Status             Fa   Ar   Tu   Ku   En   De   Sv   It   Fr   Sp  

اسس الشيوعية العمالية
(الندوة الاولى)

حديث في جمعية ماركس - لندن- كانون الثاني ۲۰۰۰
تم تدوين النص نقلاً عن تسجيل صوتي للندوة


بضع كلمات فيما يخص اختيار عنوان موضوع اليوم

قبل أن أبدأ في الموضوع نفسه، لأتحدث لكم عن أسس الشيوعية العمالية. إن هذا العنوان هو أسس الشيوعية برأيي. أي إن موضوع أسس الشيوعية العمالية ليس شيئاً سوى أسس الشيوعية. في كتاب "اختلافاتنا"، والذي هو نقاش جدلي حول الشيوعية العمالية، ورد سؤال يقول: ما فرق هذه الموضوعة عن الشيوعية؟ أو يسأل: ما الشيوعية العمالية في الواقع؟ هل هي بحث نظري؟ رؤية؟ حركة؟ حزب؟ كيف تعرّف الشيوعية العمالية اساساً؟ هل هي نظرية؟ حركة سياسية أم ماذا؟

لقد ذكرت، في ذلك الكتاب، أني أستعمل الشيوعية العمالية بوصفها مرادفاً للشيوعية؛ وسأتحدث لكم لاحقاً لماذا توجب عليّ، في هذا الموضوع، استعمال هذه الكلمات المترادفة بهذا الشكل؟ مثلما إن الشيوعية حركة، ونظرية أيضاً، وكذلك لها أحزاب، ولها تاريخ أيضاً، يمكن كذلك للشيوعية العمالية طرح موضوعها وتقييمها والتحدث عن أن الشيوعية العمالية تعني كذا بوصفها نظرية؛ وبوصفها حركة الشيوعية العمالية تعني كذا؛ وبوصفها مجموعة أحزاب تعني كذا. بوصفها حركة في النضال السياسي، وفي سلسلة تكتيكات، يمكن تعريف الشيوعية العمالية بهذا الشكل. وكسلسلة، أساليب، نهج وسلسلة معايير وأساليب وموازين سياسية تعني الشيوعية العمالية كذا. ليست الشيوعية العمالية احداها إن كانت الشيوعية العمالية عبارة مرادفة للشيوعية. وعليه، ماذا تكون الشيوعية، ينبغي توضيح الشيوعية العمالية بالأبعاد ذاتها. وسأسعى، لا اليوم، بل في مجمل ندوات الشيوعية العمالية لتناول أبعاد هذه الكلمة.

إن هاتين الندوتين لموضوعة الشيوعية العمالية ربما تكونان مقدمة لعمل ذي وتيرة أكبر، وهو أن نبلغ موضوعة برنامج "عالم أفضل"، نتطرق الى تلك الميادين والبنود التي يتناولها ذلك البرنامج، نتتبعها في سلسلة ندوات، مثلا ثماني الى عشر ندوات، تختص كل منها بموضوع واحد نتحدث حول قضاياه. هناك بحث الرأسمال، وآلية تطور الرأسمال وعمل الرأسمال. بوسعنا تخصيص ندوة لعمل الرأسمالية، لمفهوم الدولة، الحكومة الراسمالية، أن نتحدث عن الاشتراكية البرجوازية والشيوعية العمالية والشيوعية البرجوازية والتي هي فقرة في ذلك البرنامج. بوسعنا الحديث عن الثورة والاصلاحات، الحديث عن ماركس، نتحدث بعدها عن تلك الجمهورية، النظام السياسي الذي ننشد، نتحدث عن المجالس، وعن المطالب الاقتصادية.

يتمثل هدفي، من موضوعات الشيوعية العمالية التي أطرحها في ندوتين، أن أصل مكاناً أشرع فيه بتقويم ومناقشة مواقف الشيوعية العمالية في عالمنا المعاصر واحداً تلو الآخر. على سبيل المثال، في ما يخص الإجهاض، لماذا تأتي هذه المواقف من تلك الرؤية؟ في ما يخص إنهاء ومحو البغاء، أعتقد أن هذه المواقف تاتي من تلك الرؤية؟ لماذا ينبغي استخلاص الحزب السياسي على سبيل المثال من هذه الرؤية، وأن تكون له مثل هذه السمات والخصائص؟ وإن هذه بالطبع آرائي. وإذا أردنا، بوسعنا الحديث عن هذه الجوانب واحداً تلو الآخر.

إن كان من المقرر أن أوضح أسس الشيوعية، فسأبدأ من هذا الكتاب، من عالم أفضل ومن صفحته الأولى. ولكن ينبغي أن تمضي ندوة الشيوعية العمالية إلى وسطه لتشرع من هناك، إلى ما يسمى "الشيوعية العمالية والشيوعية البرجوازية". أود أن أبدأ الندوتين من هنا.

المسلمات والأرضية الموضوعية للشيوعية العمالية

بخلاف الشيوعية إجمالاً، ليست الشيوعية العمالية بحثاً اثباتياً (affirmative-م) حول ماهي الاشتراكية. إنها بحث حول ما لا تكون عليه الشيوعية، وإن الـ"ما لا تكون" هذه هي ليست لائحة نقول فيها إن الشيوعية لا تعني كذا. إنها تقول "لا" لتاريخ مر باسم الشيوعية، لاعتقادات معينة طُرحت باسم الشيوعية، لمعسكرات معينة ظهرت باسم الشيوعية. وعليه، ليس بوسع الشيوعية العمالية أن تقول إثباتاً: ظهرت الرأسمالية، نمت البروليتاريا الصناعية، اكتسب الصراع الطبقي شكلاً جديداً، غدا فائض القيمة أساس المجتمع، وبعدها نما هذا الشكل من الشيوعية.

لا يرى موضوعي أن هذا التناول كافياً. في الحقيقة، لم يكن هذا كافياً بالنسبة لماركس نفسه كذلك في البيان الشيوعي، وسأبين لكم ذلك الآن. لقد كان ماركس مجبراً في البيان الشيوعي نفسه أن يرسم خطاً فاصلاً مع الشيوعية الاقطاعية، الاشتراكية الاقطاعية، الاشتراكية البرجوازية الصغيرة، الاشتراكية الحقيقية الألمانية، ويقول إن الشيوعية ليست هذه. وما هو فرقها؟ إن أحد فصول البيان الشيوعي نفسه هو حول الاشتراكية البروليتارية والاشتراكية غير البروليتارية والاشتراكية البرجوازية. إن هذا يصح علينا بصورة أولى.

إن دخول هذا النقاش أساساً هو الدخول للشيوعية العمالية وغير العمالية برأيي. إذ يعد توضيح هذا التمايز أمراً أساسياً. ما الذي نطلق عليه شيوعية عمالية، وما الذي نطلق عليه شيوعية غير عمالية، وما الفرق بينهما، ولماذا على الشيوعية العمالية، أن تطرح نفسها، ولماذا ينبغي أن تطرح وفق هذه الخطوط. وعليه، إن شروع نقاش هاتين الندوتين هو نقاش جدلي بمعنى ما، جدل انتقادي لما أطلقوا عليه شيوعية، أو ما أطلقنا عليه أنا وأنتم شيوعية وبوصفها شيوعية طرحت نفسها في عالمنا، وسمّتها البشرية شيوعية، وإن نقدها ليس نقد معسكرها الأساسي فحسب، بل مجمل المعتقدات والتصورات والصيغ والتفسيرات التي طرحتها تلك الشيوعية عن نفسها، وافترضنا أنها مسلمات وبديهيات فحسب. وسأشير إلى كيف أن تلك التصورات والاعتقادات التي كانت بديهيات ومسلمات لدى اليسار هي أمر ليس بديهياُ ولا مسلماً به، ليس هذا وحسب، بل أنها في تعارض مع رؤية ماركس والشيوعية العمالية.

على أية حال، إن نقطة انطلاق الموضوع، ندوة الشيوعية العمالية، هي مقدمة لإعطاء رواية أخرى للشيوعية. يوصلنا لب هذه القضية التي ننظر لها الى مكان واحد، وهو رواية وصيغة أخرى لشيوعية تنشد الدفاع عن نفسها، الدعاية لنفسها، وأن تجمع لنفسها أناس يشاطروها الرؤية.

إن الندوة التي أقدمها الآن قد قمت بها مرة في عام ۱۹۸۹. يمر الآن أحد عشر عاماً على أول ندوة للشيوعية العمالية والتي طرحتها في إطار الحزب الشيوعي الإيراني، في مدينة مالمو السويدية. وقد حضرها أناس كثر. أعتقد أن ليس بوسع هذه الندوة أن تكون تكراراً بسيطاً للموضوع ذاته. إن جزءاً من ذلك يعود إلى أن بوسعنا اليوم أن ننظر بصورة أفضل كثيراً لجوانب موضوعنا، وجزءاً آخر يعود للأحداث التي جرت، الخلافات التي ظهرت. على سبيل المثال، كانت آنئذ شيوعية معسكرات، فيما لم تبق الآن. ولهذا نتحدث في إطار آخر.

على أية حال، توجب على الشيوعية، في تلك المرحلة، أن تمايز نفسها عن الشيوعية الشعبوية، غير الشعبوية، البرجوازية، المعسكراتية (من كلمة معسكر-م) والتي كانت قائمة آنذاك. أعتقد أن عليها أن تمايز نفسها اليوم كذلك عن نوع من نزعة (كاركر كرائي)، "اللهج باسم العامل او العمالوية-م"، التشدق العمالي الزائف. إنها اختلافات، ربما إذا ما قورنت بأحد عشر عاماً خلت، ينبغي تناولها في هذه الندوة. وإنه اختلاف موضوعة اليوم عن موضوعة ذلك اليوم. ربما، وبدرجة ما أيضاً، بوسع المرء، بعد أحد عشر عاماً، أن يطرح الموضوع بشكل أكثر إيجازاً وفائدة. وان يكن نص بحث ندوة الشيوعية العمالية، الندوة الاولى، سوف ينشر في المجلد ۶ من مجموعة الآثار (آثار منصور حكمت-م) من المقرر أن تصدر هذه الأيام. إن نصها الكامل موجود، وبوسع الرفاق أن يقرأوه لاحقاً كذلك. آمل أن يصدر المجلد، ويكون بوسعي أن أوصيكم بقراءته بوصفه أحد مصادر هذا الموضوع. وإن يكن سيستغرق التنظيم والطبع وقتاً وآمل أن يلحق بالندوة المقبلة. وإذا لم يلحق، فمن المؤكد أنه سيصدر مباشرة بعد الجلسة.

إن أحد ضرورات طرح بحث الشيوعية العمالية هذا، بالنسبة لي، هي أنه خلال (۷-۱۰) سنوات الأخيرة وبالأخص السنوات (۳-۴) الأخيرة، انخرط جيل في الحركة التي نسعى لإرسائها سواء في إيران أو العراق أو خارج البلد (وفي ايران، قصدي سياق المعارضة الايرانية نفسها)، وهو الأمر الذي لم يتعقبه موضوع ما قبل ۱۱ عام. ولم يشهد الجيل المذكور تلك الموضوعات عن كثب، ولم يُرسِ تقليده، وليس بوسعه الارتباط بها. يمكن أن يكون هدف هذه الجلسة على الخصوص هو طرح مجموعة من الموضوعات. أن تكون مرشداً للأعضاء الجدد في الحزب الشيوعي العمالي. بوسع أصدقاء موضوعة الشيوعية العمالية أن يمضوا مرة أخرى إلى تلك المقالات ويتطلعوا فيها، ويقولون إن هذا (ما ذكره في الندوة-م) يتعلق بتلك المقالات. وبالنتيجة، يتمثل هدفي بتعريف امرئ أتى حديثاً، وأربطه بدرجة ما بالموضوع الذي قدم سابقاً. وإذا كان بعضكم أو أغلبكم حاضراً في تلك الجلسات أو يتذكر تلك النقاشات أو أي شيء، ينبغي أن تتحملوا برأيي لأن من الممكن أن يكون تكرار تلك الموضوعات ذا فائدة لهم.

أود كذلك أن أعرفكم مرة أخرى بالأدبيات التي تقف وراء هذا الموضوع. ثمة تل من المواد موجودة. دون أية مبالغة، تل من المواد موجودة. إذ تواجهني مشكلة في انتقاء أي من هذه الموضوعات وأشير إليها.

إن موضوعة الشيوعية العمالية ليست موضوعةً حول "نحن نحب العامل كثيراً زائداً الماركسية". إنها موضوعة بمستوى ما هي فلسفة الماركسية؟ ما هي منهجية الماركسية؟ أي نوع من الظواهر هو الحزب؟ ما هي اختلافات الحركة الاشتراكية والحركة غير الاشتراكية؟ ما هو عليه الرأسمال، وما هو ليس عليه؟ ماذا كان الاتحاد السوفيتي، وماذا لم يكن؟ طيف واسع من المقالات والمواضيع حول أية أشكال يتخذه النشاط بين العمال؟ نُصب من الأبحاث ومن المواضيع المدونة والمطبوعة إلى أشرطة التسجيل التي لم تدون بعضها وبعضها رسائل غير مطبوعة ومنشورة تشكل هذه الظاهرة.

أقر بمهمة لهذه الندوة، أحدها أن أقدم هذه الكتابات مرة أخرى لامرئ ذي صلة بالموضوع أن أعرّف وأعرض هذه الكتابات مرة أخرى وأقول ها هي، إنها تتعلق بهذه الأشياء، وكيف بوسعنا أن نمضي صوب تلك الأشياء، وبأي ترتيب، ونقرأها. توصيتي أن تقرأوها حقاً. من الممكن إن موضوع ما قبل ۱۱ عاماً مثل عربة صنعت قبل ۱۱ عاماً وننظر إليها اليوم. في ذلك الوقت كانت ذات شياكة، والآن لا تبدو جميلة جداً. من الممكن إن موضوع ما قبل ۱۱ عاماً لازال يحوي أموراً أولية وخاماً مقارنة بعقليتنا اليوم. ولكن حين تمضي لتنظر له سترى أشياء كثيرة فيه. إذ طرحت مواضيع جدية إلى حد كبير. كان لها تاثير حاسم في وقتها على حياة وممارسة أناس كثر. أحث كل من يأتي لهذا الموضوع أن يتابع تلك الموضوعات.

أورد نقطة هنا كذلك. ليست هذه الجلسة جلسة الحزب الشيوعي العمالي، ليست جلسة سياسية. لا أنوي أن أقدم خطاباً سياسياً. أريدها في الحقيقة مثل ندوة بحثية ونقاش حر، مثل حال مدرسة بالغين يجلسون للحديث عن ظاهرة من زاوية علمية. أود كثيراً أن لا تنظروا لي في إطار حزبي هنا، وأن لا تنظروا لي وللآخرين من أعضاء الحزب أنفسهم بإطار ذهنية حزبية. وأوصي كذلك أي امرئ ينتمي إلى حزب آخر، أن لا ينظر لنفسه من زاوية حزبه، ويفترض أن ماركسياً ما أو أن شخصاً ذا علاقة بالماركسية حضر هنا وينصت لموضوع كي يكون قادراً على التعامل مع بحث علمي أو بحث تحليلي بنقاط قوته وضعفه.

لا أورد أياً من الدعاية الحزبية أو النشاط السياسي للحزب الشيوعي العمالي بصورة مباشرة في موضوعي هذا. إنها ندوة تتعلق بالشيوعية العمالية والأدبيات الموجودة، وإذا عدت لهذه الكتب والكتابات، فذلك لأنها أدبيات هذا العمل. لو كانت هناك أدبيات أخرى، لكنت مضيت لها وتناولتها. ولكن هذه الكتابات، وبصورة محددة، هي تلك التي أتحدث عنها وذلك لأنها تاريخ هذا الموضوع.

فضلاً عن ذلك، إن شمولية هذا العنوان تسمح لي بكل ما أود قوله وأتناول أي زاوية أرغب. إن كل الموضوع هنا ذو صلة وربط. إذا كان أي بحث ذا صلة بالشيوعية بصورة حقيقية، لا يمكن حقيقة إخراجه من مفردات هذه الجلسة. وإن هذا سيساعدنا على الأقل في بداية موضوع ما، رحلة واسعة بحد يمكن أن يتضمنها أي موضوع. وبعد ذلك، يمكن أن نعرف علاقتنا بأي شيء، ومشكلتنا مع أي المفاهيم والمقولات، نمضي لنركز عليها ونعمل عليها. إن للعنوان هذه الميزة كذلك.

نهاية زلزال انهيار الاشتراكية البرجوازية، بداية هجمة الشيوعية العمالية

إن سبباً أساسياً لانطلاق الموضوع، فضلاً عن موضوع جمعية ماركس، بموضوعة الشيوعية العمالية هو أنه أزفت مرة أخرى ساعة هجوم نظرية الشيوعية. من ۱۹۸۹ الى ۱۹۹۲، جرى حدث مهم في العالم، وقد كان إعلان نهاية الشيوعية بشكل ما، شُنَّ هجوم، توارى الاشتراكيون من كل حدب وصوب. وقف عدة، وتوارى كثيرون. بالضبط، بنفس الجملة التي ذكرتها في المؤتمر الثالث (للحزب الشيوعي الإيراني في كانون الثاني عام ۱۹۸۹-م )، في عام ۲۰۰۱ ، ستجد إزاء كل ماركسي ذا خط وموقف، ألفي ماركسي سابق، يتحفوننا بأن ليس لهذه الأعمال من طائل، وأن هذه الكلمات، كلها، قد بلغت حدها ونهايتها ولا أفق لها وفقدت أهميتها. والآن نرى أن هذا الأمر قد حدث! لقد طرحنا هذا الموضوع في وقته، في المؤتمر الثالث للحزب الشيوعي الإيراني، وقد كان غورباتشوف قد أتى للحكم تواً. وحدث هذا بالضبط، وكنتم شهوداً على ذلك.

ولكن أعتقد الآن أن بوسع مرحلة أخرى من هجوم للماركسية أن يبدأ مرة أخرى. إن علائم هذا العمل موجودة برأيي. قبل (۵-۶) أعوام، في المؤتمر الأول للحزب الشيوعي العمالي الإيراني، طرحت موضوعة "نهاية مرحلة"، قلنا في هذه السنوات الست، بلغ هجومهم علينا أقصاه وانتهى. مرّ وانقضى كل شيء. شنوا هجوماً علينا، قتلوا، اعتقلوا، أغلقوا، ضربوا، أعلنوا حلنا، أعلنوا انعدام صلتنا، لم يقوموا بهذا تجاهنا، بل بوجه أي امرئ تحدث عن وجوب أن تكون طبابة الناس مجانية. سخروا، بمعنى ما سخروا أيضاً من أن يفكر أحد بمجتمع. لا يحق لك أن تكون نصير المجتمع، ينبغي أن تكون نصير الفرد والسوق.

إذا تتذكرون أن السوق الحر أصبح كلمة مقدسة بحد بحيث أحيل إليه كل شيء. الصحة، الطب، التربية، التعليم، الصلات الإنسانية، التغذية، الرواتب، كل شيء تم ربطه بالسوق. كل هذا لم يدم ۳-۴ سنوات، كان هذا أقصى ما بلغته جهودهم، لم يبق "بوش"، ولا تاتشر ولا ريغان، ولا الريغانية ولا التاتشرية. وعاد الاشتراكيون الديمقراطيون مرة أخرى الآن استناداً إلى خط ثالث، كي يتداركوا تدهور الأوضاع. لقد شنوا حملة لست سنوات ونثروا لست سنوات النعوت السيئة، ست سنوات من إشاعة الأكاذيب. وكان رمز ذلك الإطاحة بالحبال بتمثال لينين. تمثال لم نشيّده نحن، ولم تتحطم أعصابنا كثيراً حينها. لقد أطاحوا بتمثال لينين بوصفه إطاحة برمز الهجوم على ميدان الرأسمال كي لا يتجرأ أحد آخر على القيام بذلك. لقد سحلوه في الشوارع ورموه في الأنهار. لقد سحلوا هذا التمثال فيزيقياً. ولكن في كل مكان، إذا كنت طالباً جامعياً، إذا كنت منهمكاً في العمل السياسي، إذا كنت في نقابة، ستفهم أنهم يطيحون بذلك التمثال بطرق أخرى كذلك. لقد دفعوا ماركس خارج الأكاديميا! أعلنوا نهاية ماركس، وانعدام صلته! لم يعلنوا نهاية ماركس فحسب، بل نهاية التاريخ.

قالوا من الآن ولاحقاً سيقف المجتمع عند هذه المرحلة. إن هذا هو نفسه ما سيبقى من الآن ولاحقاً، المجتمع هو هذا وحسب، الرآسمال والسوق. اذهبوا وفكروا بحالكم وحياتكم الشخصية. لن يكون ثمة تغيير. إن مسار الإنسان من العصر الحجري قد بلغ هنا. لقد انتهى بوصوله لهذه المرحلة. أطلقوا على ذلك نهاية التاريخ. وعمموا هذا في العلوم، علم الاجتماع، الجامعات، الإدارة ووسائل الإعلام. ليس بوسعكم أن تجدوا صحفياً اشتراكياً يقول هل تسمحون لي أن أقول إن ثمة رواية أخرى للوقائع التي تتحدثون عنها، هل مسموح لي أن أذكرها؟ في أوائل السبعينيات، من بين كل مراسلين خبريين، تجد أحدهما يقول أنا اشتراكي، ومن بين كل ثلاثة استاذة جامعة، تجد اثنين قد علقا صورة ماركس في غرفتهم. في أعوام ۱۹۹۰ و۱۹۹۱، إذا عرفوا أنك اشتراكي، قد لا يؤجروك بيتاً في أوربا الغربية. وذلك للصورة التي رسموها عن أناس ما، عن قطب مهزوم، بصورة تشمئز لها الأنفس. قرنوا تشاوشيسكو بماركس وشوهوا كل شيء. لقد استمر ذلك لست سنوات.

لقد طرحنا في المؤتمر الأول للحزب الشيوعي العمالي، "نهاية مرحلة"، وهو منشور في المجلد الثامن. إن هذه المرحلة قد انتهت. لقد غدا أمراً ملموساً أن الضغط قد ولّى وعدنا لعملنا الشيوعي. لقد مرت تلك السنوات الست بصعوبة بالغة على كل امرئ كان منهمكاً بنشاط شيوعي، وعلى أي امرئ يسعى لإبقاء جمع شيوعي موحداً. مرت بصعوبة بالغة، وبوسع أناس هنا، أنفسهم، أن يفكروا مَنْ وأية أسماء كبيرة غدت ضحية تلك السنوات الست للحملة. قلة بقيت، وأي أناس وقفوا جانباً شيئاً فشيئاً أو انضموا إلى الحركات القوس قزحية المختلفة الاخرى؟ تركوا الحركة الشيوعية وانضموا إلى الحركة المدافعة عن المؤجرين على سبيل المثال. وذلك لأنهم يتحلون بشرف ونزاهة، يحسون أن هذا لازال مفيداً. توارى كثيرون. انقضت ست سنوات وعادت تلك الأجواء.

إن موضوعتي اليوم هي أن اليوم هو مرحلة يمكن أن تتلمس فيها مرة أخرى الحملة الماركسية، لا للدفاع عن أنفسنا، بل بوسع حملة شيوعية أن تنطلق. وإن أردت أن ترى علائم ذلك، عليك برأيي أن تمضي لتعقبها في القسم المتخلف من المجتمع، لأن قسمه المتقدم يقول إن عمال باريس في إضراب. انتهت تلك المرحلة. يعم الهيجان فرنسا مرة أخرى، تتعالى مرة أخرى دعوى العامل والرأسمال في فرنسا. وفي ألمانيا، ثمة اضطراب ما ويمكن رؤية أنه لم يستلزم ثلاث أو أربع سنوات ليخفت غبار الضجيج. ولكن اذهب لرؤية اقسامهم المتخلفة، برأيي أن المعلم الأساسي لهذه القضية هو اللغط الذي انطلق في الأكاديميات ضد مدرسة ما بعد الحداثة.

ضد المدرسة المنحطة لما بعد الحداثة، مرحلة تنامي مثل عظيمة

بموازاة هذه الهجمة المسماة سياسية، حققت مدرسة ما هدفاً. يقول البعض عنها قديمة ويقول البعض الآخر إن جذورها جديدة. مدرست حققت هدفاً، التنكر لأي أمر عالمي الطابع، كل أمر يشمل العالم، صحة أي مبدأ، وأي أسس لتقدم المجتمع وتطوره، تنكرت لوجود مسار تقدمي في المجتمع ومسار لدفع المجتمع نحو القهقري.

إن ما بعد الحداثة موجودة في مجمل الأقسام كذلك، تنطلق من مكان معين وتمضي نحو العلوم وعلم الاجتماع ومن الممكن حتى علم الفيزياء. وهو ليس ثمة أي أصل مؤكد. جهة التقدم ليست أمراً معلوماً، وإن كل شيء هو ذو اعتبار وقيمة لنفسه. ترى نموذجاً من تطبيق وقرابة ما بعد الحداثة مع النسبية الثقافية. حسناً إنها ثقافتهم، وإن تلك أيضاً ثقافة اولئك. إن جزوا رقاب بعض، فإن تلك هي ثقافتهم!

وليس هناك أفضل من هذا، وليس بوسعنا أن نقول ما هو أفضل. لا يمكن أن تكون لنا سلسلة معايير عالمية للحقيقة. ليس بوسعنا أن نعتقد بما جرى علينا أو حتى أن ندعي أن بوسعنا أن نعرف ما سيحل بنا. لا يمكن أن تكون لنا أمور كبيرة أو حتى موضوعات كبيرة لبحثها ونقاشها. كل شيء محدد، صغير ومحلي، وإن الصغير والمحدد والمحلي نفسه ما هو صحيح ومبدئي. وإن كل أمر كبير مشكوك فيه، وإن أي مسار هو كاذب، سواء للتراجع أو التقدم، أو حتى إن ثورة صناعية قد جرت في إنكلترا هو أمر ليس موثوقاً به، إنهم يفكرون في ذلك! يقولون: ليس أمراً موثوقاً أن ما نطلق عليه الثورة البرجوازية في بريطانيا هو أمر قد جرى، هل جرت ثورة حقاً؟ لانهم يقولون إن هذا التصنيف قد أُجْريَ يوماً ما بذهنية ماركسية، أطلق عليها ثورة برجوازية.

