Status             Fa   Ar   Tu   Ku   En   De   Sv   It   Fr   Sp  

بصدد سياستنا التنظيمية بين العمال

حديث في ندوة حزبية
(١)


رفاق! ان موضوع بحثنا اليوم هو سياستنا التنظيمية. لقد صدر مقال "سياستنا التنظيمية في اواخر ١٩٨٦. من ناحية انقضاء مدة عليه، ينبغي بحد ذاته، وكقاعدة، ان نكون في مكان نستطيع استخلاص وتقييم نتائج هذه السياسة. ولكن المسالة هنا هي ان تقييمنا، الذي طرح في الاجتماع الموسع ١٣ للجنة المركزية وفي المؤتمر الثالث للحزب كذلك، يتمثل بان هذه السياسة لازالت لم يتم فهمهما وترسيخها. وبالتالي، وبالمعنى الواقعي للكلمة، لم تُتَّخَذْ كي يتم الحديث عن نتائجها. لم تُنقَل هذه السياسة بشكل صحيح الى فعالينا. وان هذا الامر بذاته قد خلق تعقيدات ومشكلات كذلك. ولهذا، في الحقيقة نحن لسنا في مرحلة استخلاص وتقييم، بل في وضع اعادة طرحها مرة اخرى. وان البحث الذي اقدمه هنا هو مقدمة لتوضيح هذه السياسة مرة اخرى ودورة من النشاط المكثف من قبل لجنة التنظيمات للتنفيذ العملي لهذه السياسة وتحقيق اهدافها. مع وجود اختلاف الا وهو: انه تضاف الى مسائلنا اليوم مجموعة من اشكال سوء الفهم وسوء تفسير هذا البحث، وهو الامر الذي لم يواجهنا في البداية. شرعنا في المرة السابقة بنقد جملة من التصورات والممارسات المتماثلة في حركة اليسار. بالاضافة الى ذلك، ينبغي اليوم التحدث كذلك عن، على سبيل المثال، كيف تم تفسير هذه المقولة او تلك التي طرحت في بحث السياسة التنظيمية بصورة غير صحيحة وفسح المجال للممارسة غير الصحيحة. على سبيل المثال، اي اضطرابات فكرية قد خلّف ورائه مفهوم فئة "العمال الراديكاليين الاشتراكيين".

آمل في هذه الجلسة، ونظراً الى حضور عدد كبير من الرفاق من المختصين واصحاب راي في هذا الميدان، وبالاخص اناس انفسهم يعملون في هذا الميدان وبوسعهم ان يفهموا بصورة مباشرة الابهامات والاسئلة فعلاً، وبعد نهاية حديثي ان نتمكن من الحديث عن مثل هذه الابهامات والاشكالات، وان نرد عليها بقدر الامكان. بهذه المقدمة نعود الى اصل بحث اليوم. من المفروض ان الرفاق قد اطلعوا بدقة على مقال سياستنا التنظيمية. لااقصد بالطبع ان اكرر ذلك البحث هنا مثلما هو، بل تناول نقاط تساعد على توضيح افضل لذلك البحث.

ان مقال سياستنا التنظيمية هو مقال مهم جداً برايي. اولاً، كان ينبغي على النقاط التي طرحت في المقال، ولازال الامر كذلك لحد الان، من ان تغير من نظرتنا لحركة الطبقة العاملة والعمل داخل الطبقة العاملة. ان ايلاء الاهتمام والانتباه للاطروحات التي قدمت في هذا البحث حول اشكال وجود الطبقة العاملة والتفاعلات الداخلية لهذه الطبقة هو امراً حياتياً بالنسبة لحزب ينشد العمل داخل الطبقة العاملة. ثانياً، كان هذا البحث هو تعليمات ونسخة كي ينمو حزبنا ويتطور ويتوسع ويحوِّل ابعاد نشاطه. ان اتخاذ هذه السياسة برايي هو سبيل حل واقعي وعملي لتنامي نشاط الحزب في المدن وداخل الحركة العمالية، وان عدم تبني هذه السياسة يعني حرمان الحزب من امكانات حقيقية كانت ولازالت لديه لاقتدار الحزب. ثالثاً، كان لهذه السياسة ان تغيّر، ولازال الامر كذلك، من التركيبة والسمة الطبقية لحزبنا. ينبغي ان يتحول حزبنا الى حزب عمالي، ولقد كانت هذه السياسة اداة صوب هذه الجهة، ولكن لم تستخدم بصورة صحيحة للاسف. نقطة اخرى هي احتواء هذا البحث من الناحية العملية تقييما محدداً لنقاط ضعف نشاطنا العملي للمرحلة السابقة. ان عدم توضيح وتثبيت هذا البحث يعني، دون شك، تقليص وتخفيف اثر تقييمنا الانتقادي للمرحلة السابقة كذلك. ويسترعي بحث السياسة التنظيمية انتباه ناشطينا دون شك الى مآخذ عملنا السابق. بيد ان عدم التوضيح الدؤوب لهذه السياسة وعدم ترسيخ اوجهها الاثباتية سيترك محله اشكال من عدم الوضوح. لن يكون معروفاً بصورة صحيحة نقدنا للعمل السابق، ولاسبيل لاصلاحه. واخيراً، وهو الاهم من هذا كله، كان هذا البحث استنتاجاً عملياً ومهماً من بحث الشيوعية العمالية. الى الحد الذي يبقى بحث سياستنا التنظيمية مطروحاً على الارض، يتلقى بحث الشيوعية العمالية عموماً ضربة كذلك.

لم يكن قسما مهما من ذلك المقال في الحقيقة مرتبطا بـ"سياستنا التنظيمية" بالمعنى الخاص للكلمة، بل كان مقدمة لنفض اشكال اعوجاج الفهم الموجودة لدى اليسار في ايران فيما يخص العمل داخل الطبقة العاملة، كي يمكن بعد ذلك التفكير بصورة دقيقة ومحكمة بالعمل داخل الطبقة العاملة والنشاط التنظيمي للحزب في المدن. بعبارة اخرى، بقدر ازاحة مثل هذه التصورات غير الصحيحة والمقلوبة حول الطبقة العاملة، الحركة العمالية والتنظيم الحزبي وغير الحزبي داخل الطبقة العاملة وغيرها، والتي ساوضحها لاحقاً (والتي لاتعود الى سبب معرفي اطلاقاً)، سيغدو فهم بحثنا حول السياسة التنظيمية للحزب امراً سهلاً جداً. عندها ستوجز سياستنا التنظيمية في امور اكثر واقعية ومفهومة بحيث بوسع اي شخص توضيحها لرفيقه في غضون دقائق. بدون هذا النقد، ستغدو هذه الاطروحات البسيطة ضحية الغموض والنزعة الذهنية غير الواقعية، وهما من سمة اليسار غير العمالي لمرحلتنا.

اشكال سوء الفهم

استناداً الى تجربتنا لحد الان وتفسيرات بحث سياستنا التنظيمية، دعوني بدءاً تناول ما لاتعنيه سياستنا التنظيمية بالاساس.

١- للحلقات العمالية مكانة مهمة في بحثنا، بيد ان اطلاق تسمية "السياسة التنظيمية الحلقية" على بحثنا هو امر خاطيء جداً. كما لو ان الحزب الشيوعي يقدم الشكل الحلقي للنشاط على عمل الخلايا، الذي (عمل الخلايا-م) هو محور سياستنا هذه المرحلة. او كما لو اننا تعقبنا سابقاً الاشكال الصارمة من العمل الحزبي في المدن والان نتوجه مثلا نحو تنظيم فضفاض وغير رسمي. ليس هذا هو بحثنا.

٢- بحث السياسة التنظيمية ليس بحثاً حول طرح شكل بديل من التنظيم الجماهيري وغير الحزبي للعمال. وكأننا، نظراً لضعف التقاليد النضالية التنظيمية للعمال في ايران وغياب المجالس والنقابات، وجدنا سبيلاً وهو، على سبيل المثال، نضع الشبكات الحلقية بدلاً من المجالس والنقابات. ان هذا ليس بحثنا. ليس بحث السياسة التنظيمية بحثاً في اطار مسالة المنظمات الجماهيرية للطبقة العاملة. ان موقف الحزب وسياسته في هذا الميدان واضحة تماماً. اذ نعد المجالس وحركة الاجتماعات العامة اطاراً مناسباً للنضال الجماهيري والعلني للعمال، وقد وضحنا صلتها بالنقابات بالتفصيل كذلك.

٣- ليس بحثنا بحثاً في اطار النزعة الفئوية والتعصب الفئوي (السكتارستية) والتصفوية. ان تصور السياسة التنظيمية بحثاً يهدف الى تخفيف الاطار والثقل الحزبي والايديولوجي للحزب لصالح تقوية اشكال التواجد العملي مع سائر التيارات في النضالات الجارية هو خاطيء تماماً. ليس بحث السياسة التنظيمية مقدمة ومستهل لبحث "اتحاد الميول". ان هذه العبارة الاخيرة، اذا تتذكروا، قد طرحت ارتباطاً ببحث قانون العمل، ولازال الامر كذلك. اي اذا تمكنا من طرح قانون عمل ثوري يخلق كأساس لاتحاد الميول النضالية داخل الطبقة العاملة في النضالات الجارية، علينا ان نسعى انفسنا من اجل هذا الاتحاد النضالي حول قانون العمل. بحث السياسة التنظيمية ليس اطلاقاً بحثاً حول رفض الاطار والطابع الحزبي والراديكالية السياسية والايديولوجية للحزب. ساشير لاحقاً الى تحول الحزب الى حزب اجتماعي لايستلزم قط تخفيف المعتقدات الايديولوجية للحزب، ليس هذا وحسب، بل ان التعبير عن هذه المعتقدات والدعاية لها باكثر الاشكال صراحة داخل الطبقة العاملة هو شرط حياتي لتحول حزبنا الى حزب اجتماعي.

٤- ليست سياستنا التنظيمية بحثاً حول اختيار موضوع عملنا الدعائي والتحريضي والتنظيمي. لقد واجهنا هذا التصور الخاطيء تماماً والباعث على الاستغراب والعجب، في الوقت الذي موضوع ومخاطب عمل الحزب لحد الان هو الطبقة العاملة بصورة عامة، ولكن كما لو ان مع بحث السياسة التنظيمية، ندعوا الى ان نضيق اطار مخاطبنا، وان نضع نصب اعيننا فقط القسم "الراديكالي الاشتراكي" من الطبقة العاملة. ليست السياسة التنظيمية بحثاً حول تقليص نطاق ميدان نشاط الحزب داخل الطبقة العاملة، بل حول كيفية نشاطنا داخل الطبقة برمتها. وبهذا السياق، نقر بالمكانة الخاصة للفئة الراديكالية والاشتراكية للعمال فيما يخص تنظيم كل الطبقة وقيادتها، وقد وضحنا ذلك كثيراً.

ان هذه هي فقط حالات من اشكال سوء الفهم. امتداداً لهذا البحث، بوسع الرفاق طرح حالات اخرى تعاملنا معها وواجهناها.

