Status             Fa   Ar   Tu   Ku   En   De   Sv   It   Fr   Sp  

المنظمات الجماهيرية للعمال

حوار جريدة كومونيست (الجريدة المركزية للحزب الشيوعي
الايراني) مع منصور حكمت فيما يخص القرار المقر في الاجتماع
الموسع العاشر للجنة المركزية للحزب*.

كومونيست: في القسم الاول من القرار، اشيرالى ان الطبقة العاملة الايرانية محرومة، تاريخياً، من المنظمات الجماهيرية و العلنية، ما هي اهم اسباب هذا الحرمان؟... لكن السؤال هو مع وجود هذه الاسباب، لماذا من الممكن اقامة تنظيم المجالس بصورة واسعة ومواصلة وجوده وفعاليته بصورة مستديمة؟ هل ان اختلاف التنظيم المجالسي مع نماذج التنظيم الجماهيرية الاخرى بحد يحبط الواقع المعيق الذي قبالها؟ أيتضمن التنظيم المجالسي، بحد ذاته، قابلية اكبر على مقاومة القمع البرجوازي؟

منصور حكمت: اسمح لي، بدءاً، ان اذكر، يجب عدم تصور " الحرمان التاريخي" للطبقة العاملة الايرانية من المنظمات الجماهيرية على انه امراً مطلقاً. ثمة فترات في تاريخ الحركة العمالية الايرانية، مثل فترة ما قبل استبداد رضا شاه، فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية حتى انقلاب ٢٨ مرداد و اخيرا مرحلة ثورة ٧٨- ٧٩، حيث شهدت اقامة و اتساع اشكال مختلفة من المنظمات الجماهيرية للعمال. على اية حال، اذا جعلنا من (٢٠-٣٠) سنة الاخيرة ( اي تجربة الجيل او الجيلين الاخيرين للعمال ) اساساً، سندرك ان ثمة اختلافات جدية على صعيد التنظيم الجماهيري لعمال ايران مع سائر البلدان، لا على صعيد البلدان الراسمالية الاكثر تقدما فحسب، بل على صعيد الكثير من البلدان الخاضعة للسيطرة الامبريالية.

ان لهذه الوضعية اسباب متعددة يمكن تناولها على مستويات مختلفة. ان اول العوامل التي تراود الذهن هي: اولاً، التغيير السريع في تركيبة الطبقة العاملة بعد الاصلاحات الزراعية في عقد الستينات وولوج قسم كبير من السكان الفلاحين الى ميدان العمل الماجور في المدن، كذلك تشديد حدة المنافسة داخل الطبقة العاملة ( منافسة انخفضت فقط في منتصف السبعينات مع تنامي مردودية النفط و تعاظم مستوى التشغيل ) الذي ترك تاثيره على مستوى الوعي الطبقي للطبقة العاملة الايرانية. لقد كانت تجربة النضالات النقابية مقتصرة على اصناف وحرف معينة مثل النسيج، الطباعة و غيرها والتي فقدت في الستينات والسبعينات مكانتها في الانتاج من جهة و بدرجة اكبرفي تشغيل العمال من جهة اخرى. تنامى جيل جديد من العمال الاجراء الايرانيين بموازاة ظهور الصناعات الجديدة و التكنلوجيا المختلفة و الاقسام الانتاجية الجديدة. لقد اضعفت التقاليد التنظيمية القائمة للعقود المنصرمة، والتي كانت اساساً غير قوية وغير دائمية. ولجت الميدان طبقة عاملة فتية لم يترعرع القسم الاعظم منها في تقليد النضال العمالي المنظم، ولم تتلقى تاثيرات جدية من تاريخ النضال العمالي المنظم.

هناك عامل اخر، وجود، بصورة واعية الى حد ما، قمع سياسي شديد وحكم انظمة قمعية بوليسية في ايران في القرن العشرين والتي تقلص مداها فقط في مراحل معينة، اوضاع الازمة السياسية. لقد جوبهت مساعي الحركة العمالية في ايران من اجل التنظيم وديمومة التنظيم دوما باكثر اشكال القمع البوليسي وتعرض القادة و الفعاليين العماليين الى اشد الملاحقات البوليسية.

