقولات محورية جداً. في تقليدنا، يعد الاختيار، مثلما ذكرت، سواء بصورة فردية او جماعية، امراً سياسياً. وبالتالي، القدرة على الاقناع، اناس بوسعهم الذهاب واقناع جمع اوسع بسبيل. انهم خلاصة وجود هذه الحركة. إذا لم تكن موجودة، ننهزم. وإذا تمتعنا بها، فهناك حظوظ للنصر فقط.
ان هذا لا يعني انعدام الانضباط. في صفنا وفي فكرنا، ثمة فرض اخر وهو اننا نسعى اقصى جهدنا الى اتخاذ القرارات بصورة جماعية، وإذا قررنا، ينبغي ان نخلق ثقافة ان نمضي صوب هذا القرار الجماعي، وننفذه. اي خلق ثقافة قد طرحها البلاشفة باسم المركزية الديمقراطية، تعبير تنظيمي-نظام داخلي لحقيقة سياسية وهي ان يتخذ جمع بصورة جماعية وحرة الى ابعد الحدود، وبعدها ينفذها بنسق جمعي. اي حين يتخذوا قرارهم، على كل شخص ان يتعهد بكلامه ويمضي لتنفيذه. وبعد اتخاذ القرار، يعد التنفيذ امراً حاسماً وشاخصاً اساسياً. ان هذه السياسة ننشد تنفيذها، وهذا هو افقنا.
وباعتقادي فإن الحزب الشيوعي العمالي، الذي أنا عضو فيه، لم يكن ناجحًا كما كان ينبغي أن يكون. نتمتع باعتقادي بحرية كبيرة وانضباط قليل. لدينا سرعة عمل قليلة جدا للتحرك والقيام بالأشياء. ورغم كوننا انشط التيارات اليسارية التي قد يشهد لها تاريخ هذه السنوات، ولكن رغم هذا لم نظهر او لم نكن بنظام ونسق صف شيوعي يمضي للحرب. اعتقد، شخصياً، ان اوضاع إيران تسير نحو الحدة والتصاعد، وان هذا يدفعنا جيداً الى اختبار، ولست متفائلاً كثيرا حول اننا جمعنا استعداداً كافياً فيما يخص التدخل المنظم في الاوضاع او التدخل المفعم بالحماس في الاوضاع. بيد ان رؤيتنا تستند الى هذا. وانه لهنا برأيي الان إذا اراد ان يرقص في مكان، فان الوردة هنا، وهنا ينبغي الرقص. وان الوقت وقته الان في ان يضع كل شيوعي لهذا الجيل من خط الشيوعية العمالية على عاتقه عملاً ما، وان ينشد جمع ما ان يكون قائداً عملياً، قائداً طليعياً لقسم من نشاط واسع مطروح امامنا ومنهمكين به. اعتقد اننا لم نتمكن لحد الان من ان نحوّل هذا القسم من فكرنا الى جزء من واقع وحقيقة موضوعية لنا.
علاقة الحزب والطبقة
ما هي التعريفات التي يتم بلورتها للاختلافات بين الصراع الطبقي، الاشتراكية العمالية، الحزب الشيوعي العمالي وغيره، متى ما طُرِحَت، في هذا الطيف من الصراع الطبقي وصولاً الى النضال الحزبي؟
مثلما ذكرت ان الصراع الطبقي صراع جاري، لا تحكمه ايديولوجية خاصة ما، تعرض الايديولوجيات والسياسات نفسها لاحقاً على الصراع الطبقي. ان الصراع الطبقي، وارتباطاً باي ايديولوجية او اية وضعية يتجسد فيه، ينتج حركات اجتماعية. على سبيل المثال، ان الحركة الشيوعية، الحركة القومية، الحركة الاصلاحية، الحركة النقابية هي حركات تطرح نفسها في ميدان الصراع الاجتماعي وتكسب نفوذاً.