اسس سياستنا التنظيمية

ولكن ماهو الامر المتعلق بسياستنا التنظيمية. ساشير بدءاً الى النقاط الاساسية ، وساقدم توضيحي لكل منها.

١- ان مقال السياسة التنظيمية هو بحثاً حول الفهم المادي والموضوعي لمسار تشكل حزب ثوري وشيوعي داخل الطبقة العاملة. انه بحث معرفة الاليات المادية لهذا المسار. ينشد هذا البحث توضيح مسالة: ماهي التحولات الموضوعية والمادية التي ينبغي ان تحدث لاقامة حزب ثوري عمالي عموماً. انه بحث مناهض للنزعة الذهنية لليسار التقليدي في ايران. وعليه، وعلى صعيد عام، هو بحث حول اليات صلة الحزب بالطبقة.

٢- ان هذا البحث هو تأكيد على بعض السمات الاساسية للطبقة العاملة في حياتها ونضالها، سمات بقت خافية عن انظار اليسار التقليدي غير العمالي. ان الاطروحات الاساسية التي نوقشت في المقال، ومثلما ذكرت هناك، هي تتمة لابحاثنا السابقة، من مؤتمر اتحاد المناضلين الشيوعيين ولاحقاً، حول اسلوب العمل ومسالة التنظيم العمالي. تدلل كلها على مسالة اننا "نعرّف" اليسار الايراني، بالطبقة العاملة كما هي موجودة. ان امرء يهدف الى تنظيم الطبقة العاملة، عليه ان يعرف على الاقل الطبقة العاملة بوصفها ظاهرة اجتماعية. لماذا ينبغي قول هذا؟ وذلك، مثلما بحثنا ذلك مرات، وسنذكره هنا كذلك، اننا نتحدث من زاوية حركة الاحزاب اليسارية غير العمالية وتحركها صوب الطبقة العاملة. ان هذا هو واقع اليسار الايراني، وبل حتى سمة حركة حزبنا نفسه لحد الان. وعليه، بالنسبة لتيار يتحرك من قطب غير عمالي في المجتمع صوب الطبقة العاملة ويذكر يومياً في تحريضه ودعايته وادبياته واذاعته الطبقة العاملة مئات المرات ويعلن دفاعه عن مصالح هذه الطبقة وامالها، فان اقل مايمكن توقعه منه هو ان يعرف (التيار-م) هذه الطبقة كما هي فعلاً والسمات التي تضفي مكانها ووضعها الموضوعي في المجتمع على حياتها ونضالها، وليس استناداً الى التصور المسبق والذاتي للطبقات المالكة عن العامل والطبقة العاملة. ساتناول هذه النقطة لاحقاً.

٣- ان بحث السياسة التنظيمية هو بحث حول فهم الخصوصيات والاوضاع المحددة لبلد معين والطبقة العاملة في مرحلة محددة. يبين هذا البحث محدوديات وخصائص حياة هذه الطبقة ونضالها، يتحدث عن التاريخ والتقليد النضالي لهذه الطبقة، واية نقاط قوة وضعف تركتها عليها. ويتحدث من الزاوية الفكرية والايديولوجية عن اية مسارات تجري داخل الطبقة، واية تيارات وميول تشكلت. ان الطبقة العاملة في الثمانينات في ايران هي حصيلة مسارات تاريخية في ايران وعلى الصعيد العالمي على السواء. النظرة والبنية الايديولوجية لهذه الطبقة، قدرتها التنظيمية والنضالية وظروف حياتها وغيره جميعاً حصيلة تاريخ اجتماعي يضفي سمات خاصة على هذا القسم من الطبقة العاملة العالمية. ان بحث السياسة التنظيمية هو حول تاثير هذه السمات المحددة على عقلية وتفكير الشيوعيين.

٤- ان سياستنا التنظيمية هو بحث حول فهم النواقص العملية لسياسة الحزب السابقة (لحين نشر المقال المذكور). انه بحث حول توسيع النشاط الشيوعي في اوضاع غير مناسبة بنظر الجميع. ان نقطة محورية لهذا المقال والامر الذي يسعى لترسيخه هو ان هذا بحث مثمر لنشاط الحزب في مرحلة لايمكن توسيع العمل الشيوعي كثيراً وفق تصور اليسار التقليدي، وان امكانية التنظيم العلني للطبقة العاملة هو امر غير ممكن، يرهن توجه الشيوعيين بتوفر مراحل ثورية، وهو مايجبر الشيوعية على ان تبقى في اطار المثقفين وغير ذلك. ان هذا البحث هو دعوانا المستندة الى ان الامر ليس هكذا اطلاقاً. في قلب هذه الاوضاع، ثمة سبيل ايضاً لتطور الحزب الشيوعي للعمال، وهو سبيل موضوعي وعملي وملموس تماماً. اي ان مقال سياستنا التنظيمية يوجه النقد لمرحلتنا السابقة و يُذَكّر بالنواقص التي حالت دون تنامي النشاط الشيوعي داخل الطبقة العاملة.

٥- واخيراً، مثلما ذكرنا في بداية البحث، مقال سياستنا التنظيمية هو حول ضرورة تحول اليسار الى يسار اخر. ان تاريخ اليسار الايراني، في مساره الاساسي، هو تاريخ الاصلاحية وقومية الجناح اليساري للبرجوازية الايرانية. ان البحث هو حول ان هذا التاريخ قد بلغ مكاناً ينبغي معه ان تتشكل شيوعية عمالية. كان من المقرر ان تكون الشيوعية عمالية. وقبل ان تصبح "وطنية" وموضوعة تحريف واستغلال البرجوازية لها باشكال متنوعة، كانت، في ميدان المجتمع، ظاهرة عمالية. ان بحث السياسة التنظيمية هو جزء من سعي اوسع لصياغة مختلفة وناهضة من اصل اجتماعي مختلف. انه بحث حول شيوعية عمالية وتاسيس الحزب الشيوعي للعمال.

الحزب والطبقة

فيما يخص الحزب والطبقة، هناك سلسلة من اشكال الفهم والمسلمات الخاطئة في اليسار التقليدي لايران. ينبغي ان نبدء من نقدها. ان التصور السائد على اليسار، فيما يخص صلة الحزب والطبقة، هو: يوجد في قطب عنصر النظرية، الايديولوجيا، الوعي، التنظيم والانضباط، وفي قطب اخر تقف الجماهير العمالية. يشكل الحزب او المنظمة قطباً و"الجماهير" قطباً اخراً. ان الية تنظيم الثورة الشيوعية هو ان هذه المنظمة تبلغ تلك الجماهير وتنقل اهدافها ومثلها للجماهير، تغير افكار تلك الجماهير، على شكل افراد منفردين وانسانيين ومستقلين، يغيروا افكارهم، تغير رؤيتهم، تجعلهم يؤمنوا بالشيوعية والاشتراكية، يفهمون سبب مأسيهم، وبعدها ينضموا الى تلك المنظمة، ويدخلوا النضال الواعي والهادف. بعبارة اخرى، من جهة هناك الجماهير العمالية على شكل نواتات بشرية، ومن جهة اخرى توجد منظمة وحزب على شكل تجسيد للوعي والتنظيم والثورية. ان هذه الثنائية القطبية "الحزب-الجماهير" قد تناولناها في مقال السياسة التنظيمية. ان سبب وجود مثل هذه المسلمة والفهم غير الصحيح والساذج ليس ضعفاً معرفياً لدى اليسار. انه في الحقيقة انعكاس وامتداد للفهم والمعرفة نفسهما اللتان لدى الراسمال والراسمالي في ميدان الانتاج عن العامل. الراسمالي مالك شيء اسمه الراسمال. الانتاج هو حصيلة ان هذا الراسمال، وسائل الانتاج التي تخص الراسمالي، والعامل فاقداً لها وفقاً للتعريف، ياخذها ويضعها الراسمالي في متناول العامل لكي يعمل بها. العمال في هذه الصلة، من وجهة نظر الراسمالي، فرد يرتبط لمدة معينة (يوم العمل) بالراسمال، وبعدها يضيع مرة اخرى في زاوية صماء ومغبرة في المجتمع الى ان يحضر غداً مرة اخرى في المعمل. اما خارج اطار المعمل، خارج اطار الصلة الحقوقية بين العمل والراسمال، العامل ظاهرة غير معروفة بالنسبة للبرجوازي. من وجهة نظر البرجوازية، العمال دوماً اناس بحاجة للعمل ومستعدين للعمل. اما ماذا يعملون بوصفهم اناس في المجتمع، فليس مبعث اهتمام البرجوازية. ان نظرة الراسمال للعامل في الانتاج هي اساس نظرة اليسار النابعة من رؤية هذا الراسمال للعمل في ميدان السياسة. جماهير هلامية. حين يبغي هذا اليسار الحديث عن العامل، يرى حرمانه وفقره. ومن هذا الجانب، في نظرية اليسار التقليدي، لايمكن عموماً تمييز الطبقة العاملة بوضوح عن الكادحة والفقير. لايعرف هذا اليسار شيء يذكر عن ماهي مكانة الطبقة العاملة بوصفها ظاهرة اجتماعية، وماذا تعمل، وهل لديها اساساً حياة وتفاعلات سياسية، ثقافية، معنوية وفنية ام لا، هل ثمة احتجاج يجري في داخلها ام لا، ماهي اشكال هذا الاحتجاج وغيره. لدى هذا اليسار اقل تفسير وتحليل لمسالة ماهو العامل من الجانب الاخر من الانتاج والعمل في المجتمع.

حين يقتنع برجوازي ما ان يكون اشتراكياً، ويرى ان لابد له من القيام بعمل ما، ذلك لان قلبه قد التسع بدءاً على حالة الفقراء، واعتقد ان على المجتمع ان لاينقسم الى فقير وغني. تحدث ماركس في البيان الشيوعي بدقة عن مثل هذه الاشتراكية البرجوازية. ان اشتراكية البرجوازيين هي من اجل خلاص المحرومين والفقراء. ان هذه الرؤية تُنقَل مباشرة الى نظرية الحزب عندهم. من جهة، يعودون الى ماركس ويقرأون عن بروليتاريا تمثل الاشتراكية نظرية ثورتها، بروليتاريا واعية ومنضبطة، ترسي حكومتها، تقلب المجتمع، وستدير المجتمع بارقى الاشكال الممكنة وغير ذلك. من جهة اخرى، ينظرون الى مجتمعهم القائم ولايجدون "بروليتاريا" في هؤلاء الناس "المحرومين وغير الواعيين والحفاة". وعليه، تغدو "البروليتاريا" تدريجياً، بالنسبة لهم سمة اناس كسبوا تطوراً ووعياً معيناً كي يلتحقوا بحزب ونضال عرّفوه وحدّدوه هم انفسهم. ولهذا يتحول حزبهم الى مَعْلَمْ ومحك البروليتاريا. من الصعب الاعتراف بعامل حي وقائم وخارج هذه الحزب والتيار بوصفه بروليتارياً. تصبح البروليتاريا قسماً تمكن من قبول تلك الايديولوجيا الذهبية، الانضباط الذهبي، والامتنان الذهبي للتنظيم والمنظمة، وانخرط في المنظمة. ولهذا يمكن تاسيس منظمات بروليتارية متنوعة دون ان تنظم وتحوي العمال. منظمات تستنتج سمتها البروليتارية بصورة محض من نظريتها وايديولوجيتها ومواقفها.