ان هذه هي عوامل عامة جعلت من اقامة المنظمات العمالية في ايران امراً صعباً. بيد ان حتى ذكر هذه الاسباب لا يجيب بصورة صحيحة على هذه المسألة. بوسع السؤال ان يكون كالتالي: لماذا لم تتمكن الحركة العمالية من التغلب على هذه المحدوديات؟ يجب الحديث هنا بصورة اكثر تحديدا عن "المنظمات الجماهيريية" وان هذا ذا صلة بالقسم الثاني من سؤالك. تذكر هناك ان المجلس و النقابة بوصفهما "نماذج" من التنظيم الجماهيري. في الواقع، ان المجلس، النقابة، اللجان المعملية وغيرها ليست "نماذج" للتنظيم الجماهيري صرفا، كما لو انها نماذج للرد على ضرورة واحدة وان العمال مخيرون في اختيار هذا "النموذج" او ذاك. ان النقابة و المجالس بدائل حركات اجتماعية مختلفة و تيارات مختلفة داخل الحركة الطبقية. بعبارة اخرى، يجب عدم تصورهما على انهما طروحات و نماذج تنظيمية مجردة، بمعزل عن الزمان والمكان، وبدون خلفية و محتوى اجتماعي و تاريخ محدد.

ان الحركة النقابية و الحركة المجالسية و كذلك حركة اللجان المعملية وغيرها حركات متمايزة داخل الطبقة العاملة. حركات تمثل محتوى سياسي و افق عملي مختلف، وحتى ان نفوذها في القطاعات المختلفة للطبقة العاملة ليس واحداً. وعليه، ينبغي طرح هذا السؤال بصورة اكثر ملموسية وتحديداً. ماذا كانت علة عدم نجاح الحركة النقابية في ايران؟ او لماذا لم تلبي الحركة المجالسية تحديداً المتطلبات التنظيمية الجماهيرية للعمال؟

لهذا، ينبغي هنا الذهاب ابعد من بحث العوائق والمصاعب العامة و تناول دينامية نفس حركة هذه الحركات المعينة و مشكلاتها في ايران.

لو ننظر للمسالة وفق هذه الطريقة، يلفت انتباهنا فوراً ان الحركات الواقعية للتنظيم الجماهيري للعمال هي حركات اوسع لا تطرح بديلها تجاه التنظيم العمالي، بل ارتباطا بمجمل الاوضاع الاقتصادية و السياسية في المجتمع. ان الحركة النقابية ام الحركة المجالسية هما اجزاء حركات اوسع لتغيير مجمل المجتمع صوب جهة خاصة. ان التصور التقليدي الساذج الذي لدى اليسار ينبغي احالته جانبا والذي مفاده ان الاحزاب السياسية تمثل النضال السياسي الواعي و الهادف و ان المنظمات الجماهيرية تعكس التفاعل "العفوي" للعمال من اجل تحسين اوضاعهم.

في واقع الحال ان النقابية و الحركة النقابية وبقدر كونها، في خطواتها الاولى في القرن المنصرم، حركة "عفوية" (وحتى انذاك ايضاً لم تكن كذلك)، انها، ولعقود، جزء لا ينفك من خط اجتماعي عام، اي الاصلاحية و الاشتراكية الديمقراطية. ان النقابية هي بديل محدد للاصلاحية و الاشتراكية الديمقراطية بوصفه تيار سياسي و طبقي محدد و معرف لتنظيم العمال. انه بديل يتخطى بعيدا النطاق العمالي و تشكيل النقابات. اذ بموازة ذلك، يطرح افق معين حول شكل مجمل الدولة، اشكال و اساليب اتخاذ القرار الاقتصادي و حتى نظريات و برامج العمل الاقتصادية المحددة كذلك. لو انك انتزعت سائر اجزاء هذا البديل الاجتماعي الاصلاحي و الاشتراكي الديمقراطي، عندها لا يكون للنقابة بذاتها امكانية التحول الى حركة اجتماعية واسعة. ان الحركة النقابية هي الساعد العمالي لحركة سياسية واجتماعية تستلزم اجزاء اخرى مثل قادة و احزاب سياسية، بدائل اقتصادية لمجمل المجتمع و منظومتها الادارية الخاصة بها و غير ذلك ايضاً. ان علة حرمان العامل الايراني من النقابة لا يتمثل بعدم سماح البرجوازية بذلك فحسب، بل تكمن اساساً في ان الاصلاحبة في ايران، وعلى الاقل بعد ٢٨ مرداد، بلغت نهاية مرحلة حاسمة من حياتها، و بعد هذا، لم تشغل اي مكانة جدية في الساحة السياسية لايران.