إذا نضع هذا الوصف جانباً، عندها ستكون الأمور مجموعة أحداث. يمكن تعريف ووصف النضال ضد الملكية أو ضد الخان أو حتى توضيح صراع ملاكي الأراضي مع الملوك. لماذا يطلقون عليها "الثورة الصناعية" أو "الثورة البرجوازية" أو "عصر التنوير" أو أي شيء آخر. تلك أيام لا تنسى بالنسبة لي. حين كنا طلبة جامعيين، كانوا دعاة إعادة النظر بالماركسية. كانوا أعضاء الحزب الشيوعي البريطاني. لقد التقيناهم واحداً واحداً في ندوات. كانوا ممثلي الامتعاض من الماركسية، وبالأخص كان عداؤهم للينين وامتعاضهم الشديد من أنكلس. يهدفون الى فصل ماركس عن أنجلس ولينين وذلك كي يكون هو طرف النقاش، وبعد منتصف حديثهم، تراهم لا يشاطرون ماركس ايضاً، ويعيدون نظرهم في حينه وفق خط غرامشي وخط الشيوعية الاوربية و..، ولكن بعد ذلك وفق خط ايزم (ملحق مثل ماركسيزم، ليبراليزم، و...غيرها-م) لهم.

نظرت ورأيت مصادفة بعضهم، وقد شرعوا بالدفاع عن الماركسية بوجه ما بعد الحداثة. إذا كانت الجامعات، أكاديميات خارج المجتمع، قد شرعت تقول إنهم يفرطون كثيراً بشن حملة على ماركس، ويقولون لماذا ينبغي الدفاع عن كتابة ماركس للتاريخ، عن الكتابة التاريخية الماركسية، عن التفسير الاجتماعي للماركسية، علينا أن ندرك أنا وأنت أن شيئاً ما قد حدث، وذلك لأن عمل الأكاديميات هو أن تاتي، في المطاف الأخير، لتوضح للناس ماقاموا به. تقول إنه هكذا كانت عليه الثورة المشروطية، وهكذا كانت عليه الثورة الفرنسية كذلك وهكذا كانت الثورة الروسية. لم يكونوا يعرفوا شيئاً عن البلشفية قبل البلشفية، ولكن أصبحوا بعدها ملمين بها. قبل أحداث يوغسلافيا، لم يكن لديهم أي تقييم لهذا الحدث والوضعية، ولكن بعدها كان هناك ثمانمائة مجلد حول ما كانت عليه مصيبة البلقان. إذا كان يحدث شيء ما في الأكاديميات، فاعرف أن حدثاً ما قبله كان قد جرى. وان يمكن رؤية وقوع الاحداث السابقة بوجود ظواهر ما. في الاحتجاجات العمالية التي انطلقت في أوربا تدريجياً ومارست الضغط على يمين المجتمع الغربي وأجبرته على اتخاذ موقف الوسط.

إذا تتذكرون، لم يتخذ أحد موقف الوسط. لشدة ما كانت الغلبة لتاتشر والتاتشرية، لم يفكر أحد أن بوسع حزب العمال في هذا البلد أن ياتي للسلطة مرة أخرى. ولكن، بعد ست سنوات، أتى للسلطة. ما أود قوله إذا كانت الأكاديميات البرجوازية، وبعد أبناء الحزب الشيوعي البريطاني أنفسهم الذي حملوا معولاً وأتوا لتقويض الماركسية، مضت بوجه ما بعد الحداثة والتردي السياسي والرجعي المرافق لها لتدافع عن النظرية الماركسية، عن علم الاجتماع الماركسي، عن الرواية والنقد الادبي الماركسي، وما يسمى بالتفسير الماركسي للمجتمع حتى، فإن هذا بوسعه أن يبين أن القضية قد تزحزحت عن حالها السابق. وبرأيي قد شرعت أيضاً لأن أجواء اليوم ليست أجواء قبل عشر سنوات خلت. إن هذا ما تحسونه وتتلمسونه بصورة تامة. إذا كان لبحثنا أن يكون له مكان ما في هذا السياق، علينا أيضاً أن نتصل بهذه القضية ونرتبط، وربما قد نتمكن مرة أخرى من أن نقيم حركة نظرية في اليسار الإيراني وفي حركة الطبقة العاملة مثل العمل الذي قمنا به قبل ۲۰ سنة خلت.

الاختلافات المهمة ما بين الجيل الجديد من الشيوعيين، ماركسية ما بعد مرحلة "نهاية الشيوعية"

قبل عشرين عام خلت، وفي رحم الثورة، اوجدنا اختلافات نظرية مهمة بين جيل من شيوعيي إيران. لقد طرح ذلك الجيل نفسه، وكنا ناشطيه كذلك. برأيي، يبدو أن بوسعنا اليوم مرة أخرى القيام بعمل ما من جديد، أن نقوم بعمل جديد، أن يحدث تخمر وتفاعل جديد، أن يظهر جيل جديد من الماركسيين يلعب، من الآن فلاحقاً، دوراً أساسياً في الثورة المقبلة في إيران على الأقل، وفي ثورة المنطقة. وبرأيي، في الثورات التي ستتخذ، نظراً للأوضاع، طابعاً عالمياً في العالم المعاصر. أن يظهر نوع من الماركسية ترك حتى ورائه موضوعة نهاية الشيوعية ويعرف ماذا يريد، يضع جانباً النقاشات حول المعسكرات، وإن تفسيره لنفسه ومهامه واضح له. إن كان لجمعيتنا، (جمعية ماركس-م) ومناقشاتنا هدف، هدف متفائل ومحلق في تطلعاته، فهو خدمة هذه العملية والمشاركة فيها.

نحن جمع بقي معارضاً للمعسكرات، تنصلوا عن مهمة الدفاع عن مرحلة بريجنيف وألقوها علينا. وقفنا برسوخ. حين لاذت منظمات "راه كاركر" و"أكثريت" و"الفدائيين" بالفرار، كنا نقف بثبات، ونحن من دافعنا عن التجربة السوفيتية حين كانت تتعرض لهجوم التاتشرية. فيما لم يبقوا هم، مضوا، أصبحوا ديمقراطيين. وفجأة، غدوا جميعاً، وبصورة غريبة، ديمقراطيين. على غرار الحزب الشيوعي الإيطالي الذي غير اسمه إلى الديمقراطيين اليساريين، وبعث توني بلير بلاغاً إلى مؤتمرهم الحالي. كلهم أصبحوا كذلك. لا يمكن الحديث معهم أيضاً عن الاشتراكية.

إن العمل الذي استطعنا القيام به في تلك المرحلة كان برأيي هو أننا صنّا، في أجواء اليأس تلك، وفي أجواء الهجوم تلك، خندقاً سياسياً وخندقاً تنظيمياً وخندقاً فكرياً وتعاليمياً (من كلمة تعاليم-م)، وحفظنا أفراداً ومادة إنسانية حولها، أصدرنا وأدرنا أدبياته، وأبدينا في أنفسنا مرونة وتحويراً كبيرين كي نقوم بهذا العمل. أي لو كنا قد اتخذنا موقفاً متصلباً أكثر نوعاً ما في حينه، لتحول الحزب الشيوعي العمالي نفسه إلى شيء صغير كثيراً. لقد ألغينا القرارات، أعطينا فسحة أكبر من الحرية، لم نتحول إلى "بابا" لأحد ما، لم نقم بتفتيش عقائد، تركناها حتى يبقوا داخل هذا الصف إلى أن تمر هذه الموجة. وحين مرت هذه الموجه، بدأ فعلاً تاسيس الحزب الشيوعي العمالي وشرع بنشاطه السياسي.

ما أود قوله هو أنه كان يمكن عقد مثل هذه الجلسة، ولكنها ستكون عديمة الفائدة، عديمة الفائدة في تلك الأجواء. إذ ليس ثمة آذان صاغية. ليس ثمة إحساس وحماس فيها، لم تكن ثمة صلة اجتماعية تتعقب عقدها. وبرأيي، لا تؤدي إلى تربية أي طيف أو يعرف: ها إن اليمينيين وقد مضوا الآن، كم قدم يمكن لهم أن يلجوا، براية حمراء، الشارع بحيطة وتوجس؟ توفر هذا الجو الآن، ويمكن الحديث بصورة مؤثرة برأيي. لا أريد أن أقول أن نبدأ من الغد وينبغي أن نبدأ حتماً الآن. كلا، برأيي كان بوسعنا دوماً أن نواصل إصدار هذه النشرة. ولكن هذه الجريدة (يلوح للاجتماع بالجريدة) هي جريدة "نقد"، جريدة قديمة جداً وإن صديقاً باسم شهرام والامانش كان يصدرها مع أصدقاء له في ألمانيا. أعتقد أنها توقفت عن الصدور. سمعت أنها توقفت. صدر منها في جيل خاص. وحتى خمسة أعوام بعد هذه العملية، أخرج اليسار في لحظتها رأسه من حفرته، في تلك السنوات، صدر ۲۰ أو ۳۰ عدداً منها. أرايتموها؟ نعم، قد يكون عدد قليل قد اطلع عليها.

إذا قمنا بعمل نظري في تلك المرحلة، لو ذهبنا في تلك الأجواء ومسكنا بهذه الحلقة، قد لا نكون بهذه الدرجة من ابتعاد الناس عنا. ولكننا اتخذنا ما يمكن تسميته بالترفع عن هذا كذلك برأيي. ومهما كان لي ولكم اهتمام بالكتابة لمجلة نظرية تريد أن تصدر في عام ۹۳ و۹۴ وتناقش نظرية ماركس، لتمت قراءتها بقلة اهتمام، ولكن هذه الأجواء قد تغيرت الآن برأيي. وإن مرحلة شن هجوم قد بدأت.

لقد انهزم السوق خارج الأكاديميات! لقد انهزم السوق قبل ۳ أو ۴ سنوات. لا يجرؤ أحد على القول إن السوق الحر هو جواب المسائل وحلها. إنهم لا يجرؤون على ذلك حتى. أثار وباء الزكام نقاشاً في هذا البلد (بريطانيا-م)، وهو نقاش الطب والصحة العامة في هذا البلد. إنه جدل يدور في كل مكان. غدت حكومة بلير المتغطرسة والمتعجرفة التي لم تطأطأ الرأس لأحد عرضة لهجمة شيوع الانفلونزا وانعقد لسانها، وأقرت بوجوب التفكير بالأمر. إذ لا يتحدث أحد بعد عن أنه يسلم حل هذا الأمر للسوق الحر. لا يجرؤ حتى المحافظون على الحديث عن إحالة الطب للقطاع الخاص، ولا يجرؤون على القول: أيها الناس، بوسع أي امرئ يرغب أن يذهب لقطاع الطب الخاص. الطب في تلك المرحلة؟ كانوا يقومون بخصخصة السجون! إنهم يفكرون الآن كذلك في خصخصة السجون. أي أن يقوم جمع منا بتوظيف الأموال في ميدان السجون، ومن ذلك نجني أموالاً! إن هذا هو المجتمع الذي تطأ أقدامنا خارجه.

لقد الحقت الهزيمة بأجواء "السوق". إذ نسمع الآن، بعد هزيمة السوق الحر والليبرالية الجديدة والنزعة الفردية التي انتهى عمرها برأيي قبل ثلاث أو أربع سنوات، صوتاً يصدح في المجتمع الآن: لا يمكن أن يكون الأمر على هذا النحو! ينبغي أن يكون للمجتمع توجه، أن يكون ثمة صح وخطأ. ينبغي أن يكون المستقبل أفضل من الماضي. وإن لماركس والاشتراكية ما يقولانه بهذا الخصوص. صحيح أن الاشتراكية القائمة الأن عاجزة في بلدان أوربا، التي هي بلدان حاسمة، ليس لها أي أثر أساسي، ولكن يمكن تلمس ضغط الاشتراكية على أقسام من الطبقة البرجوازية نفسها بأن هذه النقاشات ليست جواباً ورداً على الأمور.

إن الحركة المناهضة للرأسمالية التي دفعت الأمور من سياتل الى لندن لهيجانات هي أحداث عفوية لحركات وميول قد تجمعت في أفئدة الجماهير. لأسوق لكم مثالاً آخر: حين نال أطباء بلا حدود جائزة نوبل، وألقى رئيسها، وأظن أنه رئيس قسم بريطانيا، خطاباً حين تسلم الجائزة، خطاباً مهيباً ضد أمريكا والأمم المتحدة بالحديث عن: أية أوضاع خلقتموها في العالم؟ من كان جالساً هناك هم جميعا جزء من ارستقراطية المجتمع السويدي، وربما قادة دول أخرى. قامتا، أمريكا والأمم المتحدة، بدرجة من التخريب والدمار بحيث حين تحدث بصورة مناهضة للأمم المتحدة وأمريكا ولفكرة النظام العالمي الجديد وتدخل أمريكا ومجمل تلك الأعمال، التي على منظمة أطباء بلا حدود أن تهرع للملمة آثارها وعواقبها على الضحايا، صفقت ارستقراطية عالمنا المعاصر هذه له أيضاً!

صحوا على ذلك قبل ثلاث سنوات. ولكن غدت الأجواء الآن بشكل بحيث إذا أزلتَ الرقابة عن صحفي، ستجد أن قلبه يريد أن يقول شيئاً آخر عن يوغسلافيا. إذا رفعت الرقابة عن صحفي يكسب ثمانين أو تسعين ألف جنيه سنوياً في بريطانيا، ستجد أن قلبه ينشد قول شيء آخر عن العراق، وحين ترفع C.N.N أياديها من أحد صحفييها، تراه يريد أن يقول شيئاً آخر. لقد بلغ الأمر أنه في حفل توزيع جائزة نوبل، إذا توجه الشتائم لأمريكا وتؤاخذ الأمم المتحدة على أي استهتار تقيمه في العالم باسم الحرية والمساواة وما إلى ذلك، باسم الانسانية، فإن الجمع الجالس هناك، يقف على أقدامه، من ملك السويد إلى ذاك الشخص الجالس في الأكاديمية، ويشرعون في التصفيق بشكل يُجبروه ست مرات على التوقف. إن الضغوطات على الطبقة الحاكمة هي أمر ملموس.

أن لا يُطرح كلام ماركسي هو أمر وحقيقة جدية لا تعود الى انهيار الاتحاد السوفيتي ووضعية ما قبل عشرة أعوام، بدأ ذلك قبل ثلاثين أو أربعين عاماً، حيث لم تبق الشيوعية راية احتجاج، لكن تغير الوضع الآن بشكل بحيث يمكن أن تمضي لتقول كلامك. ماذا حل بموضوعة النظام العالمي الجديد حقيقة؟ لقد انتهت موضوعة النظام العالمي الجديد، ليس ثمة امرؤ كذلك يدعي إقامة نظام عالمي جديد، يراقب الآن ليرى إلى أي مدى يقدر الناتو على التدخل في المطاف الأخير. لا تجد أي عنصر للنظام العالمي الجديد. ولكن إذا تتذكرون قبل ستة أعوام، هناك ألف نظرية ونظرية حول كيف سيكون عليه هذا النظام استناداً إلى عالم ذي قوة عظمى وحيدة.

مضى النقاش مرة أخرى الآن صوب أن هناك طرفاً في الموضوع هي جماهير تنشد أشياء ما. ليست القوى العظمى من عليها أن تعيد ترتيب الأمور. تصدينا بصورة سياسية لهذه السنوات الست أو السبع. أعتقد أن علينا مهمة القيام بحصتنا ومساهمتنا النظرية، وبهذه الحركة النظرية وبالحركة النقدية التي بوسعها أن تتطور وتنمو في هذه المرحلة. أعتقد أننا، بوصفنا حزباً شيوعياً عمالياً، أشخاصاً في الحزب الشيوعي العمالي، نتمتع بمكانة خاصة، وذلك لأننا لم نغادر الميدان. وأزفت ساعة أن نتحدث عن "ألم يكن هذا ماقلناه؟!" ووقفنا وسعينا إلى كسب تلك القوى التي لذلك الخط في المجتمع. وعلينا الآن أن نلج هذا الجدل.

سؤال: ما مدى ماركسية هذه العملية؟ برأيي إن ما يجري ليس ماركسياً. إن ما يطلق عليه ميزان القوى في العالم الآن ينعطف لصالح اليسار مقارنة بسبع أو ثمان سنوات خلت. لازال لا يعكس اقتدار الماركسية. ولكن برأيي يمكن رؤية حضور اليسار الاشتراكي وماركس في هذه الظاهرة. لا أستبعد أوضاعاً تمضي فيها الأكاديميات على الأقل صوب ماركس وذلك لأنه يحضر في حياة المجتمع.

* * *

على أية حال، إن هذا يوضح إطار البحث الذي أود طرحه هنا. إن هدفي هو بصورة واضحة جداً طرح الشيوعية مرة أخرى. طرح الشيوعية مرة أخرى بالشكل الذي أعتقد أنه ينبغي أن تطرح به. أطرح شيوعية سميتها الشيوعية العمالية. تتمثل مهمتي في أن أسعى في هذه النقاشات إلى رسم تصوير للندوة بحيث، على الاقل، تعرفون حين أقول الشيوعية العمالية، فإن رؤيتي للشيوعية العمالية هي رؤية للماركسية، ما هي عليها وما ليست عليها. بعد أن نصور هذه الظاهرة، بوسعنا أن نخوض نقاشنا المتبادل. إنها صياغة أخرى للماركسية. إن الشيوعية العمالية، في التحليل الأخير، مثل بقية الصيغ والروايات والقراءات القائمة للماركسية، صيغة أخرى. إنها باعتقادي صيغة عرّفت وحددت إطارها الفكري بصورة دقيقة مقارنة بالعديد من الصيغ.

إذا اردت أن ترى ما هي الماوية، تُوضَّح الماوية بعون تاريخ الصين. بمساعدة ثورة الصين، تُوَضّح الماوية. إذا أردت أن تقول فقط ما هي أفكار ماو؟ لا تصل إلى كراسين ونصف تقريباً، أعتقد أن الفلاح الصيني يضحك عليها الآن. في وقتها، كان الكتاب الأحمر في القرى، كيف نزيّت بنادقنا كي لا تصدأ، وأي نوع لدينا من التناقض الرئيسي والتناقض الثانوي، ومن هو طرف التناقض الأساسي ومن هو طرف التناقض الثانوي، وكيف على الفلاحين الصينيين أن يحفظوا عن ظهر قلب هذه الجداول لأنه حين أريد أن أغير جبهة ما وأدخل الحرب مع جبهة أخرى كنت حليفاً لها حتى الأمس، لهذا عليكم أن تقرأوا "حول التناقض" كي تعرفوا لماذا أريد من الأربعاء المقبل أن أغير التناقض الرئيسي! إذا أردت أن تطلع على الماوية بوصفها رؤية، ليس لها أدبيات كثيرة.

إذا أردت رؤية التروتسكية بدون الستالينية، بدون ظاهرة ستالين وانعكاس تروتسكي في ستالين وحقيقة ستالين والتي تم نقدها لاحقاً من قبل التروتسكيين، لا أعرف كيف يمكن أن تجلس وتوضح ما هي أركان واختلافات المدرسة التروتسكية. من الواضح أن مرحلة ما بعد تروتسكي لا يمكن فصلها أيضاً عن تطورات اليسار الأوربي، وأن العديد من المفكرين اللاحقين وضحوا التروتسكية في فروعها المختلفة. لكن لأوضح مرة أخرى أن التروتسكية ليست شيئاً ذات مواضيع وأبحاث مدونة بقدر ما هي كيف فكر التروتسكيين أو يعرف الجميع أصولهم ومبادئهم الفكرية، صلتهم بالقومية أو الأممية وغيرها أو مثلا العامل الصناعي وأوربا وخارج أوربا وغيرها.

أو أفترض أنك تريد أن تطرح أدبيات اليسار المعادي للإمبريالية الذي كان أساس النضال شبه الشيوعي في أمريكا اللاتينية، وتقول إن هذا ما يقولوه عن المجتمع، عن الاقتصاد، عن الدولة، عن نظرية الحزب، عن الدين، عن السياسة، من الصعب أن تبني من أدبياته منظومة كاملة. إنك ترى عادة نضالاً سياسياً، حركة سياسية، وبعدها، سيراً ذاتية ومحللين يأتون ليقولوا مثلاً إن حركة الزاباتيستيين في المكسيك هي هذه وتأتي أفعالها وممارستها هذه من عقائدهم تلك. إنهم أنفسهم لم يتركوا مجموعة عقائد بصورة منسجمة بحيث بوسعك أن تراها.

ثمة مدارس شيوعية موجودة: الأوروكومنيزم، الشيوعية الاوربية، غرامشي، ولكن هناك كتابات قليلة لها. ولكن غرامشي نفسه لم يعد نفسه معادلاً للأوروكومنيزم (الشيوعية الاوربية). لقد قال كلامه، إنه امرؤ قال إن الأوروكومنيزم هي عادة مجموعة أطروحات مثل أطروحات بروسترويكا وغلاسنوست غورباتشوف على سبيل المثال. تطرح نوعاً من خط، وما بقي فهو واقع سياسي.

على النقيض منهم، الشيوعية العمالية فقيرة وضعيفة إلى أبعد الحدود من حيث الواقع السياسي. ليست ظاهرة قط في عالمنا المعاصر، إلا أن نأتي لنوضح الشيوعية العمالية باليسار في إيران والعراق وبمقاطع من أحداث. أما غير هذا، فهي رؤية. إنها نقد. على العكس، إذ يمكن فهم أركانها النظرية، الفلسفية، المنهجية، الاقتصادية، السياسية، ويمكن مطالعة نظريتها في ما يخص الدولة، رأيها بالمراحل الثورية، بماركس نفسه، بمكانة ماركس في كذا ظاهرة أو مكانة الظاهرة الفلانية عند ماركس، ولكن لا يمكن القول إن الشيوعية العمالية نظرية كانت مُسيِّرة لحدث وواقع تاريخي مهم على سبيل المثال في المنطقة الفلانية. فيما على النقيض من ذلك، يمكن إطلاقه على التروتسكية والماوية. لازالت الشيوعية العمالية منظومة فكرية، رواية عن الماركسية، نقد معين، صيغة وقراءة معينة للماركسية تسعى لترسيخ نفسها.

لقد جعل العديد منا، من هذه الشيوعية العمالية، هوية سياسية له. أعتقد أنها بدرجة من التحديد بحيث بوسعها أن تفصح عنا. بوسعها أن توضح هويتنا السياسية والثقافية والفلسفية والمنهجية. نطلق على أنفسنا شيوعية عمالية، وعلى آخرين شعبويين، وعلى غيرهم ماويين. ونعتقد أن الشيوعية العمالية جلية بحد كافٍ لتوضيح هذه الهوية. لتوضيح رؤيتنا، نظرتنا للعالم المعاصر، مساراته، أولويات الانسان اليوم، الأصول التي تنبغي مراعاتها، الآمال والأهداف التي ينبغي تحقيقها، نعتقد أن الشيوعية العمالية تقول لنا كل هذه. أعتقد أن مصطلحنا ومفهومنا يرمزان ويعبران إجمالاً عن نقدنا لهذا العالم الخارجي. أعتقد يمكن على أساسها تأسيس حزب، وأسسناه. بوسعها أن تكون أساس تأسيس عدة أحزاب سياسية. بوسعها أن تحدد لنا استراتيجية للنصر حتى. وفي الفترة الأخيرة، بوسعها أن تحدد لنا حتى الأسلوب السياسي لحزب سياسي. على هذا الأساس، بالنسبة للكثيرين، لآلاف الاشخاص، عدة آلاف من الأشخاص على الأقل في كل المنطقة، إيران والعراق، الساكنين الآن في أوربا، لعدة آلاف من الأشخاص، تعد الشيوعية العمالية رؤية ومدرسة ورؤية محددة ويمكن رسم ملامحها بصورة تامة. إنها ليست لفظاً. إنها شيء يمكن رسم ملامحه، يصيغ حياتهم اليومية، نشاطهم، ونظراتهم والأسلوب الذي يطرحونه. أي شيء يجابهونه، وأي شيء يتصدون له، وأي شيء يتراجعون أمامه، وكيف يمضون ليلهم ونهارهم في هذا المجتمع، هو أمر توضحه هذه الرؤية إلى حد كبير. وإن هذا يقول لنا أمراً ألا وهو إنها ميل واتجاه ورؤية مهمة.

طرحت على نفسي سؤالاً: ماذا كان ماو قبل انتصار ثورة الصين؟ قبل عام ۱۹۴۹، قبل عام ۱۹۲۸ (على أية حال، إن ماو كدح أيضا عشرين أو ثلاثين عاماً)، ماذا كان ماو في عام ۱۹۲۸ و۳۰و ۳۱، و۳۲؟ كان يعود تواً من الكومنترن (الأممية الثالثة) من عند ستالين، ماذا كان يقول ماو في حينها؟

إذا كنت تعيش قبل انتصار ثورة اكتوبر، على سبيل المثال في عام ۱۹۱۴، ويقولون ما هي البلشفية؟ ماذا تقول: إنها مدرسة عظيمة أزاحت العالم؟ لم يكن الأمر كذلك! البلشفية في تلك المرحلة تيار داخل الاشتراكية الديمقراطية الروسية، راديكالي، عمالي، لا يساوم مع المساومات السياسية للمناشفة مع الاستبداد السياسي، كان يقوم بفصل صفه في الأممية الثانية عن النزعة الارتقائية والتدريجية والتكاملية. ولكن ما هو أهم من هذا؟ في الحرب العالمية الأولى، مضى ليقف ضد الحرب، وبدل أن يدافع عن برجوازية بلده، تحدث عن وجوب إدارة فوهات البنادق صوب برجوازية بلدانهم. إنها البلشفية في تلك المرحلة.

أثمة عدة آلاف كانوا بلاشفة بالمعنى الفكري الفلسفي في حينه؟ لا أعلم! يمكن المضي ودراسة الأمر والتحقق منه. كانوا عدداً من المهاجرين من روسيا وعدداً من العمال في روسيا. يتجمعون على الأغلب في مدينتين أو ثلاث رئيسة. وإن كانت هناك أدبيات عندهم، لا نعرف أنا وأنتم عن ذلك. انظر الآن نطبع جميع أعمالهم. بوسعنا وضعها أمامنا، وننظر ما هي الكتب الأساسية للينين قبل ۱۹۱۷، قبل ۱۹۰۸، قبل ۱۹۰۵؟ حين تنظر ترى أن الكتب الأساسية للينين هي المتعلقة بثورة روسيا. تكتيكان في الاشتراكية الديمقراطية الروسية، مالعمل؟، الإمبريالية، والذي يعود أساساً للحرب وصلة الحرب الامبريالية ومنافساتها. وبعدها نبلغ مرحلة ۱۹۱۷ التي شرع لينين بالكتابة حول الدولة وألف شيء وشيء تعد اليوم أسس أبحاثنا في مجابهة الأممية الثانية.