ان تفكير اليسار التقليدي هو توليفة من تصور تجريدي وذاتي وانتقائي للبروليتاريا من جهة، وفهم مخططاتي واختزالي للعامل بوصفه فقير وحافٍ من جهة اخرى. ليس اي من اشكال الفهم صحيحة. كلاهما يبينان ان الثنائية القطبية، الحزب-الجماهير، هي قطبية عديمة القيمة والمعنى، وقد ارسيت بناءاً على معرفة البرجوازي للعامل في ميدان الانتاج. تعري هذه الثنائية القطبية فقط على المكانة والانتماء الطبقي للاشتراكيين البرجوازيين.

ونظراً لهذه المسلمات واشكال الفهم، قد تبدو الاطروحات التي قدمت في بداية مقال سياستنا التنظيمية غريبة للكثير من اليسار. ان القول بان تجري داخل الطبقة العاملة حراك وتفاعلات سياسية غنية، وتفكر بجملة من المسائل الاجتماعية، وتشكل في داخلها تيارات سياسية وايديولوجية، وللطبقة العاملة باي حال من الاحوال بنية قيادية، ولاتفتقد في اي مرحلة الى نوع من الهيكلية والتنظيم الداخلي، وان احتجاج هذه الطبقة ونضالها المستمر هو جزء من وجودها بوصفها طبقة واطروحات من هذا القبيل امراً لايمكن هضمه واستساغته بالنسبة للكثيرين، وربما بالنسبة لهم علائم "اصابة" حزبنا او كاتب المقال المذكور بـ"هوس عمالي". على امتداد السنوات الاخيرة نفسها، ثمة تيارات تتمتع دون شك بعقل ومنطق، وان الازمة السياسية والايديولوجية وتطورات الاتحاد السوفيتي والصين قد حطت من اعتبار ومكانة احكامهم الدوغمائية ومايسمى بـ"تعاليمـ"هما حتى الان، تأثروا بابحاثنا، لماذا؟ لانهم وجدوا فيها على اية حال سبيل للنشاط داخل الطبقة العاملة. ولكن لازالت هناك تيارات وفرق شبه مذهبية قليلة التاثير يختمون حياتهم السياسية بالمعتقدات السطحية ذاتها فيما يخص الحزب والطبقة العاملة.

بايجاز، السمة المميزة للطبقة العاملة في فكر اليسار التقليدي لامكانة هذه الطبقة في الانتاج ووجودها بوصفها طبقة اجتماعية نتاج الانتاج الحديث، بالتفاعلات والتحولات التي تجري داخلها، بل المكانة الاستهلاكية للطبقة وظاهرة الفقر والحرمان. وكثيراً ماراينا حين يتغير النموذج الاستهلاكي للطبقة العاملة، مثلاً في ايران حين يرتدي العامل ملابس افضل ويغدوا بنضاله مالكاً للوسائل المنزلية مثل ثلاجة وتلفاز وغيره، يتلعثم هذا اليسار المتخلف وتغط نظرياته في مشكلة. يستخدم هذا اليسار لغة الاطفال حين يتحدث مع العمال. في الحقيقة انه يطفل نفسه (من كلمة طفل-م)، يتحدث ساعتين لكي يوضح للعامل، مثلاً، اذا زاد اجرك، سيكون وضعك افضل! وهو امر جزء من بديهيات اي امرء في عائلة عمالية بلغ الخامسة من العمر. انها جزء من ذلك "الوعي" الذي تعتقد مثل هذه المنظمات انها تحتكره وينبغي ضخه داخل الطبقة العاملة. ان بحث سياستنا التنظيمية يبدء من لفت انتباه الحزب الشيوعي لمسالة: ينبغي الخلاص من الثنائية القطبية البرجوازية وان تعرف الطبقة العاملة بوصفها وجوداً اجتماعياً محتجاً، يتمتع بعقل سياسي وهيكل نضالي داخلي وفي خضم تحول السياسي. ان هذا هو الحد الادنى من التطلع من حزب ينشد ان يكون حزباً عمالياً.

وبهذا الخصوص، وعلى صعيد اكثر ملموسية، اشرنا الى التيارات الموجودة فعلاً داخل الطبقة العاملة. ان هذه التيارات هي حصيلة التاريخ. اذا اعطى امرء ما في عام ١٨٤٧ تفسيراً عن الشيوعية، فان العامل بعد قرن من ذلك يعرف هذا التفسير. ارتبطت هذه الشيوعية بالف شكل وشكل بالطبقة العاملة على امتداد قرن، ناضل العامل بالهاماً منها، ظهر منظرين لها وشنوا جدلهم، تاسست احزاب شيوعية، اقامت ثورات وغيرها. ونظراً لكونها قسم حي من المجتمع، وبعد قرن وقبل ذلك، من البيان الشيوعي، حولت الطبقة العاملة الماركسية والشيوعية الى ظاهرة داخلية لنفسها.

اعطت هذه الشيوعية داخل الطبقة العاملة ثماراً موضوعية. ان عدة قرون من النضال ضد الراسمالية ومجابهة الراسمال وحكوماته وتكتيكاته باشكال متنوعة، جعلت العامل المعاصر مجرباً في النضال وذا تقليد (تقاليد مختلفة). ظهرت تيارات نضالية مختلفة داخل الطبقة العاملة. العامل المعاصر، بالضبط مثل البرجوازي المعاصر، في حافة نهاية تاريخ طويل. ترك هذا التاريخ تاثيراً عليه وجعله ظاهرة ناضجة ومعقدة. ان عقلية عامل ماقبل عدة قرون حتى، عامل اتى تواً من الريف والمعامل القديمة، وحياته انضج واكمل واكثر تشكلاً وصياغة اكثر مما يصوره اليسار البرجوازي بذهنه عن العامل .

لقد كان جانباً اخراً من بحثنا هو ان هذه التيارات الايديولوجية والسياسية الموجودة داخل الطبقة العاملة هي الاساس الموضوعي لاحزاب تربط وتنسب نفسها بشكل من الاشكال للطبقة العاملة. يوجد تيار اصلاحي، بتفكيره وتقليده وخلفيته داخل الطبقة العاملة في البلدان المختلفة، وهو الاساس الموضوعي للاحزاب الاصلاحية التي تتمتع بنفوذ داخل الطبقة العاملة. وعلى غرار ذلك، يوجد ميل وتيار ثوري وشيوعي. تيار وميل يدرك ويعي ناشطوه اختلاف رؤاه وسبيل حله تجاه المسائل العمالية عن التيارات الاخرى.

لاتتعلق المسالة بالتمايز النظري العميق، بل بالتمايزات النضالية الواقعية بين التقاليد النضالية المختلفة داخل الطبقة العاملة. تمارس هذه التيارات تاثيرها على العمال، وتجر العمال وتجذبهم صوبها. الطبقة العاملة، وبصورة مستمرة، في حالة استقطاب داخلي، صياغة هيكيلية داخلية وحتى صراعات داخلية لايجاد وتعقب افضل السبل واكثرها تاثيراً لتحسين اوضاعها وتحررها. ولكن اذا اراد حزب سياسي ان يكون حزباً عمالياً او ان يجد تعاطفاً معه داخل الطبقة العاملة، فان اول سؤال يواجهه: ان الامتداد الاجتماعي لمايمثله هذه الحزب في الفكر والسياسة والنضال داخل الطبقة العاملة على شكل تيار وميل موجود داخل الطبقة العاملة ام لا، وماهي مكانة هذا التيار داخل الطبقة العاملة. ان على منظمة اشتراكية راديكالية تنشد العمل داخل الطبقة العاملة ان تبدء مبدئياً من مسلمة وجود تيار راديكالي اشتراكي داخل الطبقة العاملة.

لقد قيل انه امراً مرتبط باوضاع مثل ايران، حيث المنظمة الاشتراكية ذات العلاقة تاسسست اساساً من قبل المثقفين وخارج محيط النشاط السياسي العمالي. والا فان الشيوعية (التيار الماركسي فيها) تشكلت من البدء في محيط عمالي، وان الميل الاشتراكي داخل الطبقة بموازاته. نظرا للسمة المثقفاتية لليسار، من الضروري كذلك التاكيد على ان من البديهي ان تفسير الميل العمالي الراديكالي والاشتراكي لهويته السياسية والايديولوجية ليس بالضرورة مثل تفسير المنظمة المعنية ولاينبغي ان يكون كذلك. اما اذا نتحدث فعلاً عن اشتراكية ثورية وراديكالية، عندها ليس ثمة شك في وجود مثل هذا التيار بصورة واقعية داخل الطبقة العاملة، وفي عصرنا يعاد انتاجه بصورة لاندحة منها. المجتمع الذي لايوجد فيه ذلك الطيف الراديكالي الاشتراكي العمالي، مجتمعاً لاتوجد فيه راسمالية. ان قدم الاشتراكية العمالية بقدم الراسمالية نفسها، والان، ولما مايقارب قرن ونصف يستلهم الجناح الراديكالي لهذه الاشتراكية العمالية بصورة مباشرة من الماركسية.

بعبارة اخرى، سيمثل بحثنا بان الحزب الذي نتحدث عنه عادة بمعنى ما، اي تنظيمات محددة، هو اطار خاص لواقع اجتماعي اوسع صرفاً. واقع احد اوجهه الوجود الاجتماعي لتيار وحركة قائمة داخل الطبقة العاملة، ووجهه الاخر وجود تنظيمات، برنامج وغير ذلك. ليس الحزب محض تنظيمات مكونة من افراد تجمعوا استناداً الى اتفاقهم على برنامج ونظام داخلي. الحزب حصيلة نضج مسارات تاريخية وفرت مادة كافية على صعيد المجتمع، داخل الطبقة العاملة على شكل تيارات وتقاليد ونشطاء، على شكل هيئات سياسية وبرنامجية لتكوين منظمة بوسعها تنظيم وقيادة هذه الحركة الاجتماعية.