فيما يخص الحركة المجالسية ايضاً، تصح المسالة ذاتها. انها ليست نموذج فحسب، بل بديل تيار اجتماعي خاص وتيار خاص داخل الطبقة العاملة للتنظيم العمالي. ان المجالس، وان كانت تاريخيا، مبعث اهتمام الفوضوية، بيد انها اقترنت و بصورة متعاظمة و منذ امد بالشيوعية. ان تجارب مثل كومونة باريس و ثورة اكتوبر لحمت فكرة المجالس و التنظيم المجالسي للعمال بنظرية الشيوعية والسياسة الشيوعية. و لهذا، فان الحركة المجالسية ايضا هي جزء من حركة اجتماعية متمايزة لها افقها السياسي والاقتصادي و الاداري الخاص. ان اوضاع الحركة المجالسية ايضا مرتبطة باوضاع الشيوعية في ايران على وجه الدقة. ان يكون قد تغلبت، في ثورة ٧٧-٧٩، فكرة المجالس على فكرة النقابات داخل الطبقة العاملة، فان ذلك انعكاس ضعف الاصلاحية و الاشتراكية الديمقراطية و انعدام ارضيتها والغلبة العامة للافكار العاملة الشيوعية و السياسة الراديكالية بين العمال (في اوضاع ثورية). ان عدم تمكن هذه الحركة المجالسية من الحصول على تلك القدرة و التوسع اللازم ناجم عن المحدوديات الفكرية و العملية الخاصة للشيوعية في ايران في تلك المرحلة المعينة.

خلاصة القول ان بحث المجلس و النقابة هو ليس بحث حول اختيار احد " نماذج " التنظيم الجماهيري العمالي. ان هذا انعكاس صراع بدائل ميلين اساسيين داخل الطبقة العاملة، الميل الشيوعي والراديكالي والميل الاصلاحي و الاشتراكي الديمقراطي.

ان كانت المجالس (مقارنة بالنقابات) تتمتع، براينا، بارضية مادية اكثر ملائمة لاقامتها والتطور في ايران، فان ذلك لا يعود صرفا الى مبرر ملائمة نموذجها التنظيمي، بل ان نفس الكفاءة الاعظم ناجم عن تفوق الميول الراديكالية بين العمال الطليعيين و القادة العمليين و قوة الارضية المادية لنفوذ السياسة الشيوعية داخل حركة الطبقة العاملة مقارنة بالسياسات الاشتراكية الديمقراطية والاصلاحية. ان هذا ليس ادعائنا نحن فقط. ان تجربة ثورة ٧٧-٧٩، اسلوب عمل العمال الطليعيين، اوضاع و حال الحركات النقابية مقارنة بالحركات المجالسية و كذلك الدور المتنامي اليوم للتجمعات العمالية العامة في النضال الجاري للعمال كلها دلائل هذه المسالة.

اود ان اذكر ان هذا لا يعني ان الشيوعيين لا يقرون بمكانة ما للنقابات في سياساتهم، ان لا يكونوا فعالي الحركة النقابية او لم يكونوا تاريخيا كذلك. يتمثل مجمل بحثي بان الشيوعيين نظروا الى النقابات بوصفها واقع موضوعي في الحركة العمالية، بوصفها حصيلة عمل التيارات الاجتماعية غيرالشيوعية بين العمال واقروا بوجودها. استنادا الى الدواعي ذاتها، نجد دوما في الادبيات الشيوعية "اسلوب تعامل" الشيوعيين مع الحركة النقابية و قليلا ما نجد سبيل تسيير حركات نقابية من قبل الشيوعيين. ( ان تجربة النقابات الحمر للكومنترن هي، على وجه الدقة، سعي صوب بناء بديل راديكالي امام النزعة النقابية القائمة فعلا والتي هي تحت تاثير الاشتراكية الديمقراطية).