وعلى هذا الاساس، نصل من الصراع الطبقي للحركات الاجتماعية. تُطرح بعدها مقولة الاحزاب وبصورة أكثر تجسيد وملموسية. وتتوسد الحركات الاجتماعية على كتف الميول التي داخل تلك الطبقات. على سبيل المثال، الحركة الاشتراكية داخل الطبقة العاملة الان هي ميل غريزي. في مكان ما، كان الشيوعيون يقولون ان على الاشتراكية ان تمضي من الخارج الى الطبقة. كان لينين يقول هذا. حسناً، لقد مضت الان الى داخلها، من الخارج مضت الى داخل الطبقة، شكراً جزيلاً، هي موجودة في الطبقة. اصبحت الشيوعية جزءاً من الطبقة العاملة نفسها. اصبحت الاشتراكية أحد الخصائص داخل الطبقة العاملة. كلما يتحرك العامل، الان وبعد كل هذه الشيوعية والبلشفية والنشاط الماركسي والحروب الطبقية في المجتمعات، الشيوعية وفكرة الاشتراكية جزء من الطبقة نفسها، وان جزء من الطبقة نفسها هي اشتراكية بصورة عادية حتى إذا لم تقم الاحزاب السياسية بنشاط، تعرف ما هي الاشتراكية ومن هو ماركس. وان هذه هو جزء من معطيات المجتمع المعاصر.
نطلق الاشتراكية العمالية على ذلك الجزء من الحركة داخل الطبقة العاملة الذي هو مناهض للرأسمالية بوعي. ويعرف ان مصيبته تكمن بالرأسمالية، وينبغي انهاء هذه الرأسمالية. ولكن في المطاف الاخير، تتضمن الاشتراكية العمالية الكثيرين، وحتى من ضمنهم الاشتراكيين المسيحيين الذين في المعامل. اذ أن هناك فرع اشتراكيين مسيحيين في الحركة العمالية يعتقدون ان المسيحية ارادت خير البشر ويعتبرون أنفسهم اشتراكيين. انهم اشتراكيات ميول مختلفة داخل الطبقة، الاشتراكية العمالية ليست بالضرورة الشيوعية العمالية. الاشتراكية العمالية هي اي امرؤ يعتبر نفسه اشتراكياً في الطبقة، ويتحدث عن الرأسمالية بأنها علة مصائبنا، هذه هي الاشتراكية العمالية.
اعرّف "الشيوعية العمالية" هي تلك الحركة التي داخل إطار الاشتراكية العمالية والتي هي ماركسية بوعي. يقول انا ماركسي، ولكن لا يعني هذا انه يتمتع بتفسيرنا نفسه حول ماركس، كلا! برأيي، بهذا سيكون حزب شيوعي عمالي. الحزب الشيوعي العمالي هو ذلك الجزء من حركة الاشتراكية العمالية الذي قال روايته لماركسيته، ودوّنها في برنامجه دون شك. انه ذلك القسم من حركة الشيوعية العمالية الذي هو جزء من حركة الطبقة العاملة التي تدفع بجزء من الصراع الطبقي. بيد ان الشيوعية العمالية في الطبقة اوسع. اناس داخل الطبقة العاملة، حلقات متعددة داخل الطبقة العاملة وفروعها التي تعتبر نفسها ماركسية، وتصر على ان تقول اننا ماركسيين.
يمكنهم ان يكونوا تحت تأثير التيارات المختلفة لليسار الراديكالي. بيد انها ماركسية، وماركس معيار بالنسبة لهم. هناك اناس يقولون اننا لسنا شيوعيين، نحن اشتراكيين، عماليين. ولكن شخص يقول في الحلقات العمالية "أنى ماركسي"، برأيي هو جزء من حركة الشيوعية العمالية، حركة اجتماعية. الحزب الشيوعي العمالي يتأسس على اكتاف هؤلاء. برأيي، المسالة ليست هكذا: لدينا افراد وحزب، او طبقات واحزاب، ثمة مجموعة من الظواهر الاجتماعية ما بين الحزب والطبقة، حركة اجتماعية.