ينبغي بدءاً ان نأخذ بنظر الاعتبار الحزب بالمعنى الواسع للكلمة. ان التيار او الميل الراديكالي والاشتراكي للطبقة العاملة الايرانية هو ايضاً الان جزء وعضو الحزب الشيوعي الايراني بهذا المعنى الواسع. ان اي عضو لهذا الحزب الشيوعي ايراني القائم ايضاً (بتعريفه المحدود)، بدءاً، وكقاعدة، ينبغي ان يعرف انه ينتمي نفسه لهذه الحركة ولهذا الحزب الاجتماعي الواسع. وجه، ويوجه، عدم رؤية هذه الصلة برايي ضربات جدية لعمل ناشطي الحزب الشيوعي الايراني. على اي رفيق ان يعرف نفسه على انه جزء من تيار اشتراكي وراديكالي واسع مركزه الاساسي الان هو داخل الطبقة العاملة. ينبغي ان يتمثل اختلافنا وفرقنا في اننا اعضاء حزب ذلك القسم من ناشطي ذلك التيار الذي يسعى بصورة دؤوبة لارساء وتقوية حزب سياسي (بالمعنى الخاص للكلمة) لهذا التيار الاجتماعي. اننا نريد ان نخلق هيكلية حزبية لهذا الطيف ولهذا التيار. ناشطوا التيار ذاته (القسم الاعظم منه لازال ليس بعضو الحزب الشيوعي الايراني) يرسوا الاجتماع العام والمجلس والنقابة، ويحتجوا امام اصحاب العمل والدولة وغير ذلك. ان هذا ميتابوليزم حزب شيوعي بوصفه حزباً اجتماعياً. انها جميعا تاريخ هذا الحزب وتاريخ الثورة الشيوعية بقيادة هذا الحزب.

وعليه، المسالة المحورية في سياستنا التنظيمية هي كيف تنال الاشتراكية الثورية للطبقة العاملة في ايران تنظيمها واطارها الحزبي وتقويه. بوسع الحزب الشيوعي الايراني ان يكون اطار هذا الامر، بوسعه ان يكون الحزب الطبقي للعمال وحزب الثورة الشيوعية للعمال شريطة ان يتلقف التيار الاشتراكي العمالي هذا الحزب ويتمسك به، "يفتحه" ويحوله الى اطار لنضاله. ومثل اي شيء في العالم، على حزبنا ان يجد عاجلاً ام آجلاً مكانه الاجتماعي. ان الحزب الشيوعي الذي يعجز عن ان يكون اطار الاحتجاج الاشتراكي للطبقة العاملة، سيضمحل كحزب شيوعي. على حزبنا ان يتحول الى جزء عضوي ولايمكن فصله من حياة وحركة التيار الراديكالي والاشتراكي للعمال، وبالتالي الى جزء لاينفصل عن نضال كل الطبقة العاملة ضد البرجوازية.

في بحث سياستنا التنظيمية، نقول، بدلاً من التحرك والبدء من التصور التنظيمي الصرف صوب حزب محدد واختزال الامر الى كسب الاعضاء وبناء الخلايا واللجان، ناتي بدءا لنأخذ بنظر الاعتبار اننا قسم من حزب اجتماعي واسع (الان اجتماعي) ونسأل: بم مرهون توسيع التحزب والحزب و.... هذا التيار بحزب سياسي مرهون؟ عندها سننتبه فوراً الى وضع وحال ذلك الطيف من مناضلي هذا الحزب العريض الذي يقف الان في مقدمة الجماهير العمالية العريضة، قادة مباشرين وعمليين للاقسام المختلفة من الطبقة، باتصال وارتباط مع بعض، واقاموا اصطفاف بوجه البرجوازية والتيارات غير العمالية وغير المناضلة داخل الطبقة العاملة وغير ذلك.

ماهو العائق امام ادغام الحزب الشيوعي الايراني بوصفه حزباً محدداً بهذا القسم الاعظم من الشيوعية الثورية في ايران بممارسة حزبية وطبقية واحدة وموحدة؟ مالذي يعقد قيادة الحركة العمالية من قبل هذا الحزب الاجتماعي العريض؟ اية اشكال تنظيمية مناسبة للقيام بهذا التحول الحاسم في هذه المرحلة المحددة؟ لصياغة واقامة هذا الحزب العمالي العظيم، اية تحولات سياسية وفكرية وتنظيمية ينبغي ان يمر بها الطيف الراديكالي والاشتراكي للعمال؟ وبالمقابل، وبرايي الاهم من ذلك، اية تغيرات وتحولات ينبغي ان تطرأ على عمل الحزب الشيوعي الايراني ليصبح اطار مناسباً لنشاط واتحاد العامل الشيوعي والثوري؟ ان هذه الاسئلة هي نقطة انطلاق ومحور بحث سياستنا التنظيمية. واستمراراً للبحث، ساتناول بصورة محددة اطروحاته واستنتاجاته الاساسية.

بصدد سياستنا التنظيمية بين العمال

حديث في ندوة حزبية
(٢)


الاطروحات العامة للبحث

في بداية المقال، بُحِثَتْ سياستنا التنظيمية، وسعيت الى ان يعرف الناشطين الشيوعيين باوجه من الوجود الاجتماعي للشيوعية والهوية الاجتماعية للطبقة العاملة.

١) نقول: توجد في ايران، كسائر مناطق العالم، تيارات متنوعة داخل الطبقة العاملة. قبل اي شروع باي تحرك تنظيمي لبناء الحزب، على المرء ان يسأل نفسه اي من التيارات اساس وجودك الاجتماعي الراهن والمباشر بوصفك حزب محدد، وماهو حال هذا التيار والميل عملياً داخل ميدان الحركة العمالية؟ كم هو موحد عذا التيار، ومنظم وواعي؟ كم هو نشط وباية اشكال منظم؟ ماهي العوائق التي تواجه اندماج هذا التيار الاجتماعي بحركتك الحزبية في كائن سياسي ونضالي موحد؟ ماهي العوائق التي تحول دون تحوَل القادة الحاليين والعمليين لهذا التيار الى عمود فقري وكوادر منظمة حزبية؟ بكلمة واحدة، باي شيء مرهون تحزب هذا التيار؟

٢) نتحدث عن ان الطبقة العاملة ليست جماهير هلامية عديمة الشكل وساكنه. حيث ثمة استغلال، هناك مقاومة ونضال ضده، وان هذا النضال يُقاد ساعته. وحتى في اسوأ الاوضاع، اي حين تفتقد الى ابسط المنظمات العمالية، لاتدخل الطبقة العاملة ميدان النضال والمقاومة على شكل افراد منفردين، بل انها ذا هيكلية وتنظيم للنضال. اناس داخل الطبقة يرتقون بانفسهم لمكانة القادة العمليين لاقسام من الطبقة، اناس بيدهم نبض الطبقة، وبوسعهم ان يدفعوها للتحرك. انهم اناس يعد رايهم وتشخيصهم مهماً لاقسام اوسع من الطبقة. انهم يحملون معهم تقاليد العمال النضالية للعمال وينقلوها للاخرين. يعد الامر حياتياً بالنسبة لشيوعي ان يعرف مَنْ هُم هؤلاء الناس، وماذا يعملون واي قسم منهم هم القادة الاشتراكيين للطبقة. على امرء ينشد بناء حزب وخلية وتنظيمات شيوعية ان يتحلى بدءاً برؤية واضحة لهذه التيارات والقيادات داخل الطبقة العاملة.

٣) نقطة اخرى توضح النزاع السياسي مابين الشيوعية العمالية واليسار التقليدي والمثقف في ايران، الا وهي مسالة النضال الاقتصادي. ان شبه الاشتراكية تلك التي تستلهم من صحوة ضمير مثقف برجوازي تجاه "فقر الجماهير" وانقسام المجتمع الى فقراء واغنياء، تؤول فوراً الى نسخة للاصلاحات الاجتماعية. ان اللوحة التي يرسموها للمجتمع هي: مع مجيء مثل هؤلاء الاشتراكيين الخيرين للسلطة، تضمحل هذه الحرمانات. ولكن تورد، في الوقت ذاته، حجج، سواء بصورة صريحة او غير صريحة، وهي: لايمكن توقع تحسن جدي في حياة الجماهير طالما ان هذا التيار ليس في السلطة او طالما "الثورة" لم تندلع. ان اليسار غير العمالي بالطبع، واستناداً الى وضعه ومكانته الطبقية، اي انه بوضع موضوعي يمكنه من "ان لايتوقع".

ان فكرة الثورة والنظرية الماركسية للثورة العمالية بالنسبة لهذه التيارات هي رخصة للقفز على مسالة النضال من اجل التحسين الفوري لاوضاع الطبقة العاملة، احالة العامل للمستقبل والاستهانة بنضال العامل من اجل الاصلاحات الاقتصادية والاجتماعية بوصفه دليل انحراف عن مسالة الثورة ربما. من البديهي، وفق هذه الرؤية، انه يشجع العامل على نيل حقوقه، ولكن يؤكد الف مرة على ملاحظة الا وهي وجوب ان لايكون هذا النضال هو "الاساسي" وقس على ذلك. ان هذا عديم القيمة والمعنى بالنسبة للطبقة العاملة والماركسية. لان وجود الطبقة العاملة ذاته منوط بالنضال والصراع اليومي مع البرجوازية من اجل تحسين الاوضاع الاقتصادية للعمال.

ليس البحث كما لو ان العامل مخير بالقيام بالنضال الاقتصادي ام لا او بتصعيد هذا النضال او تخفيفه. انه ليس من اجل تحسين اوضاعه، بل للحيلولة دون تردي مستوى حياته المعيشية، صيانة كرامته الانسانية في المجتمع الراسمالي، لاندحة للعامل وينبغي عليه دائما القيام بالنضال من اجل تحسين وضعه الاقتصادي والاجتماعي. وعليه، ليس من المقرر ان تتخذ الطبقة العاملة "موقفاً" من النضال الاقتصادي. النضال الاقتصادي يعني الطبقة العاملة والطبقة العاملة تعني النضال الاقتصادي. اي انه جزء من تعريف وخصائص وجود الطبقة العاملة. مثلما ان ليس بوسع الاسماك ان لاتسبح، ليس بوسع العامل ان لايقوم بالنضال الاقتصادي. وفي الحقيقة ان التقدم في هذا النضال يقوي ويسهل الثورة العمالية. ان نظريات اليسار التقليدي تبلغ نتيجة مفادها ان العمال، ومع درجة من الرفاه، "يفسدون" او ان الفقر والضغوطات الاقتصادية تبعث على الثورة.

انه تصور تافه ومناهض للعمال. ينبغي ان يكون الوضع الاقتصادي للعامل باكثر درجات الثبات والتامين. ان الطبقة العاملة هي الوحيدة التي بوسعها، في مسار التقدم الطبقي، ان تضع ايديها على كل شيء، وتنشد الثورة العمالية. بوسع الجزع وانعدام الافق ان يكون مبعث ومحرك تمرد البرجوازي الصغير، ولكن ليس بوسعه ان يكون مبعث الثورة العمالية. اذ يدفع الفقر النضال العمالي للتفسخ والانحلال والفساد وليس الرفاه وتحسن الاوضاع الاقتصادية للطبقة. وعليه، فان هذا النضال الاقتصادي والنضال من اجل اعلاء الكرامة الاجتماعية للعامل جزء لايتجزء من الوجود الاجتماعي للطبقة العاملة، ولايمكن ان يتوقف. وان على الحزب الشيوعي الذي ينشد ان يكون حزب العمال ان يتواجد بدءاً في هذا الميدان كي يمكن ان يُسأل عن برنامجه ونضاله من اجل الثورة العمالية والشيوعية.