عبر ثورة روسيا، تحولت اللينينية إلى اتجاه يلعب دوراً في حياة الجماهير. وليس قبلها! لم يكن معلوماً قبلها أن البلاشفة سيكونون اتجاهاً أساسياً في اليسار العالمي. لم يكن معلوماً مسبقاً. إذا أردت أن تقيسها حينها، من الممكن أن تكون بقدر الأبعاد التي ذكرتها. نحن أيضا حزبان أو ثلاثة أحزاب سياسية في بلدين أو ثلاثة بلدان، أحدهم من ۶۰ مليون نسمة. لدينا جرائد كثر. حين تنظر إلى جرائد البلاشفة، تجد أنها أقل منا بكثير، وأن نفوذهم على الرأي العام لبلدهم كان أقل منا بكثير. ففي يومنا هذا نفسه، لدينا إذاعتان أو ثلاث تبث في المنطقة، أحدهما شرعت في عملها قبل أربعة أشهر. يتصلون بها، من هذا الطرف من العالم لذاك، أناس يقولون إنهم يشاطرونها الرأي. من زاهدان إلى تبريز. يبحثون عن كتبه، تأسس حزب مماثل له في العراق. ونظراً لتأسيسه، التف أناس كثر حوله. قُتِلَ منه، يحارب، يقوم بالدعاية. حزب تأسس بصلة مع إيران، أعتقد أني لا أبالغ إذا أقول، إنه أكبر منظمة يسارية معارضة إيرانية، أكثرها نشاطاً. ربما أكبرها يعني في التحليل الأخير أكثرها عدداً، إنها أقوى منظمة يسارية وأكبر منظمة يسارية راديكالية، وإن راية الماركسية في البلد بيدها. إن مثل هذه الظاهرة هي قبل انتزاع أي نوع من السلطة، قبل أن نسيطر على زقاق، قبل حتى أن نحافظ على قرية بيدنا، قبل أن نعلن حكومة ولاية ما. إن هذا هو وضع توجه.

وعليه، أعتقد أن الشيوعية العمالية، وبصورة حقيقية وواقعية تقف بموازاة التروتسكية والماوية والشيوعية الأوربية وغرامشي وأفترض اليسار الجديد حتى (والذي، أي اليسار الجديد، ليس مع هذا الصف، ليس قطعاً، وذلك لأنه لم يترك أي حدث سياسي حقيقي في حياة مجتمع مهم، لم يرتبط هذا التيار بشيء). إنها (الشيوعية العمالية-م) تيار في أوضاع ما قبل ثورية، ما قبل انتزاع السلطة. يمكن أن تسلك هذا الدرب، ومن الممكن أن تمر وتتلاشى. بوسع هذا التيار وهذه الرؤية أن يبقيا تحت الأرض إلى أن يخرجهما يوماً ما، شخصٌ ما، في مكان ما، ويقوم مع هذه الراية بعملٍ ما يبقى في أذهان الجماهير ويقولون: آها، إن الشيوعية العمالية اتجاه سياسي، اتجاه يساري معروف يمكن الحديث عنه، ويمكن كتابة شهادة دكتوراه حوله. كيف يفكرون؟ لماذا قالوا ذلك؟ ما هو فرق واختلاف مواقفهم عن البقية؟ لازالت رؤيتنا الآن، رؤية حركة معينة في الشرق الأوسط. استطاع البعض أن يجد له أنصاراً ومؤيدين في أمريكا وأوربا الغربية، استطاع البعض ترسيخ موضعها، ترسيخ دورها في أماكن أخرى، لكن الحديث أساساً عن عدة آلاف من الأشخاص الشيوعيين في عدة بلدان تعاطفوا معها، وبعدها واجهوا بنتائجها السياسية على شكل نشاطات هذه الأحزاب.

أعتقد أن هذا أمر مهم. أي إني لا أقول هذه الأشياء كي أقلل من شأن الشيوعية العمالية، بل إني أتحدث عن أهميتها. إن الشيوعية العمالية هي، وقبل أية ثورة في إيران والعراق وكردستان، بلدين أو ثلاثة، ظاهرةٌ أهم من الماوية قبل انتصار الثورة الصينية برأيي. وذلك لأنه لم يكن لها، أي الماوية، أي تصور عن أي شيء. يمكن الحديث عن الحزب الشيوعي الصيني الذي سعى بعون الكومنترن إلى طرد اليابان. لقد تأسست الماوية بوصفها ماوية في رحم تلك العملية. كان الأمر على العكس في منظومتنا.

في منظومتنا، الشيوعية العمالية منظومة مدونة، رؤية معينة للماركسية. إذا كانت الماوية رواية معينة للماركسية، وذلك لأن الباحثين ذهبوا بعد ذلك ووجدوا أنها كانت رواية معينة للماركسية. رأوا أعمالها. نظروا إلى سياساتها، قيّموا طروحاتها، فهموا: آها، إذا وضعناها تحت سقف واحد، ستكون مدرسة لنفسها تنظر للماركسية بهذه الطريقة. وعليه، يمكن دراسة الأبعاد المختلفة لهذه الموضوعة، ونظراً لهذا، الشيوعية العمالية مهمة برأيي. لا لأنها الآن أساساً على السطح ظاهرة مثل الماوية، التروتسكية، البلشفية، الأوروكومنيزم أو اليسار الجديد. إنها ليست على هذا الصعيد والمستوى قط. لم ندّعي هذا قط. بيد أن القدرة الانفجارية الموجودة داخلها أكثر عظمة منهم، وذلك لأنه انتهى عمرهم، ورأينا ما يمكن أن يأتي على أيديهم. ولكن هذه، أي الشيوعية العمالية، تنتظر فرصة في المنطقة، وإذا كانت غداً، ولمدة ثمانية أشهر أو سنة حتى عشر سنوات، في زاوية ما من ذلك البلد، تكون الشيوعية العمالية على سبيل المثال الإيديولوجيا والسياسة السائدة على حزب سياسي ينتزع سلطة، ويطبق برنامجها فوراً، وأفترض يعلن عشيتها مساواة المرأة والرجل في هذه المنطقة، المرأة والرجل متساوين، يتمتع الطفل بحقوق إنسانية، يحجر الدين في جحر: لا تتعرض للحيوانات، تحدث بأدب، لا تلحق أذى بالأطفال حتى نفسح المجال لك لتقول ما تريد، هنا الملكية الخاصة ملغاة، وإن أي أمر موجود في هذا الكتاب (عالم افضل، برنامج الحزب-م) يتم تنفيذه وتطبيقه.

إذا قمنا بهذا العمل لمدة ستة أشهر، عندها ستحل الشيوعية العمالية بوصفها اتجاهاً سياسياً ذا مكانة على الخارطة. عندها يمضي شخص من بوليفيا، وآخر من إيطاليا وشخص من أفريقيا لقراءتها. إنها تترجم الآن إلى لغات كثيرة، عندها ستترجم إلى لغات أكثر. عندها يقولون إن اتجاهاً حلَّ أيضاً في إيران والعراق والمنطقة وكذلك حركة تحت هذه الراية. عندها يمكن أن نجد نظيرها ومعادلها الألماني، آمل ذلك. إن فرقنا برأيي هو أن مستقبل البقية في ماضينا، في وقت إن مستقبلنا الآن في طور التشكل والصياغة. وعليه، إنه لأمر مهم أن عدة آلاف من الأشخاص، أؤكد، في أوج المعاداة العالمية للشيوعية، في أوج إعلان العالم لنهاية الشيوعية، في إوج حكومات شرسة في المنطقة، وقف عدة آلاف لعقد (على الأقل عشرة أو خمسة عشر عاماً نمضي على هذا الخط) وبقوا متحدين وصرفوا طاقتهم وحياتهم لهذا، وإنه دلالة طاقة سياسية عظيمة لهذا الخط. وإن هذا ما يجعلنا ويسمح لنا بالحديث عنه.

إني أتحدث عن الشيوعية العمالية، ليس بوصفها سلسلة عقائد انتقائية يمجدها أحد لآخر في بيت رفيقه، بل بوصفها تلك الإيديولوجيا والمنظومة الفكرية التي وحدت حولها حزبين سياسيين بهذا الحجم في أحد أعقد أوضاع تاريخ الاشتراكية، أبقتهم في الميدان، أبقتهم منهمكين بالدعاية والتحريض، بالرد على الأكاذيب، بالانهماك في الرد على الخرافات، بتوفير ملاذ آمن لأناس فارين، بالدفاع عن حقوق المرأة. إنها أمور مادية، إنها أحداث جرت. إن هذه الاتحادات موجودة، أقيمت، إنها اتحادات حالت دون توحيد الحكومة القومية هنا، أحداث كانت مبعث عدم انجرار المعارضة خلف الحاج خاتمي، إنها أحداث جرت. إنها أحداث كانت مبعث أن يكون اليسار الإيراني أكثر ماركسية من اليسار في باكستان، من يسار تركيا، من يسار إيطاليا، من يسار ألمانيا. إن هذا أمر مهم! ۶۰ مليون نسمة يعيشون في ذلك البلد فقط، بلد نفطي في الخليج العربي. لو تضع هذه الرؤية تاريخ هذا البلد تحت تاثير تلك الأحزاب لستة أشهر، عندها تمضي هذه الرؤية لتقف بمستوى التروتسكية، الماوية، اليسار الجديد والأوروكومينزم، ويُجبر الآخرون على مطالعتها مثلما هو الحال معهم.

على أية حال، تصل بي أهمية هذه الرؤية، في المطاف الأخير، مباشرة إلى نقطة أخرى تبين لي تعقيد موضوع اليوم، على الأقل بالنسبة لي، ولكم بدرجة ما. إنها مكاني في هذا البحث. هذه هي المشكلة القائمة. لقد دون شخص معين ۹۹.۹٪ من الكتابات والأدبيات التي تحدثت عنها. وإنه هو من رفع هذه الراية أكثر ودفعها للأمام ووضحها. كتب رسائل من أجلها، جادل من أجلها، أبدى رأيه وكتب ووضَّحَ من أجلها. إذا افترضنا غير ذلك، أي إذا لم اكن أنا متحدث هذه الندوة، ويأتي شخص ثالث هنا لتقديمها، سيكون الأمر بسيطاً جداً. سيأتي ليقول انظروا: الشيوعية العمالية هي مجموعة مباديء، أحكام وتحليلات دوّنها أساساً، على امتداد سنوات ۸۶ الى ۹۶، امرؤ اسمه منصور حكمت في الكتابات الفلانية. وكانت هناك أشياء أخرى كذلك، ولكن إذا أردنا أساساً أن نعرف ما هو موجود، تمثل تلك المادة الهيكل الأساسي لهذه الأدبيات، وأود أن أتحدث عنها.

بوسع شخص ثالث، وبراحة بال، أن يتناول الموضوع. بوسعه أن يتحدث عن ضعفها، ولكن بوسعه، في الوقت ذاته، أن يبين نقاط قوتها أفضل مني. بوسعه أن يتحدث بصورة موضوعية ولا يحسبوه عليه تكبراً. عندها لا يحسبوا أنه يمجد كتاباته. بوسع شخص ثالث أن يطرح هذه الرؤية بعينيتها. إن هذا الشخص قال كذا، وبوسعه أن يمضي للبحث في جذور ما قاله. الأمر صعب بالنسبة لي، ويتحمل أشياء أخرى كثيرة غير البحث عن الحقيقة.

إذا أتيت لأقول: رفاق! إن جذور موضوعة الشيوعية العمالية بصورة واقعية تعود إلى شخصين أو ثلاثة، بدلاً من أن يترعرعوا في اليسار الإيراني، ترعرعوا مع اليسار الإنكليزي. إن هذا أمر مهم في هذه الظاهرة. إن هذا أمر مهم إن أردت أن أعرّف واصف هذه الظاهرة. أنْ نعرّف أن الأشخاص الذين كانوا منطلق ومبعث خطنا هذا الذي نناقشه هم موجودين هنا، مثلما ذكرت في جوابي على "درب الحرية"، أن أساسها هو أن جذورنا اليسارية لا تعود إلى الانتقال من الإمام الحسين إلى جيفارا ومن دكتور مصدق إلى لينين. إن جذورها في الغرب، إن جذور موضوعتنا في ألمانيا، في بريطانيا. إذا تحدث شخص ثالث بهذا الكلام، بوسعه أن يصرّ على هذه الموضوعة ويقول: نعم إن منصور حكمت أو حميد تقوائي كانا أساس ظاهرة باسم [منظمتي] سهند واتحاد المناضلين الشيوعيين (منظمتان أسسهما منصور حكمت ورفاق له-م). إن سبب ظهور هذه الرؤية بهذا الشكل هو أنهم، وبصورة ملموسة، لم يستمدوا في تلك اللحظة شيوعيتهم من الخط الفدائي في إيران. إنهم لم يأتوا من الماوية، بل تطوروا ارتباطاً باليسار في بريطانيا. وإن معايير ومقاييس أخرى في الشيوعية هو ما كان مطروحاً بالنسبة لهم. في تلك المرحلة، لم يكن لها مسحة شرقية أو عالم ثالثية أو مسحة معادية للإمبريالية. كانت شيوعيتهم معادية للرأسمالية. بوسعي أن آخذكم معي إلى أدبيات [منظمة] اتحاد المناضلين الشيوعيين كي أشير لكم إلى الأصول الفكرية للشيوعية العمالية بالشكل الذي صيغت فيه خلال السنوات العشرين المنصرمة في إيران، وأريكم أسسها الاجتماعية كذلك. وبالتالي، أن أسرد لكم هذا التاريخ. إن كان شخص ثالث يقوم بذلك، فسيكون بوسعه أن يقوم بهذا العمل بصورة أكثر ارتياحاً برأيي.

ولهذا أطلب سمحكم إن كنت مجبراً على الرجوع، على امتداد الموضوع، بصورة مستمرة إلى كتاباتي، أو إلى منظمة أنا نفسي عضو فيها، أو عدة أناس عملت معهم، واسمهم موجود هنا. ثمة كتب كثيرة عليكم قراءتها، ثمة كتابات كثيرة أعتقد أن على أناس يشاركون في هذا الموضوع أن يقرأوها كي يتمكنوا من إبداء رأيهم. لقد كتبت القسم الأكبر منها. وإن مقداراً كبيراً من الموضوع حول الشيوعية العمالية هو دون شك بحث حول ما مر كل لحظة بحيث جعلنا نقول هذا، لماذا مضينا من هنا الى هناك، لا حول لماذا أن هذه الفكرة قد طرحت بصورة مجردة. بوسعي، بوصفي شاهداً موضوعياً على عملية صياغة وتشكل موضوعة الشيوعية العمالية، أن أذكر لكم أن هذه الظاهرة قد ظهرت بالشكل الذي عليه، ظهرت بهذا الشكل تحت ظل تلك الضغوطات، كانت تتعقب الهدف الفلاني، بيد أن هذه هي الحصيلة الموضوعية لنظريتها بالنسبة لنا.

إني مجبر على القيام بهذا العمل، وأتغاضى عمّا يسمى بأنا المحورية في هذا الموضوع. أعتقد أن بوسع مراقب موضوعي أن يأتي ليتحدث عني ومكانتي الموضوعية في هذا البحث، وبرأيي من حقه أن يقول، أو إذا افترضتم أن كورش (مدرسي) أو فريبرز (بويا) يودون أن يتحدثوا هنا، ينبغي عليهم أن يبحثوا الأمر على هذه الشاكلة. ولكنني مجبر على القيام بهذا العمل. ولكن مساوئه، في المطاف الأخير، يتمثل بالنسبة بعدم استطاعتي أن أدافع عنها مثلما هو الحال مع دفاعي عن ماركس وعن رأسمال ماركس، وأقول: انظر إلى هذا السطر، وكم كتب بصورة جميلة، وإن بحثه هذا يعود لبحثه ذاك، وإن هذا يعود إلى ذلك المكان في الإيديولوجيا الألمانية، لا يمكن بالسهولة نفسها أن أسمح لنفسي وأقول: انظر نادراً (اسم متعارف لمنصور حكمت-م)، وكم هو جميل ما كتبه هنا، إن بحثه هذا يعود إلى الاجتماع الفلاني والرسالة الفلانية، وإلى اجتماع اتحاد المناضلين الشيوعيين، وإلى الاجتماع الذي عقده على سبيل المثال في الهايد بارك مع الرفيق الفلاني. ليست أياديي طليقة، للأسف. أعتقد أنه مرتبط بتاريخ هذه القضية. ربما أستطيع أن أقوم بهذا في فرصة أخرى. ربما في ذلك التاريخ الشفهي الذي من المقرر أن نجلس لاحقاً لنناقش ما يخص تجربتنا السياسية جميعاً ونسجلها، ونبحثها هناك.

ولكن في المطاف الاخير هناك مزية، تتمثل هذه المزية بـ: وإن يكن بوسع الشخص الثالث أن يتحدث بصورة أعمق، اسمحوا لي أن أورد مثالاً. إذا جلبت وودي الن أو فليني أو هيتشكوك وتسأله: تحدث لي عن السينما، تحدث لي عن أفلامك! بوسعه، بدرجة ما، أن يعطي رأيه بصورة محدودة أكثر، وذلك لأنه لا يستطيع القول: أي إخراج رائع لهذا الفيلم! كم هو جميل فعلاً التصوير هنا! إنه مجبر على أن يقول إني أحسست بهذا الشكل في هذا الفلم بحيث عملته بهذا الشكل أو كانت المحضورات علينا هي كذا. ولكن لازال هيتشكوك وودي الن وفليني يتحدثون عن هذه الأفلام بصورة هم هنا وأفلامهم هناك وانتهى الأمر. هذه الأفلام وهؤلاء هم.

ولكني ذكرت: في الشيوعية العمالية شرعنا بعملية، وهنا نحن ندون، ندونها أخيراً بصورة جماعية، إننا جالسون لعمل فلم آخر يخص أفلامنا حتى الآن. وضعنا، من الناحية الموضوعية، هو الوضع ذاته الآن. وعليه، بوسعنا أن ندفع الموضوع لما ينبغي أن يكون عليه. ولهذا، لسنا مجبرين. ليست أفلام شخص ما رحل أو جرى له شيء ما، وليس بوسعنا أن نمد أيدينا عليها، ولا نستطيع إضافة حجر أو ميدان لها، ولا نغيّر دبلجتها. إننا نجلس هنا. إنها انطلاقة مرحلة جديدة في موضوعة الشيوعية العمالية. لم يعط أحد ما "سرقفلية" (الكلمة ذاتها بالعامية العراقية، وبالمصرية "خلو رجل"، اي بمعنى مقدمة نقدية-م) ليسمعها. إن أعطى فهو جالس في الندوة هذه؟ وعليه، بوسعنا أن نأتي وندفع الموضوع أبعد سوية للأمام. بوسعنا أن نمحِّص نقدنا، بوسعنا أن نقول إن هناك ماخذاً ما على هذه الصيغة، من الممكن أن تخرج وتطرح، إن هناك أبحاثاً جديدة للشيوعية العمالية في سلسلة الأبحاث هذه أفضل من السابقة، أوضح، وأكثر وعياً، وتخص حركة جديدة. ليس بالضرورة البقاء في نطاق تلك الكتب. إن هذا يطلق أيادينا، ويمنحنا حرية عمل.

ولكن موضوعة الشيوعية العمالية، في المطاف الأخير، تتحول إلى أن أطرح لكم صيغتي عن ماركس. حين تعود إلى هذه العملية، وتنظر لها، تجدها هي هذه. أن تجعل من هيتشكوك يتحدث عن أفلامه وإنتاج أفلامه لكم. على أية حال، إن هدف موضوعة الشيوعية العمالية هو، في المطاف الأخير، أن يضع جمعاً من الشيوعيين في مكانة أوعى بالأعمال التي يعدوها مهمتهم. أي لنتصور التالي: إذا بلغنا في نهاية هذه الندوات إلى أن يقوم جمع منا ملّم بنقطة قدرة حركتنا وبنقطة ضعفها، وأن مستقبلها يكمن بهذا المسار. وبوسعي أن أمضي إلى منبر لحسم هذا البحث بين مئة شخص آخر وأرسي قوة استناداً عليه. لا يمكن أن يكون الهدف الأخير لهذه الحركة، مثلما هو الحال عليه من وجهة النظر الماركسية، سوى تغيير العالم.

ليس بوسع موضوعة تتعلق بالشيوعية العمالية أن لا تكون مرتبطة في المطاف الأخير باتحاد الشيوعيين ووحدتهم وتغيير العالم. حتى لو أردنا أنا وأنتم أن نضع فرامل، فإن هذه هي خصوصية البحث. إذا لم يؤدِ ألى نتيجة، حيث شاركت في اجتماعات مثل هذه، وإذا طالت كثيراً، سيمضي جمع ويؤسس حزباً جديداً فيها. أود أن أقول إن سمة البحث الشيوعي هي أنه حين تنصتوا له جيداً، فإنه يحفزكم لأن تقوموا، في المطاف الأخير، بعمل تعتقدوه صحيحاً. وإذا قمتم بهذا العمل، عندها نكون نحن وماقمنا به نموذجاً فعلاً، إذ تمكن البحث من أن يكون حافزاً وسبباً لأن يصبح عدد كبير من الكوادر مفكرين وقادة لمرحلة جديدة من النشاط الشيوعي العمالي المطروح أمامنا. لقد طوينا هذا بصورة بيانية (صعود وهبوط-م). لم يضع لمدة طويلة أناس جدد أقدامهم في هذا الميدان في حركتنا، حركة اليسار برأيي.

إن مجمل اؤلئك الذين هم ذوو آراء في اليسار الإيراني اليوم هم ثمرة ثورة ۱۹۷۹، أو بدرجة صلب عودهم هناك، وتولدت شجاعة إبداء الرأي في ما يخص أحكام اليوم الكبيرة. في ما بين ثورة ۱۹۷۹ وإلى الآن، أي من اليسار الذي ظهر هناك إلى اليسار الذي يمضي الآن صوب ثورة جديدة بالأخص في المنطقة، لا يحس المرء للأسف أن إيديولوجيين جدداً قد تشكلوا. شخصيات تقول عنها إن مستقبل الحركة الشيوعية، الحركة اليسارية بأيديهم وهذا واضح عليهم من ملامحهم الآن. إن هدف هذه الندوة، في جزء منه، هو أن نلتفت إلى هذه المسالة، ناهيك عن المساعدة في وضع أناس أقدامهم في هذا الدرب عديم الأجر. على أية حال، بلغت اللحظات الأخيرة من تلك الأربعين دقيقة التي من المقرر أن تكون الجولة الأولى لحديثي.

بعد هذه النقطة، سأتناول طرحاً يتعلق بمجمل الندوات وما سأقوله في كل بحث وبعدها أتناول بحث اليوم. إذا أراد أحد أن يطرح سؤالاً أو نقاطاً بوسعه أن يطرحها الآن في العشرة دقائق أو الربع ساعة.

أسئلة

سؤال: سؤالي يتعلق بالقسم الأول من حديثكم، (بقية الحديث غير مفهوم....)

جواب: برأيي يجب رؤية جانبين في هذه الأحزاب. كانت الأحزاب الموالية للاتحاد السوفيتي تتمتع بميزة على التيارات التروتسكية، بالطبع ليس كل التروتسكيين، بل أغلبهم، وبالأخص على الماويين الذين في أوربا، وهي أن لهم وجوداً في أقسام من الطبقة العاملة. أي أن أحد أماكن تواجد الأحزاب الشيوعية دوما، الأحزاب الشيوعية القديمة في أوربا الغربية هي الحركة العمالية، وبالطبع يبدي قسم كبير من العمال الراديكاليين والشيوعيين لهذه البلدان نظرة تعاطف مع الحزب الشيوعي الفرنسي، الحزب الشيوعي البريطاني حتى، الحزب الشيوعي الإيطالي إلى يوم وجوده. إن ذلك الخط وتلك الرؤية وذلك الانتماء المعسكراتي التي شكلت تلك الأحزاب ليس لها دور يذكر في مصير الشيوعية برأيي، ولكن المادة التي تشكل قسماً كبيراً من هذه الأحزاب برأيي، وبالأخص على صعيد صفوف الطبقة العاملة، هي المادة ذاتها التي ينبغي أن يُبنى عليه هذا المستقبل. سأصل إلى هذا.

سؤال: (غير مفهوم إلى حد ما) في أحد مراحل الشيوعية العمالية، تؤكد على الحركة العمالية في بلدان معينة. في مرحلة اهتم ماركس وأنجلس بالطبقة العاملة الألمانية، في حين، على سبيل المثال، أن بريطانيا أكثر تقدماً. السؤال هو لماذا تعتقد بوضوح أكبر أن هذه المسألة تصح على إيران؟

جواب: أعتقد أن دور ثورة ۱۹۷۹ وذلك الزخم الذي أضفته على مسار الوعي والوعي الذاتي وكذلك البحث السياسي للمجتمع هو أمر حاسم، كذلك الأسئلة المطروحة وإيجاد الردود في المجتمع، في الفترة مابين ۷۸ و۷۹ الى ۸۰ و۸۱ برأيي بقدر مجمل العشرين سنة التي سبقتها والعشرين سنة اللاحقة في ما يخص النشاط الفكري والسياسي الصريح والعميق في المجتمع لإيجاد الردود.

علي أن أفكر الآن لماذا ماركس ألماني وليس إنكليزياً على سبيل المثال، ولكن في ما يتعلق بنا، وفي ما يخص لماذا استطاع خطنا أن يجمع هؤلاء الألفين أو الثلاثة آلاف شخص في المنطقة حوله، أو على الأقل طرح بديلاً أمام اليسار على الأقل ألى ذلك الوقت، والآن هم ثانويين بالنسبة لذلك الحدث التاريخي، فأعتقد أنه نتيجة وثمرة السمة الثورية المتحولة للمرحلة الثورية. في المرحلة الثورية، كل عام لها يعادل ألف عام فعلاً، وكل يوم بألف يوم، وإننا نرى أن التأثير على العملية السياسية في المرحلة التي تلتها هي ليست بذاك الحد.

على سبيل المثال، تصبح النظرية في المرحلة الثورية جماهيرية بسرعة كبيرة، تغدو مطروحة بصورة سريعة جداً، ونرى ما هي الاستنتاجات العملية التي يمكن استخلاصها من هذه النظرية، وأي نتيجة يمكن استنتاجها بعد غد عند مجابهة الجناح اليميني أو اليساري للحكومة أو الحزب الفلاني. على سبيل المثال، طرحت مجمل نقاشات الدفاع عن برجوازيتها في ما يخص الحرب الايرانية-العراقية، تحدث اليسار في أيران مرة واحدة، وفي ۱۵ إلى ۲۰ يوم قال كلامه. مضى الجميع لتلك الأدبيات الشيوعية، أخرجوها من تحت الأرض وقرأوها كي يروا ما ينبغي عمله تجاه حرب إيران والعراق. هل ندافع عن دولة بازركان المؤقتة أم لا؟ إن لاحظتم بدقة ، ترون الجميع تقريباً وقد مضى لقراءة لينين في تلك المرحلة. كانت تلك التفاعلات وسرعة التفاعلات السياسية في المرحلة الثورية حاسمة برأيي. أعتقد حين كانت تبلغ المرحلة الثورية خاتمتها، كانت تبدأ إجمالاً جدالات مرحلتنا الجديدة وكيف أن هذا الحدث قد جرى.