الحركة الاجتماعية هي اول شيء ما بين الحزب والطبقة. الحزب الديمقراطي الكردستاني هو من الحركة القومية لجماهير كردستان، "حزب خبات"-النضال- هو حزب اخر من الحركة القومية لجماهير كردستان، حزب العمال الكردستاني هو حزب اخر من الحركة القومية لجماهير كردستان، الاتحاد الوطني الكردستاني هو ايضاً حزب اخر للحركة القومية لجماهير كردستان. بيد ان هذه الحركة القومية تتجسد في كل مرحلة بمجموعة احزاب. بيد ان الميول اوسع، حلقات ومحافل، رؤى وتصورات، اهداف، ومُثل يأتي اي حزب ويسعى الى ربط نفسه بها، وينهل قوى من هذا المصدر. الاشتراكية هي كذلك ايضاً.
الشيوعية العمالية ايضاً متصلة بالفكرة والهدف الاشتراكي داخل الطبقة العاملة. ما اود قوله ان الحركة الاشتراكية العمالية تسبقنا. الشيوعية العمالية بمعنى العمال الشيوعيون تسبق وجود الحزب الشيوعي العمالي على سبيل المثال. بيد ان الحزب الشيوعي عندها هو إطار سياسي-تنظيمي محدد. هو قمة جبل جليدي في الطبقة يناضل بصورة واعية من اجل برنامج سياسي محدد حول تلك الخطوط. الشيوعية العمالية اوسع من الحزب الشيوعي العمالي، الاشتراكية العمالية اوسع من حركة الشيوعية العمالية، حركة الطبقة العاملة اوسع من الحركة الاشتراكية للطبقة العاملة، والصراع الطبقي اوسع الجميع، ويتضمن اية ادوات سخط على الوضع القائم. ما اود قوله هو ان هذه مراحل ينبغي تعريفها.
نحن، بمعنى ما، احدى الحركات السياسية-الحزبية الموجودة في سياق الحركة العمالية والطبقة العاملة، نسعى الى، بدلاً من ان تمضي الطبقة العاملة، على سبيل المثال، خلف الحركة الاصلاحية، او خلف النهضة القومية للطبقة البرجوازية، او اصلاحية الطبقة البرجوازية، ان تأتي وراء الخط السياسي وخلف حزب محدد. ولهذا، نحن منهمكين بصراع حول مستقبل حركة الطبقة العاملة مع بقية التيارات داخل الطبقة العاملة. نجادل، ننافس، ونصارع. ونسعى لان يختار العمال هذا الخط. المسالة ليست كما لو ان العمال لديهم هذا الخط بصورة عفوية بغيابنا. يعتمد مصير إيران والعالم كليًا على ما إذا كانت الأحزاب الشيوعية والعمالية قد نشأت للانخراط في هذا الجدل حول الراية السياسية للطبقة العاملة في العالم اليوم ام لا؟ هل تسعى لان تكون هذه الراية موجودة ام لا؟ ان الواقع هو إذا لم نكن موجودين، سيكون هناك شيئاً ناقصاً او غائباً في الحركة الطبقية.
لا تتصور ان العامل يُخرج من داخله بصورة أتوماتيكية ظاهرة مثلنا. بل هو لا يقوم بذلك. ان هذه العملية حصيلة موائمة حركات سياسية، حصيلة تكامل الصراع الفكري، بل حتى حصيلة تكامل صلات انسانية معينة، احداث فردية محددة اصبحت بهذا الشكل. المسالة ليست كما لو ان الطبقة العاملة تطلق بصورة تلقائية من داخلها احزاب شيوعية عمالية، هي لا تطلق ذلك. بل أنها لا تفعل ذلك هنا، وإذا كانت قد فعلت ذلك هنا فإنها لا تعطى ذلك في مكان اخر ايضاً.