ولكن في حقيقة الامر ان هناك مئات الاحزاب في العالم، ويطلق عليها اشتراكية، هي غريبة في الراي والعمل عن هذا النضال الاقتصادي الجاري والدائمي، وتتلخص هويتها في خلافاتها النظرية مع الجماعة المجاورة. احزاب لاتعرف حتى عدد العمال في القسم الفلاني، هل بهذا الراتب يمكن ادارة عائلة من ثلاثة افراد، هل يمكن ارسال الاطفال في السن الفلاني الى المدرسة، ماذا يحل بامر الدواء والطبيب وغيرها. لاتعرف شيء عن كل هذا. ليس للكثيرون منهم ربط وصلة بمثل هذه الامور. وان مجمل انهماكهم وقضيتهم هو: ان اي انشقاق عقائدي منشأ بداية وجودهم الفرقوي والفئوي وغير ذلك. وكلما ترانا مثل هذه التيارات نتحدث عن الاجور والضمانات وقانون العمل وغيره، تطلق علينا فوراً لقب "اقتصادوي". ويجرون اسم لينين فوراً في وسط الامر. في حين ان لينين ينتمي الى تيارنا. في مرحلة في روسيا، كان كل وجود وانهماك العمال معجون بالنضال الاقتصادي، قالوا ان الاطاحة بالقيصرية ومسالة الاقتدار والسلطة السياسية امراً مهماً كثيراً ولاينبغي احالته الى البرجوازية الليبرالية. ان اشباه الاشتراكيين البرجوازيين الذي دخلوا البحث من جانب اخر يشيرون الينا ويرون فينا دليل على الاقتصادوية.

برايي، حين تطلق مثل هذه التيارات علينا لقب اقتصادويين، ينبغي ان نكون على يقين اننا في المسار الصحيح. ان هذا افضل بوصلة لتشخيص توجهنا الصحيح. طالما الحزب الشيوعي غير منهمك في النضال الدائم من اجل التحسين الفوري لاوضاع الطبقة العاملة مثل مجمل التيار الراديكالي والاشتراكي داخل الطبقة العاملة بالضبط، لايمكن تسميته بحزب شيوعي للعمال. اتعهد ان تقليد الانتفاضة والاطاحة بالنظام والثورة ومسالة الاقتدار والسلطة السياسية قوية بحد في الحزب وتوجد طروحات وبرامج لذلك بهذا الحد، بحيث لن تاتي لحظة نتحول فيها الى تيار على غرار اقتصادوي روسيا اوائل القرن. اعتقد اساساً ان امكانية ظهور مثل هذه الاقتصادوية داخل التقليد الشيوعية منتفي تاريخياً.

ان نبذ والاستخفاف بالنضال الاقتصادي لدى اليسار غير العمالي في ايران له ارضيته المادية المحددة كذلك. اولاً، اساساً، بسبب تركيبتها وبنيتها الاقتصادية، فان الضغوطات الاقتصادية ليست ملموسة ولامحسوسة بالنسبة لهذه التيارات. ثانياً، ان التدخل في النضال الاقتصادي هو امر يستلزمه التواجد في ذلك المكان الاجتماعي. للنضال الاقتصادي "ثمة حاجة للعامل"، لايمكن ارسال متخصص من حملة الشهادات لهذه النضالات. ان اي شكل من التدخل في النضال الاقتصادي يحتاج الى تنظيمات عملية وقائد عملي، وان هذه التيارات تفتقد الى مثل هذه البنية والتركيبة والنشطاء. في الحقيقة ان تصور الكثيرين منهم للاحتجاج العمالي ذهني وذاتي الى حد كبير. ان الاحتجاج العمالي بالنسبة لهم، وبشهادة ادبياتهم التحريضية، يتجسد دوماً على شكل غضب جمع عديم الهيئة والشكل من العمال في هذا المحيط العمالي والحياتي او ذاك. ولهذا، تتخذ مشاركتهم في النضال الاقتصادي بصورة اساسية شكل السعي لدفع غضب العمال. فيما يخص الاحتجاج العمالي، لايتحلون اطلاقاً برؤية انه نضال هادف، محسوب بدقة وبقواعد وتنظيم وقيادة. انهم ليسوا في خضم هذه الصلات والعلاقات، ولهذا فانهم عاجزين لا عن التدخل عموماً فحسب، بل حتى عن فهم الية الاحتجاج العمالي كذلك.

٤) نقطة اخرى ينبغي التحدث عنها هي مكانة الحزب في قلب هذا النضال الجاري والمتواصل. ان الحزب والتحزب هو وجه معين واحد اشكال اطار هذا النضال الاجتماعي الواسع وليس "الحلقة الاخيرة لتطور" هذا النضال. بالنسبة لليسار التقليدي، الحزب هو الدرجة النهائية في سلم التقدم. من الحلقة الى النقابة، للمنظمة المهنية ومنه للحزب. لقد تم التاكيد في مقال السياسة التنظيمية على ان الحزبية هي احد اوجه النضال وحقيقة متعددة الاوجه. حقيقة تمثل الحلقات العملية والنقابات والمجالس وغيرها وجه اخر لها، وتشكل جميعها ظاهرة اجتماعية مركبة. جموع عظيمة من الناس يرتبطون ببعضهم البعض وباحتجاج على الراسمالية، وان لهذا الاحتجاج اوجه ودقائق ولحظات متنوعة، وهو يبرز ويتبدى باشكال متنوعة، احدها الحزب السياسي للطبقة. ان هذا الحزب ممثل ومنظم النشاط الدائم والمستمر لمسالة الثورة الاجتماعية ويربط كل النضالات الاخرى في اطار هذا النضال العام من اجل الثورة الاجتماعية سوية. ولهذا، فان هذا التحزب ليس بديلاً قط عن سائر اشكال نشاط الطبقة العاملة. يتمثل بحثنا بان نرى هذه الحقيقة الاجتماعية المركبة، نقوّيها بكليتها، نوفر مستلزمات تقدم هذه الحركة العامة كي نتمكن، في خضم هذا النشاط، من تنظيم الوجه الحزبي كذلك لهذا النضال. لايمكن الشروع بارساء حزب سياسي للطبقة العاملة بمعزل عن مجمل هذه الحركة الاجتماعية-الطبقية. على امرء ينشد ان يقيم حزب شيوعي عمالي ان يتدخل في كل هذا النضال المتعدد الاوجه والمركب.

٥) المسالة الاخرى هي تمحيص بعض اوجه وخصائص حياة ونضال الطبقة العاملة في ايران والتي تترك تاثيرها على ابعاد اكثر مشخصة من سياستنا التنظيمية.

اولاً، الطبقة العاملة الايرانية طبقة شابة وفتية. ليس قصدي عمر العمال، بل من زاوية تاريخ وجود البروليتاريا المدينية في ايران مقارنة بالبلدان التي هي مهد الراسمالية في اوربا. ان تقاليد النضال العمالي في هذه البلدان، فيما يخص التنظيم، التنظيم الجماهيري، التحزب وغيره حصيلة مسارات طويلة. ان تقليد النضال العمالي في ايران قد تاثر بالطبع بوضع مجتمع ايران وتاريخ ومسار تطور الراسمالية في ايران. على سبيل المثال، ان تقليد التنظيم السريع، تشكيل المنظمات النقابية والمجالسية وغيرها لهو ضعيف داخل الطبقة العاملة في ايران.

بيد ان مقال السياسة التنظيمية لايسمح لليسار غير العمالي اطلاقاً ان يستنتج من هذه المشاهدة تشذر (اوتومايزيشين-م) العامل الايراني. ان هذا الفراغ، على اية حال، ناجم عن حقيقة ان النضال والاحتجاج العمالي لايتوقف، ولهذا فانه يملى باشكال اخرى من التنظيم والنشاط العمالي، اشكال تتناسب مع الاوضاع والاحوال السائدة في المجتمع. نقول في اسوأ الاوضاع كذلك، تتشكل شبكات من الحلقات العمالية داخل الطبقة العاملة تعمل بوصفها اطار لتبادل الافكار وتنسيقها وطرح سبيل حل القادة العماليين. نحن لم نقدسها ونعده مثالياً. لكن هذا الشكل هو الحد الادنى والاساسي الذي في مجمل العالم، اي طالما العامل موجود ويعمل، فان الحلقات العمالية موجودة، بغض النظر عن وجود اكبر النقابات والمجالس وغيرها من عدمه. ان هذه الشبكات التي داخلها، وعبرها، يصبح العمال اوعى وتتعرف الجماهير العمالية على اسس نضال العمال، تحرضهم، تجمعهم، تدفعهم لعمل ما وتقودهم. انها لاتكف او تتوقف حالها حال النضال نفسه بالضبط. ليس بوسع احد، اي صاحب عمل، حزب او حكومة ان توقف هذه الحركة.

ان هذه هي من خصائص وجود الطبقة العاملة. ان كل برجوازي ينظم الانتاج، يخلق معه بصورة لاندحة منها هذه المحافل بالضد من ارادته ورغبته. ليس بوسع احد ان يمنع اناس يعملون تحت سقف واحد، يعانون من اوضاع متشابهة، في مكانة اجتماعية متماثلة ويواجهون قوة واحدة وغير ذلك، من ان يقيموا صلات فيما بينهم، وان يفكروا بمصيرهم المشترك وبايجاد سبيل حل لوضعهم. لاندحة لهؤلاء الناس من التفكير بوضعهم، بسبل النضال من اجل تحسين اوضاعهم، وحتى بما يقوله العالم على شكل تاريخ ونظرية حولهم وان يطرحوا افق عملي امام انفسهم. ان شبكات الحلقات هي اطار اولي ولامفر منه لحدوث هذا الحراك والايض (الميتابوليزم) داخل الطبقة العاملة. تُناقَشْ في هذه الحلقات مصائب العمال وسبل حل هذه المصائب. انه تيار نضالي حي. وعليه، حتى في ايران ايضاً، وعلى الرغم من غياب او ضعف المنظمات العمالية الرسمية والمحددة المعالم، ليس من المقرر ان نبدء من الصفر.

ثانياً، تؤكد الاوضاع المحددة لايران على ضرورة التموقع والتخندق الجدي للشيوعية في خضم النضال الاقتصادي. في البلدان الاخرى، قد لاتكون الهوة التي تفصل الشيوعيين، او اليسار عموماً، عن النضال الاقتصادي عميقة بالدرجة التي عليها في ايران. ينبغي ردم هذه الهوة دون شك. ولكن في ايران التي تشكَّل اليسار اساساً في الجناح اليساري من النزعة القومية للطبقات غير العمالية، وان تقليده يرجع الى دكتور مصدق والاستقلال الاقتصادي، يسار كان يمثل افق نضاله اجراء الاصلاحات السياسية والاجتماعية في "وطنه"، ونظر الى العامل بوصفه قوة احتياطية للنضال البرجوازي والاصلاحي، في بلد واجه النضال الاقتصادي دوماً بازدراء اليسار وحوِّلَ الى فرع للنضال المعادي للاستبداد، في بلد مثل هذا، على الشيوعية العمالية ان تولي بصورة مؤكدة اهمية للنضال الاقتصادي بدرجات اكبر واكبر. انه شاخص اساسي للفصل بين البروليتاريين والبرجوازيين. على حزبنا وناشطينا ان لايرتعبوا لاطلاق مثل هذا اليسار البرجوازي علامة "اقتصادوي" علينا.