ساعود إلى هذه النقطة لاحقاً. سأعود إلى تطورات الحزب الشيوعي الإيراني، وتحديداً موضوعة الشيوعية العمالية من أعوام ۸۵، ۸۶ ولاحقاً، وسأشير إليها دون شك. برأيي في تلك القوة الدافعة وفي انتصار الثورة، طرحت ظواهر أمام المجتمع. وبعد أن انتهت الثورة، خمدت، فقدت الثورة نفسها ديناميتها، بقى جمع ناشط حصيلة الثورة، جمع شيوعي حصيلة الثورة، وأخيراً حصيلة الثورة، قد يكونوا ناشطين كذلك من قبل، بيد أن وجودهم السياسي وظهورهم كان جراء الثورة، بقي هؤلاء وكانوا واقعاً سياسياً حصيلة ونتاج تلك المرحلة الثورية. من تلك المرحلة فلاحقاً، غدت المواضيع شيئاً آخر.

لو كنا بموضوعات الشيوعية العمالية بدلاً من موضوعات الماركسية الثورية، وإذا نمضي إلى إيران الآن بموضوعاتنا الحالية، ستكون العملية وذلك المنحني اللذان سنشاهدهما أسرع كثيرا جداً مما كنا شهدناه في تلك المرحلة حتى. كيف نقدنا الشعبوية؟ أراه الآن أنه كان بطيئاً جداً، كان بطيئاً في تلك المرحلة. ولكن إذا نذهب لإيران غداً، بموضوعاتنا الراهنة، في أوضاع شبه ثورية، ربما ستشهد إقبالاً مليونياً للعمال ولقسم واسع من المجتمع على هذه الموضوعات، كما سنشهد تنامي قادة وناطقين لهذه الرؤية لا يخطرون على بالنا أساساً. إن المرحلة الثورية هي أمر حاسم برأيي. لماذا إيران، باكستان ممكنة كذلك وغيرها، لأن في إيران برأيي كانت هناك جذور وميول تختلف عن سائر بلدان المنطقة. أعتقد أن بوسع ثورة مشابهة في البرازيل أيضاً أن تجلب هذه النتائج كذلك. ويمكن لثورة مماثلة في تركيا أو اليونان أن تأتي بهذه النتيجة برأيي.

في إيران جرت ثورة، مرحلة قصيرة، قبل مجيء خميني إلى ما قبل ۳۰ خرداد (۱۹ حزيران ۱۹۸۱ يوم شن نظام خميني هجمة دموية قل نظيرها تجاه ناشطي الثورة-م)، هي التي في ذهني دون شك. كانت تلك الأحداث حاسمة برأيي في أن أعطت لحماً وجلداً لهذه المواضيع. لأني أعتقد أن كل هذه الموضوعات موجودة في كل مكان. السؤال المطروح هو أي منها يجلب عدداً كافياً من الجماهير إليها. مجمل الموضوعات موجودة في كل مكان، إذا ذهبت وبحثت بين منظمات اليسار ترى نظرات مشابهة إلى حد ما لبعضها. السؤال المطروح: تصورات أي قسم تتحول إلى تصور ورؤية مقتدرة بوسعها أن تترك أثراً ما في صف ما.

التمايز الاجتماعي والطبقي للشيوعية العمالية

كان طرحي هو أن نعقد عدة ندوات وبعدها سلسة من الندوات الاحادية الموضوع.

إن الندوة الأولى التي من المقرر أن تكون اليوم، واسعى لإدامتها، تتعلق بالتمايزات الاجتماعية والطبقية للشيوعية العمالية، خطوط هويتها من الناحية الطبقية والاجتماعية، ما هي المشاهدات الأولية ونقطة انطلاق موضوعات الشيوعية العمالية، ما هو جوهر موضوعة الشيوعية العمالية، والإطار الأساسي لهذه الصيغة التي نتحدث عنها من الشيوعية، وكذلك ماذا تعمل صفة "العمالية" هنا، وما هي مكانتها في الموضوعة. أود أن أتناول بالتفصيل موضوعة: لماذا نعرف ونصف هذه الموضوعة بالشيوعية العمالية، وقد يعود موضوع اليوم إلى كلمة عامل ومكانته في موضوعنا.

من المقرر أن تكون الندوة الثانية حول المواقف الأساسية للشيوعية العمالية هذه، بعبارة أخرى عقيدة الشيوعية العمالية، بحث النظريات والأطروحات الأساسية للشيوعية العمالية واحدة تلو الأخرى. على سبيل المثال، وكنموذج، بحث منهجنا في النظرية وبحث منهج ماركس، بحث الممارسة في الماركسية، مكانة مقولة الممارسة في الماركسية، تفسيرنا للمادية التاريخية، الماركسية والطبقة، مسالة النضال الطبقي، نقدنا للرأسمالية، وصفنا للمجتمع الاشتراكي، تعريفنا للدولة ومقولة الإصلاحات والثورة، وكذلك نظرة أكثر تمحيصية لموضوعة الاشتراكية غير العمالية. هذه هي مواضيع الندوة الثانية.

الندوة الثالثة وما بعدها، من المقرر أن نجلس ونختار مواضيع منفردة من موضوع عالم أفضل، قد نستطيع أن نتناول خمسة أو ستة عناوين أحادية الموضوع، موضوع أحادي أو ميدان أحادي. أي بمعنى آخر، يمكن أن تكون شعاراتنا ومطالبنا الاجتماعية، توجهاتنا الاجتماعية للمسائل المختلفة، وكذلك استراتيجية الشيوعية العمالية بوصفها حركة سياسية. إنها موضوعات ينبغي تناولها في الندوة الثانية.

جملتان توضحان أساس الشيوعية العمالية

على أية حال، إني أبدأ ببحثنا الأول هذا، ليس لدينا وقت كثير، والآن الساعة الخامسة، أسعى لأن أتحدث مرة واحدة عنه. أشك أني أستطيع اللحاق لتناول آخر ملاحظاتي. هناك جملتان توضحان أساس الشيوعية العمالية برأيي: جملة مذكورة في أماكن أخرى كثيرة كذلك دون شك. إني فقط أنقلها هنا من مباديء الشيوعية لأنجلس. إذ يقول: "الشيوعية عقيدة ظروف تحرر طبقة البروليتاريا". الشيوعية هي تلك الافكار ومجموعة الأحكام وتلك النظرية والعقيدة المُشْرِفة على ظروف ومستلزمات تحرر البروليتاريا.

إن هذه أول فرضية للشيوعية. فأنى تمضي في وثائق ماركس وأنجلس، وأنى تمضي في الماركسية أساساً، يكررون أن الشيوعية هي عقيدة تحرر الطبقة العاملة، تلك الظروف المُشْرِفة على ظروف ومستلزمات تحرر البروليتاريا. إن هذا من مباديء الشيوعية كما قلت، ولكن لا ينتهي البحث هنا. في مقدمة طبعة ۱۸۸۳ الألمانية للبيان الشيوعي، يقول أنجلس جملة، وتتكرر بأشكال مختلفة في أماكن مختلفة كذلك، وضعت خطاً أسفلها وأنقلها لكم، وهي تذكر ما هي حصة ماركس ومساهمته في هذه النظرية. يقول:" إن موضوعة ماركس هي أن الصراع الطبقي بلغ مكاناً ليس بوسع البروليتاريا أن تتحرر بوصفها طبقة مستغَلة، وأن تتخلص من الطبقة المستغِلة، دون أن تحرر الجميع معها، وتنهي مجمل أشكال الاستغلال، وإجمالاً تنهي النقد والاستغلال والمجتمع الطبقي". إنهما سوية، برأيي، يمثلان مجمل الأعمدة التي بُنيَت على أساسها الشيوعية العمالية.

برأيي حين تنظر إلى أي شيوعية غير عمالية، تجد أنها قد داست على أحدهما أو كليهما. إن الشيوعية التي هي ليست علم تحرر الطبقة العاملة، بل علم تحرر الفلاحين الصينيين، شيوعية علم ديمقرطة الحركة النقابية، شيوعية علم بناء اقتصاد بلد، شيوعية علم النضال المعادي للإمبريالية والنضال ضد نظام دمية بيد الإمبريالية، هي ليست علم تحرر الطبقة العاملة. لدينا الكثيرون من هؤلاء الشيوعيين، سأتناول هذه الشيوعيات لاحقاً الواحدة تلو الأخرى وسأشير إلى كيف أن اليسار الإيراني هو أحد هذه الروايات. ولكن هذا لا ينطق بكل ما في اللوحة.

إن الشيوعية التي تعتقد أن العامل يتحرر، وبوسعه أن يتحرر، بدون أن يحرر معه كل المجتمع، هي شكل آخر من الشيوعية غير العمالية. وذلك لأن مجمل أهمية ماركس والماركسية في: ۱- الشيوعية هي علم تحرر الطبقة العاملة الصناعية الحديثة، يعني لا يمكن توقعها ظهورها قبل سبعمئة سنة، لم يكن ذاك العامل ولا ذاك المجتمع، يأتي العامل الصناعي، يأتي البروليتاري، تصبح الشيوعية علم تحرره، علم ظروف ومستلزمات تحرر هذه الطبقة، تصبح عقيدة الشيوعية. و۲- بعد فهم مسالة: إنه، وبصورة موضوعية، لا بسبب أن الطبقة العاملة طبقة متعلمة كثيراً، لا يمكن لهذه الطبقة بصورة موضوعية أن تتحرر دون أن تحرر معها كل شخص. وإذا كانت هناك شيوعية تعتقد أن بوسع العامل أن يتحرر بدون أن ينهي معه أيضاً مجمل أشكال الظلم، مجمل أشكال الاستغلال، ويمحي مجتمعاً يستند إلى الظلم والاستغلال، فإنها ليست بشيوعية.

وإذا كانت الشيوعية العمالية التي أوضحها لكم الآن، وأذهب هنا صوب صفة العامل، فإن مجمل القضية هي أن أبين أي نوع من الرؤية تلك التي ترى هذين الشرطين سوية، وكيف أن هذين الجزئين مقترنان ببعض. لا يتعلق الموضوع بلطف الطبقة العاملة في أن تحرر معها الجميع. ليست هذه موضوعة الماركسية ولا هي موضوعة الشيوعية العمالية. إذ تقول إن الشيوعية هي تلك الحركة التي ينبغي عليها، من أجل تحررها، أن تغيّر شيئاً في العالم. وإذا تغير ذلك الشيء، عندها لا يبقى أي من أشكال الظلم. إذ لا يتعلق البحث باللطف والرحمة أو أنه يهمها حرية الطبقات الأخرى.

إن الطبقة العاملة، ومن أجل حرية العامل، بوصفه عاملاً، وكي لا يبقى عاملاً بالأجر، وكي لا يبقى استغلال، ينبغي إرساء ظروف وأوضاع في المجتمع لا يمكن أن يكون فيها أحد تحت الظلم. إنها السمة الموضوعية للعامل والنضال الطبقي في الشيوعية العمالية. موضوعية، بمعنى حين يُنظَرْ للعامل، عندها بوسع المرء الحديث عن الشيوعية. لا ظاهرة الظلم، ولا ظاهرة الاستغلال، ولا ظاهرة ما يطلق عليه التخلف، بل عامل محدد ثمرة مجتمع محدد، حين يظهر (اي العامل-م)، يُقال: آها! بالوسع أن تكون عقيدة تحرر هذا هي الشيوعية. وفقط حين يفكر بطريقة جيدة، يرى أن مجمل هؤلاء يتحررون بتحرره.

إذا افترضنا أنها كانت طبقة الكادحين، العامل الطبقة المنتجة لعصرنا. الطبقة المنتجة لعصر آخر، قبل ۳۰۰ عام، طبقة أخرى وشرائح أخرى، إذا نظر ماركس، لو افترضنا أن ماركس استطاع أن ينظر بأي حال من الأحوال، ويرى أنهم، ومن أجل تحررهم، ليسوا بحاجة إلى تحرير بقية المجتمع، عندها لما رأينا ظاهرة باسم الماركسية بوصفها فكر تحرري. طبقة حين تتحرر، فإنها تحرر نفسها، خيرها لنفسها! إذا كان نصيبك مسبقاً أن لا تكون من تلك الطبقة، فإن هذا الموضوع غير ذي صلة بك أساساً.

حين تتحرر شريحة، فإنها حررت نفسها. مثل البرجوازية، البرجوازية أيضاً ممتعضة كذلك من القيود الإقطاعية، فإنها حين تتحرر، فإنها تحرر نفسها، تتحرر من القيود الإقطاعية، وبوسعها أن تنتزع قوة العمل من الريف، وتجلبهم لمعمل المدينة دون أن توجه لها (أي الاقطاعية-م) الصفعات وتستل عليها السيوف وتصدر بحقها الفتاوي وتشيطنها وتضرم النار بها. تحرر البرجوازية نفسها دون أن تحرر البشرية. من الناحية الموضوعية، يمكن أن تقوم بهذا العمل، ولكنها تحرر نفسها فقط، عندها لن تتمتع الفكرة المحركة لتلك الحرية لدى تلك الطبقة والنضال الطبقي لتلك الطبقة من أجل الحرية، بتلك الجذابية بالنسبة لي ولكم. إن مدى جذابية إيديولوجيي الثورة البرجوازية هي أنهم يتحدثون ضد الظلم عموماً. ولكن حين ننظر لهم، يبهتوا أمام ماركس. لأن هذا إيديولوجي ثورة طبقة حين تتحرر، يتحرر كل شيء، يتحول المجتمع بشكل بحيث يجعل من بقاء الظلم والاستغلال أمراً غير ممكن.

إن هذا مفتاح بحثنا. لقد تطرقت مرات ومرات في بحثنا اليوم إلى مسالة حين ننظر إلى: كيف، وبأي مسار تاريخي، ظهور موضوعة الشيوعية العمالية بيننا، سواء على صعيد مشاهدة الشيوعية العالمية، أو في النضالات التي جرت حول المقولة ذاتها، وحتى في الأوضاع التي نمر بها اليوم، نرى أن هاتين الجملتين واقترانهما ببعض قد تم نقضه أو لم يُستنتج الشيء الذي من المفروض أن يُستنتج منهما. في البحث الأول للشيوعية العمالية قبل ۱۱ عاماً، في ما يخص نزعة "عامل عامل" (نزعة التشدق اللفظي لليسار باسم العامل-م) المزيفة والمثقفاتية، تنظر للعامل بوصفه كائناً يحل محل البقرة عند الهندوس، وتعتقد أنه ظاهرة مقدسة، وينبغي الوقوف احتراماً وإجلالاً لها، لم أتحدث في حينها، ناهيك عن أن العديد من عبدة البقر (أي من يلهجون بكلمة عامل-م) وقتها كانوا معنا.

ولكن، وبصورة واقعية، إن نزعة "عامل عامل" المزيفة تنظر للعامل، لا بوصفه تلك الظاهرة التي يراها ماركس وتراها الشيوعية التي في بالكم، بل بوصفها شريحة اجتماعية لا تتمتع بتلك المكانة ولا بهذه الرسالة، بل بوصف صاحب تلك النظرة امرءاً ينشد أن يتحرر ذلك العامل، ذلك النوع من الاشتراكية العطوفة والطقوسية التي هي برأيي تبين، قبل أي شيء آخر، شعور الطبقة البرجوازية بالذنب. وهو الأمر الذي أود أن أناقشه في هذه الندوة، وأمايز نفسي عنه. نوعاً ما شيء مثل الخط الخامس، برأيي، شيء يكتب بياناً احتجاجاً على ظلم، ويريد العمال الذين يعملون في المصنع فقط أن يوقعوا عليه. أعتقد أن تفكر هذه الشاكلة من الشيوعية بهذه الطريقة، فهي تثبت أنها ليست شيوعية، وبوسعها أن تحرر نفسها دون أن تحرر المجتمع، ودون أن تحتاج إلى عقيدة وفكرة تستفيد منهما لتحوّل بها المجتمع.

ليس بوسعك تحرير المجتمع بأطروحات نقابية، لست شيوعياً، ولا تسعى من خلالها كذلك ضمناً لتحررك، إنْ كان تطور البروليتاريا بيّنَ عن شيء، وفي نظرية الشيوعية تشير إلى شيء فهو أن البروليتاريا تتحرر بالشيوعية وليس بشيء آخر. وإن هذا يشير إلى أن الشيوعية علم تحرر مجمل المجتمع كذلك. إنها ظاهرة من أجل إعادة بناء وترميم كل العالم وكل المجتمع بكل ناسه. سأتطرق لذلك لاحقاً، وأشير إلى كيف أن كلا القطبين قد نقضا، بصورة أساسية، شيوعية علم أوضاع تحرر الطبقة العاملة، كما قد تم نقضها في أغلب الشيوعية القائمة في عصرنا. إنها شيوعية علم ألف عمل وعمل آخر ماعدا تحرر الطبقة العاملة. وبعد ذلك سأبين كيف، في رد الفعل على هذه الظاهرة، تم تحويل أجزاء من الظاهرة ذاتها، ومن أجل تعبئة تلك الطبقة خلف مصالحهم الجزئية، إلى علم تحرر الطبقة العاملة بدون أن تنشد تحرر أي آخر معها، علم تقديس العامل دون نية تحرر المجتمع معه. وإن هاتين مربوطتان سوية، وما يسمى بطرفي ظاهرة واحدة.

نقطة انطلاق الشيوعية العمالية
الجوانب العملية، نقد الشيوعية العمالية النافي

لماذا يستلزم الأمر رواية جديدة عن الشيوعية أساساً؟ لماذا من الممكن لأي امرئ في لحظة من حياته أن يقول: لا افهم الشيوعية بهذا الشكل، إني أفهمها بشكل آخر؟ ذلك لأنه يرى مأخذاً على الشيوعية الموجودة فعلاً. وذلك لسبب بسيط، يريد أن يقول إنه ليس مثل الشيء الذي أعتقد أنه شيوعية، وإن روايتي للشيوعية هي شيء آخر. وذلك لأنه يريد أن يقوم بعمل آخر بالشيوعية غير ذلك الشيء الذي يقومون به. وذلك لأنه ينظر ويرى نطاق النضال الشيوعي وميدانه الذي يراهما، وذلك لأنه لا يحس بقرابة وتناغم مع تلك الظاهرة التي يطلقون عليها الشيوعية القائمة فعلاً. ينظر إلى الاتحاد السوفيتي وأطروحات الشيوعية الروسية ويقول إنها لا تعبر عني. إني شيوعي، ولكن هذه لا تعبر عني. أرى فيها إشكالاً ما.

إذا أردنا بحث الشيوعية العمالية، سواء من الناحية التاريخية أو التحليلية، فإنه يتم طرحها ارتباطاً بتناقضات. لقد استهللت الندوة التي عقدتها قبل ۱۱ عاماً بالموضوعة ذاتها على وجه الدقة. لقد تجادلت بأمر وهو أننا شيوعيون وضعنا أقدامنا في ميدان المجتمع كي نجري تغييرات، أن نكون مصدر تغيير في حياة الإنسان. إذا كنت في أي مكان من العالم وعضو حزبين أو ثلاثة أحزاب أساسية، ستترك دون شك تاثيراً سلبياً أو إيجابياً على عدة عوائل مقارنة بتأثيرك بوصفك عضو الحزب الشيوعي الراديكالي لذلك البلد. إنها أول مشاهدة شرعت حديثي بها قبل ۱۱ عاماً. وحين أمر الآن على أغلب أبحاثي خلال العشرين سنة الماضية، أرى أن أغلب أحاديثي بدأت على هذا المنوال. إن هذه المقالة التي وجدتها صدفة في المخزن، هي حديث منصور حكمت حول نتائج الاجتماع الموسع الثاني للجنة المركزية للحزب الشيوعي الايراني في (۴ كانون الثاني ۱۹۸۳)، كان اسمه "الفصل ما بين الكلام والعمل"، ولا أعرف كم شخصاً في ذلك المعسكر (في جبال كردستان العراق-م) يتذكر ذلك؟ ربما كان صلاح ايزدي من دوّنها، وقد وجدتها صدفة في كيس.

انظروا! يقول المقال: رفاق! مرت سنة على تأسيس الحزب كي يكون مصدر تغيير صوب أهدافنا، ولكننا لم نكن مصدر أثر صوب أهدافنا. نقول شيئاً، فيما نقوم بعمل آخر، وسمينا الحزب باسم البروليتاريا. في زواياه، يعشعش البرجوازيون الصغار بمصالحهم القومية والفئوية وغيرها. إنها نقطة الانطلاق الأولى للقضية في كل مرحلة طرح فيها هذا البحث برأيي. وأعتقد بالنسبة لكل شخص يرى أنه ينبغي تعريف الشيوعية بشكل ما، هو أن هذه الشيوعية التي يراها لا ترضيه. في إيران يمتدحوها، كل العالم يمجد روسيا وكانت مصدر ما يطلق عليه عموماً ثورات وملهماً لها. حينها تهرع لقراءة لينين، إذا قرأت كتاب باروس الذي كان سابقاً بمستوى لينين، مثله بمستوى واحد وجادل معه. يكفي أن تقرأ باروس لدقيقة، حتى تركنه جانباً. إنك تقرأ كتاب لينين لأنك تحس بأنك أمام أحد شخصيات التاريخ المعاصر الذين غيروا العالم عموماً، وتود أن ترى كيف كان يفكر، بعدها تنظر لترى أننا دخلنا الحركة الشيوعية منذ ۵ أعوام أو ۳ أعوام، ولكن ليس من المقرر أن تقوم هذه الحركة بالتصدي لموجة القمع في (۳۰) خرداد (۱۹ حزيران) حتى. دع كل شيء جانباً، دع الملكية الاشتراكية، حل الدولة، مساواة المرأة بالرجل، دع كل شيء، ۶ ساعات عمل، أن نلجم الملالي الذين يبغون ذبحنا جميعاً، ولا نستطيع، ونلوذ بالفرار. ونذهب لنجلس على صخرة، حين نبتعد كثيراً، على سبيل المثال مثل كردستان، أخيراً طردونا، لم نقتل عام ۱۹۸۰، عام ۱۹۸۱ طردونا، نجلس على صخرة ونقول: ما الأمر؟

جرت ثورة، حضرت الجماهير باسم الحرية والمساواة، بعد عام من الثورة، نفذنا من قائمة (الاعدامات-م) النظام الملكي، وأكثر من تلك القائمة، (قائمة الجمهورية الاسلامية-م) ثلاثة أضعاف قائمة النظام الملكي، أصدقاء هم الأشخاص ذاتهم الذين لم يعتقلوا سابقاً، يعتقلونهم الآن ويقتلونهم، وأنت شيوعي قرأت في كتاب ماو تسي تونغ وهو يتحدث عن إرسال مليوني شخص من وراء الجبل الفلاني كي يتصدوا للكومينتانغ. هكذا قرأنا في كتاب ماو تسي تونغ، تم تسليح مليوني شخص! ويقول أيضاً إنه أغرق ۵۰۰ ألف من الطابور الخامس بالدماء! إنها الأعداد التي يتعامل بها ماو تسي تونغ، ونحن نقرأ عنها، وبعدها نجد أنفسنا ونحن نلوذ بالفرار من حفنة ملالي وملالي صغار، وجلسنا خلف قرية، ولازال آخرون يلحقون بنا! يريدون انتزاع كل قرية منا، وبعدها يلحقون اضراراً بنا. هكذا كان الأمر. يغلقون أي جريدة يريدون، لا تفتح المذياع دون أن تسمع اسم شخص تعرفه وقد أعدم.

إن أول ظاهرة تنتصب أمامك عامي ۸۳ و۸۴ هي: لماذا نحن عديمو التأثير؟ لماذا؟ تنظر للعالم، تجده كذلك. لقد تحدثت عن ذلك في كونفرانس رفاق بريطانيا، وقلت: تنظر، لترى حركة في بريطانيا وقد كتب في محضر اجتماعها أنها جمعت، وبصعوبة، ۱۸ شخصاً حولها. يوجهون ضربة لعمال المناجم، ويلحقون الويل بهم، ولا يستطيعون القيام بشيء! في هذا البلد، كان هناك، في وقت ما، حق الإضراب التضامني (أو إضراب تدافع فيه عن طرف آخر)، أي إذا وجهوا ضربة إليك، بوسعي أن أوقف عجلات العمل إلى أي يوم أريد. قطعوا الإضراب الثانوي الذي يطلقوا عليه (secondary strike)، لم يبقَ! حين سُلِّمَتْ صور فلم معمل لعمال آسيويين ذوي أجور زهيدة، شرع جمع، في مكان آخر، مدينة آخرى، بالإضراب وذلك لأن محرضاً شيوعياً هب وقال لننظر ماذا يعملون في لندن، ترك عمله ومضى لتلك الأعمال. لا تستطيع أن تقوم بتجمع احتجاجي في مكان لا تكون عاملاً مضرباً فيه. لا أستطيع أن أمضي لأقف أمام الشخص الاستغلالي الفلاني المعادي للنقابات لأقوم بتجمع احتجاجي، سيقول: لماذا أنت هنا؟ العمال يتجمعون هناك. [ما صلتك بالامر؟!]. لقد شنوا هجوماً على الحقوق واحداً تلو الآخر، وتنظر للحركة التي تنتمي لها، وتجدها عاجزة عن القيام بشيء ما.

إن موضوعة انعدام قدرة الشيوعية هي نقطة شروع وإبداع موضوعة الشيوعية العمالية برأيي. السبب هي حين نفكر بصورة جيدة، نجد أن هذه الشيوعية ذات عيب ما دون شك. ذهب الإسلاميون في خمس سنوات ليرتبوا أمرهم، ونظموا في الجزائر حركة وقاموا بكل تلك الجرائم. القوميون، المعادون للاستعمار، استقلت غانا، أتى نكروما وذهب، وماذا عن الشيوعيين؟ إنهم يقولون إننا منهمكون منذ ۱۵۰ عاماً، ونتمتع برؤية أيضاً، وخط، ونحن منظِمين كثر. حين تسمع أمة ما أن الشيوعيين قد أتوا، يقولون لقد حضر عدد من المنظِمين.