يتمثل البحث في النقابية ليست البديل الخاص للشيوعية في تنظيم العمال. ان البديل الخاص للشيوعية هو الحركة المجالسية. على اية حال، ان الشيوعيين يواجهون، في حالات كثيرة تحت اوضاع اجتماعية معينة، بمهمة المشاركة الفعالة في النقابات العمالية او حتى السعي صوب انشاء النقابات. كان الشيوعون دوما عناصر فعالة في النقابات، بيد ان تاريخ الحركة العمالية يبين انه كلما غدت السياسة الشيوعية السياسة السائدة على الحركة العمالية، رفعت المجالس راسها وتوسعت.

ان دفاعنا عن المجالس ليس نابعا، صرفا، من ان هذا النموذج يتمتع بفرصة اكبر على التطبيق او يقاوم، بصورة افضل، القمع البرجوازي. حتى وان لم يكن كذلك، علينا ان نعمل شيئا ما لجعله كذلك. اننا نمضي، بوصفنا شيوعيين، لطرح مرة اخرى بديل حركتنا لتنظيم طبقتنا. نقول مرة اخرى لان تاريخ الحركة العمالية كان، دوما، ميدان تجابه البديل الشيوعي والاصلاحي في ميدان التنظيم و العمل العمالي. ان تكون النقابات في البلدان الراسمالية المتقدمة قد غدت اشكال اكثر ديمومة لتوحيد العمال (وبالطبع، بافاق النقابات ومحدودياتها)، فان ذلك لا يعود الى كون العمال قد سبروا غور هذه "النماذج" و شخصوا ان النقابات اكثر ملائمة لهم، بل يعود ذلك الى تراجع السياسة الراديكالية عموما امام السياسة الاصلاحية نظرا لاستقرار الراسمالية بعد الحرب العالمية الثانية، دعم الجناح اليساري البرجوازي في هذه البلدان للاصلاحية ووصول الاحزاب الاشتراكية الديمقراطية في بلدان اوروبا، و بصورة متناوبة، للسلطة. اننا نرى، وبصورة افضل، هذا الصراع بين كلا الخطين العامين في الاوضاع الثورية و المتازمة. بعد ثورة اكتوبر، اشتد صراع النقابات مع المجالس و اللجان المعملية. كما نرى اليوم ايضا كيف ان السعي، مع عجز الحركة النقابية في اوروبا الغربية، نحو انشاء بدائل عمالية لتنظيم الجماهير خارج اطر النقابات قد اشتد.

اننا نطرح بديلنا الخاص مرة اخرى، دون ان ندير ظهرنا للحركة النقابية(ان وجدت) او ننكر ضرورتها (نظرا للاوضاع الراهنة لعمال ايران). من المؤكد انه لو كان للنقابات، حتى لو كانت اصلاحية ايضاً، وجود في ايران اليوم، فان ذلك يعد نقطة قوة للطبقة العاملة الايرانية. من المؤكد ان الشيوعيين تدخلوا وبشكل واسع في هذه النقابات، ومن المؤكد ايضا ان اوضاع العمال غدت افضل. ولكن تكمن مجمل هذه المسالة في " لو". ان الحركة النقابية في ايران لهي ابعد من الحركة المجالسية من حيث التحول الى وجود مادي. ليس ثمة مبرر في مثل هذه الاوضاع ان لا يطرح العامل الاشتراكي الراديكالي بديله بصورة مباشرة. بديل، وبسبب الاوضاع الخاصة في ايران والتي ذكرناها في القرار، فان حتى اقبال العمال العام عليه اكثر وتوفرت الان مادة كبيرة لارسائه ايضا. اننا نقول ان المجالس تطرح انماط اكثر طبقية لتنظيم العمال، تبين بشكل افضل الارادة المباشرة للعمال، تخلق اتحاد اعمق، لا تعمق من الانقسامات المهنية و الصنفية بين العمال، توفر فرصة اقل لنفوذ السياسة البرجوازية، اطار افضل لاعلان الراديكالية العمالية، كانت تاريخيا مادة تبليغ الشيوعيين، في ايران تتمتع بارضية مادية مناسبة للتطور و غيرها. طبقا لذلك، اعتبر نفسي فعال الحركة المجالسية و ادعوا العمال صوب تشكيل المجالس.

التتمة في العدد القادم

ترجمة: فارس محمود


 
* لقد تم نشرالقرار المذكوراعلاه في العدد ٩٧ من جريدة الشيوعية العمالية. (المترجم)


hekmat.public-archive.net #2460ar.html