الشيوعية العمالية هي واقع، بيد انها ضعيفة داخل الطبقة العاملة. في الحركة العمالية الالمانية، ثمة عمال شيوعيون يعدون أنفسهم ماركسيين، ويسعون لان يقولوا ان هذا ما قاله ماركس. لديهم اختلاف مع التحريفيين ايضاً، لديهم صراع مع الاشتراكيات الاخرى كذلك. انها موجودة في حركة بريطانيا، في حركة فرنسا، في حركة الشرق الاوسط، في الشرق الاقصى ايضاً. ان هذا العامل او ذاك شيوعي. انه ماركسي بصورة واعية. إذا زرته في بيته، ربما يقدم لك البيان الشيوعي كي تقرأه. ولكن مازال ذلك مختلفاً عن الاشتراكية العمالية التي تتحدث بصورة عامة ضد الرأسمالية، وتعطي صوتها لحزب العمال البريطاني ايضاً، وترى نفسها متعاطفة مع الجناح اليساري البرجوازي، حيث إنها تعمل ضد الرأسمالية، وتقول عن نفسها أنها اشتراكية. وعندها فان اشتراكية الطرف هي امر يحتمل تفسيرات.
حين اراد "نيو ليبر" (حزب العمال الجديد) في حزب العمال ان يأتي للسلطة، اراد ان يغير بند في نظامه الداخلي تحت عنوان "ملكية الدولة على وسائل الانتاج". ألغوا ملكية الدولة حتى يصبح حزب العمال القديم حزب عمال جديد. يطلق حزب العمال القديم على نفسه اشتراكي. لماذا؟ لأنه كان نصير الملكية العامة مثلاً، يسعى للمحافظة على قطارات الانفاق كجزء من القطاع الحكومي، يطلق على نفسه اشتراكي. انه يطلق على نفسه اشتراكي بصورة واعية، ولا يجامل ايضاً. ولكنه ليس الحركة الشيوعية للطبقة. وحتى من يسمون أنفسهم "بورديغونيين" او "تروتسكيين" في صفوف العمال الالمان او الايطاليين، هم ليسوا بالضرورة في الحزب الشيوعي العمالي. ليسوا ضمن تقاليد حزب شيوعي عمالي. لان هذا تقليدنا، ودرجة تفكير حزب مثلنا، تجعله يتموضع في تقليدنا برأيي.
أيها الرفاق
أنا مجبر على انهاء موضوعي هنا. ان هذا الموضوع مرتبط بالحياة والنشاط السياسي للعديد من الاشخاص الحاضرين في هذه الصالة. ان فهم الشيوعية العمالية بوصفها حركة اجتماعية أيضاً وبسمات موضوعية ومعطاة، وان جذورها جذور تاريخية وطبقيةـ وكذلك قراءتها ومعرفتها بوصفها رؤية سياسية- عقائدية واعية، هو الشرط المسبق للمشاركة الفعالة في هذه الحركة وانتصارها. اي إذا اراد امرؤ ان يفهم ماهي الشيوعية العمالية، انسان ينشد ان يعرّف نفسه انه جزء من هذه الحركة عليه، اولاً، ان ينتبه للبعد الاجتماعي، الموضوعي والتاريخي لهذه الظاهرة. ثانياً، عليه ان ينظر للعالم من زاوية هذا التفسير. امضي وانظر لماركس من زاوية هذه الرؤية.
ان شخص يرى ماركس حتمياً، ولا يرى دور الانسان والممارسة في شيوعيته، ولا يرى دور الاختيار، لا ينتمي لحركة الشيوعية العمالية قطعاً. انه في تقليد آخر. لان هناك نتائج سياسية من هذا الكلام، نتائج سياسية من نطاق عملها في التاريخ. ان شخصاً يعتقد ان الجبرية تحقق تاريخه، يضع مهام محددة لنفسه. وان شخصاً يعتقد ان بوسعه التأثير على هذا المسار، يضع مهام اخرى لنفسه. ما اود قوله انه، من الناحية السياسية، يبلغ الناس نتائج مختلفة جراء هذه الرؤى والتصورات. بالتالي، طلبي هو انه حين نريد ان نجسد موضوعة الشيوعية العمالية في اذهاننا نقول انها تفسير للمكانة الموضوعية للمجتمع الرأسمالي والحركات الاجتماعية والصراع الطبقي، انها توضيح للوجود الاجتماعي والموضوعي للشيوعية العمالية. انها رواية عن الماركسية كذلك، تصور او نظرة معينة من الماركسية ايضاً.