سترى أن القوميين يتركون أثراً، والإسلاميين يتركون أثراً بإمكاناتهم القذرة، وحتى أكثر منهم هامشية يتركون أثراً كذلك، والشيوعية العالمية لا تترك أثراً! تقول لماذا الأمر على هذه الحال؟ ألم يكن من المقرر أن تكون هذه الشيوعية نقداً عملياً وممارساتياً وتغييراً للعالم؟ إن أيادي الشيوعية التي تتعلق بتغيير العالم أقصر من أية أداة لتغيير العالم. إن هذه أول مشاهدة نراها في موضوعة الشيوعية العمالية. إنها، تاريخياً، أول مشاهدة شرعنا بها بحث الشيوعية العمالية. أي وضع هذا؟ ولماذا إن أيادينا قصيرة ولا تبلغ أي شيء؟

إن هذا الفصل هو فصل بين القول والعمل، فصل ما بين حقيقتنا الموضوعية من حيث قدرتنا والأهداف التي ننوي تحقيقها والتغيرات التي ننوي إحداثها والقدرة التي لدينا. التناقض الثاني، تناقض بين تلك الشيوعية القائمة فعلاً التي تراها والأهداف والآمال التي تنشدها، وإن تلك الأهداف والآمال هي ليست أهداف وآمال تلك الشيوعية. تفكر في داخلك، إذا أصبح المجتمع شيوعياً، فلن تبيع الناس أعمالها. يرد: ليس الأمر كذلك، لقد نظموا جميع الأجور. ليس هذا وحسب، في هذا الحزب نفسه، عقدنا ندوة لمناقشة مسألة الاتحاد السوفيتي. البعض من حزبنا، أعز رفاقنا في الحزب، والذين يمثلون أكثر أقسام المجتمع راديكالية يقولون: ليس بوسع لينين والبلاشفة، وينبغي عليهم، بعد الثورة، أن لا يمسوا اقتصاد المجتمع. لا يصح هذا، ينبغي أن تندلع ثورة في العالم أولاً حتى يقلب لينين والبلاشفة كل شيء في المجتمع، لماذا أرسوا اقتصاد البلد وشكله الاقتصادي؟ وذلك لأن الاقتصاد السلعي لأمريكا أو الأرجنتين أو بريطانيا لا يسمح بذلك، لا يسمح لك أن لا يكون لديك إنتاج سلعي. إذا كان العامل في بريطانيا يستلم أجراً، عليَّ أنا الذي قمت بثورة أن أستلم أجراً كذلك. لا مناص من ذلك! أرجوك، لا يمكن هذا، حتى الـ"لايمكن هذا" موجودة في عقيدة هذه القضية وفي أطروحتها وفي رؤيتها، لا يمكن أن تقوم بإرساء نموذجك المنشود أو ينبغي أن لا تقوم بذلك! ناهيك عن أن تقوم بتقييم الماوية.

أعطى أحدهم كتاباً أحمرا لعدة طلبة ووضع عليه اسم الثورة الثقافية، وبعد الهياج، تبين أنه ذو صلة بصراع داخلي للحزب نفسه، من الواضح أن هذا ما يقومون به. ولكنك تقول أي شيء؟ ألبانيا، عقدنا صلة مع أناس أمريكيين، أمريكيين! القوة العظمى في العالم، ما أن تفتح الكومبيوتر حتى ينقضوا عليك: موالين لألبانيا! كان أول سؤال لي: إنك امريكي، لماذا توالي ألبانيا؟ مئتا مليون إنسان باقتصاد عالمي، وكلكم حملة شهادات، لماذا تناصر أنور خوجه؟ ما الذي تحقق هناك؟ امرؤ عجز عن تنظيم أمر عادي، وبوصفك أمريكياً، كيف أصبحت مناصراً لأنور خوجه؟ ما الذي رايته هناك؟ نصير نموذج الاقتصاد الألباني! إذا أصبحت ألبانيا مثل كوبا الآن، مرة أخرى يستلم أجراً. لا يتحدثون عن هذا فحسب، بل يتحدثون عن أن المثليين في الصين يواجهون عقوبة الإعدام. إننا الذين نناضل من أجل مجتمع يقوم الإنسان بأي عمل يريد في الصباح، وبعمل آخر في الغروب، يعتقلوك إن تحدثت بالضد من الأخلاقيات المتخلفة التقليدية والسائدة في المجتمع، ويرموك في السجون. الكتابة بطريقة ما ممنوعة، استخدام نمط معين من الفن أمر ممنوع، ولا يمكن إنتاج فيلم معين في ذلك البلد. تقول ما صلة هذا بعقائدي؟ تنظر إلى مُثل ترى أنها لا تراعى، هناك سجون، هناك فحشاء. ثمة سجون في اشتراكيته، حين تنظر إلى حقوق الأطفال ترى أن ليس لها ربط بي. إن القرى نفسها التي لنا صلة معها الآن هي ليست كذلك.

أرست الصين الشيوعية ونتيجتها هذه! إن الاختلاف ما بين تلك الشيوعية القائمة، وليس فقط الشيوعية المعسكراتية، الشيوعية التي تراها يومياً، حين تتجادل مع الفدائيين حول معايير الشخص للاشتراكية، والتي سأتناولها لاحقاً الواحدة تلو الأخرى، إلى مكانة الشرقية اليسارية التي كانت، باسم الاشتراكية في ذلك البلد، مصدر اليسار الإيراني. ولكن ترى الاختلافات بشكل عيني بالضبط. تقول إن مُثلي هي ليست مثلهم ذاتها. لا يمكن أن يكون كلانا شيوعياً، أحدنا يعمل بصورة خاطئة هنا. كيف هي شيوعيتنا؟ أهداف وآمال مزيفة. على سبيل المثال، تقول عن نفسك شيوعي، ويأتي هو ليقول: علينا أن نقوم بما من شأنه أن تحقق البرجوازية القومية اليد الطولى لأنها تعد جزءاً من الشعب، وأنت تقول ليس هناك سطر واحد في ماركس يتحدث عن هذا، ليس في ماركس، بل ليس لوجودي ذرة صلة بما تقول. لماذا على الاشتراكية في إيران على سبيل المثال أن تتعلق بالبرجوازية الوطنية؟ أو لماذا نتحدث كثيراً حول استقلال اقتصاد الاكتفاء الذاتي؟ بوصفي طالباً في قسم الاقتصاد، أعرف أن الاكتفاء الذاتي لا ينفع في شيء، لماذا تصر على أن يكون اقتصادكم مكتفياً ذاتياً؟ حول أي شيء نتحدث؟

لقد كان اليسار في تلك المرحلة مملكة. لماذا يمقت الإمبريالية؟ أتعرف لماذا يمقت الامبريالية؟ لأنه يمقت الغرب، لأنه يمقت موسيقاه، لأنه يمقت نمط حياة الغرب. يقوم بنضاله المعادي للإمبريالية لأنه لا يحب نمط حياة الغرب. يناضل ضد الإمبريالية، ولكن إذا كانت تلك الإمبريالية هي اليابان بدلاً من أمريكا، عندها قد لا يكون ممتعضاً إلى ذلك الحد. لأن ما يرى أمامه أمريكا والموسيقى والسلع وماكدونالد، يراه أمراً ممجوجاً، ولكن إذا أتى من بلد تقليدي مثله ليحكمه، فمن الممكن أن لا تراوده مشاعر عدم الارتياح هذه. إنها شق وفاصلة الأهداف عن تلك الظاهرة الحقيقية.

بعدها ترى أن الشيوعية التي قرأتها، بوصفها علم تحرر وعقيدة مسّيرة لظروف تحرر الطبقة العاملة، ليست لها صلة بالطبقة العاملة، وهي ليست (اي الطبقة-م) أيضاً قوتها المحركة في مجتمعاتهم هذه وداخل اليسار أيضاً. ثمة سؤال أساسي ورد في مرة سابقة، والآن أعود إلى نصه، هو نقاشات المؤتمر الثاني للحزب الشيوعي الإيراني، والمنشورة في ۳ أعداد من جريدة كومونيست. لقد وضحت هناك بالتفصيل كيف أن العامل هو كيمياء في حزب شيوعي، صلته (اي الحزب-م) بالعامل هي آخر أولوياته، وأن وجود هذا العامل وحياته التي ينبغي فيها أن يمضي ليعمل ويتدبر حياة عائلته ذو تناقض مع عضويته في تنظيم كهذا، وحتى الكلام الذي يتفوهه، علي العامل أن يقول: ألا يمكن أن تعيده من فضلك؟! ماذا قلت؟ لا أفهم ماذا تقول. لا لأنه قليل الفهم، لا! بل لا يفهم ماذا تقول.

إن صلة هذه الشيوعية بالطبقة ضعيفة جداً، وذلك لأن الصورة التي لديك عن الشيوعية، إذا فقط قرأت الكتب، لا لأنك ضد الشاه وألقي بك في السجن هناك وتعرفت إلى الفدائيين وخرجت منه وغير ذلك، إذا فقط قرأت كتباً، يعني قرأت ماركس، فإن الصورة التي ترسمها عن الشيوعية هي عمالية كثيراً. في أجواء عمالية، مناقشات العمال الصناعيين، حلقاتهم التي تناقش وغير ذلك. لا يتعلق الأمر بالحديث عن الفلاح، ولا التجار الصغار، لا طلبة المعهد الفني، لا طلبة المعهد الصناعي. ولا أي منهم. الحديث عن العامل، إنها الحلقات الشيوعية والعمالية، الإضراب والقائد العملي وقادة المعامل والعمال الناشطين والعمال القراء. إنها جميعا مفاهيم تراها في الآثار الماركسية. وبعدها تنظر لتجد أن هذه الحركة الماركسية حديثاً هي أبناء سابقين لمجلس مناهضة البهائية؟! ولكن في الحقيقة حين تفكر بها بعمق، تجدها مناهضة للبهائية.

إن "اتحاد النضال في سبيل أهداف الطبقة العاملة"، وهي منظمة أعلنا نحن مناصريها، عام ۱۹۷۹، قلنا: انظروا، أعزائنا، نحن أزلنا القرآن من الرف، ووضعنا كتاب الرأسمال محله. لقد كان هذا أحد أركان إرساء اشتراكية راديكالية جديدة في إيران. أزلناه ووضعنا الرأسمال محله، أو أزحنا أبحاث حزب توده والجبهة الوطنية ووضعنا الرأسمال محلها. لم يذهب ليقرأها، بل وضع مكانها! فقط وضع محله، يستفيد من الاسم بوصفه شارة حركته. إن صلة تلك الشيوعية بالعامل أضعف من أن تحس بتناغم معها. بالنسبة لشخص قدم من ماركس مباشرة.

ثمة جذر آخر، يستلزم صيغة أخرى برأيي، وبوسع أي امرئ أن يفكر بذلك. لقد تم تحويل شيوعية تتعلق بالإنسانية إلى موضوعة تتعلق بالتاريخ! تأتي في عام معين للحياة، وفي عام محدد تبلغ السادسة عشرة من العمر، وفي عام محدد تبلغ ۱۸ عام، وبعدها تريد، في الحياة التي تعيشها، في الثلاثين عام التي أمامك، ومن أجل أن يطرأ تغيير عليك، يبعث تغييراً، تغييراً في حياتك وحياة الآخرين. بعدها تمضي لحركة مثل "هاري كريشنا" ومثل هؤلاء الميلينالستيين ومثل حركات الألفية هذه التي تؤمن أن المسيح سيحل قريباً، وذلك لأنهم يقومون بنشاطهم من أجل مستقبل وغد تاريخي، لا من أجل أمر حي ولحاضر اؤلئك الناس.

كلما تمعنت بدقة، ترى أن من المقرر، في هذه الحركة الشيوعية، أن نكون قرميداً لعمارة من المقرر أن تبنى لاحقاً. علينا أن نقدم التضحيات في عملية تبلغ هدفها لاحقاً في أجيال أخرى. كما لو أن مهمتنا هي صناعة تاريخ وليست مجتمعاً! وبدلاً من الانطلاق من الإنسانية وبشرية يمكن أن تصنع شيئاً في حياتها، أو تمنع إجحافاً بحقها أو تسعى من أجل حريتها، تنطلق من التاريخ. في مرحلة وامتداداً لاشتراكية أتت ومن المقرر أن تمضي صوب مكان ما. وبعدها، فإن انتصار الاشتراكية كذلك يطابق تلك الرؤية الحتمية. إنها حتمية، عندها لا يبقى دور لك. لا تحتاج إلى تطلع ما منك، عليك فقط أن تحضر وتلقي تحية على تلك الحركة. وذلك لأنها أتت إلى هنا، وعليك أيضاً أن تعمل لها مدة من حياتك، وهي أيضاً أمر حتمي. إنها جذر وتيار إرتقائي ليس له صلة ببلشفية لينين.

حين تتابع لينين، ترى أنه امرؤ خصص مجمل حياته كي يكون مصدر تغيير في السياسة والاقتصاد والحركة الطبقية وغير ذلك في عصره وزمانه، في اليوم نفسه وفي اللحظة نفسها التي يتحدث فيها. إن مفاد جذر حركات الالفية هو: أننا نعمل ليحين يوم المهدي المنتظر، وينقذنا جميعاً. ليس هذا موجوداً في ماركس، ليس موجوداً في شيوعية لينين. ولكنها موجودة بوفرة عند شيوعيي عصرنا. ناهيك عن إحالة إرساء المجتمع الشيوعي إلى يوم ما. إن هذا مايقوله لك القطب السوفيتي، إذ يقول لك إن هذا المجتمع يمضي إلى هناك. تقول الصين الأمر ذاته لك. فمن ينظر إلى العامل بوصفه منقذ العالم؟! للجميع تصور المهدي المنتظر، المنقذ، هناك يوم حشر، إن جذره ديني برأيي. ليست جذوره موجودة في النزعة البراتيكية للشيوعية.

إن مجمل موضوعة ماركس، والتي سأبلغها لاحقاً، نقد ماركس الفلسفي لفلسفة عصره هو حول الممارسة، حول العوامل الفاعلة في التاريخ، حول مكانة النشاط في الحقيقة. إذ يقول الحقائق حصيلة النشاط، ويجلب النشاط معه إثبات الحقيقة. وتورطنا بالضبط بمثل هذه الحركة المهلهلة فعلاً التي نذرت من أجل خدمة هدف أن يبلغ يوماً ما تاريخ ما نتيجته الحتمية، ولا تقع على كاهلنا مهمة أن نجعله اشتراكياً، وليس لدينا أنا وأنت مهمة أن يقيم ثورته في حياتنا، وليس مهمتنا أن ننشد أقصى المطالب. حركة، ولشدة ما جعلت على مراحل، قد لا تأتي آخر مرحلة منها ونحن أحياء. إن هذا يمثل بحد ذاته انفصالاً.

في المطاف الأخير، هل أتى بكم الاعتبار التاريخي للاشتراكية أم التاثير الحقيقي والواقعي في الحياة الواقعية للجماهير؟ إذا أتيت بوصفك محتجاً اجتماعياً تنشد تغيير المجتمع، ستحس في تلك المعسكرات التقليدية فوراً، والتي سأسميها لاحقاً، أن شيوعيتهم غريبة عن شيوعيتك. إنها أقرب إلى إدامة ومواصلة دين، وثمة جذور دينية عميقة فيها. وهناك شيء آخر يراود المرء تجاهه ألا وهو أن تلك النزعة العالمية وتلك النزعة المطلبية الشاملة والأقصوية الشيوعية تتحول وتُختَزَل في تلك الشيوعيات القائمة إلى أمور صغيرة ويومية إلى حد كبير. على سبيل المثال، كيف يمكن أن تكون لديك منظمة شيوعية يكون محور ومركز نشاطها هو الحكم الذاتي لمنطقة ما. إذ تتوقع من أن يصبح امرؤ ما عضو منظمة شيوعية هو تنظيم الثورة الاشتراكية. كيف يمكن لمنظمة شيوعية أن تكون فلسفة وجودها وأساس وجودها هو حكم ذاتي في منطقة ما؟ أو الاستقلال أساساً، أو الاكتفاء الذاتي الاقتصادي أو الخلاص من سلسلة الإمبريالية؟ كيف يمكن أن يكون للشيوعية هذا الحد المتدني من الأهداف؟ في الوقت الذي بينت، في وجودها الأولي، هذا الحد الكبير من الأهداف العريضة والعالمية والمحوّلة؟

حين تقرأ ماركس، تجده يتحدث: مع ظهور البروليتاريا، ظهرت الطبقة الوحيدة التي على امتداد التاريخ كانت مجبرة على إعادة بناء العالم. إن الطبقة التي نشدت إعادة بناء العالم غدت ماركسية. لو كان ماركس مفكر الحكم الذاتي، أو لو كان منظّر الاستقلال الاقتصادي، أو معادياً للإمبريالية، لما نال كل هذه العظمة. يطرحون الآن اسم شخص، بوصفه أكبر شخصية في الألفية، وذلك فقط لأنه أراد إيقاف العالم على قدميه. بعد ذلك، إنك شيوعي وتنظر: حسناً، إذا أنفقت كل عمري في هذه المنظمة، أو إذا قضيت كل عمري في منظمة أقليت، راه كاركر، حزب توده أو في منظمة كومه له آنذاك، ويحالفها النجاح، بعد ذلك، فأي تحول قد أقمته؟ منظمة ليست منهمكة بأن تعد أحداً بالشيوعية، إنها منظمة أمر محدد ومحدود في مرحلة سياسية خاصة، وجعلته مجمل الفلسفة السياسية لحياتها.

ثمة تناقض آخر يرتب عليه قولك إن صيغتي وقراءتي للشيوعية هي ليست تلك الظاهرة التي نراها، تناقضاً ما بين محدودية أمر الاشتراكيات القائمة واقتصارها على أمر محدد مع تلك النظرة العالمية والأقصوية للشيوعية التي يجدها المرء في كتاباتها، ويمكن أن تمضي لتجدها في كتابها. أشرت إلى ذلك في نقاشاتي مع "درب الحرية". لا يستخرج الناس أهدافهم وآمالهم وثوريتهم من الكتب، ولكنهم يمحصون بالكتاب آمالهم وأهدافهم. فإذا كنت تحررياً، فإن الكتاب لم يخلق تحرريتك، ولكنك حين تقرأ كتاب ماركس، تقول إنه نطق بما يخالجني. وتصبح ماركسياً. لا يمكن أن تأتي بكلام قلبك من ذلك الكتاب.

لقد أتيت للاحتجاج على الظلم وعلى الاستغلال والفقر. فإذا مرت ست سنوات، وتفكر أنك لست في حركة تعمل لصالح اجتثاث الفقر، فستدرك عدم قيمتها وتتخلى عنها، وإن أتى امرؤ فعلاً من أجل الاكتفاء الذاتي وغير ذلك لصف الشيوعية، سيبقى وسيديمها سنوات وسنوات في منظمته. ولكن إذا أتى ذلك التيار من زاوية المسالة الطبقية، ومن زاوية الثورة الاجتماعية المحوّلة، سيجد نفسه في تناقض مع الشيوعيات القائمة. إن هذه نقطة انطلاق الشيوعية العمالية. إن المشاهدة الأولى التي تعد أساس انطلاق الشيوعية العمالية هو أن الشيوعية القائمة، بالخطوط التي ذكرتها، يراها متناقضة مع مثلها العليا وأولوياتها، ومع ذلك الشيء الذي أتت للميدان من أجله.

لأمضي صوب العملية التاريخية التي طرحت بها الموضوعة من ناحيتي، من ناحية الحزب وحركتنا وتوجهنا، نذكر مراحلها، وبعدها نعود إلى مجمل الجوانب النظرية للموضوعة. لا ندحة لي من شرح حدود من تاريخ نشاطي بموازاة تلك الموضوعة، بيد أن شخصاً ثالثاً [يقدم الندوة] لا يشعر بهذا الإجبار. كانت موضوعة الطبقة في [منظمة] اتحاد المناضلين الشيوعيين، والتي كنت عضواً فيها ومن مؤسسيها، أقوى كثيراً في وجودها، في دعايتنا وتحريضنا، مقارنة بما هو عليه الحال الآن. لقد كانت دعاية اتحاد المناضلين أكثر عمالية. إن مضى أحد لمطالعة أدبيات تلك المرحلة، في كل بحث لها، كانت تطرح دوماً "استقلالية الطبقة العاملة في الثورة الايرانية"، الانهماك بالأمر العمالي وتمثيل الطبقة العاملة في تلك الثورة الجارية. وقد كان أحد أهدافه الأساسية (اي الاتحاد-م) هو الحديث عن أن هذا العمل يستلزم حزباً شيوعياً إيرانياً، ينبغي تأسيس الحزب الشيوعي الإيراني.

بعد ۳۰ خرداد، وتقريباً سنة إلى سنتين بعد ذلك، واصلنا نشاطنا بالمستوى الذي كنا عليه سابقاً، أي إصدار الجرائد في طهران والمدن. لا أود أن أتحدث عن تفاصيل اتحاد المناضلين، ما أود قوله هو أننا تحدثنا في المؤتمر الأول لاتحاد المناضلين الشيوعيين الذي عقد بعد ۳۰ خرداد في عام ۸۲ في كردستان عن ما هي المشكلة وأين تكمن؟

الجميع لاذ بالفرار (بعد الهجوم الدموي للجمهورية الاسلامية في ۳۰ خرداد بحق اليسار والشيوعيين-م)، بوسعكم رؤية التراجع، كنا نناقش مسألة الحزب الشيوعي، بالضبط في أوضاع كانت تصورات ذلك التيار (تيار اتحاد المناضلين) تتحول إلى شيء جماهيري، وكانت تجر اليسار حولها على الأقل، فيما كانت الجمهورية الاسلامية تجمع البساط من أمام اليسار وتقول له: لُذ بالفرار! إن جرى ۳۰ خرداد ۱۹۸۲ بعد ثلاث سنوات، (إن تاخرت الضربة)، عندها كنا سنرى واقعاً تنظيمياً حزبياً مختلفاً في إيران، يختلف اختلاف السماء عن الأرض مقارنة بالآن برأيي. كان اليسار في إيران يمضي نحو تأسيس حزب.

في خضم أوضاع نشطة سياسياً واقتصاديا إلى حد كبير، أوضاع ثورية، أوضاع مجتمع متأزم في إيران. ولكن حل ذلك الـ ۳۰ خرداد، وقد كنا نرى نجاحاتنا النظرية والسياسية والتكتيكية، كنا نرى نجاحنا التنظيمي، وكنا نرى التراجع الهائل وجلسنا نتحدث عن هذا في المؤتمر. اقرأ لكم أحد الأطروحات التي كانت محور ذلك المؤتمر: بلغ المؤتمر نتيجة مفادها: ما هي المشكلة وأين تكمن؟ لماذا؟ ما هي المشكلة وما هو مأخذنا على عملنا؟ ما هي الحلقة اللاحقة للحركة. إن البحث الذي تم اقراره كان الحديث عن أساليب العمل الشيوعية.

قلنا إننا كنا لحد الآن مدافعين عن النظريات الشيوعية، إن الحركة التي ينبغي إرساؤها يجب أن تكون حركة للعمل الشيوعي. ولكن ما هو العمل الشيوعي؟! إن العمل الشيوعي هو أمر مختلف عن تمثيل الشيوعية من الناحية السياسية في ميدان ثورة، التعامل والموقف من أجنحة الحكومة والنظام وغيره. ما هو العمل الشيوعي؟ ينبغي أن تقول إن العمل الشيوعي يعني أن تمضي لتبث الوعي في الطبقة العاملة، توحدها وتجلبها لساحة الصراع السياسي. إن العمل مع الطبقة العاملة هو نقطة انطلاق العمل الشيوعي. ولم يكن الموضوع الأساسي لأي من هذه المنظمات اليسارية التي كانت نشطة في ذلك الوضع، جراء الثورة وفي خضم الثورة، العمل مع الطبقة العاملة، الصلة بالطبقة العاملة ودفع الطبقة العاملة للميدان.

إن هذا يعود للأجواء السياسية إلى حد ما، الأجواء السياسية المتحولة من ناحية، وإلى تلك التنظيمات من ناحية أخرى. أود أن أشير إلى أن الأطروحات التي نسعى من خلالها لتتبع أثر موضوعة الشيوعية العمالية، والتي قيلت هناك كانت تخص أسلوب العمل الشيوعي. إنه قرار المؤتمر الأول لاتحاد المناضلين الشيوعيين. إنها تتحدث عن النظرية الشيوعية للتنظيم. إذ يذكر:

"إن الرؤية الشعبوية فيما يخص التنظيمات، هي رؤية تنظيمية تتناسب مع الثورية القصيرة الرؤية للبرجوازية الصغيرة. وإن التنظيمات والأساليب الشعبوية، في أفضل حالاتها، هي تنظيمات وأساليب تتناسب مع أهداف وسياسات البرجوازية الصغيرة في سياق حركة ديمقراطية عامة. بالمقابل، النظرية الشيوعية للتنظيمات، (بدل التنظيمات، قل العمل المنظم)، والنظرية التنظيمية مستمدة من الأهداف والسياسات الثورية للبروليتاريا بوصفها طبقة معينة، وإن التنظيمات والأساليب الشيوعية العملية، هي تنظيمات وأساليب ضرورية لتنظيم الثورة الاجتماعية للبروليتاريا ضد الرأسمالية، وإرساء ديكتاتورية البروليتاريا والاشتراكية".

أي إن هذا هو عمل حزب شيوعي وتنظيم شيوعي. لقد انتهت الثورة، وكنت في ثورة مهزومة، وعدت. إن أناساً الحقت بهم هزيمة في ثورة يمضون لحال سبيلهم، ولكنك انتبهت إلى أن علة عدم قدرتك، فيما يخص الثورة، هو أنك لم تكن منظمة سياسية منظمة لطبقة خاصة من أجل ثورة خاصة. وبرأيي، يتعلق الموضوع ويتركز حول أي أساس ننوي صياغة ملامح الحزب وصورته، من المقرر على أي خطوط نؤسس الحزب؟!

في تلك المرحلة، غدا أمراً معلوماً أننا نريد تأسيس حزب، مرحلة أعلنت فيها منظمة (كومه له) أن اتحاد المناضلين الشيوعيين يتحدثون جدياً، وعقدت لقاءات وتم كتابة برنامج مشترك، وغدا من المقرر تأسيس حزب. لكن واجهني سؤال: ماذا يعمل الحزب الذي نؤسسه؟ يمضي مرة أخرى اتحاد المناضلين الشيوعيين ليهجم على الجناحين (جناحي الجمهورية الاسلامية-م) وتمضي كومه له إلى الجبال لتقوم بنضالها المسلح ضد الحكومة. أيكون، بعد هذا، حزب شيوعي في إيران؟ كان ردنا في ذلك الحين هو: كلا! لا يمكن أن يكون هذا حزباً شيوعياً لإيران. وفي مسعانا لإيجاد رد على كيف يكون عليه الحزب، وبعد نقاشات كثيرة، أصر أناس على أنه ينبغي تأسيس الحزب الشيوعي الإيراني وذلك لأنه إذا تأسس سيخلق روحية عالية بالأخص بين صفوفنا، وستجابه القمع وتتصدى له، وبالتالي، ستكبح موجة التائبين (الاقرار بالتوبة-م) التي عمت كل مكان والتي كانت تجري تحت ضغط التعذيب والإعدامات.