على اية حال، ان مجمل اطروحات مقال السياسة التنظيمية، بغض النظر عن امكانية تعميم مواضيعها على البلدان الاخرى من عدمه، وكم بحثت الخصائص العامة للنضال العمالي، فانها وضعت نصب عينها اوضاع ايران. لقد اجبرتنا السمة البرجوازية لليسار في ايران لحد الان على التاكيد على بديهيات فيما يخص الطبقة العاملة واليات النضال العمالي

نقائص عمل ماقبل طرح السياسة التنظيمية

لقد تناولنا في مقال السياسة التنظيمية هذه المسالة بصورة مفصلة نوعا ما. ولهذا اطرح هنا نقاط للتذكير فقط. اذا اردنا تقييم خلاصة نقص عملنا في مرحلة ماقبل طرح هذه السياسة، علي القول اننا بدأنا عملنا من وسط الطريق. سعينا كحزب سياسي الى تشكيل مراكز حزبية بين طليعيي الطبقة العاملة. ان هذا العمل بالطبع هو جزء دائم من نشاطنا، وليس ثمة ماخذ بذاته عليه، وان ثمرة سياستنا التنظيمية الراهنة هي وجوب التطور التنظيمي الحزبي السريع بين العمال. ولكن على الرغم من تاكيدنا في وقتها مراراً على مسالة ضرورة احاطة الخلايا والمراكز الحزبية بطيف واسع من العمال المناصرين للحزب، لم يولى الجانب الاجتماعي لتوسيع الحزب والتحزب بين العمال اهمية كبيرة.

نريد اليوم ان نقر بالعامل بقيافته الاجتماعية وننظمه. وتتخذ موضوعة التنظيم الحلقي للعمال مكانة حاسمة بالنسبة لنا. ما ان نولي اهتمام لمسالة وجوب معرفة الاشكال الواقعية الموجودة لتنظيم واحتجاج العمل وبالاخص العمال الاشتراكيين الذين يشكلون الاساس الاجتماعي المباشر للحزب، ونعدها اساساً، سننتبه الى الحلقات والشبكات الحلقية للعمال. ان نقطة انطلاقنا للعمل مع الطبقة العاملة هو الاقرار بحقيقة ان ثمة تيار وميل واقعي ونشط داخل الطبقة العاملة يمثل الان الاشتراكية والراديكالية داخل الحركة العمالية، وقريب منا كتنظيمات معينة.

ان هذه مبدئياً هي الارضية العامة التي وفرت الامكانية للحزب الشيوعي الايراني ان يتاسس وينمو. وعليه، نولي انتباهنا لهذه الفئة. ماذا يعمل هذا الطيف، ماهي صلة الحزب الشيوعي به، كيف نقوي ونخلق الانسجام في هذه الطيف الذي باعتقادي هو طيف واسع وذا نفوذ. اذ قلة مايحدث احتجاج عمالي مفعم بالحماس بدون تدخله. لم نولي اهتماماً كبيرا في المرحلة السابقة لهذا العمل الاساسي. كانت مسالتنا بالدرجة الاولى هو تنظيم وتوحيد الطيف الاشتراكي والراديكالي داخل الطبقة العاملة، وانه لمعروفاً لدينا مسبقاً، وحتى بالنسبة لقسم واسع من هذا الطيف ايضاً لحد ما، ان مستقبل هذا الطيف والحزب الشيوعي الايراني مرتبطان ببعض. فقط استناداً واتكاءاً على هذا النشاط الاساس تمكنّا من تاسيس وتوسيع خلايا حزبية واقعية تتضمن نشطاء هذا الطيف. ساتناول هذه المسالة لاحقاً في بحث افق سياستنا التنظيمية.

بعبارة اخرى، ان مجمل مكتسبات المجتمع لتاسيس حزب شيوعي عمالي وضعناها جانباً، واردنا بناء خلايا هذا الحزب عبر ابتكار التنظيمات، في وقت ان المجتمع وفر مادة كثيرة لتاسيس هذا الحزب. واذا تمعنا، فان قسم من هذا الحزب السياسي بالمعنى الواسع للكلمة موجود داخل الطبقة العاملة ويعمل. يمكن التعبير عن سياستنا التنظيمية بالتالي: ننظم اقسام مختلفة من التيار الشيوعي والراديكالي في ايران ونوحدها في حزب سياسي. ان حزبنا بوصفه تنظيمات بمحددات معينة لنظام داخلي، بكوادر وناشطين وخلايا نظامية ودعائية واذاعية وجرائد وغيرها هي فقط جزء من هذه الحقيقة الاجتماعية الكبيرة.

بيد ان قسم عريض من هذا الحزب، ظاهراً خارج اسوار حزبنا، متشكل من فئة العمال الاشتراكيين والمناضلين الذين هم الان ليسوا في مقدمة الاحتجاجات العمالية الراهنة فحسب، بل يدفعون بجملة من المهام الدعائية والتوعوية والتنظيمية كذلك. يعمل هذا القسم بقدر طاقاته وماتسمح به الاوضاع على توحيد العمال، يناضل ضد الخرافة بين صفوف الطبقة العاملة، بل وحتى في حالة هجوم وحوش مثل النظام الاسلامي، يصون صلته بجماهير الطبقة العاملة. من وجهة نظر الشيوعية الراديكالية في ايران، هذه الفئة والحزب الشيوعي الايراني هما اجزاء حركة واحدة. ان ناشطي هذا الطيف في حقيقة الامر هم نشطائنا. ينبغي ان يقترب الحزب الشيوعي وهذا الطيف من الناشطين العماليين من بعضهم البعض بوعي ويندغموا ببعض. ان هذا اساس بحث سياستنا التنظيمية.

ان هذا البحث يريد ان يتحول ناشطوا الحزب الى قوة واعية وناشطة في ادغام هذين القسمين. ان سبيل واقعي لهذا التحول هو ان يتدخل هذا القسم الحزبي والتنظيمي في نضال هذه الفئة (يعني القسم الاخر من هذا التيار الواحد بالفعل) وان يؤثر عليه. على الحزب الشيوعي ان يترك تاثيره على ارتقاء وعي هذا التيار، على صلته بسائر التيارات داخل الطبقة العاملة وعلى قدرته في قيادة الاحتجاجات العمالية. برايي ينبغي فهم انتماء الحزب وهذا الطيف الى حقيقة نضالية واحدة وعدّها مسلمة. ان اي مد سياسي في المستقبل وظهور اي درجة من التطور والانفتاح السياسي، سيشكل هذا الطيف اساس الحزب الشيوعي والبنية الاساسية لكوادره واعضائه، وسيثبت هذا للجميع. ان حركة هذا الطيف من العمال من الان هو جزء من تاريخ الحزب الشيوعي الايراني، يبنى الان خارج حدود النظام الداخلي للحزب الشيوعي الايراني.

الخطوط الاساسية لسياستنا التنظيمية

ولهذا، نظراً لهذه المقدمات، يمكن ايجاز سياستنا التنظيمية بالاحكام التالية:

١- التنظيم الحزبي تابع لوجود واقتدار وقوة الطيف الراديكالي والاشتراكي بين القادة العماليين العمليين والعمال المناضلين

ان هذه الفئة موجودة وينبغي خلق الانسجام والوعي فيها. يتمثل قسم مهم من نشاطنا بتوسيع هذا الطيف واضفاء الانسجام السياسي والنظري عليه. ينبغي ان تمايز هذه الفئة نفسها، بتقاليدها وارائها وسياساتها عن سائر التيارات داخل الطبقة العاملة. انا اقول "تمايز" وليس "تنفصل"، لاننا نعرف رؤية البرجوازية الصغيرة السائدة على اليسار في ايران، واية سكتاريستية وتعصب فئوي سيستنتجان من هذا التعبير. ينبغي ان يعرف هذا الطيف ماهو فرقه واختلافه في الفكر وفي ميدان العمل السياسي عن التيارات الاصلاحية والنقابية وغيره.

يؤكد هذا الحكم على ان الحزب لايمكن اصطناعه واختلاقه. ان حزباً لايتاسس عبر دعوة الافراد العمال للحزب. اذ كلما كان الطيف الراديكالي والاشتراكي داخل الطبقة العاملة قوياً، يمكن بالدرجة ذاته من القوة ان يوجد في المجتمع حزب شيوعي وراديكالي متشكل من العمال. ان هذين الواقعين مرتبطين ببعض ويتركان تاثيرهما على بعض. كلما يعرّف طيف القادة العماليين والعمال المناضلين اختلافه في الافق، في التكتيك والاولويات، في التقاليد والقيم النضالية مع سائر التيارات، يغدو بناء حزب عمالي راديكالي ممكناً اكثر.

اذا اراد احد ما اقامة خلية حزبية في المنطقة والمدينة، سيكون سؤالي الاول الذي اوجهه له: كيف هو حال الوضعية هناك؟ ماهي خلفية النضالات العمالية في المنطقة؟ اي تيار اقوى بين عمال تلك المنطقة او القسم؟ اي نفوذ عام للاشتراكية والتوجه الراديكالي بين العمال هناك؟ اذا وجدنا ان اجوبة هذه الاسئلة مساعدة، عندها نخمن ان افقاً مساعداً لاقامة المراكز والخلايا الحزبية، واذا لا، عندها ساشرع، نظرا لهذه المعطيات، بعملي من مستوى وصعيد اخر دون شك. سيتناسب تطور الحزب الشيوعي مع سعة امتداده الاجتماعي داخل الطبقة.

٢- ينبغي ترسيخ الصلة السياسية لفئة العمال الشيوعيين مع الحزب الشيوعي الايراني

ينبغي ان يقبل هذا الطيف تدريجياً الحزب الشيوعي بوصفه تياره الحزبي. ينبغي ان تكون جملة "اذا اردت الاختيار مابين الاحزاب، اعتبر نفسي قريب من الحزب الشيوعي الايراني"، لسان حال قسم كبير من قادة العمال. ان هذا برايي مجمل تلك الصلة التي يجب اقامتها في هذه المرحلة. ان قال هذا قسم كبير من القادة العمال، وان الحق اي ملاحظة بعد ذلك، مثلا ان هناك عيب ما في هذا الجانب او ذاك من عمل الحزب، سيكون برايي انتصار اساسي في ايران. وسيضع شيوعية ايران التي يعد فراغها امراً محسوساً وملموساً في مجمل تاريخ ايران المعاصر، في خطوة تاسيس الحزب الشيوعي العمالي. في حالة ان نقيم مثل هذا التقارب اليوم، ففي المستقبل القريب، حين ترتقي النضالات الجماهيرية وتتوفر درجة من حرية النشاط الشيوعي، يتقدم هذا القسم ويجعل هذا الحزب حزبه بصورة تامة. وبهذا السياق، على هذا الحزب وهؤلاء القادة والنشطاء العماليين على السواء ان يتغيروا من عدة نواحي دون شك، ويقتربوا من بعض. ان مثل هذا التحول يجري بسرعة في اوضاع مثل هذه.