ليس الامر كما لو ان "الشيوعية العمالية" هي ان تكون عامل وان تكون شيوعي، وبالتالي، نتشاطر معها في الحزب الشيوعي العمالي الفكر. ليس الامر كذلك. ان الرؤية التي نطرحها، والراية التي رفعناها، من الناحية المنهجية، والسياسية، والنظرية، وتفسيرنا للأوضاع السياسية، وتفسير نظرية حزبنا، ونظرية ثورتنا هي خاصة بنا وسمتنا. ان هذا الامر الذي ينبغي ان يحكموا علينا وفقه.
لم أغط الكثير من النقاط. كنت اود الحديث عن "الحزب والسلطة السياسية" و"الحزب الشيوعي العمالي والمجتمع" ولكن لم يتبق لي وقت، وعليّ ان اتناول مسالة اخرى. على اية حال، إذا لدى شخص ما يقوله، فليتفضل.
مقولة العامل. من هو العامل؟
فيما يتعلق بمقولة العامل، يتحدث الكثيرون عن "من هو العامل، ومن هو غير العامل" او "من هو بروليتاري، ومن هو غير بروليتاري". في نظرية اليساريين، ان الموضوعة التالية موجودة: من اين تتألف البروليتاريا، من هم العمال، من هي الطبقة العاملة، واي منهم اشتراكيو تلك الطبقة؟
ان التعريف الذي يصيغه ماركس عن البروليتاريا هو، برأيي، يستند الى تفسيره العام للاقتصاد الرأسمالي. لاحظوا، ان اي مستلم للأجرة لا يُعرّف كعامل، لان ميدان الاقتصاد يُعرّف مستلم الاجر كعامل. لا يرى ماركس ان ميدان الايديولوجيا يعرف مستلم الاجر كعامل. انت صحفي، على سبيل المثال، اعلامي في CNN هو ايضاً في المطاف الاخير يستلم اجراً. إذا تمنح اجراً للقس، وتحسب له اجراً يومياً، لا يصبح القس عاملاً. وذلك لان العامل عند ماركس هو تلك الظاهرة الاقتصادية التي خرجت من رحم الانتاج الجديد، بغض النظر عن القسم المنتج او غير المنتج، انها البروليتاريا. بغض النظر عن اي عقيدة تتبناها. فيما يخص بروليتاريتها، ليس لعقيدتها اي تأثير. ان تكون رجعية، فهي بروليتاريا، وان لم تكن كذلك فهي أيضاً بروليتاريا. البروليتاريا حصيلة الانتاج الكبير. ان ما يمكن تفكيكه بين الحارس الذي يستلم مرتبه والعامل الذي يستلم مرتباً (لا اعرف إذا كنتم تقصدون هذه الموضوعة) يخص ميدان هو استلام مرتب. هل هذا ميدان الاقتصاد؟ او البنية الفوقية الايديولوجية للمجتمع؟ او ميدان السياسة؟ الجندي يستلم ايضاً مرتباً.