كان يرغب البعض بتأسيس الحزب بصورة أسرع. كان نقاشنا هو التالي: ها نحن أسسنا الحزب، وماذا بعدها؟ ينبغي أن نوضح هذا. مضى الحزب نوعاً ما صوب موضوعة أن على الحزب أن يكون حزب قسم مؤثر من العمال. لقد كانت هذه موضوعتي. لقد كان لا ندحة لنا من العودة للوراء، لقد أردنا تاسيس الحزب أسرع لكي يكون حزب قسم من العمال، وهو الأمر الذي طرحناه، بالمطاف الأخير، مثل وعد أمام تاسيس الحزب هو أن نعد تأسيس حزب من أناس يعرفون كيف ولماذا ينبغي المضي والعمل داخل الطبقة العاملة وتنظيم الثورة الاجتماعية. إن موضوعة "بأي شيء يرتهن تأسيس الحزب الشيوعي الإيراني" (عنوان مقال لمنصور حكمت في وقتها-م) وموضوعة الكوادر، إذا تتذكرون، كانت حول أننا ننشد أن يكون لنا عدة كوادر شيوعيين. إن حركة ليست شيوعية، لا تكون أولوياتها شيوعية أيضاً، انهماكاتها ليست شيوعية. نأتي على الأقل لنؤسس الحزب الشيوعي الإيراني على كاهل عدة كوادر شيوعيين، يكون هذا أساس حياتهم. يمضون لتنظيم العامل صوب ثورته الاجتماعية.

ليس موضوعي اننا استطعنا القيام بذلك العمل أم لا. أود أن أقول: من الناحية التاريخية، يعود بدء موضوعة الشيوعية العمالية إلى انتهاء مرحلة الثورة في إيران، حين طرح عملياً بحث تنظيم ثورة أخرى، ولكن أي ثورة، إنه بحث ثورة الطبقة العاملة وتنظيم الطبقة نفسها. إن اتحاد المناضلين كانت منظمة تؤمن بعمق باستقلال الطبقة العاملة وبالسياسة العمالية وبالعمل داخل الطبقة العامة، حتى قبل ذلك أيضاً.

في المطاف الأخير، إن الأمر الذي يمايز موضوعة الشيوعية العمالية عن تلك الموضوعة هي أن نقطة انطلاقها قد تغيرت في بحث الشيوعية العمالية. في الوقت الذي ولج اتحاد المناضلين الشيوعيين من زاوية صحة الماركسية وسعى إلى إرساء حركة ماركسية مبدئية وأصيلة في إيران، ذهبت موضوعة الشيوعية العمالية خطوة قبلها وتحدثت عن: لنسأل، لماذا لم تُرسَ ماركسية أصيلة أساساً؟ لنسأل لماذا إن الحركات القائمة لحد الآن ليست ماركسية أساساً؟ هل يعود ذلك لمشكلات تتعلق بالجانب المعرفي؟

إن النقاش حول أنها حركات طبقات أخرى هو نقاش كان مثاراً دوماً وليس بجديد في اتحاد المناضلين. لقد اعتبرنا الشعبوية حركة البرجوازية الصغيرة، ولكننا كنا نعتقد أن الشعبوية البرجوازية الصغيرة هي فكرة سائدة على الحركة الشيوعية في إيران. إن الأمر الذي أثار موضوعة الشيوعية العمالية هو أن الأمر ليس كذلك. إنها حركة البرجوازية الصغيرة نفسها، وإن وقفت أنت هناك، فإنك حركة برجوازية صغيرة كذلك. إن نقاش القول والعمل هذا يقول بالضبط ذلك للجميع. إذا كنا نقوم بهذه الأعمال، فإننا برجوازيون صغار. ليس الأمر أننا شيوعيون لكن منهمكون الآن بصورة مؤقتة بعمل آخر! إنها حركة البرجوازية الصغيرة التي إذا لم تكن مادة وموضوع عملها الطبقة العاملة، فليست موضوع عملها الثورة البروليتارية والاشتراكية، وليست دعايتها وتحريضها المستمر دفعُ تلك الطبقة للميدان.

على أية حال، انطلق البحث من هناك، الالتفات للثورة العمالية. تأسس الحزب الشيوعي الإيراني، وإن حدثاً مهماً قد جرى، تأسس الحزب الشيوعي الإيراني، وبعد ثلاثة أو أربعة أيام من تأسيسه، سيطر النظام على كردستان برمتها. ولهذا، تم إخراجنا من أرض كردستان (إيران)، ومضينا إلى الأراضي العراقية. وقد كان أمراً واضحاً أنه بعد عدة أيام من تأسيس الحزب الشيوعي الإيراني، واجهت أكبر منظمة يسارية في حينه، أحد الأعمدة الأساسية في تأسيس الحزب، ظاهرة جعلت تأسيس الحزب امراً ممكناً، أي كومله، ووجدت نفسها أمام منعطف أساسي. واجهت منظمة كومه له حقيقةً، ألا وهي أنها تواجه، ولأول مرة، وضعاً هو ليس ثمة حركة مقاومة (حركة مقاومة مسلحة في كردستان-م) ، ليس هذا وحسب، بل بلغ العدو الحدود (العراقية-الايرانية-م)، وتتحول كومه له إلى منظمة منفية. لم تتبقَ مناطق محررة.

وبوسعك أن ترى بصورة عينية كيف أن هذه المنظمة، هذه القيادة وذلك الحزب الذي تأسس هناك، تبين وببساطة أنه أداة جانبية لذلك الواقع السياسي في مسألته الأساسية تلك. كان من البساطة بمكان أن ينحل الحزب الشيوعي الإيراني هناك برأيي. أناس معدودون كانوا مبعث استمرار ذلك الحزب. كانت قيادة كومه له على وشك اتخاذ قرار أن تمضي للجبل وتأخذ كل الأكراد معها، أي تاخذ أي أحد كردي معها. وكان من المقرر أن يمضي الناطقون بالفارسية لإدامة حزبهم في الخارج. أثيرت نقاشات وجدالات كثيرة، تم لجم هذا المسار، ولكن غدونا على أرض العراق.

بعدها، إن أول مكان تم فيه طرح موضوعة الشيوعية العمالية بصورة محبوكة هو نقاشات المؤتمر الثاني للحزب الشيوعي الإيراني، والمنشورة جميعاً في جريدة كومنيست (الشيوعي-م). طرحت الموضوع هناك في جميع أبعاده وهو: أية شواخص اجتماعية موضوعية هي شاخص ومعلَم نجاح الحزب الشيوعي الإيراني؟ إن نكن موجودين ولدينا تنظيم، وأكبر من الباقين، ليس كافياً قط. المجتمع مَنْ يحكم على الحزب. هل يقول المجتمع عن الحزب بأنه حزب عمالي؟ هل يقول عنه أنه حزب متدخل؟ هل يقول عنه أنه حزب مقتدر؟ إن كان لا يقول ذلك، عندها لن يكون مهماً ماذا نقول أو كيف نرى أنفسنا. إن هذا الحزب ليس مقتدراً ومتدخلاً وعمالياً. ولهذا، إن فلسفة وجود الحزب الشيوعي الإيراني هو أن يمضي ليشرع في أن يكون الحزب الذي تحدث عن أنه ما ينبغي أن يكون عليه.

ومن هناك ترى في أدبيات الحزب الشيوعي الإيراني نوعاً مختلفاً من الأدبيات تركز على الطبقة العاملة. أبحاث من مثل المحرض الشيوعي، القادة العمليين موجودة في جريدة كومونيست. بوسعكم أن تطلعوا عليها دون شك. وكيف كانت تسعى لتعريف الحزب بالطبقة العاملة. إذ تحدث عن الطبقة العاملة ليس بوصفها أفراداً مذرورين (من كلمة ذرة-م)، ليست أناساً عدة، ليست جمعاً محروماً، عليك أن تجرّ أفرادها فرداً فرداً. إنها ظاهرة اجتماعية موضوعية فعلاً. يوجد في داخلها ميتابوليزم وأيض، تقاوم الرأسمال.

ولأول مرة، بموازاة الحزب الشيوعي الإيراني، طرحت هناك فكرة حركة العمال الراديكاليين الاشتراكيين. في مناقشات المؤتمر الثاني نفسها، إذا تقرأ المقابلة التي جرت حوله، تقول إن هناك تاريخين: تاريخ الاشتراكية بالشكل الذي تمثله أحزابها وجماعاتها السياسية، وتاريخ العمال بالشكل الذي عبر عنه في إضرابات العمال والحركات العمالية في مرحلة الثورة الايرانية عام ۷۸-۱۹۷۹. إن هذين التاريخين متباعدان عن بعض. ليس لدينا قطيعة واحدة، قطيعة الشيوعية عن نظرية ماركس، بل قطيعتان: الانفصال عن ماركس، والانفصال عن العامل، وإن كليهما مرتبطان ببعض.

وإذا تتذكرون تلك الجملتين اللتين تحدثت عنهما في أول الندوة: علم تحرر الطبقة العاملة وعلم تحرر الكل. والعامل الذي لا يتحلى بعلم تحرر الكل هو ليس ماركسياً. الماركسية هي ذلك العنصر في حركة الطبقة الذي يعلن ويثبت إذا تحرر العامل، يحرر الجميع معه. إن انفصال حركات اليسار عن الماركسية ممثل الخروج عن تلك الأطروحة الثانية برأيي. وإن انفصالها عن الطبقة هو شاخص تخليها عن الأطروحة الاولى. الاشتراكية هي ليست ذلك الشيء الذي تتحدث عنه. إنها حركة طبقة خاصة بوسعها أن تكون اشتراكية، وإذا كانت اشتراكية، ستنتصر أنت.

على أية حال، إن شروع مناقشات الشيوعية العمالية، مع مناقشات المؤتمر الثاني، هو نوع من إعلان بطريقة ما عدم رضا قسم من أفراد هذا الحزب، ومن ضمنهم أنا، وأنا قبل أي شخص آخر، عن إلى أين نحن ماضون، وإن تأسيس الحزب ليس بكافٍ، لقد أسسنا الحزب كي نقوم بشيء ما. إننا لم نؤسس الحزب لنقول: لقد أسسنا الحزب الآن، وأحدنا يمضي إلى بريطانيا والآخر إلى بوكان، وهنا نديره، يومياً بالنشاطات ذاتها التي يقوم بها. من المقرر أن يكون (الحزب) مصدر تحولات مختلفة، ونرسي شيوعية مختلفة. ونشرع من هناك، وإن كلا الانفصالين هما حركتان وانفصال عن النظرية قد طرحا مع بعض وبموازاة بعض. توصيتي هي أن من الضروري أن تلقوا نظرة عليها. عندها شرعنا بأمر كيف نعمل داخل الطبقة. ثمة خمس أو ست مقالات أساسية في جريدة كومونيست، في حينها، رحب بها كثيراً العمال الطليعيون والناشطون والقادة العمليون للحركة العمالية. بحث المحرض الشيوعي وبحث السياسة التنظيمية بين العمال الذين هما موضوعان مختلفان، أحدهما تم استخلاص نتائجه وتقييمه بعد سنوات.

لقد كانا بحث العضوية العمالية وبحث التنظيم الحلقي والحلقات العمالية أوجه طرح موضوعة الشيوعية العمالية لشيوعية لا تعرف الطبقة، تسعى لمعرفتها. تقول عزيزي إن تصورك لهذه الطبقة خاطيء. تصور كليشي ونمطي عنها، تصور الفدائي عن الطبقة، تصور حضري مصلّي عن الطبقة، تصورك عن الطبقة هو أن يأتي من خلفك وحين تضغط على الفرامل في الخط الأحمر، يأتي لتنظيف الزجاجة الأمامية لسيارتك. ليس الأمر كذلك. إن للطبقة العاملة تقليداً احتجاجياً، تضرب، تقيم حلقات، يعقدون اتفاقات في ما بينهم، يناقشون.

إن هناك شيئاً مهماً يذكره أنجلس في إحدى نقاطه: أينما تجمّعوا، يُباع البيان الشيوعي هناك. يقول أنجلس، بسرور أقول إني اكتشفت صلة مباشرة بين الطلب على البيان الشيوعي وتنامي الطبقة العاملة الصناعية. أفهم أن الطلب على الثلاجة والتلفاز يتصاعد حين يتزايد العمال الصناعيون، يستلمون مرتبات ويعيشون في مدن. ولكن الطلب على البيان الشيوعي! ويقول: لماذا يترجم الى لغات مختلفة؟ ويذكر: حيثما يُشيد معمل، ينمو العامل الصناعي لتلك المدينة وذلك البلد، نشهد تنامي بيع البيان وتعاظم توزيع البيان الشيوعي. لم يمضِ أي شيوعي من أصدقاء أنجلس هناك، ولكن البيان الشيوعي مضى. لماذا؟ ذلك لأن الشيوعية داخل الطبقة العاملة هي واقع قائم بمعزل عن الجماعات السياسية، مثلما أشار إلى ذلك أحد رفاقنا.

سعينا في تلك السلسلة من أبحاث الشيوعية العمالية أن نعرّف ذلك الحزب بهذه الطبقة وهذه الشيوعية وآليات الطبقة الداخلية. وأرجو من الشخص الذي يريد متابعة تلك المواضيع أن يمضي لقراءة تلك السلسلة من المقالات. على سبيل المثال، نبحث أي نمط من الشخصية النموذجية لمنظمة سياسية لأناس حضريين من حملة الشهادات، لا عمل له، لا يتكفل بمعيشة أحد، ليس مجبراً على الذهاب للعمل صباحاً والعودة مساءاً، لديه يوم بأكمله، حتى إذا مات، ليس من المقرر أن يبكي عليه أحد سوى والديه. بوسعه أن يفدي ويضحي بحياته بصورة لا طائل منها، بوسعه أن يضحي بوقته، بوسعه أن لا يعمل، بوسعه القيام بأعمال تبعث على الحيرة. إن هذه صورة شخص بوسعه أن يكون عضو تنظيم فدائي. بالنسبة لعامل صناعي، عليه أن يذهب صباحاً للعمل، وبعدها يقوم بنشاط علني، ويتقدم الآخرين ويلقي خطاباً، ويتحدث بطريقة بحيث لا يُعتقل، وبعدها يستطيع أيضاً أن يستلم راتبه، يدير حلقته أيضاً. إن هذا لا يتناسب مع نزعة البيشمركايتي (النزعة المسلحة في كردستان والجبال-م). لا يمكن أن تلجأ للجبل (وقصده كمسلح-م) وأن تقوم بهذا العمل كذلك.

في المطاف الأخير، أنت تريد عاملاً كفرد أم كطبقة عاملة؟ إذا تريده كفرد، فإن الفرد العامل لا يختلف عن الفرد البرجوازي. هناك فرق واحد هو: ليس للعامل طاقة ومزاج هذه الأعمال التي تقوم بها، إنه ليس نواة مناسبة. العامل المتشذر والمتفرق في منظمة يسارية لا يتحمل ذلك ويخرج. ولكن إتي بامرئ من حملة الشهادات، فسيراعي وللأبد النظام، في كل اجتماع، لا يشتم، لا يتفوه بكلمات بذيئة، يأتي مؤدباً ويذهب مؤدباً. إن النمط الأنموذج الذي يأتي لمنظمة يسارية في ذلك الوقت هو طالب، طالب جامعي بوسعه أن يفدي نفسه في سبيل هذه الطبقة ويلعب هذا الدور الرسالي لاشتراكية من المقرر أن تتحقق بعد ۵۰۰ عام! ضحوا بأنفسهم من أجل ذلك. كانوا أناساً شرفاء، ولكنهم، ضمنياً، كان لديهم وقت لذلك. لم تكن على عاتقهم مسؤولية أيضاً، لم يتعرضوا إلى مشكلات اجتماعية خاصة في تلك الأيام، كان بوسعهم أن لا يعودوا للبيت مساءاً، ويواصلوا اجتماعهم. بوسع أحدهم أن يمضي للجبل ليقوم بنضال مسلح ويعود للمدينة، إن كان يستطيع العودة للمدينة. وفق هذا المعنى، لا تصلح تلك المنظمات للعامل ولا تناسبه.

ما أود قوله إن تلك السلسلة من المقالات التي سعت إلى تعريف حزب سياسي بالعامل والميتابوليزم (الايض-م) داخل الطبقة العاملة، وقد كانت المقالات، مليئة بمثل هذه النقاط. إنها مرحلة كان يحدونا أمل أنه يمكن تغيير الحزب، الاستفادة من قواه وتحويله غلى حزب شيوعي عمالي. لقد كانت نقطتنا في حينه أن مجمل هذه الظاهرة تقبل كلامنا، وأن مجمل إمكانات هذه الظاهرة بأيدي هذا الخط وفي متناوله، لنستفيد منها، ماذا بوسعنا أن نعمل إن كان هناك كثيرون لا تهمهم ولا يحتاجون هذه النقاشات والأبحاث، ويقومون بالأعمال التي في ذهنهم في المطاف الأخير. لنقم بعملنا إلى اليوم الذي لا يزالون يسمحون فيه بالدفع بهذه المواضيع وإرساء تنظيمات المدن وغيرها تحت إطار الحزب الشيوعي الايراني، فلنقم بهذا العمل.

أثبت الواقع أنه لا يمكن هذا، وذلك لأن هذا الموضوع لا يتعلق بأمر معرفي، بل كان وجود تيارات مختلفة ترتبط مع بعض في حزب سياسي، وقد قامت بتأسيس الحزب. وحين حلت أول أزمة مهمة على الصعيد العالمي، انفصلت هذه الخطوط عن بعض، والحقت بتلك الخطوط الهزيمة كذلك على صعيد الحزب الشيوعي الإيراني. سأبلغ هذا الآن. على أية حال جرى جدال داخل الحزب الشيوعي الإيراني، ولفترة طويلة، دورة كتبت فيها مقالات عمالية، مرحلة أملنا وتفاؤلنا بوصفنا خطاً داخل ذلك الحزب. مرحلة اعتقدنا بوجوب قول الحقائق، وإذا قمنا بالدعاية، وإذا وضحنا، سنجمع قوى حولنا بصورة كافية، لكن ظهر عملياً أن هذه القوة كانت تياراً معيناً، ففيما كان يعد جمع هذا الأمر قضيته، لا يعد جمع آخر هذه القضية قضيته، ولا يحكم على مكانته وتقدمه وتراجعه استناداً إلى هذه الأمور.

إن الاجتماع الموسع ۱۳ للجنة المركزية (الحزب الشيوعي الإيراني) مهم من زاويا ما، وذلك لأنه كان أول بداية للمسألة. في ذلك الوقت، كانت مسؤولية إدارة التنظيمات على عاتقي، سلمتها وقلت لا يمكن هذا. ثمة خطوط مختلفة موجودة، أشرت إليها في مراحل بوصفها تيارات رادعة ومعيقة، كيف ينبغي مجابهتها، لدينا ما نقوله حول النزعة القومية الكردية، المحفلية والحلقية ومجمل هذه. ولكن تبين هناك أنك بمجابهة قطب، بالأخص في كردستان، ذي صلة بعدها ببقايا اليسار الذي أتى من خارج كردستان، وإن هذا الموضوع الجديد هو ليس أمرهم الاجتماعي، ويقاوم، أو يرجمه أو يصارعه بصورة سلبية. ماذا كان هذان الخطان؟ أحدهما برأيي كان النزعة القومية الكردية، أناس من منظمة كومه له كانوا ينشدون منظمة تمثل نسخة أكثر راديكالية وثورية من الاتحاد الوطني أو الحزب الديمقراطي (حزبان قوميان كرديان في العراق برئاسة جلال الطالباني ومسعود البارزاني -م). أناس كانوا ينشدون أن تكون كومه له منظمة شيوعيي كردستان، بالرواية الشيوعية ذاتها التي كانت عليها الشيوعية، أن تكون منظمة الديمقراطيين الثوريين لكردستان التي من المقرر أن يطلق عليهم جمع في العالم اسم شيوعيين. إنه جمع أراد ذلك فعلاً والآن يريدونه كذلك. حين تركنا تلك المنظمة، أصبح بعضهم كذلك. لازالت لحد الآن ثمة مقاومة داخلهم، ولكن قسماً مهماً أصبح كذلك.

إن قسماً منهم هو اليسار ذاته برأيي الذي أسس الحزب، وإن ما كان ينشده ذلك اليسار هو تأسيس منظمة كبيرة وذات اعتبار ومكانة. كان الحزب الشيوعي الإيراني منظمة كبيرة جداً، ذات مكانة كبيرة. جمع من ۲۳ عضو لجنة مركزية، بهذا الحجم من المسؤوليات، من العمل، من الإمكانات المالية، وغدت هذه قصة الحياة السياسية لجزء منهم. يمكن أن يقوموا بهذا العمل لعشرين عاماً أخرى أيضاً. لا يمكن هذا برأيي. لقد بينت التجربة ذلك بسرعة بالغة. حين رفعنا في الاجتماع الموسع ۱۳ للحزب الراية البيضاء، وقلت لقيادة الحزب للأسف لا ينفع هذا، ليس بوسعي أن أعمل، أذهب لأفتح أبواب خطي، يمكن أن نقوم بنقاش علني، بجدل سياسي، بدلاً من أن نتحدث بصورة مشتركة وكلنا سوية، ليتبين ما هو خط كل شخص.

إذا تنظر إلى المؤتمر الثالث (للحزب الشيوعي الإيراني) والذي جرى بعد الاجتماع الموسع ۱۳، ومواضيعه منشورة في مجلة بسوي سوسياليزم (صوب الاشتراكية-م)، سترى أن الخطوط العامة لتلك السجالات موجودة هناك. إن موضوعة الانهماك والاقتصار على الانهماك بالمنظمة وموضوعة الشيوعية قد ترافق وتزامن مع حدث الاتحاد السوفيتي ومجيء غورباتشوف، وإذا قرأتم بالأخص كلامي توضيحاً لتلك الأطروحات الأولية التي قدمناها بصورة مدونة في المؤتمر، ستجدون أنه يقول إن هذه المنظمة لا تبقى بأيديكم، لأن الدنيا في تغيّر، إذ تنهار تلك الشيوعية، أما أن تؤسس حزباً سياسياً على هذا الخط والتوجه الطبقي الجديد أو ينهار هذا الذي بيدك.

ومن هناك بدأت بقية أبحاث الشيوعية العمالية وندواتها وتصوراتها بوصفها تياراً مختلفاً في الحزب. بوسعك، في المؤتمر الثالث، رؤية انتصار طعنة تيار ما لماركس، طعنة للماركسية ونوع من انتصار الحركة القومية الكردية. بوسعك فعلاً رؤية هزيمة اؤلئك الذين أتوا مع الماركسية في ثورة ۷۸-۱۹۷۹ في روحية المؤتمر، في انتخاباته، في الأجواء السائدة على المؤتمر الثالث برأيي. تحت مسميات هزيمة أهل القلم، هزيمة أهل الهذر وانتصار أهل العمل! "عمل" برجوازي صغير، من المؤكد أن أناساً أهل العمل هم برجوازيون صغار برأيي، وذلك لأنه كان الأمر كذلك فعلاً. وكذلك هيجان انتصار الداخل على الخارج. لقد كانت هذه الأشياء التي تم الاحتفال بها في المؤتمر الثالث. ومن المؤتمر الثالث برأيي، غدا الصراع الداخلي علنياً بصورة عملية في ذلك الحزب، بعدها نُظِمَتْ ندوات وكونفرانسات الشيوعية العمالية، تأسس شيء باسم فراكسيون (كتلة-م)، باسم فراكسيون الشيوعية العمالية، هو ماجرى بعد ذلك في تلك المرحلة. ويعرف أغلبكم الجدالات التي طرحت وجرّت التنظيمات إلى أماكن أخرى. لقد أُستَقْطِبَ الجدل. قبل أن نوجه النداء لأحد بترك الحزب، بدأ عملياً التحريض ضدنا قبل أشهر. في كردستان بالأخص، إنهم أقروا أنهم يريدون ترك الحزب، بعدها تم الانفصال. لقد ألحقت بهم الهزيمة في تلك المرحلة، اشتد الصراع في الاجتماع الموسع ۱۶، جرى صدام ولكن أُديمَ الجدل والصراع بصورة أكثر علنية وحدّة إلى أن انهار الاتحاد السوفيتي وأصبحت الماركسية لا تستحق شروى نقير في نظر الكثيرين برأيي.

وبالضبط، حين هوجم العراق (حرب أمريكا على العراق ۱۹۹۱-م) وتبين أنه ربما تتأسس حكومة كردية في كردستان. ربما يرفض أحد ما هذا التفسير ويقول إنك ترى الأمر هكذا، ولكن كان الأمر على هذا الشاكلة برأيي. بالضبط حين لم يمكن لك أن تتطلع من القومية الكردية داخل التنظيمات الاتفاق والتعايش والتوجه المشترك وما يطلق عليه فسح المجال أمام هذا الجدل، استقطب الجدل، وبلغ الانفصال. لم يفهم قسم كبير برأيي من الخط الذي كان بوسعه أن يكون مع هذا التيار ما حدث. برأيي، كانت هناك أطروحة هائلة داخل ذلك الحزب تتحدث عن طبيعة هذا الجدل، لم يفهموا أن تلك المرحلة قد ولت، لقد انقضت المرحلة التي بوسع المرء أن يكون داخل الحزب وهو في مرحلة الحركة المناهضة للشعبوية. بيد أن الأحزاب الشيوعية القائمة في العالم تنحل الآن. وإذا أردت المضي لاستقبال هذه المرحلة، فبوسعك فقط أن تستقبل هذه المرحلة بحزب نظم نفسه للشيوعية. وإن تصوره للشيوعية هو شيوعية عمالية، ليست شيوعية تشكلت تاريخياً بهذا الشكل.