على اية حال، اذا سئلت اليوم عن ماهو مَعْلَّمْ تقدم سياستنا التنظيمية في هذه المرحلة، سارد ان فئة واسعة من القادة العمليين والراديكاليين للطبقة العاملة تحس انها قريبة من الحزب الشيوعي الايراني. انها حساسة تجاه مصير الحزب وسياساته. على سبيل المثال، اذا عقد الحزب مؤتمراَ، ستنهال عليه سيل من الرسائل يبدون فيها ارائهم تجاه مناقشات المؤتمر، رغم انهم لايعتبرون انفسهم عضواَ في الحزب (وبرايي ينبغي ان يعتبروا انفسهم من الان كذلك). كذلك الحال مع قرارات الحزب ومقرراته وبياناته وسياساته المعلنة، اذ ينبغي ان تلفت اهتمام هؤلاء الرفاق ويبدون رايهم تجاهها.

٣- ينبغي تنظيم اكثر مايمكن من العمال الراديكاليين والشيوعيين في الحزب.

اني لاقول هذا بدون قيد وشرط دون شك. لاتحدث بصراحة واقول حين يكون لدينا حزباً، ويشعر مثل هذا القائد العملي للعمال الذي ينشد ان يقوم بشيء ما فيه، بان ايديه واقدامه اكثر تكبيلاً، واوضاعه اكثر افتقاداً للامن، يواجه باجواء مثقفين وتبعث على التيه داخله، افضل ان يقوم هؤلاء الرفاق باعمالهم خارج الحزب، ويرتبطون بصورة مباشرة في الحزب حين يكون الحزب قد وفر وخلق استعداد كاف داخله. سعينا في السنوات الاخيرة بشدة من اجل تذليل هذه العوائق، وبالدرجة ذاتها كذلك نجحنا في تقريب هذه الفئة من العمال للحزب والعمل في الحزب، ولكنه لازال ليس كافياً برايي. علينا ان نقوم بما من شأنه ان يقترن كون هؤلاء الرفاق اعضاء حزب او في صفوف تنظيماته بتقوية قدراتهم للعب دورهم كقائد في الحركة العمالية، براحة بال ويزيد من امانهم. على اية حال، ان احد ابعاد سياستنا التنظيمية هو اجراء هذه التغييرات في نمط حياة ونشاط الحزب وكسب هؤلاء الرفاق للتنظيم الحزبي.

٤- ينبغي ان يتوحد العمال الشيوعيون وان يتضامنوا في جميع الاحوال وباشكال متنوعة ومن ضمنها على هيئة الشبكات الحلقية العمالية.

ان لا توجد هذه الحلقات في اي مكان، علينا ارسائها. اما اذا كانت موجودة، علينا تقويتها وتغذيها من الناحية السياسية والفكرية، نمحص التكتيكات النضالية لهذه الفئة وغير ذلك. ينبغي ان نقوم بما من شانه تحلي هذه الفئة من العمال الراديكاليين والاشتراكيين بمواقف وسياسات واضحة فيما يتعلق بمجمل اوجه النضال الطبقي، وان تتحول الى حلقات ومراكز حية وناشطة جداً داخل الطبقة العاملة.

٥- ينبغي على خلايانا ان تكون مراكز نشطة في شبكة الحلقات والتنظيمات هذه، توجدها وتقودها.

في الوقت الذي تصون خلايانا القائمة حتى الان مكانتها بوصفها خلايا اساسية للحزب، وتعمل بارتباط مع سائر اقسام الحزب بوصفها خلية ذا حقوق ومهام محددة. اما من ناحية محتوى عملها، فينبغي ان تعمل بوصفها تجمع حلقي داخل هذه الشبكة. على خلايانا، ليس في هذه الشبكات فقط، بل حتى في حالة وجود منظمات جماهيرية وغيرها، ان تعمل بوصفها نواتات حزبية نشطة وتدفع سياسات الحزب بصورة مباشرة.

٦- ينبغي تشكيل خلايا نمط جديد من الحزب من بين القادة ذوي النفوذ داخل هذه الشبكات.

بعبارة اخرى، ينبغي لذوي النفوذ الحقيقي لهذه الشبكات ان تاتي للحزب. وعبر هذا السبيل، تاسيس خلايا ذات طراز جديد تتضمن قادة هذه الشبكات. للاسباب التي ذكرت سابقاً، قد نقلق اليوم من تسمية هذه بخلايا حزبية. ولكن مهما كان اسمها، فانها خلايا واقعية للنشاط الشيوعي والراديكالي العمالي. انها خلايا متشكلة من اناس ذوي نفوذ جماهيري واسع، ويتقدمون الاحتجاجات العمالية ويحددوا بصورة مباشرة خطوط العمل العمالي المباشر. انهم اناس سيتخذوا مواقعهم غداً في مقدمة المجالس العمالية والنقابات وغيرها. ستكون هذه الخلايا طراز جديد من نواتات الخلايا الحزبية في المعامل والاقسام والمدن والمناطق. بعدها سنبلغ امر الا وهو كيف علينا ان نجعل بصورة واعية هذا المسار اساس لحركتنا المقبلة لتاسيس اللجان الحزبية.

٧- مع توسع نفوذنا، وبالاخص مع تحسن الاوضاع الامنية، ستؤسس، بمساعدتنا، هذه المادة الانسانية والتنظيمية اللجان الحزبية وتعلنها.

بوسعنا ان نناقش هنا ماذا ستكون عليه خصائص الاوضاع التي تجعل هذه الخطوة امراً ممكناً. برايي سيكون اهم شاخص هو ماذا ستكون عليه استمرارية عمل اللجان بعد اعلان تاسيسها. لا اعتقد من الضروري ان يكون هناك اي استعجال او تسرع في تاسيس واعلان هذه اللجان. ان ماهو مهم هو وجود فئة واسعة وذات نفوذ من العمال الراديكاليين والاشتراكيين يقرنوا هم انفسهم بهذا الحزب السياسي. ما ان تتوفر اوضاع عمل حزبي واسع، ستتشكل لجان حزبية بصورة سريعة جدا، وهو امر مرهون بمعرفة كل منهما، اي الحزب وهذا الطيف من الناشطين كلاهما، انهم جزء من واقع وحقيقة حزبية ونضالية واحدة. لاينبغي تاسيس لجان حزبية على عجل وتصنعية، وبابتكارات من فوق فقط.

في توفير هذه الاوضاع المساعدة، ثمة عامل الاوضاع الامنية، والعامل الثاني هو قدرة العمال الراديكاليين والاشتراكيين في لعب دورهم بوصفهم قائد ومحرض في الاوضاع الجديدة. ان اقمت لجنة تصرف غداً قسم كبير من قواها في امور حزبية داخلية وكتابة التقارير وغيره، فمن الافضل ان لاتقيمها من الاساس. تقيم لجنة حزبية حين تكون هذه اللجنة قادرة اساساً على ان تظهر بوصفها قائد لنضال العمال خارج الحزب. وعليه، فان المسار المقبل لحركتنا وافقنا فيما يتعلق بالمرحلة التالية من سياستنا التنظيمية عموماً هي: مع تغير الاوضاع، وقسم منه نتاج عملنا المباشر وتطورنا، وقسم منه جراء الاوضاع السياسية للمجتمع عموماً، فان القوى التي تجمعت هذه المرحلة تحت راية "الحزب عموماً" ستؤسس "الحزب بشكل محدد" على الصعيد المحلي. تؤسس اللجان المعملية والمحلية وتُعلن من قبل القادة الشيوعيين العماليين الذين هم على صلة اليوم بالحزب باشكال متنوعة ويقوموا بنشاطهم عبر شبكات الحلقات والتجمعات العامة وغيرها. ستطلق على نفسها مباشرة اسم لجان حزبية وسيعترف الحزب الشيوعي بهذه اللجان التي اقيمت لاول مرة في تاريخ الشيوعية في ايران من اسفل وفي اجواء الاحتجاج العمالي، وسيقيم الحزب منظمته على صعيد المنطقة اتكاءاً على هذه اللجان وعبر توحيدها في منظمة حزبية منضبطة.

ان هذا افق عام. حتى بالمستوى الراهن من نفوذ الحزب الشيوعي، فان هذا المسار سيتقدم في اي انفتاح ومد سياسي. ان هذا مسار تطرحه امامنا وقائع وحقائق الاوضاع الراهنة ونتاج عملنا لحد الان. ما آمله هو فقط ان نكون قادرين على ان نكون مستعدين لمثل هذه الاوضاع وقادرين على تامين عدم قدرة اي طرف او اي تيار قصير النظر ابان الانفتاح والمد سياسي اللذان يستنهضان النزعة النضالية البرجوازية الصغيرة، ومن بينها بوجه حزبنا، في الحيلولة دون فتح ابواب الحزب للقادة العماليين الذين سيتحركون لجعل الحزب الشيوعي حزبهم.

٨- يجري تدخلنا في النضالات الجارية في هذه المرحلة عبر هذه الشبكات اساساً.

ان موضوع المشاركة في النضالات العمالية الجارية والتاثير عليها هي احد المواضيع التي نوقشت من القدم في حزبنا. لقد طُرِحَ سابقاً العمل الحزبي والتدخل في النضالات الجارية بوجه بعضهم البعض نوعاً ما. ان هذين الوجهين هما ثنائية امر واحد. ليس بوسع اي تيار ان يقيم حزباً عمالياً دون الحضور في خضم النضال الاجتماعي للطبقة العاملة. لدى اليسار التقليدي معضلة وهي: كي يتدخل في النضال العمالي، عليه ان يرسل عدد من طلبة واساتذة الجامعة وغيره الذين يمثلون البنية الاساسية لحزبه الى المحيط العمالي. اما بالنسبة لحزب يعد القسم الراديكالي والطليعي للعمال جزءاً منه، ويحول تدريجياً هذا القسم الى عمود اساسي لتنظيماته، فان التدخل في النضالات الجارية يعني التدخل الواعي والهادف والحزبي لتلك الفئة. انه اسلوباً تدخل الحزب الشيوعي الايراني عمليا لحد الان في النضالات الجارية.