ان هذا التفكيك والفصل موجود. ان هذا نقطة انطلاق بحثنا. ان للبروليتاريا مصلحة في قلب المجتمع. بيد ان على الاشتراكية ان تعرض نفسها في مكان ما خلال هذه العملية والصيرورة على شكل إطار محدود أكثر من طبقتها هذه، وطبقاً للتعريف، ليس كجمع اشتراكي. ان الاشتراكية حصيلة احتجاج معين. وهي قبل ان تكون حصيلة مكانة موضوعية، هي حصيلة احتجاج على تلك المكانة الموضوعية. وليس بالضرورة ان يخرج هذا الاحتجاج من رحم هذه المكانة، في المطاف الاخير، ان افكار البشر كذلك على امتداد ۷ الاف سنة هي جزء من واقع حياة البشر. ليس بوسعك حذف فلاسفة اليونان، وتنتظر الاشتراكية في القرن العشرين، وذلك لان العامل الصناعي حضر، وليس من الواضح على الإطلاق ما إذا كانت الصناعة قد نشأت.
ما اود قوله إن الماركسية هي استمرار للمادية، واستمرار للجدل الديالكتيكي، وكلها مجتمعة يجب أن تؤدي إلى ظهور الحركة الاشتراكية في الطبقة، وليس بشكل عفوي أو تلقائي. في المطاف الاخير، ان الموضوعة التي نتناولها هي ان الاشتراكية قد مضت داخل الطبقة. وبالتالي، وبصورة اعتيادية فإن في ۹۹٪ من النضالات العمالية التي تجري في العالم، يكون العمال يساريين بصورة تلقائية، يتعاطفون مع اليسار، ويطرحون شعارات يسارية، لا تتعلق بأنفسهم فقط، وانما بالفئات الاخرى للمجتمع. الحركة النقابية في كل مكان هي نصيرة تحسين اوضاع الجماهير الأخرى أيضاً. إنك لا ترى هذا في اتحاد اصحاب العمل. ولكن إذا مضيت الى اي حركة نقابية في اي بلد وتسألهم: ما هو رأيكم بحق السفر دون نيل موافقة الزوج، يقولون انه يجب ان يكون كذلك. لان العامل غدا يسارياً. برأيي، غدا العامل عموماً يسارياً في العالم الرأسمالي. وينبغي اخذ يسارية العامل كأمر مفروغ منه. بيد ان الحركات السياسية التي تأتي وتقدم نفسها كيسارية، وتقول "لدي تفسير صحيح عن حاجاتك القلبية، واني الراية الواقعية لمصالحك"، انها حركات سياسية، ينبغي النظر الى تاريخها.
ان هذا التاريخ متصل، ويتقدم بتطور كل مرحلة منه. ذكرت سابقاً، في تاريخ الافكار، أنا افكارنا ظهرت قبل ۱۵۰ عام. لم تتطور موضوعتنا من عصر ماركس للان. ولا اعتقد شخصياً ان موضوعتنا قد تطورت من ايام ماركس الى الان من الناحية الفلسفية والمنهجية. ولكن لماذا لم تبلغ مكاناً في ۱۹۱۰، في حين وصلت مكاناً معينا في ۱۹۱۷ (ثورة اكتوبر-م)، وولم تبلغ مكاناً في ۱۹۲۶؟ لماذا بوسع هذه العقيدة ان تكون في بعض الاحيان في الهامش ومرات في صلب المجتمع؟ انه جراء المكانة الموضوعية لتلك الطبقة في الصراع الطبقي. أنما تطرح الطبقة العاملة قواها في السياسة، ستحل العقائد التي بصالح نمو العامل ومصلحته وتمثل بصواب الثورية العمالية في وسط المجتمع. بمعنى ما، أنى ارى انفصال ووحدة كلاهما على السواء.
ينبغي ايضاً، برأيي، تقييم التاريخ المستقل للأفكار الشيوعية. برأيي، ينبغي النظر الى ظهور الشيوعية العمالية، والذي هو ارتباطاً بتطور العامل الايراني والمجتمع الصناعي، بنتيجة اعمالنا كذلك. من الممكن ان لا نكون موجودين، ولا توجد هذه الموضوعات ايضاً، ولا يتبعوا ذلك الخط، ويصبح امراً شبيهاً بتركيا. ليس الزاماً مع حدوث اي ثورة أن يتنامى في ظلها خط الشيوعية العمالية. انه يعتمد على تلك الحلقات الفكرية الموجودة ايضاً ومدى امكانيتها على طرح نفسها على ذلك الصراع. وذلك لان هذا ايضاً هو جزء من الواقع المادي ذاته مثل النضال النظري، والعقائدي، والمساعي الفكرية للبشر ووجود ماركس من عدمه على سبيل المثال.