لقد حدث هذا. برأيي، لحسن الحظ حدث هذا الانفصال في وقته، وذلك لأنه ورغم القوى الكبيرة التي ذهبت هدراً، والإمكانات الكثيرة التي ذهبت هدراً، ورغم أن أيادينا غدت لا تطال الكثير من الأعمال، ومن بين ذلك لا تطال الأسلحة ولا الإذاعة، لمرحلة، وهما عاملان مهمان في أي نضال سياسي، إذاعة بوسعها أن تقوم بالدعاية والتحريض وأسلحة بوسعها أن تطلق النار، ولكن منحت لنا الفرصة في مرحلة تحدثت لكم عنها حيث شن هجومهم، بقى هذا الحزب مفعماً بالحيوية في الميدان بدون أي اثر لهذا الشق، بدون أدنى إبهام وتشوش. بقي حزباً شيوعياً عمالياً قاوم في مرحلة نهاية الشيوعية والآن بلغنا هذه المرحلة، ويمكن الحكم عليه وتقييمه بصورة موضوعية. برأيي ان انتهاء الاتحاد السوفيتي ووجود هذا الحزب في إيران كان فرصة صغناها في تلك المرحلة، وإن لدينا هذا الحزب كي نتمكن من أن نواصل حركتنا على تلك الأصعدة والمستويات.

لقد ذكرت هذا من الناحية التاريخية لكي أقول إنها (الشيوعية العمالية-م) حصيلة هذه العملية والصيرورة. أما ما هو السبب وراء أن هذه الشيوعية العمالية، مثلما سأل رفيق، قد تشكلت في إيران وغير ذلك، فبرأيي، إذا عدنا خطوة قبلها، فإن الثورة الإيرانية هي أول تحول سياسي أساسي في إيران قد حدثت في مجتمع رأسمالي. لقد جرت الثورات السابقة في المجتمع أساساً في مجتمع إقطاعي وفلاحي. من الواضح أن هناك قسم حضري، نهضة تأميم صناعة النفط هي زاوية تتعلق بالمدينة والعامل ظاهرة حديثة الظهور في الميدان السياسي. الثورة المشروطية على غرار ذلك أيضا.

من الواضح أن ثمة أحزاب يسارية وشيوعية كذلك، ولكن العامل بوصفه طبقة لم يكن قوة مهمة جداً في ميدان ذلك الاحتجاج. لقد كانت القوة المهمة هي المثقفين الحضريين وحملة الشهادات. إن ثورة ۷۸-۱۹۷۹ هي أول مرة يمثل العامل فيها قوة كبيرة جداً من ناحية القوة الإنسانية لذلك المجتمع، وقد حدثت في مجتمع رأسمالي لم تكن فيه القرية شيئاً مهماً، لم تكن فيه القرية مهمة ولا الإنتاج ما قبل الرأسمالي مهماً ولا ما قبل الرأسمالية مهمة. الرأسمالية مهمة. ذلك المجتمع مجتمع رأسمالي. أزمته من نمط أزمة رأسمالية، ويحل العامل في الميدان ليقيم مجالسه، يقوم باحتجاجه المستقل. لم يأتِ عمال ثورة ۷۸-۱۹۷۹ إلى الميدان بهيئة راية شيوعية مستقلة، بيد أن وجودهم برأيي، وجود حركة عمالية شيوعية بالغريزة، وبعدها حتى شيوعية بصورة صريحة، سمح أن يكون للشيوعيين في إيران في تلك المرحلة يد طولى.

إن كانت المرحلة مرحلة حملة الشهادات القوميين، لألحق ذلك الخط الهزيمة بنا عندها. ناهيك عن أن أناساً كانوا مع خطنا في ذلك المجتمع عجزوا في مراحل سابقة عن جمع ۵ أشخاص من حولهم. ناهيك عن أنهم لم يتمكنوا من ذلك في بلدان أخرى. ولكن في تلك المرحلة، إذا تبين أن كلامكم أكثر ماركسية وأكثر طبقية، ستنمون. لماذا؟ إذا تبين في عام ۷۸-۱۹۷۹ أن ما تقوله وتصورك هو أكثر طبقية من الأساس، يخدم استقلالية الطبقة أكثر وأكثر ماركسية ولا يماثل الكلام الماركسي السابق، ستنمون. لماذا؟ وذلك لأنه أينما ينمو العامل الصناعي، يباع البيان الشيوعي هناك. وكنا ممثلي البيان الشيوعي كذلك في تلك المرحلة وفي بلد يمكن التحدث بكلام شيوعي في رحم ثورة، وتنامينا.

برأيي، بمعنى أن بإمكان الشيوعية العمالية حتى إذا كنا حزباً ينشد الاقتدار، وإن هذه الموضوعة قد انتصرت وتقدمت، فإنها حصيلة تطور الطبقة العاملة في إيران بعد الإصلاحات الزراعية وظهور طبقة عاملة صناعية عظيمة وحضرية كبيرة لم تسمح في ثورة ۷۸-۱۹۷۹ لاؤلئك الذين حددوا ورسموا حركة (تأميم) صناعة النفط أو اؤلئك الذين رسموا ملامح الثورة المشروطية، أن يحددوا ملامحها من الناحية العقائدية كذلك. من الناحية العقائدية، كان العامل الطليعي الإيراني ماركسياً بصورة عميقة. إذا رآك تتحدث عن ماركس في الشارع، سيدعوك للحديث بكلامك هذا في مصنعه، يقول لك: تعال هنا، وقل هذا في مصنعنا. لا عليَّ مع أي خط هو. دعا العامل الشيوعية للميدان، وإن تلك التيارات التي كانت شيوعيتها أكثر عمالية، أقرب من حيث الاستقلالية الطبقية، شعاراتها أكثر بروليتارية، أساليبها مستقلة أكثر عن البرجوازية، تتصدى لمجمل السلطة الحاكمة ولمجمل أجنحة الحكومة، لها حظوظ أكبر في أن تحقق موضوعاتها اليد الطولى، ومن بين هذه الموضوعات، أدت إلى موضوعة الشيوعية العمالية لاحقاً.

على أية حال، وددت أن أتحدث لكم عن الخلفية الفنية لهذا البحث، يمكن الحديث كثيراً عن هذا الأمر. إذا أردنا، بوسعنا أن نناقش هذه المسألة أكثر.

مكانة الممارسة وحركة الطبقة في الشيوعية العمالية و"التحريفية"

من الناحية الفكرية، كان أحد الجذور الأساسية لموضوعة الشيوعية العمالية، إحدى المسائل التي كانت نافذة وكوة لموضوعة الشيوعية العمالية، هو نقاش تقييمنا للتحريفية. إذا تتذكرون، بحدود المؤتمر الثاني (الحزب الشيوعي الإيراني) كان هناك نقاش حول وجوب ترميم البرنامج، وينبغي علينا كتابة برنامج آخر، إذ أن هذا لا يصلح. في برنامج الحزب، ثمة بند مهم، وهو بند التحريفية، كان حساساً جداً. ما هي التحريفية؟ إن ما كان بارزاً ببحثنا على وجه الخصوص هو أن الحركة اليسارية كانت تنظر إلى التحريفية بوصفها ردة عن النظريات، ردة عن مدرسة. التحريفية تعني أن حرفاً أو تعديلاً ما قد أُجريَ على شيء ما. التحريفي هو امرؤ أعاد النظر في كلام ما وبأحكام ما ذات حقانية بصورة واضحة، وذات حقانية يعني مقدسة بمعنى ما. نطلق على هذا تحريفية.

لقد أجبرنا على تصنيفها: روسية، صينية، خروشوفية وتحريفية شعبوية. نطلق صفة تحريفي على أي شخص يقول كلاماً غير سليم. وقمنا بإدانة التحريفية! بوصفها ارتداداً عن العقيدة! وإذا تمعنتم، ستجدون أن كلمة مرتد نفسها قد استخدمت بكثرة في الحركة الشيوعية. فلان مرتد! ماذا يعني مرتد؟ أهو دين؟ كان يطلق على الارتداد عن العقيدة تحريفية. إن أول مرة انتبهنا إلى أن شيوعيتنا ذات اختلاف مع هذا البحث، كان في تفسيرنا وتصورنا عن التحريفية. إذا كان الامر ارتداداً عن العقيدة، فالسؤال المطروح: لماذا ظهر هناك ارتداد عن تلك العقيدة؟ أية مصلحة، أية مصلحة واقعية تقف خلف ذلك الارتداد عن العقيدة؟ كان فرقنا في تفسيرنا وتصويرنا هو أننا عبرنا مقولة التحريفية وبلغنا مقولة الشيوعية البرجوازية. وقلنا إن علة إعادة النظر في النظرية هو أن هناك مصلحة اجتماعية ما تستلزم ذلك. إذا كان من المقرر أن تضع، على سبيل الفرض، ديكتاتورية البروليتاريا جانباً، فذلك لأن تلك النظرية لا تفيدك، وأن وجودها يكبل أياديك. يجب أن تكون هناك حركة، ظاهرة في المجتمع لا تحتاج إلى تلك الأطروحة والحكم أو تحتاج إلى إجراء تغيير عليها. وإلا ما الضرورة أن يقوم امرؤ ما بوضح النهار بتغيير الأمر الفلاني في الماركسية؟ إن بلوغ أمر إعادة الشيوعيين النظر بتلك الأحكام الماركسية هو أنهم بحاجة لإعادة النظر تلك. ولهذا، نظراً لكون هناك مصلحة اجتماعية يتعقبها ويضع ذلك الحكم عراقيل أمامها، لا تتناغم مع ذلك الحكم. لقد كانت هذه خطوة كبيرة بالنسبة لنا برأيي، وذلك لأنه دفعنا إلى مستوى البيان الشيوعي.

حين تقرأ البيان الشيوعي، ترى أن ماركس وأنجلس بلغوا في آخره موضوعة الاشتراكيات غير العمالية. إذ يبحثان الاشتراكيين والشيوعيين، الأدبيات الاشتراكية والشيوعية، الاشتراكية الاقطاعية ولم يتحدثوا عنها على أنها إعادة نظر في أمر ما، يتحدثان عن أن الاشتراكية بالنسبة لهم ستار لمصالح إقطاعية. لماذا؟ لأنها تريد عبرها توجيه ضربة لذلك البرجوازي وتريد جذب العامل وكسبه، ولهذا تتحدث لصالح الكادحين، ولكن من أجل الإبقاء على الإرستقراطية. يتحدث (أي الإقطاعي-م) عن أن القديم كان أفضل، ألم يكن القديم أفضل؟!، ألا تتذكر أنك لم تكن مجبراً على نيل أجر؟ ألم تكن لديك أرض؟ يأتي الإقطاعي، ويكون معلوماً ماذا تأكل وكيف تنام. ملقى في الشوارع الآن، ليس لك ملجأ، انظر إلى الفقر، ألا تتذكر تلك الفترة وأمانك الاقتصادي في مرحلة الإقطاع؟ إنه يتحدث عن ذلك، يوجه نقده للبرجوازية والمجتمع الرأسمالي، يتحدث عن الاشتراكية والطبقات الدونية وعن تحررها وذلك لأنه يرى تلك الفئة الجديدة (العمال والكادحين والمسحوقين-م).

يتحدث ماركس عن الإقطاعية وعن السمة الطبقية لنوع معين من الاشتراكية لا عن إعادتهم في نظرة ما أو أكاذيبهم الخاصة بالاشتراكية. اشتراكية أناس على هامش هذا الإنتاج الجديد (الرأسمالي-م)، إما أن يتلاشوا أو يخلقوا أناساً برجوازيين صغار جدد ووقوع طرفهم الآخر في البروليتاريا أو يقذف (الإنتاج الجديد-م) بهم في صفوف البروليتاريا. حين تقرأ لها ترى النزعة الشرقية ذاتها وشرقيينا، أي شبه يسار مرحلتنا تلك. الخوف من الرأسمالية، الخوف من العواقب الضارة للرأسمالية في حياة أقسام فئات هامشية. يتحدث البيان الشيوعي عن الشيوعية الألمانية التي يمجدونها، الاشتراكية الالمانية أو الاشتراكية الحقيقية، ويتحدث عنهم على أنهم مثقفون، بدلاً من أن يأتوا بفرنسا وثورتها الصناعية إلى هنا، إلى ألمانيا متخلفة، أتت عقائدها (فرنسا وثورتها الصناعية-م)، أخذ هؤلاء هذه العقائد وحولوها إلى أفكار توضيح الحكومة المطلقة. تلقفوا أطروحات الاشتراكية وحولّوها إلى حكومات عقلانية يدعون لها ويريدون إرساءها في حكومة استبدادية برجوازية أو برجوازية صغيرة.

بعدها يمضي البيان صوب الطبقة. يتحدث بعدها عن اشتراكية محافظة أو اشتراكية برجوازية، يقول إنهم جمع من البرجوازية فهم أن نظامهم لا تمكن إدامته عبر قسر الكلام فقط، بل ينبغي أن تجري فيه إصلاحات، ينبغي إنقاذ الفقراء، ينبغي أن تكون هناك درجة من الرفاه الاجتماعي، وحين تنظر إلى ذلك الآن، تجده ذيول الليبر بارتي (حزب العمال) أنفسهم وغيرهم. إن الاشتراكية المحافظة أو البرجوازية هي بالضبط الجذر ذاته الذي يحل مع البرجوازية وبرفقتها. إنهم جدد، ولكن قضية ماركس تتمثل في طبقتهم.

بعدها نظرنا إلى حالتنا، وقلنا إن الاتحاد السوفيتي مرتد، ولكنها شيوعية مَنْ هذه؟ شيوعية نقول عنها إنها ذات رؤى تختلف عن رؤى ماركس بشكل ما، ولكن شيوعية من في المطاف الأخير؟ تنظر، فترى أنها شيوعية قطب اقتصادي معين ينشد في بلد معين أن يدير اقتصاداً معيناً يستند إلى الدولة، يُراكِم، وأن يجلب استناداً إلى شيوعيته دعم وتعاطف فئاته الدنيا والفئات الدنيا العالمية بوجه المعسكر المنافس الذي هو أفضل منه من الناحية التقنية وأفضل منه من الناحية العسكرية، وينشد استناداً إلى هذا أن يكون له نشاط في البلدان التي هي ضمن منطقة نفوذ الطرف المنافس. أريد ماركس كي أنافس به البرتغاليين والأمريكيين. إذا أعطوني موزمبيق، لا أحتاج عندها لماركس. أي أريد ماركس كي يعتقد العامل الروسي أنه قد حقق مكسباً جيداً. أن يبقى على إنتاجه، مع زهد وبخس أجوره ومع تخلف ظروف عمله. يريدون ماركس لإدارة هذا النوع من المجتمع ولإرساء قطبهم هذا.

الشيوعية الصينية، أطروحة العوالم الثلاثة ردة؟ ليستا ردة. يريدان أن يقولا إننا قطب جديد، من فضلكم اجمعوا بلدانكم المتفرقة حولنا، وأن يدافع (القطب الجديد-م) عنكم بوجه القطبين الآخرين! إنهم من يقولون ذلك. إن أطروحة العوالم الثلاثة ليست ردة عن الشيوعية. إن اطروحة العوالم الثلاثة هي أطروحة طرف يخص بدء قطب جديد يدعي اليسار والشيوعية. من فضلكم، نطلب من البلدان النفطية أن تراجع فلاناً، أن تتحالف معنا. أحدهما أسوأ من الآخر، وكلاهما أسوأ من الآخر. لقد كانت هذه صيغهم! قوة عظمى، قوتها العظمى التي هي الأن في صراع كذلك مع السابقة، سحب الروس خبراءهم، ووسعوا حدودهم، وتحولوا إلى منافسي لقمة عيشهم، وتدهور الوضع ما بين ماو تسي تونغ ومولوتوف، وارتفعت راية الشيوعية الصينية بوصفها رؤيا مستقلة.

ليس ثمة إعادة نظر في شيء! إعادة نظر بالنسبة لي ولك لأننا اعتقدنا سابقاً أنهم يشتركون معنا في هذا التيار، ولكنهم يقولون أشياء أخرى. من وجهة نظر أحد ينظر من المريخ إلى الكرة الأرضية يقول أحدهم للآخر: "أنا شيوعي"! بيد أن أحدهم ينشد القيام بعمل ما، فيما يريد الآخر القيام بعمل آخر. وعليه، إن أول وجه لاختلافنا أدخلنا في بداية موضوعة الشيوعية العمالية كان هو أن الشيوعية البرجوازية هي شيوعية برجوازية، ولتوضيح الشيوعية العمالية، عليك أن توضح أولاً محتواك الطبقي المختلف نفسه وأهدافك وآمالك للمجتمع الذي تنشد إرساءه مقارنة بالقطب المقابل. إن اختلاف الشيوعية مع شيوعيات التيارات الأخرى ليس اختلافاً فكرياً، بل اختلاف اجتماعي بالدرجة الأولى.

مكانة صفة العامل في الشيوعية العمالية

إذا تتذكرون، في وقتها، كانت موضوعة الحركة الاجتماعية أمراً مثاراً ومطروحاً. أتينا نحن أيضاً، وبعبارة أخرى، طرحنا الشيوعية العمالية أمام الشيوعية غير العمالية لعصرنا. إنه العمل ذاته الذي قام به ماركس. إن المقتطف الذي أورده صديقنا، كنت قد وضعت علامة عليه كي أقرأه عليكم: "وإذ يسألون لماذا اخترتم اسم الشيوعية لحركتكم، لم نستطع أن نطلق عليها البيان الاشتراكي". في عام ۱۸۴۷، كان هناك نوعان من الناس يطلق على نفسه اسم اشتراكي. أناس كانوا موالين للأنظمة الطوباوية المختلفة، وبالاخص "الاوينيين" في بريطانيا و"الفوريين" في فرنسا، تحولوا جميعاً إلى فرق صغيرة تسير نحو الزوال والاضمحلال. من جهة أخرى، أقسام وأنواع من الحكماء الاجتماعيين الذين يرمون هنا وهناك بصيغ لشفاء المجتمع. كانوا جميعاً خارج الطبقة العاملة. إنهم جميعاً أقسام من الطبقات المتعلمة وحملة الشهادات.

بيد أن هناك قسماً من الطبقة العاملة يطلب إعادة هيكلة جذرية وراديكالية للمجتمع، ويؤمن أن الثورة السياسية فقط ليست كافية لذلك. قسم أطلق على نفسه كلمة شيوعي. كان هذا التيارغير مشذب جداً، كان غريزياً وأولياً، ولكنه كان قوياً بصورة كافية، ولذلك تشكل نوعان من مدارس الشيوعية الطوباوية الآن في فرنسا تحت اسم كابه وفي ألمانيا فيتيلينك. تشير الاشتراكية في ۱۹۴۷ للحركة البرجوازية، والشيوعية حركة الطبقة العاملة. ونحن وضعنا اسم شيوعي على البيان" (البيان الشيوعي). أي يقولون إننا وضعنا اسم تلك الاشتراكية العمالية لعصرنا على كتابنا. إنه بيان الاشتراكية العمالية. يقولون ثمة اشتراكية أخرى موجودة أيضاً، ولكنها ليست عمالية. أنا أنتمي لاشتراكية عمالية، أنتمي إلى تلك الطبقة المتنامية والمتصاعدة التي تنشد إعادة الهيكلة الراديكالية والجذرية للمجتمع، وتعرف وتقول إن الثورة السياسية ليست كافية لهذا العمل، ينبغي القيام بالتحويل الاجتماعي، كان اسم تلك الحركة واؤلئك الذي كنا نراهم موجودين أقسام من الطبقة العاملة، أطلقت على نفسها اسم شيوعي، ويتحدث ماركس، بدون أي تردد، حيث كنا نؤمن بأن تحرر الطبقة العاملة تقبّل أياديها أضفنا على البيان اسم شيوعي. كان الأمر كذلك بالضبط بالنسبة لنا في بحث الشيوعية العمالية.

إن كان ماركس حياً، إن أتى ورأى الآن أن الشيوعية التي أطلقوا اسمها على البيان في وقتها بوصفها أداة تمييز العامل عن البرجوازي، هي نفسها الآن لا تُحدث هذا التمييز والفصل، فإلى ۱۱ عاما خلت لم تكن تحدث هذا التمييز والفصل، هناك شيوعية صينية، روسية، شيوعية أوربية، شيوعية ألبانية وغير ذلك، لقال عندها ماركس وأنجلس أيضاً: حسناً، لنرى الآن ماذا يطلق العمال على شيوعيتهم؟ للأسف، إذا يأتون الآن، لا يعتبر العمال أي شيء من تلك الشيوعية شيوعيتهم. ينجذبون لذلك المعسكر أو أن يكونوا خاضعين للاشتراكية الديمقراطية أو تلك النقابات. لا تطلق الشيوعية الناصعة والغريزية للعمال أي اسم على نفسها. أتينا وقمنا بهذا العمل. تحدثنا عن أن اسمها الشيوعية العمالية. نطلق الشيوعية العمالية على تلك الشيوعية التي ثمة بينها وبين الشيوعيات الأخرى اختلاف من الناحية الاجتماعية وعلى صعيد الحركة. اجتماعية وعلى صعيد الحركة بأي معنى؟ بمعنى إنها تتعقب أهدافاً اجتماعية مختلفة، وتنظم قسماً اجتماعياً مختلفاً! للهدف البسيط هذا! إذا لديك حركة من المقرر أن تحقق أهدافاً اجتماعية مختلفة، فإنك حركة اجتماعية مختلفة. ينبغي أن تطلق عليها ذلك أيضاً. الشيوعية العمالية حركة مختلفة عن الشيوعية القائمة حالياً.

وهنا أبلغ أهم نقطة في بحثنا، أي صفة العامل في بحثنا. لماذا نستخدم كلمة العامل هذه؟ أن استطعت استكمال هذا البحث، سأترك قسماً منه للشهر المقبل (الندوة الثانية لبحث الشيوعية العمالية-م). لماذا نستعمل كلمة العامل هذه؟ لماذا نستعمل كلمة العامل في هذه النظرية؟ هل الماركسية إيديولوجيا عمالية وذلك لدفاعها عن المضطهدين؟ هل بسبب أن العمال هم أكثر أناس المجتمع استغلالاً؟ هل بسبب أن العمال مستغلون أكثر من الكل؟ ليس جراء أي من الأسباب هذه كان العامل محور اهتمام الماركسية في نظريتها.

إن العامل هو محور اهتمامها جراء تصويرها وتفسيرها للرأسمالية. إن كنت نصير المضطهدين، فالمضطهدون كثر. كن على يقين أن وضع المرأة حافية القدمين في الإكوادور تقطف الموز لهو أسوأ من عامل في مصنع فورد "دكنام"، تتعرض إلى الأمراض أكثر، تعاني من الجوع أكثر، وتموت بصورة مبكرة أكثر، وتشاهد التلفاز أقل، وتتنزه في الشوارع أقل. إذا كان من أجل الدفاع عن المحرومين، وأتيتم أنتم للميدان بوصفكم اؤلئك الحكماء الحاملين معكم سلسلة من الرقيات لإنقاذ الفئات المضطهدة، ثمة أناس كثر أكثر تعاسة من العامل.

لم يأتِ ماركس بأطروحة الثورة العمالية أو العامل في الماركسية وذلك جراء رؤيته لمآسي العامل. بل وذلك لتفسيره ورؤيته للعالم المعاصر والمجتمع الرأسمالي ومكانة العامل في المجتمع المعاصر. من الواضح إذا كان للعامل هذه المكانة ولكن لا تلبي الأهداف الانسانية والشخصية لماركس، لا يعطيه (ماركس) تلك المكانة الأساسية ويحلل هذه المكانة ويمضي. ولكن حين يسترعي انتباه ماركس أن هذه الظاهرة هي آخرها، أنها آخر مرحلة يمكن أن يُستغل الإنسان فيها، ولهذا فإنه آخر مضطهد بوسعه أن يكون شريط ناقل تحرر البشرية قاطبة من كل هذا التاريخ الطبقي، هنا نرى أن لدينا هذه الظاهرة العظيمة التي يرد اسمها في الماركسية. إذا كان الأمر غير ذلك، فإن أي من هذه المعادلات لم تصبح بهذه العظمة ولا كان قد عرفها أحد، ولم نمضِ أنا وأنت لمطالعتها.

لقد أرسى ماركس نظريته استناداً إلى العالم وذلك جراء مكانة العامل في المجتمع الرأسمالي والمكانة الموضوعية للعامل في واقع العالم المعاصر، لا لأن العامل أكثر معرفة، أو في الواقع أكثر ثورية أو يفهم أكثر ويعاني أكثر من الآخرين، وأكثر إنسانية، أو أي شيء آخر تعتقده. لا لأنه وجد أناساً أفضل، مختارين، ليس الأمر مثلما أن امرأ يعتقد أن حمر البشرة يذهبون للجنة والبيض لجهنم. كما لو أن ماركس اكتشف العامل بوصفه أمة. ليس العامل أمة أو عرقاً عند ماركس، أو إن عرق العامل هو أفضل العالم. يطلق اليهود على أنفسهم أنهم أفضل عرق، شعب مختار، يطلق الألماني أفضل عرق على نفسه. كما لو أن ماركس بدلاً من أن يصنف العالم إلى ملل وأعراق، صنف الأعمال، وتحدث عن أن العمال هم أفضل أقسام المجتمع. لا يقول ماركس هذا. لا يتحدث ماركس هكذا أساساً.

من الملفت للانتباه في إحدى رسائل أنجلس إلى ماركس في ألمانيا، والتي كانت بالنسبة لي مبعث صدمة نوعاً ما، ولا أتفق معها كذلك، ولكن ما أريد قوله هو كيف وبأي شكل ينظر طرف ما للعامل. يتحدث أنجلس عن تصاعد القتل والجريمة والسرقة في هذه المدينة، وإن هذا يدلل على نمو البروليتاريا في هذا البلد. ويظهر نفسه الآن على شكل قتل وجريمة، ولكنه يظهر بعد ذلك فوراً على شكل نضال شيوعي. إنها رسالة أنجلس إلى ماركس. كان ينظر بصورة موضوعية لهذه الظاهرة، يقول ظهر العمال، نزلوا وانتشروا في الشوارع، ساخطين، يتعرضون للظلم، لا يتمكنون من القيام بشيء ما؟ يمضون بسرعة لسرقة بيت ما، وإن هذه الفئة التي ظهرت في المدينة كانت مبعث حركة في المدينة. سابقاً، في المرحلة الإقطاعية ليس بوسعك أن ترى قطة هنا، الآن يسرق الناس بعضهم البعض في الشوارع، يفرغون جيوب بعض، يقول إن هذه مؤشرات ظهور الصناعة وظهور العامل، ولكنه يعبر عن احتجاجه هذا بشكل آخر. مثلما هو الحال مع حركة تحطيم الآلات، حيث عبر عن احتجاجه بذلك الشكل. العامل هو ظاهرة أخرى عند ماركس وأنجلس.