ان توسيع التجمعات العمالية العامة وزيادة دورها في الحركة الاحتجاجية هي احد افضل اشكال التدخل في النضالات الجارية. ان هذا الامر والنماذج الاخرى المماثلة له قد جرت اساساً عبر تقارب هذه الفئة الراديكالية للعمال من الحزب الشيوعي وسياساته. من الواضح ان هدفنا هو ممارسة اكثر مايمكن من تدخلنا المباشر. ولكن حتى هذه المسالة تكون ممكنة فقط عبر اقتراب هذه الفئة من العمال من الحزب. لقد انتقدنا تدخل الخلايا قليلة النفوذ تحت عنوان النزعة الحركية (الاكسيونيزم-م). ان التدخل الواقعي والممكن في النضال الجاري يعني تدخل هذه الفئة من العمال الشيوعيين والراديكاليين في هذه النضالات، فئة تقترب بصورة متعاظمة من الحزب وتعمل معه، بغض النظر عن كون هؤلاء الرفاق هم اعضاء رسميين للحزب ام لا. كلما كانت هذه الصلة اوثق، كلما غدى تدخل الحزب اكثر مباشرة واقرب في النضالات دون شك. ولكن تاكيدنا في بحث السياسة التنظيمية على توسع تدخلنا عبر قناة تنظيم وتقوية الفئة الراديكالية للعمال في النضالات الجارية هو امراً ممكناً. هدفنا هو التدخل الواعي لهذه الشبكات والتنفيذ العملي للسياسات المبدئية للحزب وليس استعراض الحزب.

٩- لايزال التنظيم المنفصل شكل عملنا الحزبي في المدن وفي ميدان النشاط العمالي لايتناقض مع بحث سياستنا التنظيمية.

التنظيم المنفصل هو امراً مرتبط بالخلايا وليس شبكات الحلقات. قد يبدو للبعض ان هذا فصل شكلي وحقوقي. لقد قيل انه الشبكات، عملياً، هي مبعث اتصال الخلايا مع بعض. بيد ان هذا الفصل مهم جداً. ان المسالة متعلقة بفهمنا للاتصال. التنظيم المنفصل يعني عدم ارتباط الخلايا في شبكة حزبية. اننا رفضنا ارتباط الخلايا في هذه المرحلة لدواع امنية. ولكن هل نرفض الصداقات والصلات الداخلية للعمال كذلك؟ هل ندعّي ان العمال الشيوعيين اعضاء الحزب ينبغي ان لايلتقوا مع بعض ولايتصلوا ببعض في خضم النضال العمالي، ولايقفون جنب بعض؟ اطلاقاً. ان مثل هذا التصور اهوج، ويناقض مجمل ماتحدثنا عنه حول اليات النضال العمالي.

ان التنظيم المنفصل هو بحث يتعلق بتنظيمات الحزب. اي يعني ان على الخلية الحزبية ان لاتبين لاحد بانها خلية حزبية. ان لاتتصل باي قسم من التنظيمات التي بنفس الصعيد والمستوى. بيد ان عمال في فرع او محلة، وبدون علم بعضهم البعض يقيمون العديد من الخلايا الحزبية وهم جنب بعضهم البعض يومياً. التنظيم المنفصل يعني هذا. تحويل اللقاءات الروتينية والطبيعية للعمال الى اطار للقاءات السياسية للفروع الحزبية. ان ارتباط الشبكات الحلقية هو اتصال واقعي للعمال وليس له ثقل امني يذكر. على الخلايا ان لاتعرف نفسها لبعض ولاتتصل ببعض بوصفها خلايا. بل ان تعقد صلة في اعلى الاحوال بوصفها حلقات ناشطين مؤيدين للحزب داخل الشبكات، وان لاتبين اية معلومات عن مستوى اخر من الصلة بالحزب، ولايعرف احدهم الاخر بوصفه خلية حزبية. وعليه، ان البحث ليس بحقوقي اطلاقاً.

يتعلق البحث بوجوب استناد النشاط الشيوعي داخل الطبقة العاملة والصلات المتبادلة بين الشيوعيين الحزبيين داخل الطبقة الى اليات النضال العمالي نفسه. نحن لانستطيع، لاسباب امنية، وليست لدينا حاجة في هذه المرحلة لان نقيم صلات تنظيمية مابين خلايا الناشطين، صلات تتعدى علاقات طبيعية داخل حلقات العمال الطليعيين. ان العامل المناضل والشيوعي، وبغض النظر عن كونه عضواً في الحزب ام لا، يتمتع مسبقاً بوضع موضوعي بوصفه عامل محتج، وليس بوسع احد ان ينسب اليه اكثر من ذلك، هو بوضع اكثر متانة ورسوخاً. قد يخمن الكثيرون، سواء في داخل الشبكات الحلقية او خارجها على السواء، انه ربما الرفاق الفلانيين لديهم صلة اوثق بالحزب. ولكن مثل هذا التخمين موجود على الكثير من العمال المناضلين الذين هم ليسوا باعضاء حزب. طالما لم يخرج الامر عن نطاق التخمين والشك ولايمكن اثباته، لايعد تهديداً امنياً حاسماً. لاضع جانباً امر وهو ان العمال اجمالاً يتعاملون بصورة اكثر دقة وحساباً مع اسرار من مثل هذه، ويصونوا ناشطيهم. ان تخمين هذا العامل المناضل او ذاك لايتمتع من الناحية الامنية بالدرجة ذاتها مقارنة بصاحب محل تجاه الخلية الطلابية الفلانية لمنظمة غير عمالية. بايجاز، نسعى للقيام بعمل ما بحيث لاتتحول الحزبية الى وزر يكبل ايادي العامل المناضل او يثقل عليه. اذا قام رفاق ما خلية حزبية، ينبغي هذا ان يعزز ويقوي صلتهم بالحزب، وليس تغيير صلتهم بسائر العمال المناضلين والشيوعيين داخل الشبكات او تعريض وضعهم الامني لمخاطر. ان كون اي جمع لرفاقنا في خلية، ينبغي ان يكونوا هم فقط مطلعين على الامر. ينبغي ان ننظم انفسا بشكل على العامل الشيوعي ان لايدفع ثمناً اكثر ممايدفعه الان بوصفه قائداً لاحتجاج عمالي في الاوضاع الكالحة الراهنة. ان التنظيم المنفصل هو شرط تحقيق هذا الهدف. حتى حين تلتقي خلايانا في ميدان النضال العملي او داخل شبكة الحلقات، ينبغي مراعاة مبدء الانفصال، وحتى يدفن تخمين امرء في مكان بعيد من ذهنه. للعمل مع سائر رفاقنا الشيوعيين داخل الحركة العمالية، ليس لخلايانا حاجة لمعرفة كيف هي الصلة التنظيمية لاؤلئك الرفاق في الحزب. المهم هو ان يستطيع رفاقنا ان يشكلوا صفاً واحداً في ميدان النضال، وبوسع شبكات الحلقات العمالية ان تكون اطار هذا الاتحاد والتجاور حتى للخلايا الحزبية. لايخفف نهج التنظيم المنفصل من مكانة بحث السياسة التنظيمية، ليس هذا وحسب، بل ينبغي ان يراعى التنظيم المنفصل بتاكيد اكبر كي نستطيع صيانة مسار التنامي الراهن والحدود العالية لديمومة العمل التي حققناها في سنوات مابعد تاسيس الحزب في ميدان النشاط العمالي.

١٠- جزءاً اخراً من سياستنا التنظيمية هو اعادة النظر بمسالة العضوية العمالية.

طرحنا هذا البحث بصورة مستقلة في الندوة ذاتها، ولهذا لا اتطرق اليه بالتفصيل. اشير فقط الى خطوط عامة للبحث بصورة قصيرة. اذا يُطلق الحزب الشيوعي على افراد يعملون في هيئة حزبية معترف بها، يدفعون بدل الاشتراك، قبلوا ببرنامج الحزب ونظامه الداخلي، ويتمتعون بتزكية شخصين وغيرها، عندها يشمل الحزب مجموعة معينة من الافراد. ولكن اذا وضعنا بنظر الاعتبار ان الحزب الشيوعي هو تيار اجتماعي واسع، بافق وبرنامج وسياسات محددة، ممارسة معينة ومنهمك في صراع سياسي واجتماعي محدد، عندها يكون عدد اعضاء الحزب اكبر بكثير من تلك التي يشملها التعريف السابق. برايي ان هذا التباين بين المدى والحد الحقيقي للحزب والمدى والحد الرسمي للحزب بضررنا الى حد كبير. انه حتى حائل دون سيادة الفكر العمالي والتيار العمالي داخل الحزب. انه عائق امام شفافية الحزب صوب الشيوعية العمالية وعائق امام وضع الحزب ومؤتمراته وهيئاته تحت تاثير التيار العمالي. ينبغي اعطاء رد عملي على هذا التناقض.

ينشد بحث سياستنا التنظيمية عملياً وجوب حسبان العامل الذي يقرن نفسه بالحزب الشيوعي الايراني ويقوم بنشاطه وفق سياسات الحزب الذي يستطيع داخل الحركة العمالية ويجازف كسائر اعضاء الحزب، عضواً في الحزب. ينبغي النظر برايي لهؤلاء الرفاق الذين اعدادهم تفوق كثيرا عدد اعضاء الحزب كاعضاء حزب. وبمعزل عن وجود امكانية لابلاغهم بعضويتهم الرسمية في الحزب او نرغب بذلك ام لا لاسباب مختلفة، علينا اعتبارهم عملياً اعضاء حزب، نشركهم في حياة الحزب بوصفهم اعضاء حزب، ونتطلع منهم كذلك. على اية حال، ومثلما تحدثت في بحث العضوية العمالية، ساعبر بالتفصيل عن اراء لجنة تنظيمات المدن بهذا الخصوص.

ان بحث سياستنا التنظيمية هو استنباط واستنتاج من بحث الشيوعية العمالية. كان من المقرر من هذه السياسة ان تكون وسيلة تمكننا من احداث قفزة اجتماعية مهمة في ايران: قفزة الشيوعية من الذليلية لتاريخ المعارضة البرجوازية والاحتجاج القومي-الاصلاحي الى تاريخ الاحتجاج العمالي وتحويل الشيوعية الى اطار واداة للاحتجاج العمالي. احتجاجاً موجود دوماً بموازاة التحرك القومي-الاصلاحي. ننشد تحويل الشيوعية في ايران الى راية هذا القسم من المجتمع. ان هذه السياسة هي نسخة واسلوب لتحقيق هذا الهدف في ميدان التنظيم والتنظيمات...

في الختام، اذكر مرة اخرى ان هدف بحثنا اليوم هو التوضيح مرة اخرى لمناقشات طرحت قبل ٣ سنوات في جريدة كومونيست في مقال سياستنا التنظيمية. تطرق المقال بالتفصيل والجزئيات الى نقاط تناولتها هنا. وفي المستقبل ايضاً، ينبغي مطالعة ابحاث هذه الندوة بموازاة ذلك المقال. كلي امل ان نتمكن، امتداداً للندوة، من تناول الجوانب المختلفة لسياستنا التنظيمية وبالاخص الجوانب الاكثر عملية وتحديداً لهذه السياسة في خضم تجربة الثلاث سنوات الاخيرة.

منصور حكمت

ترجمة: فارس محمود
تم تقديم الحديث اعلاه في ندوة حزبية من قبل منصور حكمت، وتم نشره لاول مرة في الاعداد ٤٨ و٤٩ من جريدة كومونيست، لسان حال الحزب الشيوعي الايراني في ١٩٨٩. وتمت الترجمة عن النص المنشور في صفحة منصور حكمت hekmat.public-archive.net


Arabic translation: Faris Mahmood
hekmat.public-archive.net #0450ar.html