لا اعرف الى اي حد أجاب هذا على السؤال. بمعنى ما، نحن جزء من حركة الطبقة العاملة، ولكن جزء منها. اذ لسنا نغطي مجمل حركة الطبقة العاملة، ولا من مهمة الطبقة العاملة ان تفكر مثلنا، و للأسف لا تفكر مثلنا. اننا جزء في الطبقة نفسها، ولكننا في الطبقة. ان هذا جزء من تلك الحركة، جزء من تلك الميول. راية في الطبقة حتى إذا لم نكن، انا و۶۰ شخصاً آخر يديرون حزبنا على سبيل المثال، عمالاً. ليس مهماً، لقد اتت هذه الافكار من تلك الحركة التي نتعقبها نحن ايضا! ونسعى لإثباتها. لقد مرت مراحل كانت فيه هذه الافكار الراية الاساسية للعمال. وعليه، يمكن ان يتكرر هذا مرة اخرى. السؤال هو: ما هي صلتنا بهذه الطبقة؟ صلة عنصر طليعي في الطبقة عليه ان يمضي ليجمعهم ويجلبهم للتدخل في مصيرهم بالمعنى الواقعي للكلمة. ان هزيمة الحزب الشيوعي العمالي ستكون هزيمة للشيوعية العمالية في إيران. ليس الامر كما لو ان للشيوعية العمالية في إيران مستقبل بدون الحزب الشيوعي العمالي. اقول هذا اليوم، في هذه المرحلة، سيظهر لاحقاً حزب اخر. في هذه المرحلة التاريخية، إذا كان الحزب الشيوعي العمالي موجود، فكيف يقاد، كيف تختاروه، والى اي حد يتدخل في السياسة وماذا يحل به. ان هذه الظاهرة هي جزء من الطبقة ومستقبل الطبقة العاملة في إيران بقدر عامل النفط، سواء اكان لديه الان نقابة ومجلس ام لا... إذا تم جمع مجمل المجالس العمالية ايضاً، وتم حذف هذه الافكار والموضوعات والبدائل، عندها سيخدع الاسلاميون، القوميون والليبراليون الطبقة العاملة، ويرسلونها خالية الوفاض. سيكون الامر كذلك دون شك. لان البرجوازية الايرانية لا تأتي بالكلام الطيب. إذا اعتقد أحد ان إيران ستكون برلمانية، فهو لا يعرف اية مشكلة تاريخية لدى البرجوازية الايرانية. فما أن تصبح إيران برلمانية، يظفر تنظيم شيوعي بالانتخابات على. هذه هي مشكلة البرجوازية الايرانية، ولهذا، عليها ان تقفل باب البرلمان.
إذا اراد العامل الايراني ان يحقق اهدافه، عليه ان يحقق اهدافه بوجه البرجوازية، وبالتالي، فان البرجوازية في إيران لا تمضي صوب النهضة البرلمانية او الديمقراطية الغربية. حتى إذا مضى الشيوعيون صوب الانتخابات، البرجوازية لا تمضي لذاك. وعليه، تقوم بانقلاب. وهنا يعتبر دور احزاب الشيوعية العمالية امراً حاسماً.
اشكركم جزيلاً، رفاق!...
اساس هذا الموضوع شفاهي. وقد نقله دنيس مر في اكتوبر ۲۰۰۸ من التسجيل الصوتي لهذا الحديث. العناوين الفرعية ليست في النص اساساً.
ترجمة: فارس محمود
Arabic translation: Faris Mahmood
hekmat.public-archive.net #3600ar.html
|