سأوضح لاحقاً من أية زاوية تنظر النزعة التي تلهج باسم العامل بوصفه منقذ المجتمع البشري. سأعود لاحقاً لتناول تلك الرؤية التي تصور العامل على شكل رؤية سكنة شمال المدينة (الاغنياء) للعامل ومحبتهم للعامل وكيف تبين المحبة البرجوازية للعامل نفسها في حركات الخط الخامس واللهج باسم العامل. أود أن أتحدث في المطاف الأخير عن ما هي مكانة العامل عند ماركس بصورة إثباتية في فلسفته ونظريته؟ سيأتي ذلك في المجلد السادس (لأبحاث منصور حكمت) هذا، لأنه الموضوع ذاته بالضبط والذي قدمته في ندوة السويد قبل ۱۱ عاماً.

اشتراكية المستضعفين، شيوعية العامل المعاصر للمجتمع الرأسمالي

أتحدث عن فلسفة ماركس، وأقول إن ماركس مادي. يطلقون كلمة مادي على المرء الذي يقول بتقدم العالم المادي على العالم الذاتي، والفكر تابع للواقع والموضوع، ويعكسهما. العالم المادي واقعي. إن كل من يقول هذا فهو مادي. ولكن مادية ماركس هي ليست كذلك في المطاف الأخير. إذ لماركس مأخذ على المادية التي سبقته، وبالأخص الواردة في أطروحاته المتعلقة بفيورباخ، الذي لماديته سمات خاصة: العالم موضوع لا يتغير، وإن العالم الذاتي هو موجود أيضاً ويعكسه.

يقول ماركس إن العالم ليس هكذا. يتحدث عن أن العالم حصيلة الممارسة، وأن العنصر الذي يعكس العالم الموضوعي هو العنصر ذاته أيضاً الذي يغيره. إن القصور التي تراها كانت سابقاً أراضٍ، أتى جمع مع الناس بناها ومضى، يقول إن العالم يتغير. الممارسة عند ماركس هي أساس الواقع الموضوعي. بالنسبة لماركس، يعد تغيير الممارسة جزءاً من الموضوع نفسه. ولهذا فان ماركس لا يقبل أن الذات تعكس الموضوع فقط، يقول وتغيره كذلك، ويدخل عنصر الممارسة. الممارسة عند ماركس ليست ممارسة أشياء، بل ممارسة الإنسان. لقد ألقى المجتمع منذ يومه الأول والنشاط الإنساني من البداية طابعه على العالم الموضوعي. ليس بوسعك أن تعكس شيئاً ليس للمجتمع بصمة للإنسان عليه. العالم الموضوعي موجود في الفضاء والأحياء، ولكن يقول ماركس حين تتحدث عن الموضوع والواقع الموضوعي، عليك أن تأخذ بنظر الاعتبار أن قسماً من هذه الظاهرة هي الممارسة الإنسانية والممارسة الاجتماعية.

كيف يعرّف ماركس المجتمع؟ ينطلق ماركس من المجتمع الذي يبنى على الاقتصاد والعملية الإنتاجية، وبعدها يوضح تقسيم العمل، ويبلغ من تقسيم العمل العلاقات الإنتاجية والطبقات. عند ماركس، المجتمع كان طبقياً دوماً، وإن المجتمع قد تم تعريفه دوماً استناداً إلى الميتابوليزم (الإيض) الاقتصادي والميتابوليزم الطبقي. إن الطبقة هي قسم من نظرة ماركس للمجتمع الذي هو بالنسبة لماركس عالم موضوعي والطبقة جزء من العنصر الفعال للتغيير، وفق ماركس.

حين يعرّف ماركس الرأسمالية يبدأ أولاً من أن آلية هذا المجتمع رأسمالية هي بشكل أوجدت الطبقات القائمة. حين تطالع الرأسمال، وبعد ۵۰-۶۰ صفحة تصل إلى العامل، الإيديولوجيا الإلمانية، بعد ۲۰-۳۰ صفحة تصل العامل، إن أطروحات فيورباخ التي تقرأها، بعد عدة صفحات تصل للعنصر الفعال، وبعدها تصل للعامل. وذلك لأن العامل في العالم الموضوعي المعاصر لماركس، العالم الذي من المقرر أن يغيره ماركس، هو جزء لا يتجزأ من الموضوع وجزء لا يتجزأ من التغيير. العامل عند ماركس ليس صفاً من الناس. العامل هو مكانة خاصة بالنسبة له مرتبط فيها بالإنسان، امرؤ ليس بمالك أدوات إنتاجه بحيث بوسعه أن ينتزع لقمة عيشه من الأرض، ليس مرتبطاً بالأرض، حرّ في أن يمضي ليرى أين يقدمون له عملاً، ينال أجراً ويعمل. امرؤ حرّ ومجبر على أن يبيع قوة عمله. قبل العامل، إذا ذهب القن أو الفلاح للمدينة، يرسل صاحبه أناساً للإتيان به وإرجاعه، لا يسمح له أن ينفصل عن قطعة الأرض. وذلك لأنه جزء من ممتلكات ذلك الإقطاعي وقسم من ميدان معين.

إن انفصال الإنسان عن الأرض وغياب الحق على قطعة الأرض والخيار في الذهاب لمكان آخر للعمل كان من اكتشاف الرأسمالية. وبالنسبة لماركس، تعد نقطة مثيرة أمر ظهور نوع من الناس لا ينبغي عليهم القول نريد أرضاً، لأن إذا أراد الفلاح في المرحلة الإقطاعية أن يتحرر، سيقول ينبغي أن تكون الأرض لي. ولكن حين يريد هذا العنصر الجديد أن يتحرر، عليه أن يقول: ينبغي أن لا تكون هناك أوضاع بحيث يحتكر جمع ما ملكية وسائل الإنتاج ويكون الآخرون مجبرين على العمل لهم من أجل تدبير معيشتهم وتأمينها، ينبغي تغيير هذه الوضعية.

إن المكانة الموضوعية للعامل تستلزم أن يعود لإجراء تغيير راديكالي وجذري للمجتمع. إذا أراد العامل أن يتحرر، وليس إذا أراد فقط تحسين وضعه، فإن تحرر العامل، الذي هو أمره، يستوجب استئصال تلك العلاقات المحددة، أي إلغاء الملكية البرجوازية. إن هذه هي مكانة العامل عند ماركس! العامل بالنسبة له هو تلك الظاهرة الاجتماعية الذي بوسعه، أي العامل، أن يحرك ذلك الواقع الموضوعي لعالمنا المعاصر صوب الجهة التي يعتقد ماركس أنه يتحقق سبيل تحرر الإنسان من خلالها. هذا هو ما عرّف ماركس به رسالة العامل أيضاً.

ليس بوسع العامل التهرب من هذه الرسالة. في المجتمع الذي تنبأ به ماركس، يقف العامل في مقدمة الميدان، ليس بوصفه ظاهرة يحتاجها المجتمع. لقد تحدثت عن المجتمع الذي تلغى فيه الملكية الخاصة وتصبح معه أدوات الإنتاج تخص الجميع وفي متناول كل من يعيش في ذلك المجتمع. هل يحمل الكسبة وأصحاب المحلات مثل هذه الأهداف معهم؟ هل يحمل الفلاح مثل هذا الهدف؟ هل لأصحاب الأراضي والأشراف مثل هذه الرسالة؟ هل النساء بذاتهن أو أنفسهن مجبرات على تغيير علاقات الملكية من أجل تحررهن؟ (أؤكد على بذاتهن، وإلا من الممكن أن يكن مجبرات بصورة عملية على القيام بهذا العمل). هل النساء بحاجة إلى الغاء العمل المأجور من أجل مساواتهن بالرجال؟ لسن بحاجة لذلك. فمن الممكن أن يفرض عليهن المجتمع أن سبيل الحل هذا، أي الغاء العمل الماجور، هو العمل العملي الوحيد لقضيتهن هذه. هل العبيد بذاتهم بحاجة إلى إلغاء العمل المأجور من أجل تحررهم؟ لا! إن حياة هذه الشريحة الجديدة، هذه الظاهرة التي ينتجها المجتمع الرأسمالي بصورة مليونية، مرهونة بتحرير المجتمع. لا بسبب أن العامل نفسه يتمتع بهذا الحد من التحررية والفكر التحرري بحيث يفكر إن لم أتحرر لا تتحرر البقية؟ دعني أحرر البقية أيضاً!

ليست الماركسية هذا، الماركسية تقول ليس للعامل سبيل حل غير هذا. تتحدث الماركسية عن أنه يكفي أن ينهي العامل العمل المأجور حتى ينهي كل أشكال الاستغلال. ليس الأمر أخلاقياً، يستعمل فرشاة الأسنان أم لا، يعرف أي نوع من الغذاء يأكل أم لا، ضليع بلغات أخرى أم لا، ليس لها تأثير على دور مكانة العامل من وجهة نظر الماركسية. العامل مجبر على أنه: لكي يتحرر فعلاً، ينبغي أن يتحرر الجميع. ولهذا فإن هذه الحركة، وبصورة تلقائية، في مقدمة حركة المجتمع، ونرى عملياً أن الأمر غدا كذلك، نرى عملياً أن الحركة العمالية في كل بلد، وعلى امتداد القرن كله، مقترنة بتحسن أوضاع الفئات الدنيا وكل من فرض عليها الظلم والقسر.

إن هذه الوضعية وهذه المكانة الموضوعية للطبقة العاملة هي جدية وموضوعية ولا مهرب منها بحد حتى ليس بوسع النقابة والاتحاد العمالي أيضاً أن تظهر يمينية. أن أكثر النقابات والاتحادات العمالية يمينية في المجتمع البرجوازي تتمركز في اليسار. حتى إذا كان الاتحاد العمالي قد شكلته مارغريت تاتشر، فبعد ثلاثة أيام، يكون مجبراً على أن يرسل بلاغاً دفاعاً عن الحركة النسوية أو البلد المحروم الفلاني. بسبب من مكانته الموضوعية، فإن العامل مجبر على أن يكون كذلك، وذلك لأنه إذا بقيت صلة استغلال العمل المأجور، فستبقى البقية كذلك معه. لا يمكن أن يكون هناك عمل مأجور، وليس هناك عمل منزلي، لا يمكن لمدة ثلاث سنوات تشتري يومياً كارتاً لتدبير معيشتك، بيد أن نظام التربية قد تم تنظيمه استناداً إلى التحرر، وأن لا يكون فرض الانضباط والقمع جزءاً من التربية والتعليم. وذلك لأن المجتمع قد نظم على أساس تثبيت العمل المأجور وصيانته. في مجتمع مثل هذا، لا يمكن أن يكون هناك عمل مأجور، ولا يوجد فيه جيش وسجون ومحاكم. تستحيل النزعة العنصرية في المجتمع دون وجود العمل المأجور لأن هذه كلها أجزاء تصون بقاء العمل المأجور.

ولهذا، بالنسبة لماركس، العامل ومقدراته يوردان، على الصعيد الفلسفي، الأبحاث النظرية. ليس الأمر كما لو أن ماركس، ومثل حكيم يبحث عن أناس في المجتمع يشفي بهم المجتمع. إن ماركس لم يكن تحررياً أولاً ليجد العامل لاحقاً. لقد واجهت ماركس حقيقة وواقع أن بوسع العامل أن يكون عنصر التحرر في هذا المجتمع. لم يوجد ماركس العامل، بل في نظريته، يظهر العامل فقط بوصفه عامل التحرر. وإن هذا الموقف يختلف مع موقف أصحاب ما يمكن أن نسميه الاشتراكية المخلصة لحال الأهالي، اشتراكية المستضعفين، أو من موقف الدونية، يقومون بالدعاية للاشتراكية.

بالنسبة للماركسية، ليس مهماً أن يكون للعامل أربع ثلاجات وثلاث سيارات أيضاً و"غدا فاسداً"، وفي المساء يتراهن على سباق الخيول. بكل هذا، إن أراد أن يكون حراً رغم كل ممتلكاته أيضاً، عليه أن يلغي العمل المأجور. في الوقت الذي يعد فيه الأمر على العكس، تستلزم اشتراكية المستضعفين مستضعفاً، بيد أن الماركسية لا تحتاج العامل لكي يبقى عاملاً. وبالشكل الذي تتحدث عنه الاشتراكيات الأخرى، حتى حين تستلم السلطة، تتحدث عن حرية الشعب وقمع معادي الشعب.

بالنسبة لماركس لا تكمن مكانة العامل أساساً في حرية هذا، أي الشعب. بالنسبة لذلك النوع من "الثوريين"، العامل حتى في مجتمعهم اللاحق كذلك موجود أيضاً وذلك لأنه إذا لم يكن موجوداً فهم ليسوا ثوريين! إذا لم يبقَ في المجتمع جمع من أناس متشققي الأيدي من المراحل السابقة، بحيث لا يتخذ منهم هذا النوع من الثوريين لوغو (رمزاً، شارة) لهم، ليس بوسعهم أن يروك أنهم اشتراكيون. كما لو أن العامل، وفق رؤيتهم، إنسان ينبغي تحويل جميع ممتلكات المجتمع وسعاداته له والانتقام من الآخرين. إن هذه عقائد دينية برأيي، وهي موجودة في جذور تاريخ الإنسان، وفرضوها للأسف على الاشتراكية كذلك. ليس هناك أي جذر أو أصل ديني في الشيوعية بالنسبة لماركس. إن هذه مكانة العامل بالنسبة لنا.

ولكن دعنا نرى ما هو ليس بمكانة العامل؟ إن هذا الجانب لم أتناوله في موضوعي السابق. لا يُقدس العاملُ في الاشتراكية. في الجدالات التي طرحت في الانشقاقات التي جرت قبل عام أو عام ونصف، إن أحد الممجدين القدماء لموضوعات الشيوعية العمالية، وإن رسائله لدي من حين كنت في طهران، قال إن مواضيع الشيوعية العمالية بالنسبة لنا نحن العمال (علماً هو نفسه ليس بعامل!) ليس فيها جديد، لأن العمال يعرفون كل شيء بسبب عماليتهم، لقد كان هذا أمراً حسناً لـ"المثقفين"!

وفق هذه الرؤية، العامل هو شخص يعرف مسبقاً ماذا قال ماركس، يعرف ما هي إشكالية خروشوف، يعرف ما هي نظرية الاشتراكية العلمية، يعرف فيورباخ، لأنه عامل فإنه يعرف كل هذا! إنه نوع من التقديس للعمال. لأنه أنت عامل، فأنت تعرف، ولا تحتاج إلى أي شيء. أو إن رفيقاً قديماً لنا، أصدر كتاباً في الفترة الأخيرة وذكر فيه "يقول دستوفسكي أي امرئ ليس له إله، ليس له توازن أخلاقي"، طبعا إن هذا لا تسمعه من دستوفسكي فحسب، بل من جميع الدينيين وأعضاء الجمعيات الدينية، إذ يقولون إذا لا تؤمن بإله، فإنك عديم الأخلاق. وبعدها يضيف صديقنا القديم "بيد أني أقول إن لم يكن المرء عاملاً، لا أخلاق له". إذا كنت عاملاً في معمل زمزم أو صناعة السيارات أو أي مكان آخر، وأموالي موجودة على الطاولة، ورأيت أن أحداً ما قد أتى إلى صالة استراحة عمال المعمل ويقول لي أنت تعرف كل شيء، لا تحتاج إلى أي شيء، وإن مكانك مكان الله لدي، فعندها أنا العامل أضع أولاً يدي على أموالي، لأنه كيف وبأية طريقة ينشد مثل هذا الشخص سرقتي! لأن هذا هو سياسي لعوب! ما صلة هذا بالماركسية؟ ليس العامل بحاجة إلى شيء، يكفي أن تذكر اسمه كي يذوب كل شيء! إنه نفس العامل الذي لم يعطوه راتبه في المجتمع، وليس له حول أو قوة، ذلك العامل الذي يقول عليه مثل ذلك الشخص هذا، لم يستلم راتبه منذ ستة أشهر، ولكن في عالمه الصغير (وقصده اليسار-م) تحول إلى إله، تحول إلى علم، إلى المحك والمعيار النهائي للأخلاق. وحين تمحص الجملة اللاحقة لمثل هذا الشخص، تجده عادة ماوياً سابقاً، ويريك صوراً من الثورة الثقافية. في الثورة الثقافية، أتوا بالفلاح الفقير لينتقد عمل الرسامين. فلاح ليس ملماً بعمل الرسامين. إن هذا النوع من الحكم والتقويم، هذا النوع من التعاطف مع الفقراء والمستضعفين هو كذب ورياء. وذلك لأن الحركة العمالية لا تمتلك مثل هذا التصور عن نفسها على أنها تعرف كل شيء. أمسكت بيد الماركسيين وتقول: "لا عليَّ من أين أتيت، تحدث بهذا الكلام الذي نطقت به في الشارع لعمال معملنا أيضاً".

لا يدّعي العامل أنه يعرف كل شيء، بل يبحث عن ردود محدودياته السياسية، يتعقب أنه لا يستطيع أن ينظم نقابة، كيف يرد على مَلّا صغير، في هذا السياق، ثمة مدرسة حوّلت "كاركر كرائي" (التشدق باسم العامل-م) إلى تملق للطبقة العاملة وتحويلها إلى صنف. ليس العامل بصنف! ليس العامل بأمة! ليس العامل عرقاً! لقد قدّست العامل وتملقته. العامل شريحة ذات رسالة تاريخية استناداً إلى مكانته الاجتماعية. برأيي إن التصور الصنفي للعامل، أي امرئ يعطي العامل بيان حقوق الإنسان ويقول إن العمال فقط هم من يمضوا عليه، لا يمكن إلا أن يكون برجوازياً برأيي. بالنسبة لامرئ كان نفسه قبل ۲۵ عاماً عاملاً في إيران، ولا تتمتع هذه الحقيقة الآن لديه بأية أهمية لأنه يعمل في مكان ما، يقول على ورقة كتبها "مثقف" من له الحق أن يوقع عليها؟ أو حتى من يحق له أن يحضر اجتماعه؟ عامل متشقق الأيدي! إنها اتهامات ألحقت بالشيوعية، وإن هؤلاء بالضبط من تناسوا في أحسن الأحوال وأكثرها تفاؤلاً هم أساس تلك الجملة الثانية التي ذكرتها لكم، أي ليس بوسع العامل أن يتحرر دون أن يحرر الجميع.

إن أساس الثورة العمالية هي الإنسانية، وإن أساس تحررية العامل هي الإنسانية، وأساس الماركسية هو تحرر الإنسانية. حين يثور العامل يسعى لأن يغير بالضبط ظاهرة يكون فيها جمع ما عمالاً وجمع آخر لا يعمل، جمع مجبراً على أن يعمل وآخر ليس مجبراً على ذلك. والآن بعد مرور خمسة أعوام على ثورة هذا النوع من المدافعين، فإن التصور للعامل والذي هو مبعث انتقادي يأتي ويقول إن أياديك ليست متشققة. ولهذا لا يحق لك المشاركة في الانتخابات! كانت هذه الرؤية مبعث انتقادنا منذ أمد بعيد.

ما أود قوله هو أن هذا التمثيل العمالي المتخلف هو مؤشر تقدم البرجوازية برأيي. لا يتمثل الأمر بأننا نشهد رؤية بروليتارية متخلفة، بل إن أية رؤية بروليتارية متخلفة تمثل تقدم رؤية برجوازية. إن امرأً يجعل من العامل صنفاً هو امرؤ لا يريد أن يكون العامل طبقة. إن كان من المقرر أن يكون العامل صنفاً، ستديم البرجوازية عملها إلى الأبد لأنه يؤمن كثيراً بأن العامل يشكل نقابة له. وإن أراد امرؤ ما من أجل حريته في مجتمع يتعقب قوة بوسعها أن تقوم بهذه الرسالة فعلاً، ويحدد ويلجم تلك القوة بقضاياها الصنفية، ويخلق شيئاً وهوة ما بين الطبقة العاملة والمجتمع ويبني سوراً صينياً ما بين نضال الطبقة العاملة، فهو برأيي أسوأ أنواع البرجوازية. فيما يخص حَمَلَة هذا التصور المتخلف عن العامل، ماركس يتحدث بشكل صريح جداً بحدٍّ لا أجرؤ على استعمال استعاراته. على أية حال، إن التصور الصنفي للعامل برأيي، وتحويل العامل إلى أمة، إلى أناس ذوي فصيلة دم معينة ليس له صلة بالماركسية. يتحدث ماركس عن البروليتاريا الصناعية، ليست الماركسية تقول: بدلاً من "انتظموا وتنظموا"، "عاش العامل!"، وبهذا تكونون قد اقتربتم خطوة من البروليتاريا!

كان يقرأ أكثر العمال طليعية في مرحلة ماركس أكثر المجلات طليعية، كانوا يقرأون البيان الشيوعي. إذا أردت في تلك المرحلة أن تصدر مجلة فكرية عصرية وطليعية بشكل استثنائي، عليك أن تأخذ بنظر الاعتبار أن تعطيها للحلقات العمالية، وإن معيار نجاحها هو مقبوليتها عند الحلقات العمالية. وإن كانت هذه التصورات المتخلفة وتقديس العامل هي ضعيفة وهامشية جداً، أقول ينبغي أن تكون الشيوعية واعية وذلك لأن مجمل هذه الجدالات تتسلل مرى أخرى في الثورة، الاستراتيجية، مهام الثورة العمالية، تنظيم النضال الطبقي وفي مهام الثورة الاشتراكية. وإن أيّاً من هذه المواضيع المتخلفة نفسها تكفي لإلحاق الهزيمة الاجتماعية بالعامل.

إن العامل الذي ليس على استعداد لرفع راية تحرر المرأة، ليس على استعداد لإعلاء راية الدفاع عن حقوق الأطفال وشعار إلغاء عقوبة الإعدام، لأن هذه الأمور ليست عمالية بحد كافٍ بالنسبة له، لهو من هذا النمط. انظر إلى الأقسام الأخيرة من البيان الشيوعي، سترى أية مطالب طرحت، أو ماذا عمل لينين ورفاقه حين أتوا للسلطة؟ حين استلم لينين السلطة، ألغى كل ادعاءات روسيا القيصرية حول الأرض على البلدان المجاورة.

أوجز وألخص بحثي بصورة مكثفة جداً وأقول:

حركة تحرر الإنسان

للشيوعية العمالية اختلاف اجتماعي مع الشيوعية غير العمالية ألا وهو أن هذه حركة اجتماعية للطبقة، ولها اختلاف نظري مع الشيوعيات الأخرى، وهو أن شيوعيتها هي لتحرر الإنسان، وأن العامل من يقوم بذلك. إن الرؤية الوحيدة التي تتناغم مع الثورة العمالية هي ماركسية تنشد تحرر كل البشرية واستئصال جميع أشكال الاستغلال. لهذا نلاحظ نوعين أو ثلاثة من الشيوعية حولنا. أناس يعتقدون بأن أهدافاً مرحلية وثانوية وبينية للثورة العمالية، أناس لا تمثل الحركة العمالية مركز ثقل احتجاجهم الاجتماعي، على سبيل المثال، أناس تمثل الحركات الإصلاحية التدريجية أساس اشتراكيتهم، أناس يمثل الفلاح أو المتعلم الحضري اساس شيوعيتهم، إنهم أناس انفصلت عنهم شيوعيتنا العمالية.

إن اختلافاتنا هي ليست اختلافات فكرية دينية، بل إن صيغتنا للشيوعية هذه ذات اختلاف، صيغت وعُرِضَت بهذا الشكل، مع صيغ الآخرين للشيوعية، وليس أنها تعرّف دينها بهذا الشكل. إن لم يقر اليسار الجديد في أوربا بشيوعيتنا، فذلك فضلاً عن الجوانب العقائدية والنظرية، لأن أساسه هو الحركة الاجتماعية الطلابية للمتعلمين، بعضهم يريد أن يبعد نفسه عن الكتلة الشرقية كي يجد مكاناً لليسار في البنية الفوقية الديمقراطية البرلمانية للغرب. إن الحركة الشيوعية في الصين هي من أجل تحويل الصين إلى بلد مستقل والتخلص من هيمنة الاستعمار، عاشت! إنه مطلب حسن جداً من أجل تحسين أوضاع ملايين الناس، ولكنه ليس من أجل تحرر الإنسان من أي من أشكال الاستغلال. إنها أكثر تخلفاً عنهم. من الواضح إني أدافع عنها بوجه الإمبريالية، ولكنها ليست حركتنا الاجتماعية. إن اليسار الإيراني الذي أتينا منه، وسأتحدث في حينه عن سماته، وننظر ماذا كانت تنشد هذه الشيوعية من مطالب، كانت حركة أية طبقات، ماذا يريدون أن يعملوا في إيران، وماذا يريد بقاياه أن يقوم بعمل.

إنه موضوع مهم لأنه يحدد استراتيجيتنا في ما يخص التعامل مع بقية التيارات اليسارية الموجودة الآن فعلاً حولنا، ويحدد ما نريد القيام به. إن موضوعتي هي أن هذا اليسار الإيراني هو جزء من الحركة الإصلاحية البرجوازية في إيران، قسم يريد إرساء مجتمع أفضل، أي الاشتراكية البرجوازية المحافظة في إيران ذاتها. إنها، وعبر الاشتراكية، تنشد إرساء مجتمع برجوازي يليق بالحياة، على غرار فرنسا إن أمكن، وإلا فعلى غرار تركيا. بفضل الاشتراكية، تتطور الصناعة، وبفضل الاشتراكية تتحسن الصحة. إن كل هذه هي أعمال جيدة وحسنة، ولكنها تختلف وذات فاصلة عن مطلب قلب المجتمع، إعادة هيكلة المجتمع بصورة جذرية، وهو ذلك المطلب الصريح والواضح الذي يرفعه العمال الألمان. أختتم هنا موضوعي، أتمنى أن يكون لدينا وقت لمواصلة بقية المواضيع.


ملاحظات المترجم:

تمت ترجمة النص عن النص الشفهي للندوة والمنشور في سايت منصور حكمت hekmat.public-archive.net ، ولم تسنح لمنصور حكمت فرصة اعداده للنشر الكتابي. وهذا ماألقي بضلاله على الترجمة الى حد ما سواء شئنا ام ابينا، رغم سعيي الشديد الى تضييق اثر كون الموضوع شفاهي الى اقل حد ممكن. واشكر بهذا الخصوص الرفيق والصديق عمار شريف الذي راجع النص النهائي لهذا القسم.

من جهة اخرى، وبهدف تسهيل قراءة البحث، قمت بتقطيع المقاطع الطويلة في النص ونشرتها بشكل مقاطع اقصر. وان مايعطيني الحق في هذا هو كون النص شفاهي بالاساس.

كل اسماء الابحاث والمقالات التي وردت في ندوة منصور حكمت ودونتها بالحرف المائل تعني انها مترجمة ومنشورة باللغة العربية.

ترجمة: فارس محمود


Arabic translation: Faris Mahmood
hekmat.public-archive.net #3595ar.html